لعل المهتمين والدارسين لكتابات المفكر والأديب المغربي عبد الكبير الخطيبي، يعرفون جيدا أنه من الصعب تصنيفه في مجال معرفي معين، فهو عالم اجتماع وأنتربولوجي وروائي وشاعر وناقد أدبي وناقد فني وكاتب مسرحي وسيميائي. يقول المفكر عبد السلام بنعبد العالي:
"ربما يتعذر الحديث عن عبد الكبير الخطيبي و"القبض" عليه. فهو من الكتاب الذين يصعب تصنيفهم. وربما لا يرجع ذلك لتعدد اهتماماته فحسب، وإنما بالأولى للتعدد الذي يطبع كل اهتمام من اهتماماته. فهو يتموقع دائما بين - بين. وهذه البيْنية تكاد تطبع جميع أعماله. وقد عبر عنها ربما أحسن تعبير في المحاضرة التي كان ألقاها سنة 1978 بكلية الآداب في الرباط، والتي نشرت في مجلة أقلام المغربية، حيث قال: "حقاً، يكون المحاضر غربياً وشرقياً في مسألة المغرب. لماذا؟ لأن وجود المغرب هو بين الغرب والشرق، بين المغرب والمشرق، بين التاريخ وما قبل التاريخ، بين الميتافيزيقا وما يناقضها، بين العرب والبربر، بين الدين والسحر، بين القبيلة والإقطاعية من جهة، والرأسمالية من جهة أخرى، بين -بين". من هنا تلك الدعوة الملحاحة إلى "نقد مزدوج" يضع نفسه بين عدة "تخصصات"، وينهج طرقاً متعددة تجد التعبير عنها في كتابة متنوعة الواجهات.
ومن أجل محاولة ملامسة المشروع الفكري والأدبي الغني للأديب والمفكر الفذ عبد الكبير الخطيبي (12 فبراير1938-16 مارس 2009)، صدر في شهر يناير من سنة 2017 عن منشورات "مقاربات"، مؤلف جماعي تحت عنوان: "الكتابة والتجربة: حول مشروع الخطيبي الفكري والأدبي". والمؤلف من إشراف وتقديم الباحث المغربي مراد الخطيبي. وأنجز لوحة الغلاف الفنان المبدع عبدالله الهيطوط. أما الغلاف فقد قام بتصميمه الفنان التشكيلي المميز عزيز أزغاي.
ويضم الكتاب واجهتين، واجهة تحتوي على دراسات باللغة العربية وواجهة أخرى تشمل مقالات باللغتين الفرنسية والإنكليزية.
بخصوص المقالات والدراسات باللغة العربية، ساهم الباحث عبد السلام بنعبد العالي بدراسة رصينة تحت عنوان: "الخطيبي بصيغة الجمع". وللعلم، فعبد السلام بنعبد العالي يعتبر من بين أهم الأعلام الفكرية والفلسفية التي يعترف عبد الكبير الخطيبي بقيمتها الفكرية والعلمية الرصينة. وهو مفكر يكن الكثير من التقدير لمشروع الخطيبي الفكري وقد ترجم له عدة كتابات بالإضافة إلى أعمال فكرية حول كتاباته من بينها: "نحو فكر مغاير" ، مؤلف صدر مع أحد أعداد مجلة "الدوحة" الثقافية الشهرية ويتضمن مجموعة من المقالات والدراسات الفكرية لعبد الكبير الخطيبي قام بترجمتها عبد السلام بنعبد العالي.
أما الباحث محمد معطسم فركز في مقاله الموسوم "الفلسفة تأتي في الصباح" على علاقة الخطيبي بالفلسفة. الخطيبي لا يعتبر نفسه فيلسوفاً بالمعنى الأكاديمي، لكن الباحث محمد معطسم له مبرراته حيث يقول: "اختار "الفيلسوف" عبد الكبير الخطيبي أن يقيم فكره على هامش الفلسفة، فهولا يرى نفسه فيلسوفا، ولم يرفع أبدا راية الفلسفة، على غرار مواطنه عبدالله العروي. ومن يجرؤ اليوم على القول بأنه فيلسوف؟ كما يتساءل مستنكرا هذا التاريخاني الواقعي والقنوع. إلا أنه وعلى الرغم من إقامته على هامش الفلسفة، ورفضه للنسقية في تفكيره، يبقى قارئا جهبذا للإنتاج الفلسفي، قديمه ومعاصره؛ ويثبت ذاته مناظرا نحريرا للفلاسفة، بمفاهيم وأدوات فلسفية (سارتر، العروي، جاك بيرك، دريدا..)، بل صانعا للمفاهيم ومبدعها (النقد المزدوج، الهوية العمياء، التحاب، فكر المغايرة...) ولكن ألم تكن الفلسفة، في تعريفها، إلا إبداعا للمفاهيم حسب الفيلسوف جيل دولوز؟".
عبد الكبير الخطيبي الحاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية استفاد من السيميائيات كثيرا واستطاع بواسطتها النبش في مكونات الثقافة الشعبية المهمشة مثل الوشم والزربية والأمثال الشعبية والجسد وغيرها. ويشكل هذا المحور أساس مقال الأكاديمي المميز عبد اللطيف محفوظ حيث ركز في دراسته على الأدلة الشعبية كما يحللها عبد الكبير الخطيبي. ويحاول هذا المقال كما يقول عبد اللطيف محفوظ إظهار شكل تفكير عبد الكبير الخطيبي بأهم أجناس التعبير الشعبي الأيقوني منه (الوشم) أو اللفظي (المثل)، وذلك انطلاقا من خلفية سيميائية ذريعية تقوم على إدراك الأدلة (العلامات) في ذاتها، وفي علاقاتها بمختف السياقات المناسبة لها، والتي تدمج إضافة إلى قصديات الذات كل الأنظمة الموسطة لفعل الإدراك المحايث والمتعالي، وقد عمل المقال، في آن، على إبراز الجوانب الموضوعية التي تتصل بتحيين المتعاليات المتحكمة في تمثل الخطيبي للأدلة الشعبية، وعلى إبراز الجوانب الذاتية المتمثلة في مقصديات الكاتب، والتي تنتج فرادة قراءته المدهشة. وكل ذلك من أجل إظهار عمق تلك الأدلة المترسب في صلب الثقافة العالمة ببعديها الرمزي والواقعي. كما يعمل المقال على نقد تمثل وتمثيل الخطيبي من خلال كشف السيرورة الذهنية المحايثة التي تُستنتج من خلال التحليل.
أما موضوع علاقة الخطيبي بالفن فيشكل محور مساهمة الكاتب والناقد الدكتور محمد آيت لعميم.
أما الباحث والكاتب موليم لعروسي فيقدم شهادة في حق الخطيبي الإنسان والأكاديمي، وهي في نفس الوقت دراسة تحليلية لفكر الخطيبي، خاصة تصوره الرائد حول التراث.
نعلم جيدا أن الخطيبي بدأ تجربته الإبداعية بكتابة الشعر باللغة العربية، وهو لا يزال تلميذاً، فتأثر خاصة بشعراء مثل المعري والمتنبي وبودلير وجبران وغيرهم. وكان أول ديوان شعري صدر للخطيبي هو "المناضل الطبقي على الطريقة الطاوية" والذي ترجمه الشاعر والمترجم العراقي كاظم جهاد. حول هذا الديوان تأتي مساهمة نقدية للشاعر والناقد محمد بودويك.
مسار عبد الكبير الخطيبي الحافل بالعطاء على المستوى الفكري والأدبي والإنساني جعله ينتج مؤلفا يرصد سيرته الفكرية تحت عنوان :"الناسخ وظله" Le scribe et son ombre . وقد أصدره سنة 2008 أي قبل شهور قليلة من رحيله الجسدي. وفي هذا الصدد تأتي مساهمة مراد الخطيبي لتسليط الضوء على هذا المؤلف الفريد من نوعه.
الباحث نور الدين محقق يتناول أحد المفاهيم التي استعملها دريدا وأيضا الخطيبي، وهي: التفكيك. وسيعرج كاتب المقال على بعض المحطات التي طبعت فكر الخطيبي وتجربة الكتابة لديه.
أما الفيلسوف الأميركي صمويل فييبر فقد ساهم بمقال تحت عنوان: "التحاب والتعددية المفردة" وهو مقال كتب في الأصل باللغة الإنكليزية وقد قام بترجمته إلى اللغة العربية مراد الخطيبي. هذا المقال يبرز أهم العوالم الفكرية التي تسكن الخطيبي ويشير كذلك إلى قدرة الخطيبي على إعادة اكتشاف وبلورة مفاهيم مثل: "التحاب Aimance". يقول صمويل فييبر: "ليس التحاب مرادفاً فقط للحب، كما المحبة بالنسبة إلى الحب. الحب يمكن اعتباره شيئاً خارجاً عن الزمن ـ جوهر نقي ـ بينما المحبة توجد دائماً في الزمان والمكان، دائماً قائمة ودائماً مفتوحة، وبلا مبدأ داخلي للغلق بشكل يرتقي بها إلى مكانة الجوهر الخارج عن مفهوم الزمن. لهذا كانت الكتابة مهمة جداً عند الخطيبي، وكانت طريقته في الانخراط في العالم بتفرّده: بعبارة أخرى لف زمنها ومكانها مع زمنه ومكانه".
بالإضافة إلى النسخة العربية، تشمل الدفة الثانية للكتاب مقالات ودراسات بالإنكليزية والفرنسية. فمثلا الباحثة الأميركية أوليفيا هاريسون Olivia C. Harrison تتناول في دراستها المكتوبة باللغة الفرنسية تصور الخطيبي لفلسطين باعتبارها أفقاً للتفكير. وتبني فرضيات بحثها من منطلق أن الخطيبي يعتبر من أهم المفكرين المعاصرين ومن أهم رموز مجلة "أنفاس Souffles" التي شكلت فلسطين منذ البداية أهم قضاياها الفكرية والإبداعية بالإضافة إلى انخراطها في مشروع تخليص الثقافة من النزعة الاستعمارية مع ثلة من المثقفين المميزين من بينهم عبد اللطيف اللعبي.
يساهم جوشوا صبيح وهو باحث أكاديمي بجامعة كوبنهاغن في الدنمارك بدراسة باللغة الإنكليزية حول علاقة الخطيبي بفكر الاختلاف عند هايدغر وفوكو ودريدا، وذلك من خلال استخدامه لمفهوم "النقد المزدوج" بغية تحليل مسألة "الأصل" بمعانيها الدينية والإبستمولوجية والوجودية.
تعتبر إشكالية الهوية من أهم السمات التي تميز المشروع الفكري للخطيبي. وفي هذا الشأن، تحاول مساهمة مراد الخطيبي باللغة الإنكليزية التطرق إلى هذا الموضوع من خلال اتخاذ "الذاكرة الموشومة" (1971) للخطيبي موضوعا للدراسة باعتبارها أول عمل روائي يصدره الخطيبي. ولامست هذه الدراسة أهم تمظهرات "الأنا" و"الآخر" مستعملة منهج "النقد المزدوج" الذي ابتكره عبد الكبير الخطيبي، وهو منهج يتأسس حول مهمتين أساسيتين: أولاهما تفكيك الميتافيزيقا العربية والإسلامية، وثانيهما نقد الميتافيزيقا والفكر الغربيين. أظهرت الدراسة أن "الأنا" و"الآخر" يحملان سمات وخصائص متباينة، البعض منها إيجابي والآخر سلبي.
أما الباحثة مريم البقالي فتركز في دراستها على رواية عبد الكبير الخطيبي الموسومة بـ"صيف في استوكهولم" وهي رواية لم تنل حقها من الدراسة والنقد، كما نالته روايته "الذاكرة الموشومة". وتتناول الباحثة في هذه الدراسة عنصرا جمالياً وفكرياً مهماً في كتابات الخطيبي عموماً ألا وهو مفهوم الذاكرة.
"ربما يتعذر الحديث عن عبد الكبير الخطيبي و"القبض" عليه. فهو من الكتاب الذين يصعب تصنيفهم. وربما لا يرجع ذلك لتعدد اهتماماته فحسب، وإنما بالأولى للتعدد الذي يطبع كل اهتمام من اهتماماته. فهو يتموقع دائما بين - بين. وهذه البيْنية تكاد تطبع جميع أعماله. وقد عبر عنها ربما أحسن تعبير في المحاضرة التي كان ألقاها سنة 1978 بكلية الآداب في الرباط، والتي نشرت في مجلة أقلام المغربية، حيث قال: "حقاً، يكون المحاضر غربياً وشرقياً في مسألة المغرب. لماذا؟ لأن وجود المغرب هو بين الغرب والشرق، بين المغرب والمشرق، بين التاريخ وما قبل التاريخ، بين الميتافيزيقا وما يناقضها، بين العرب والبربر، بين الدين والسحر، بين القبيلة والإقطاعية من جهة، والرأسمالية من جهة أخرى، بين -بين". من هنا تلك الدعوة الملحاحة إلى "نقد مزدوج" يضع نفسه بين عدة "تخصصات"، وينهج طرقاً متعددة تجد التعبير عنها في كتابة متنوعة الواجهات.
ومن أجل محاولة ملامسة المشروع الفكري والأدبي الغني للأديب والمفكر الفذ عبد الكبير الخطيبي (12 فبراير1938-16 مارس 2009)، صدر في شهر يناير من سنة 2017 عن منشورات "مقاربات"، مؤلف جماعي تحت عنوان: "الكتابة والتجربة: حول مشروع الخطيبي الفكري والأدبي". والمؤلف من إشراف وتقديم الباحث المغربي مراد الخطيبي. وأنجز لوحة الغلاف الفنان المبدع عبدالله الهيطوط. أما الغلاف فقد قام بتصميمه الفنان التشكيلي المميز عزيز أزغاي.
ويضم الكتاب واجهتين، واجهة تحتوي على دراسات باللغة العربية وواجهة أخرى تشمل مقالات باللغتين الفرنسية والإنكليزية.
بخصوص المقالات والدراسات باللغة العربية، ساهم الباحث عبد السلام بنعبد العالي بدراسة رصينة تحت عنوان: "الخطيبي بصيغة الجمع". وللعلم، فعبد السلام بنعبد العالي يعتبر من بين أهم الأعلام الفكرية والفلسفية التي يعترف عبد الكبير الخطيبي بقيمتها الفكرية والعلمية الرصينة. وهو مفكر يكن الكثير من التقدير لمشروع الخطيبي الفكري وقد ترجم له عدة كتابات بالإضافة إلى أعمال فكرية حول كتاباته من بينها: "نحو فكر مغاير" ، مؤلف صدر مع أحد أعداد مجلة "الدوحة" الثقافية الشهرية ويتضمن مجموعة من المقالات والدراسات الفكرية لعبد الكبير الخطيبي قام بترجمتها عبد السلام بنعبد العالي.
أما الباحث محمد معطسم فركز في مقاله الموسوم "الفلسفة تأتي في الصباح" على علاقة الخطيبي بالفلسفة. الخطيبي لا يعتبر نفسه فيلسوفاً بالمعنى الأكاديمي، لكن الباحث محمد معطسم له مبرراته حيث يقول: "اختار "الفيلسوف" عبد الكبير الخطيبي أن يقيم فكره على هامش الفلسفة، فهولا يرى نفسه فيلسوفا، ولم يرفع أبدا راية الفلسفة، على غرار مواطنه عبدالله العروي. ومن يجرؤ اليوم على القول بأنه فيلسوف؟ كما يتساءل مستنكرا هذا التاريخاني الواقعي والقنوع. إلا أنه وعلى الرغم من إقامته على هامش الفلسفة، ورفضه للنسقية في تفكيره، يبقى قارئا جهبذا للإنتاج الفلسفي، قديمه ومعاصره؛ ويثبت ذاته مناظرا نحريرا للفلاسفة، بمفاهيم وأدوات فلسفية (سارتر، العروي، جاك بيرك، دريدا..)، بل صانعا للمفاهيم ومبدعها (النقد المزدوج، الهوية العمياء، التحاب، فكر المغايرة...) ولكن ألم تكن الفلسفة، في تعريفها، إلا إبداعا للمفاهيم حسب الفيلسوف جيل دولوز؟".
عبد الكبير الخطيبي الحاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية استفاد من السيميائيات كثيرا واستطاع بواسطتها النبش في مكونات الثقافة الشعبية المهمشة مثل الوشم والزربية والأمثال الشعبية والجسد وغيرها. ويشكل هذا المحور أساس مقال الأكاديمي المميز عبد اللطيف محفوظ حيث ركز في دراسته على الأدلة الشعبية كما يحللها عبد الكبير الخطيبي. ويحاول هذا المقال كما يقول عبد اللطيف محفوظ إظهار شكل تفكير عبد الكبير الخطيبي بأهم أجناس التعبير الشعبي الأيقوني منه (الوشم) أو اللفظي (المثل)، وذلك انطلاقا من خلفية سيميائية ذريعية تقوم على إدراك الأدلة (العلامات) في ذاتها، وفي علاقاتها بمختف السياقات المناسبة لها، والتي تدمج إضافة إلى قصديات الذات كل الأنظمة الموسطة لفعل الإدراك المحايث والمتعالي، وقد عمل المقال، في آن، على إبراز الجوانب الموضوعية التي تتصل بتحيين المتعاليات المتحكمة في تمثل الخطيبي للأدلة الشعبية، وعلى إبراز الجوانب الذاتية المتمثلة في مقصديات الكاتب، والتي تنتج فرادة قراءته المدهشة. وكل ذلك من أجل إظهار عمق تلك الأدلة المترسب في صلب الثقافة العالمة ببعديها الرمزي والواقعي. كما يعمل المقال على نقد تمثل وتمثيل الخطيبي من خلال كشف السيرورة الذهنية المحايثة التي تُستنتج من خلال التحليل.
أما موضوع علاقة الخطيبي بالفن فيشكل محور مساهمة الكاتب والناقد الدكتور محمد آيت لعميم.
أما الباحث والكاتب موليم لعروسي فيقدم شهادة في حق الخطيبي الإنسان والأكاديمي، وهي في نفس الوقت دراسة تحليلية لفكر الخطيبي، خاصة تصوره الرائد حول التراث.
نعلم جيدا أن الخطيبي بدأ تجربته الإبداعية بكتابة الشعر باللغة العربية، وهو لا يزال تلميذاً، فتأثر خاصة بشعراء مثل المعري والمتنبي وبودلير وجبران وغيرهم. وكان أول ديوان شعري صدر للخطيبي هو "المناضل الطبقي على الطريقة الطاوية" والذي ترجمه الشاعر والمترجم العراقي كاظم جهاد. حول هذا الديوان تأتي مساهمة نقدية للشاعر والناقد محمد بودويك.
مسار عبد الكبير الخطيبي الحافل بالعطاء على المستوى الفكري والأدبي والإنساني جعله ينتج مؤلفا يرصد سيرته الفكرية تحت عنوان :"الناسخ وظله" Le scribe et son ombre . وقد أصدره سنة 2008 أي قبل شهور قليلة من رحيله الجسدي. وفي هذا الصدد تأتي مساهمة مراد الخطيبي لتسليط الضوء على هذا المؤلف الفريد من نوعه.
الباحث نور الدين محقق يتناول أحد المفاهيم التي استعملها دريدا وأيضا الخطيبي، وهي: التفكيك. وسيعرج كاتب المقال على بعض المحطات التي طبعت فكر الخطيبي وتجربة الكتابة لديه.
أما الفيلسوف الأميركي صمويل فييبر فقد ساهم بمقال تحت عنوان: "التحاب والتعددية المفردة" وهو مقال كتب في الأصل باللغة الإنكليزية وقد قام بترجمته إلى اللغة العربية مراد الخطيبي. هذا المقال يبرز أهم العوالم الفكرية التي تسكن الخطيبي ويشير كذلك إلى قدرة الخطيبي على إعادة اكتشاف وبلورة مفاهيم مثل: "التحاب Aimance". يقول صمويل فييبر: "ليس التحاب مرادفاً فقط للحب، كما المحبة بالنسبة إلى الحب. الحب يمكن اعتباره شيئاً خارجاً عن الزمن ـ جوهر نقي ـ بينما المحبة توجد دائماً في الزمان والمكان، دائماً قائمة ودائماً مفتوحة، وبلا مبدأ داخلي للغلق بشكل يرتقي بها إلى مكانة الجوهر الخارج عن مفهوم الزمن. لهذا كانت الكتابة مهمة جداً عند الخطيبي، وكانت طريقته في الانخراط في العالم بتفرّده: بعبارة أخرى لف زمنها ومكانها مع زمنه ومكانه".
بالإضافة إلى النسخة العربية، تشمل الدفة الثانية للكتاب مقالات ودراسات بالإنكليزية والفرنسية. فمثلا الباحثة الأميركية أوليفيا هاريسون Olivia C. Harrison تتناول في دراستها المكتوبة باللغة الفرنسية تصور الخطيبي لفلسطين باعتبارها أفقاً للتفكير. وتبني فرضيات بحثها من منطلق أن الخطيبي يعتبر من أهم المفكرين المعاصرين ومن أهم رموز مجلة "أنفاس Souffles" التي شكلت فلسطين منذ البداية أهم قضاياها الفكرية والإبداعية بالإضافة إلى انخراطها في مشروع تخليص الثقافة من النزعة الاستعمارية مع ثلة من المثقفين المميزين من بينهم عبد اللطيف اللعبي.
يساهم جوشوا صبيح وهو باحث أكاديمي بجامعة كوبنهاغن في الدنمارك بدراسة باللغة الإنكليزية حول علاقة الخطيبي بفكر الاختلاف عند هايدغر وفوكو ودريدا، وذلك من خلال استخدامه لمفهوم "النقد المزدوج" بغية تحليل مسألة "الأصل" بمعانيها الدينية والإبستمولوجية والوجودية.
تعتبر إشكالية الهوية من أهم السمات التي تميز المشروع الفكري للخطيبي. وفي هذا الشأن، تحاول مساهمة مراد الخطيبي باللغة الإنكليزية التطرق إلى هذا الموضوع من خلال اتخاذ "الذاكرة الموشومة" (1971) للخطيبي موضوعا للدراسة باعتبارها أول عمل روائي يصدره الخطيبي. ولامست هذه الدراسة أهم تمظهرات "الأنا" و"الآخر" مستعملة منهج "النقد المزدوج" الذي ابتكره عبد الكبير الخطيبي، وهو منهج يتأسس حول مهمتين أساسيتين: أولاهما تفكيك الميتافيزيقا العربية والإسلامية، وثانيهما نقد الميتافيزيقا والفكر الغربيين. أظهرت الدراسة أن "الأنا" و"الآخر" يحملان سمات وخصائص متباينة، البعض منها إيجابي والآخر سلبي.
أما الباحثة مريم البقالي فتركز في دراستها على رواية عبد الكبير الخطيبي الموسومة بـ"صيف في استوكهولم" وهي رواية لم تنل حقها من الدراسة والنقد، كما نالته روايته "الذاكرة الموشومة". وتتناول الباحثة في هذه الدراسة عنصرا جمالياً وفكرياً مهماً في كتابات الخطيبي عموماً ألا وهو مفهوم الذاكرة.