تكاد تذبل الأوراق في الحديقة. لا وقت لديها لكي تفرج عن موتها الوشيك. وقد تترك لي قسوة اكتشاف ذلك إذا مانتبهت....إذا ما كان لدي وقت للإنتباه. إذا لا يكفي الشغف بالشيء لكي يحيى، لذلك تضيع منا الأشياء عادة وتموت الحديقة .
إذا ما استطاعت !
لا افترض لها أنها لن تقوى على ذلك، فالنبتة كإخضرار الجسد العاشق لا تحب أن تنسى. ولا افترض للحديقة مجد الموت من عطش الفقد. ولسوف تتهدل قليلا من كثر ما لن أراها؛ فأنا لا أقربها حتى.
زوجتي مريضة.
وإبني، لا أستطيع أن أعرف إن كان حزينا من كثرة اللهو.. !
المطبخ بالكاد أعبره. كأن الروائح القديمة فيه ضاعت وصار المطبخ عطبا في البيت. صار معبرا إلى حوض الغسيل لاشيء يشد إليه سوى الصنبور لدلق الماء الفائر على الرأس المفروم.
كأنني اشتقت لماض لم يعد لي حاضره أكيدا. لا دفء حول المائدة ولا برتقال.
في المستشفى لم يعبر لي الطبيب إلا عن فرحه. قال مبشورا: أخيرا...أنت !
أنا....
لا وقت لدى الآن لكي أنمي شره الحديقة للنشوة، لها أن تنتشي بالإنتظار.
أتركها على كف عفريت، ماهي ميتة بمحض الغضب ولا أنا ساه عنها إلى هذا الحد.
تكاد تسقط مني الأشياء. الأغصان الرطبة الدفينة في قلبي تستيقظ للخواء. أوراق الشجر المتمرس على سقوط المطر.. تكاد تسقط مني الرؤى والكمنجات حين تستهويها الموسيقى فتغويها لكي ترحل في السلوان. كأن لا مطر يسقط علينا أنا وهي.
تكاد تسقط مني الأصوات، والعمر كأنه لم يعد لي، وتسقط مني المسامير والبرغيات وبضع سنتات الطفولة. ثقب هائل في جيب لاشيء قادر أن يرتقه.
لا أرى في صنبور الماء الماء الذي سوف يعيد للحديقة شغفها. فأنا في مقعدي أبله في قاعة الإنتظار.
هنا في المستشفى يعود الطبيب بعد حالة طارئة.. أتخلص من شرك الجدران. أؤدي له الفاتورة واسأل كم يلزم زوجتي من هدوء؟
هدوء.
وجبة الأقراص تؤدي دورها بالكاد.
تقول زوجتي في تصدعها: خذ بعضها ولا تنتظر أن تستعيد المرأة التي كانت.
وأقول: ليست هنا تلك التي كانت، وليس ثمة... هناك.
طفلي أراه جل الوقت ولا اعرف حجم المسافة بيننا. كأننا نتناءى. كأننا لسنا هناك. كأننا هنا قرب الخوف. شعلة من عطب غامض يرمقنا ولا نراه، نستشعره بحاسة الحيوان الوجلة.. وبدهاء الطريدة في لهفة الشرك.
لا وقت للطريدة أمام الصباح. ولا وقت للصباح لان ينتشر بذات الوهج إذا ما أطربته الطيور. لا وقت للطيور لأن تكون على شرفتي، ولا وقت للضوء لأن يذرف الشعاع الذي تتدفق منه البهجة. فالحضور واضح للعقارب التي تهرول نحو دم العمل الفائر، واضحة تلك التكات وهي تنقر في اليقين من لا جدوى أهمية تأمل الوضع. لا وقت للخوف ولا أمل في الأحلام.
الدالية فقدت ظلالها تماما. وعند ساق شجرة '' الباوباب''، حفر طفلي حفرته. متشنجا في نبشه للتراب. عميقة بما يكفي لأن يُذل التربة المتصلبة. كدت أنسى أن العروق تيبست. وهو إن حفر عميقا فلكي يتسرب إلى الأعماق الندية ويتلمس التراب الراقد تحت شجرة الموتى. الشجرة المقدسة حيث يدلق أصحاب الجنازة أحباءهم بين عروقها علهم يورقوا كالذكرى في عالم لم تعد فيه الأحلام ممكنة. يمكن لشجرة '' الباوباب'' أن تورق إذا ما انتهت الروح من ملاحقة النهار.
لربما. هي مجرد حالة. حالة من السهو المتأمل في حجم الورطة.
لا مذاق للبن.
طعم السجائر دون امتياز.
لا أثر للهواء. ثمة أثرالنفس الملغوم الضئيل.
زوجتي كأن ملاكا حل بها ولا أحد منا يعرف الملاك ولا حتى هي. أعد الغذاء الباكر لطفلي قبل المدرسة. ونستيقظ للقول: كل شيء هنا عليه ان يتم خارج الوقت، فقط يجب الإذعان لوقت العمل. كأن لا أمل.
نسير على الأقدام إلى المدرسة .'' بابا ولم المدرسة؟ ''.
'' لم لا نركض في الغابة.. ألن يكون الأمر أفضل؟ ...نتسلق بعض الجبال ونعد الفخاخ للأرانب ونقذف سهاما في حضن الطيور..؟ ''.
أعد الثواني والدقائق والساعات التي لا تعاش إلا تحت وخز الإبر.
القمر كوكب مظلم هذا أكيد.
الدم احمر. هذا مانستشعره تحت بشرة شفافة بيضاء ولا نراه إلا في الشريط الذي يعده طبيب المشرحة بالأبيض والأسود كي لا أحد منا يدرك لون حبات الكرز في جسد الملاك.
زوجتي تتعافى. ولا وقت بعد للإخضرار.
ليس في مجال الحديقة أكثر من رؤى للحياة. ولا هواء يمتد في نسغها دون هواء العناية الفائقة. المصحة لا تنظر إلي كي أتعافى من الصبر.
آه لو كنت فكرت في شيء.. !
الصمت طريق لموت اللغة، وان كان الصمت يعاش داخل اللغة.
كأنه اللغة المتفجرة من صوت بالغ القسوة حين لا يسمع إلا في الفراغ.
أبدا لم افهم الحزن.كأنه الإنفعال الطرب المتوتر الدافق الوجد النافذ الأثر. كأنه وردة الجنون.
الحزن لا يرى. كأنه لا شيء. ولا هو بمقاس السهو الذي يعقب الذهول. كأن لا شيء يحيط بك ولا أثر لأي أثر فيك أبعد من العدم.
الحزن إلتباس الأشياء. هو اللاإحساس. ولو كان الشعور رغبة غامضة.
لا رغبات لدي. لا إحساس لا مرحاض لا حديقة لا حقيقة لا وجود.
ترهات.
لا وجود إلا للهسيس الذي يعتري رأسي. وكأن لا رأس لي؛ كأني ذيل لحيوان لا يوجد. عظاية فقدت ما تبقى من الإتزان.
لا خوف. لا حزن. لا إتزان.
كأن الأمل وصفة سوف يتلوها أحد ما علي. عدا طفلي وهو يحفر حفرته العميقة قرب شجرة ''الباوباب'' ويدلق في تجاويفها الماء.
لا حزن على ما أراه. فالوقت لا يترك لي وقت التذكر قدر ما يشرع لي خرم السؤال. ماذا رأت زوجتي هناك في الردهة المقابلة حيث حل بها الملاك؟ كيف رأته ولم ترانا..أنا وطفلي.
لربما نعد أحدا بسقي الحديقة وجلو الصحون، وبإعداد الفطور الشهي وترتيب المائدة على انقاض أعطاب البارحة. لربما. هي ذكرى من كرز ومن أضواء.
وقد ندلق بعض أكواب ماء فوق عطش الزهور. ولربما نعيد بعض الطيور إلى شرفتنا، ولربما...
غير أن هذا الصباح واضح. واضح للغير. أما بالنسبة إلي، فهو واضح للعمل ولإعداد الدواء وتجهيز طفلي الصغير لمقصلة اليوم .
إذا ما استطاعت !
لا افترض لها أنها لن تقوى على ذلك، فالنبتة كإخضرار الجسد العاشق لا تحب أن تنسى. ولا افترض للحديقة مجد الموت من عطش الفقد. ولسوف تتهدل قليلا من كثر ما لن أراها؛ فأنا لا أقربها حتى.
زوجتي مريضة.
وإبني، لا أستطيع أن أعرف إن كان حزينا من كثرة اللهو.. !
المطبخ بالكاد أعبره. كأن الروائح القديمة فيه ضاعت وصار المطبخ عطبا في البيت. صار معبرا إلى حوض الغسيل لاشيء يشد إليه سوى الصنبور لدلق الماء الفائر على الرأس المفروم.
كأنني اشتقت لماض لم يعد لي حاضره أكيدا. لا دفء حول المائدة ولا برتقال.
في المستشفى لم يعبر لي الطبيب إلا عن فرحه. قال مبشورا: أخيرا...أنت !
أنا....
لا وقت لدى الآن لكي أنمي شره الحديقة للنشوة، لها أن تنتشي بالإنتظار.
أتركها على كف عفريت، ماهي ميتة بمحض الغضب ولا أنا ساه عنها إلى هذا الحد.
تكاد تسقط مني الأشياء. الأغصان الرطبة الدفينة في قلبي تستيقظ للخواء. أوراق الشجر المتمرس على سقوط المطر.. تكاد تسقط مني الرؤى والكمنجات حين تستهويها الموسيقى فتغويها لكي ترحل في السلوان. كأن لا مطر يسقط علينا أنا وهي.
تكاد تسقط مني الأصوات، والعمر كأنه لم يعد لي، وتسقط مني المسامير والبرغيات وبضع سنتات الطفولة. ثقب هائل في جيب لاشيء قادر أن يرتقه.
لا أرى في صنبور الماء الماء الذي سوف يعيد للحديقة شغفها. فأنا في مقعدي أبله في قاعة الإنتظار.
هنا في المستشفى يعود الطبيب بعد حالة طارئة.. أتخلص من شرك الجدران. أؤدي له الفاتورة واسأل كم يلزم زوجتي من هدوء؟
هدوء.
وجبة الأقراص تؤدي دورها بالكاد.
تقول زوجتي في تصدعها: خذ بعضها ولا تنتظر أن تستعيد المرأة التي كانت.
وأقول: ليست هنا تلك التي كانت، وليس ثمة... هناك.
طفلي أراه جل الوقت ولا اعرف حجم المسافة بيننا. كأننا نتناءى. كأننا لسنا هناك. كأننا هنا قرب الخوف. شعلة من عطب غامض يرمقنا ولا نراه، نستشعره بحاسة الحيوان الوجلة.. وبدهاء الطريدة في لهفة الشرك.
لا وقت للطريدة أمام الصباح. ولا وقت للصباح لان ينتشر بذات الوهج إذا ما أطربته الطيور. لا وقت للطيور لأن تكون على شرفتي، ولا وقت للضوء لأن يذرف الشعاع الذي تتدفق منه البهجة. فالحضور واضح للعقارب التي تهرول نحو دم العمل الفائر، واضحة تلك التكات وهي تنقر في اليقين من لا جدوى أهمية تأمل الوضع. لا وقت للخوف ولا أمل في الأحلام.
الدالية فقدت ظلالها تماما. وعند ساق شجرة '' الباوباب''، حفر طفلي حفرته. متشنجا في نبشه للتراب. عميقة بما يكفي لأن يُذل التربة المتصلبة. كدت أنسى أن العروق تيبست. وهو إن حفر عميقا فلكي يتسرب إلى الأعماق الندية ويتلمس التراب الراقد تحت شجرة الموتى. الشجرة المقدسة حيث يدلق أصحاب الجنازة أحباءهم بين عروقها علهم يورقوا كالذكرى في عالم لم تعد فيه الأحلام ممكنة. يمكن لشجرة '' الباوباب'' أن تورق إذا ما انتهت الروح من ملاحقة النهار.
لربما. هي مجرد حالة. حالة من السهو المتأمل في حجم الورطة.
لا مذاق للبن.
طعم السجائر دون امتياز.
لا أثر للهواء. ثمة أثرالنفس الملغوم الضئيل.
زوجتي كأن ملاكا حل بها ولا أحد منا يعرف الملاك ولا حتى هي. أعد الغذاء الباكر لطفلي قبل المدرسة. ونستيقظ للقول: كل شيء هنا عليه ان يتم خارج الوقت، فقط يجب الإذعان لوقت العمل. كأن لا أمل.
نسير على الأقدام إلى المدرسة .'' بابا ولم المدرسة؟ ''.
'' لم لا نركض في الغابة.. ألن يكون الأمر أفضل؟ ...نتسلق بعض الجبال ونعد الفخاخ للأرانب ونقذف سهاما في حضن الطيور..؟ ''.
أعد الثواني والدقائق والساعات التي لا تعاش إلا تحت وخز الإبر.
القمر كوكب مظلم هذا أكيد.
الدم احمر. هذا مانستشعره تحت بشرة شفافة بيضاء ولا نراه إلا في الشريط الذي يعده طبيب المشرحة بالأبيض والأسود كي لا أحد منا يدرك لون حبات الكرز في جسد الملاك.
زوجتي تتعافى. ولا وقت بعد للإخضرار.
ليس في مجال الحديقة أكثر من رؤى للحياة. ولا هواء يمتد في نسغها دون هواء العناية الفائقة. المصحة لا تنظر إلي كي أتعافى من الصبر.
آه لو كنت فكرت في شيء.. !
الصمت طريق لموت اللغة، وان كان الصمت يعاش داخل اللغة.
كأنه اللغة المتفجرة من صوت بالغ القسوة حين لا يسمع إلا في الفراغ.
أبدا لم افهم الحزن.كأنه الإنفعال الطرب المتوتر الدافق الوجد النافذ الأثر. كأنه وردة الجنون.
الحزن لا يرى. كأنه لا شيء. ولا هو بمقاس السهو الذي يعقب الذهول. كأن لا شيء يحيط بك ولا أثر لأي أثر فيك أبعد من العدم.
الحزن إلتباس الأشياء. هو اللاإحساس. ولو كان الشعور رغبة غامضة.
لا رغبات لدي. لا إحساس لا مرحاض لا حديقة لا حقيقة لا وجود.
ترهات.
لا وجود إلا للهسيس الذي يعتري رأسي. وكأن لا رأس لي؛ كأني ذيل لحيوان لا يوجد. عظاية فقدت ما تبقى من الإتزان.
لا خوف. لا حزن. لا إتزان.
كأن الأمل وصفة سوف يتلوها أحد ما علي. عدا طفلي وهو يحفر حفرته العميقة قرب شجرة ''الباوباب'' ويدلق في تجاويفها الماء.
لا حزن على ما أراه. فالوقت لا يترك لي وقت التذكر قدر ما يشرع لي خرم السؤال. ماذا رأت زوجتي هناك في الردهة المقابلة حيث حل بها الملاك؟ كيف رأته ولم ترانا..أنا وطفلي.
لربما نعد أحدا بسقي الحديقة وجلو الصحون، وبإعداد الفطور الشهي وترتيب المائدة على انقاض أعطاب البارحة. لربما. هي ذكرى من كرز ومن أضواء.
وقد ندلق بعض أكواب ماء فوق عطش الزهور. ولربما نعيد بعض الطيور إلى شرفتنا، ولربما...
غير أن هذا الصباح واضح. واضح للغير. أما بالنسبة إلي، فهو واضح للعمل ولإعداد الدواء وتجهيز طفلي الصغير لمقصلة اليوم .