الأطفال منذ لحظة الميلاد تشغلهم البيئة المحيطة بهم ويستمتعون باكتشافها وجمع المعلومات والمعارف
الاهتمام بجماليات العرض المسرحي لإمتاع الطفل والتركيز على النماذج الإنسانية
مما لا شك فيه أن المسرح كوسيط ثقافي، يساعد كثيرا في النمو المعرفي لمتلقيه سواء أكانوا صغارا أم كبارا، فإن كانت المعرفة هي "كم المعلومات والخبرات والمهارات التي يكتسبها الفرد من خلال الملاحظة والتأمل والتجارب الذاتية والتعلم والاطلاع على تجارب الآخرين والتعرف على استنتاجاتهم من هذه التجارب"، سنجد أن المسرح بشكل عام ومسرح العرائس بشكل خاص بما يعرضانه من نصوص تحمل العديد من الخبرات والنماذج الإنسانية قادران على إكساب متلقيهما العديد من المعارف سواء أكانت:
معارف حسية، يكتسبها الفرد عن طريق الحواس، وإن كانت في طبيعتها معارف ناقصة تفتقر إلى إدراك العلاقات القائمة بين الأشخاص والظواهر وأسبابها ودوافعها.
معارف فكرية وفلسفية، تعتمد على التأمل والتفكير فيما وراء العلاقات القائمة والظواهر من أسباب ودوافع فتكمل ما ينقص المعرفة الحسية بما يتناسب مع القدرات العقلية للمتلقي ويساعد على إثرائها النقاش والحوار لاستخلاص الأسباب والدوافع والإجابة عن التساؤلات (كما يحدث مع الأطفال عقب مشاهدتهم أي عمل مسرحي).
معارف علمية تجريبية وهي التي تقوم على أساس الملاحظة والدراسة المنهجية للظواهر العلمية تجريبيا لمعرفة أسبابها والتحكم فيها والوصول إلى القوانين والنظريات العامة التي تساعد على التحكم فيها قدر الإمكان.
يساعد على تحقيق هذا الهدف طبيعة الإنسان عامة والطفل خاصة المشتاق دوما للمعرفة، فالطفل يولد مزودا برغبة عارمة في حب الاستطلاع والمعرفة وهذا ما يدفعه إلى العبث بالأشياء وتحطيمها أحيانا بغية التعرف على مكوناتها. كما أن الطفل دوما كثير الأسئلة، خاصة عندما يصادف أو يسمع عن أمور غريبة يسأل ولا يكف عن السؤال إلا إذا عرف أو يقهر، والقهر واحد من أهم أعداء المعرفة والعامل الأساسي في جمودها لذلك يعرف المجتمع الناجح بأنه الذي يضع نصب عينيه أن المعرفة حق لكل مواطن ويعمل على توفير سبل المعرفة وثقافتها ويحفز الأفراد على أن يعرفوا.
المسرح والنمو المعرفي
لو نظرنا إلى خريطة المسرح في العالم فسوف نذهل من تعدد أنواع المسارح التي ستقابلنا، سنجد أنفسنا أمام أشكال متعددة من المسارح تتعدد بتنوع متلقيها وأعمارهم، وعلى سبيل المثال:
مسارح العرائس بأنواعها المختلفة هي أشكال من المسارح التي تقدم فنون المسرح نصا وعرضا لصغار الأطفال بما يتناسب مع احتياجاتهم المعرفية والوجدانية والعقلية.
مسارح الشباب التي تخاطب الأطفال في مرحلتي الطفولة المتأخرة والمراهقة (12-18) ولها خصوصيتها أيضا فيما تقدمه من نصوص أو عناصر عرض.
مسارح الكبار بتنوع مدارسها ومذاهبها سواء في فن الكتابة أو العرض.
جميع هذه الأشكال تساعد على النمو المعرفي الذي يتضمن عمليات التفكير بما تتضمنه من قدرات على التذكر وحل المشكلات واتخاذ القرار وتتدرج في النمو مع تدرج نمو الإنسان منذ الميلاد حتى نهاية العمر، من خلال ما تقدمه من أفكار وموضوعات ومعارف ونماذج إنسانية (شخصيات) تقدم للإنسان الإجابات والحلول للمشكلات والقضايا الشخصية والمصرية العامة التي تشغل باله ويسعى لحلها مثلها مثل باقي أشكال التعبير الفني والأدبي وهذا ما يؤكد أهميتها، والمسرح يسهم في نمو معرفة الإنسان بتنوعها الاجتماعى والسياسى والاقتصادي والثقافي ولا يستثنى الأطفال هنا.
فقد أثبتت الدراسات أن الأطفال منذ لحظة الميلاد تشغلهم البيئة المحيطة بهم ويستمتعون باكتشافها وجمع المعلومات والمعارف عن عناصرها وتساعد هذه المعلومات في نمو الإدراك ومهارات التفكير والفهم لديهم سواء ما يرتبط بعالمهم الداخلي أو الخارجي، وهذا ما يؤكد ضرورة مناسبة ما يقدم لهم من خبرات إبداعية مع احتياجاتهم المعرفية للمساعدة في نموهم المعرفي.
أكد هذا العالم الفرنسي جان بياجيه عند حديثه عن أساليب تعلم طفل ما قبل المدرسة الذي تتحدد قدراته في مرحلة ما قبل العمليات التي تتميز بربط المادة المعرفية بشروط خاصة تساعد على تذكرها واستدعائها عند الضرورة وعندما تتشابه الشروط التي تم فيها التعلم وبالتالي لا بد أن تقدم المادة المعرفية في إطار من الشروط أو الظروف التي يمكن أن تتكرر في حياة الطفل، مما يستدعي الاستفادة من تلك التي سبق تعلمها لاستخدامها في الموقف الجديد الأمر الذي يؤكد ضرورة تقديم المعارف والمعلومات في إطار من الخبرات الحياتية التي تجسد كثيرًا من المواقف الاجتماعية عن طريق شخصيات أو نماذج إنسانية مألوفة للطفل كأفراد الأسرة والأقران والجيران يتعلم منها أيضا الكثير من القيم والسلوك الاجتماعي.. وهذا ما يتم في المسرح.
من جانب آخر نجد أن هؤلاء الأطفال ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم محور العالم ومركزه، وأن كل الأمور تدور من أجلهم لذلك لا بد من وجود الشخصيات التي تماثلهم ليتوحدوا بها سواء أكانت من البشر كأطفال في نفس المرحلة العمرية أو حيوانات أليفة تمثلهم في ضعف القوة والخضوع لإرهاب عالم الكبار من وجهة نظرهم، وهذا ما يؤكد شغفهم بالمسرحيات التي يكون أبطالها من صغار الأطفال أو الحيوان أو العرائس الصغيرة فهي نماذج من السهل أن يتوحد بها الأطفال.
مسرح العرائس والقيم المعرفية
مما سبق نصل إلى أن أنسب الوسائط التثقيفية والمعرفية التي توظف مع الأطفال هي تلك الوسائط القادرة على إكساب المعارف والتنمية المعرفية من خلال ما تقدمه بشكل غير مباشر في إطار من الخبرات الحياتية الاجتماعية والمواقف الخيالية، التي تعكس الحياة بإيجابياتها وسلبياتها وتساعد الطفل على فهمها وتقييمها وتمثل الجوانب الإيجابية منها في حياته الواقعية، وهذا ما نجده في الإبداعات الأدبية الجيدة والفنون ومنها فن المسرح نصا وعرضا.
بجانب قدرة فنون العرض المسرحى على تقديم الخبرات الحياتية المتنوعة بشكل غير مباشر وما تتضمنه من قيم تحدد نماذج التفاعل الاجتماعى بين الشخصيات (الأبطال) التي يمكن للأطفال التوحد بها وتمثلها نجد أن هناك جوانب وجدانية أيضا تتحقق من مشاهدة فنون المسرح تتمثل في أثر التفاعل الوجداني نتيجة التلاحم المباشر بين المتلقي والمؤدي في أثناء العرض المسرحي والمتعة الجمالية التي يشعر بها من مشاهدة جماليات العرض المسرحي ومؤثراته، بجانب دفع الأطفال للتفكير فيما يشاهدونه أمامهم على خشبة المسرح من خبرات وأفعال ونماذج، واستخلاص الأفكار حول كل هذا بالطبع تبعا للقدرات العقلية والثقافية لكل متلق، كل هذا يسهم بقدر في النمو المعرفي والقيمي للأطفال، الأمر الذي يؤثر على اكتشافهم لما ينبغي وما لا ينبغي من قيم واتجاهات تحدد سلوكهم الآني والمستقبلي تجاه الذات والآخر.
من جانب آخر يعمل التعرض للأفكار المتضمنة في النص المسرحي على تنمية الكثير من القيم المعرفية التي ترتبط بحب المعرفة والسعي للاستزادة منها عبر منابعها المختلفة من المسرح والكتب وشبكة المعلومات وغيرها، فقد أدرك الطفل أهمية المعرفة في المساعدة على إزاحة القلق الناجم عن الجهل بالحقائق تلك الإزاحة التي تجعل الطفل متمسكا بالقيم المعرفية متمثلة في حب المعرفة، والإطلاع، والجد والمثابرة، والتفكير، ومشروعية حب الاستطلاع، والبحث عن إجابات، وأهمية حرية التعبير والابتكار والإبداع، والسعي إلى الحلول المبتكرة بعيدا عن الثوابت التقليدية والأنماط الجامدة.
النص المسرحي والقيم المعرفية
مما سبق يمكن أن نحدد خصائص النص المسرحي الذي يمكن تقديمه للأطفال لإكسابهم العديد من القيم "باعتبارها تصورات ذهنية توجه السلوك وتصدر الأحكام بالقبول والرفض، وتنبع من تعرض الفرد للخبرات الاجتماعية إما مباشرة أو بالطرق غير المباشرة، وتتجسد في المعتقدات التي يكتسبها الفرد نحو الأشياء والشخصيات والمعاني" وتتحدد هذه الخصائص في:
ضرورة الاهتمام بالمعارف والمعلومات والقيم المعروفة التي ترتبط باحتياجات الطفل المعرفية وتساعد على نموه المعرفي في إطار خصائص المرحلة العمرية.
صياغة هذه المعارف في إطار من الخبرات الحياتية والمواقف الاجتماعية، بشكل غير مباشر، وتعمل على إثارة خيال الطفل للتفكير حولها.
الاهتمام بالنماذج الإنسانية التي تتناسب مع عمر الطفل وتجسيدها لكثير من الخصائص الإيجابية التي يود أن يتمثلها الطفل.
أن يتم كتابة النص تبعا لقواعد الكتابة الدرامية للمسرح، لتحقيق الإثارة والتشويق اللازمين لربط الطفل بفن المسرح.
الاهتمام بجماليات العرض المسرحي لإمتاع الطفل.
أن يتناسب طول فترة العرض مع فترة انتباه الطفل وقدرته على التركيز (من 20 إلى 30) دقيقة.
نموذج تطبيقي
سأحاول هنا تقديم نموذج علمي، لكيفية تحقيق كل ما سبق، من خلال مسرحية عرائسية، قديمة للأطفال من خلال دراسة أكاديمية شرفت بالإشراف عليها، واستخدم فيها خيال الظل لإكساب الأطفال بعض المعلومات حول الظواهر الطبيعية، الأمطار هنا، وخيال الظل نوع من العرائس ذات الطبيعة الخاصة، المحببة للأطفال.
أما الظواهر الطبيعية التي يلاحظها الطفل أو يسمع عنها، فتشكل لغزا أمام الطفل، يجب الكشف عن أسبابها وأسرارها، مثل الأمطار والزلازل والبراكين؛ حتى نتجنب تعرض الطفل للتفسيرات الغيبية غير العلمية، وبدلا من أن يعرف أن الأمطار مجرد مياه
د. كمال الدين حسين
الاهتمام بجماليات العرض المسرحي لإمتاع الطفل والتركيز على النماذج الإنسانية
مما لا شك فيه أن المسرح كوسيط ثقافي، يساعد كثيرا في النمو المعرفي لمتلقيه سواء أكانوا صغارا أم كبارا، فإن كانت المعرفة هي "كم المعلومات والخبرات والمهارات التي يكتسبها الفرد من خلال الملاحظة والتأمل والتجارب الذاتية والتعلم والاطلاع على تجارب الآخرين والتعرف على استنتاجاتهم من هذه التجارب"، سنجد أن المسرح بشكل عام ومسرح العرائس بشكل خاص بما يعرضانه من نصوص تحمل العديد من الخبرات والنماذج الإنسانية قادران على إكساب متلقيهما العديد من المعارف سواء أكانت:
معارف حسية، يكتسبها الفرد عن طريق الحواس، وإن كانت في طبيعتها معارف ناقصة تفتقر إلى إدراك العلاقات القائمة بين الأشخاص والظواهر وأسبابها ودوافعها.
معارف فكرية وفلسفية، تعتمد على التأمل والتفكير فيما وراء العلاقات القائمة والظواهر من أسباب ودوافع فتكمل ما ينقص المعرفة الحسية بما يتناسب مع القدرات العقلية للمتلقي ويساعد على إثرائها النقاش والحوار لاستخلاص الأسباب والدوافع والإجابة عن التساؤلات (كما يحدث مع الأطفال عقب مشاهدتهم أي عمل مسرحي).
معارف علمية تجريبية وهي التي تقوم على أساس الملاحظة والدراسة المنهجية للظواهر العلمية تجريبيا لمعرفة أسبابها والتحكم فيها والوصول إلى القوانين والنظريات العامة التي تساعد على التحكم فيها قدر الإمكان.
يساعد على تحقيق هذا الهدف طبيعة الإنسان عامة والطفل خاصة المشتاق دوما للمعرفة، فالطفل يولد مزودا برغبة عارمة في حب الاستطلاع والمعرفة وهذا ما يدفعه إلى العبث بالأشياء وتحطيمها أحيانا بغية التعرف على مكوناتها. كما أن الطفل دوما كثير الأسئلة، خاصة عندما يصادف أو يسمع عن أمور غريبة يسأل ولا يكف عن السؤال إلا إذا عرف أو يقهر، والقهر واحد من أهم أعداء المعرفة والعامل الأساسي في جمودها لذلك يعرف المجتمع الناجح بأنه الذي يضع نصب عينيه أن المعرفة حق لكل مواطن ويعمل على توفير سبل المعرفة وثقافتها ويحفز الأفراد على أن يعرفوا.
المسرح والنمو المعرفي
لو نظرنا إلى خريطة المسرح في العالم فسوف نذهل من تعدد أنواع المسارح التي ستقابلنا، سنجد أنفسنا أمام أشكال متعددة من المسارح تتعدد بتنوع متلقيها وأعمارهم، وعلى سبيل المثال:
مسارح العرائس بأنواعها المختلفة هي أشكال من المسارح التي تقدم فنون المسرح نصا وعرضا لصغار الأطفال بما يتناسب مع احتياجاتهم المعرفية والوجدانية والعقلية.
مسارح الشباب التي تخاطب الأطفال في مرحلتي الطفولة المتأخرة والمراهقة (12-18) ولها خصوصيتها أيضا فيما تقدمه من نصوص أو عناصر عرض.
مسارح الكبار بتنوع مدارسها ومذاهبها سواء في فن الكتابة أو العرض.
جميع هذه الأشكال تساعد على النمو المعرفي الذي يتضمن عمليات التفكير بما تتضمنه من قدرات على التذكر وحل المشكلات واتخاذ القرار وتتدرج في النمو مع تدرج نمو الإنسان منذ الميلاد حتى نهاية العمر، من خلال ما تقدمه من أفكار وموضوعات ومعارف ونماذج إنسانية (شخصيات) تقدم للإنسان الإجابات والحلول للمشكلات والقضايا الشخصية والمصرية العامة التي تشغل باله ويسعى لحلها مثلها مثل باقي أشكال التعبير الفني والأدبي وهذا ما يؤكد أهميتها، والمسرح يسهم في نمو معرفة الإنسان بتنوعها الاجتماعى والسياسى والاقتصادي والثقافي ولا يستثنى الأطفال هنا.
فقد أثبتت الدراسات أن الأطفال منذ لحظة الميلاد تشغلهم البيئة المحيطة بهم ويستمتعون باكتشافها وجمع المعلومات والمعارف عن عناصرها وتساعد هذه المعلومات في نمو الإدراك ومهارات التفكير والفهم لديهم سواء ما يرتبط بعالمهم الداخلي أو الخارجي، وهذا ما يؤكد ضرورة مناسبة ما يقدم لهم من خبرات إبداعية مع احتياجاتهم المعرفية للمساعدة في نموهم المعرفي.
أكد هذا العالم الفرنسي جان بياجيه عند حديثه عن أساليب تعلم طفل ما قبل المدرسة الذي تتحدد قدراته في مرحلة ما قبل العمليات التي تتميز بربط المادة المعرفية بشروط خاصة تساعد على تذكرها واستدعائها عند الضرورة وعندما تتشابه الشروط التي تم فيها التعلم وبالتالي لا بد أن تقدم المادة المعرفية في إطار من الشروط أو الظروف التي يمكن أن تتكرر في حياة الطفل، مما يستدعي الاستفادة من تلك التي سبق تعلمها لاستخدامها في الموقف الجديد الأمر الذي يؤكد ضرورة تقديم المعارف والمعلومات في إطار من الخبرات الحياتية التي تجسد كثيرًا من المواقف الاجتماعية عن طريق شخصيات أو نماذج إنسانية مألوفة للطفل كأفراد الأسرة والأقران والجيران يتعلم منها أيضا الكثير من القيم والسلوك الاجتماعي.. وهذا ما يتم في المسرح.
من جانب آخر نجد أن هؤلاء الأطفال ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم محور العالم ومركزه، وأن كل الأمور تدور من أجلهم لذلك لا بد من وجود الشخصيات التي تماثلهم ليتوحدوا بها سواء أكانت من البشر كأطفال في نفس المرحلة العمرية أو حيوانات أليفة تمثلهم في ضعف القوة والخضوع لإرهاب عالم الكبار من وجهة نظرهم، وهذا ما يؤكد شغفهم بالمسرحيات التي يكون أبطالها من صغار الأطفال أو الحيوان أو العرائس الصغيرة فهي نماذج من السهل أن يتوحد بها الأطفال.
مسرح العرائس والقيم المعرفية
مما سبق نصل إلى أن أنسب الوسائط التثقيفية والمعرفية التي توظف مع الأطفال هي تلك الوسائط القادرة على إكساب المعارف والتنمية المعرفية من خلال ما تقدمه بشكل غير مباشر في إطار من الخبرات الحياتية الاجتماعية والمواقف الخيالية، التي تعكس الحياة بإيجابياتها وسلبياتها وتساعد الطفل على فهمها وتقييمها وتمثل الجوانب الإيجابية منها في حياته الواقعية، وهذا ما نجده في الإبداعات الأدبية الجيدة والفنون ومنها فن المسرح نصا وعرضا.
بجانب قدرة فنون العرض المسرحى على تقديم الخبرات الحياتية المتنوعة بشكل غير مباشر وما تتضمنه من قيم تحدد نماذج التفاعل الاجتماعى بين الشخصيات (الأبطال) التي يمكن للأطفال التوحد بها وتمثلها نجد أن هناك جوانب وجدانية أيضا تتحقق من مشاهدة فنون المسرح تتمثل في أثر التفاعل الوجداني نتيجة التلاحم المباشر بين المتلقي والمؤدي في أثناء العرض المسرحي والمتعة الجمالية التي يشعر بها من مشاهدة جماليات العرض المسرحي ومؤثراته، بجانب دفع الأطفال للتفكير فيما يشاهدونه أمامهم على خشبة المسرح من خبرات وأفعال ونماذج، واستخلاص الأفكار حول كل هذا بالطبع تبعا للقدرات العقلية والثقافية لكل متلق، كل هذا يسهم بقدر في النمو المعرفي والقيمي للأطفال، الأمر الذي يؤثر على اكتشافهم لما ينبغي وما لا ينبغي من قيم واتجاهات تحدد سلوكهم الآني والمستقبلي تجاه الذات والآخر.
من جانب آخر يعمل التعرض للأفكار المتضمنة في النص المسرحي على تنمية الكثير من القيم المعرفية التي ترتبط بحب المعرفة والسعي للاستزادة منها عبر منابعها المختلفة من المسرح والكتب وشبكة المعلومات وغيرها، فقد أدرك الطفل أهمية المعرفة في المساعدة على إزاحة القلق الناجم عن الجهل بالحقائق تلك الإزاحة التي تجعل الطفل متمسكا بالقيم المعرفية متمثلة في حب المعرفة، والإطلاع، والجد والمثابرة، والتفكير، ومشروعية حب الاستطلاع، والبحث عن إجابات، وأهمية حرية التعبير والابتكار والإبداع، والسعي إلى الحلول المبتكرة بعيدا عن الثوابت التقليدية والأنماط الجامدة.
النص المسرحي والقيم المعرفية
مما سبق يمكن أن نحدد خصائص النص المسرحي الذي يمكن تقديمه للأطفال لإكسابهم العديد من القيم "باعتبارها تصورات ذهنية توجه السلوك وتصدر الأحكام بالقبول والرفض، وتنبع من تعرض الفرد للخبرات الاجتماعية إما مباشرة أو بالطرق غير المباشرة، وتتجسد في المعتقدات التي يكتسبها الفرد نحو الأشياء والشخصيات والمعاني" وتتحدد هذه الخصائص في:
ضرورة الاهتمام بالمعارف والمعلومات والقيم المعروفة التي ترتبط باحتياجات الطفل المعرفية وتساعد على نموه المعرفي في إطار خصائص المرحلة العمرية.
صياغة هذه المعارف في إطار من الخبرات الحياتية والمواقف الاجتماعية، بشكل غير مباشر، وتعمل على إثارة خيال الطفل للتفكير حولها.
الاهتمام بالنماذج الإنسانية التي تتناسب مع عمر الطفل وتجسيدها لكثير من الخصائص الإيجابية التي يود أن يتمثلها الطفل.
أن يتم كتابة النص تبعا لقواعد الكتابة الدرامية للمسرح، لتحقيق الإثارة والتشويق اللازمين لربط الطفل بفن المسرح.
الاهتمام بجماليات العرض المسرحي لإمتاع الطفل.
أن يتناسب طول فترة العرض مع فترة انتباه الطفل وقدرته على التركيز (من 20 إلى 30) دقيقة.
نموذج تطبيقي
سأحاول هنا تقديم نموذج علمي، لكيفية تحقيق كل ما سبق، من خلال مسرحية عرائسية، قديمة للأطفال من خلال دراسة أكاديمية شرفت بالإشراف عليها، واستخدم فيها خيال الظل لإكساب الأطفال بعض المعلومات حول الظواهر الطبيعية، الأمطار هنا، وخيال الظل نوع من العرائس ذات الطبيعة الخاصة، المحببة للأطفال.
أما الظواهر الطبيعية التي يلاحظها الطفل أو يسمع عنها، فتشكل لغزا أمام الطفل، يجب الكشف عن أسبابها وأسرارها، مثل الأمطار والزلازل والبراكين؛ حتى نتجنب تعرض الطفل للتفسيرات الغيبية غير العلمية، وبدلا من أن يعرف أن الأمطار مجرد مياه
د. كمال الدين حسين