محمد وسعيد - الحكاية

طبعا، لم يكن هناك شهريار، ولم تكن هناك شهرزاد..
كان هناك الحاج محند أوعلي فقط، وقد ترك وحيدا في غرفة الإنعاش، وكانت لديه حكاية، لكن الطبيب منع الاستماع إليه. لو دخل أحد ليستمع إليه لمات، حالته لاتتحمل أدنى جهد. هو كان يعرف أنه سيموت، لذلك عليه أن يحكي الحكاية، تلك الحكاية التي قد تغير كل شيء، السر النائم الذي حان أوان استيقاظه. وهم كانوا يتلهفون لسماع الحكاية قبل انطفاء الشيخ.. لا، ليس كلهم..
- ماذا تريدون؟ الحكاية أم السارد؟
سأل الطبيب مستاءا وحازما..
- الحكاية..
قال الابن الأصغر..
- السارد..
قال الابن الأكبر..
- هما معا..
قالت البنت المعطوبة..
- لا أريد أيا منهما..
قلت أنا جازما، وبدأت ترتيب مراسيم الحكي:
1- رد الروح:
".. ذات يوم، كنت، أنا محند أوعلي، إسما يكسر الحجر، سيفا يقطع الأذنين، لسانا لايعود.. تعرف الشاة قبل صاحبها أن لي فيها النصيب.. والأرض لي، تعرف السماء ذلك لو جنحت عيني إلى الأرض بخطف النظر.. بالجملة كنت آخذ، وبالقطع لم أكن أعطي.. في السراء يأتيني ما أريد، وفي الضراء يأتيني ما أريد.. وكل ما كنت أريده هو الآن خلفي.. الأرض والأملاك والخيرات، هنا أو هناك أو هنالك، جارية أو جامدة أو مابينهما، كلها ليس لي فيها يوما ذرة حق ولا نصيب، فردواعلى الناس ما غصبته منهم ودعوني أموت بسلام.."
2- القبر:
".. دائما كان هناك، وكنت وحدي، أنا محند أوعلي، من يعرف مكانه.. كان لجدي، وجدي مات وتركه لأبي، وأبي، قبل أن يموت، أودعه في عهدتي.. الكنز الوحيد الحقيقي أخذته وواريته تحت العريشة.. هناك تحت العريشة، يرقد الكنز منذ زمن الخوف إلى زمنكم هذا.. دعوا العزاء يمر بسلام، ثم افتحوا عنه التراب.. حاذروا من إيذاء العريشة، فهي إزاره الأخضر، غطاء السر.. خذوا النواة ولا تكسروا الثمرة، ثم افتحوا التراب وخبئوا الكنز تحت العريشة الثانية، ولا تبخلوا على قبري بحسن الدعاء.."
3- الحكاية:
"أنا الحكاية.. أنا الحكاية الواقفة عند اللهاة.. كم أود أن أخرج إلى مستقري كما الروح.. للروح أجل عند بارئها.. أنا أمدي، لاأجلي، عنذ أذن تسمع وعين ترى وقلب يعي.. أنا مستقري في دوام، ودوامه لايركد كما الماء الراكد تشربه الشمس بعد حين.. دوام دوامي مداوم على الركض ما بين الأذن والعين والقلب والأنفاس.. لكن الأنفاس الآن تتحشرج، والقلب متعب يخبو وتخبو ومضات العين وتترمد.. والأذن؟ هل من أذن لتخرجني وتسمع أن الأبطال يموتون والرواة يموتون والكتاب يموتون، ولا يبقى مع الله عليها إلا أنا؟.. أنا.. ما أنا؟.."
4- على قبر السارد:
".. كان طيب الخلق، حلو المنطق، رائد الجود والكرم، عريض الرزق، رقيق المعشر، واسع الحلم، عظيم الجانب، حاضر البديهة، خفيف الظل، راسخ القلب، كبير الفضل، غالي القدر، عالي الهمة، عميق الإدراك، نبيه الطرف، رفيع الذكر، لين العريكة.. كان.. ثم لم يكن.. مات قبل ولادة حكايته الأصيلة.."..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...