محمود عماد - الساقية الجافة

برغميَ أيتها الساقية ... وقوفكِ صامتة صاديه
وبالأمس كنت تروَّين تلك ... الحقول بأمواهك الجاريه
فتجرى النضارة في زرعها ... وفي أهلها البِشْرُ والعافيه
وكم قد أغارت عصافيرَها ... أهازيجكِ العذبة الصافيه
فأين تحوَّل عنكِ الغديرٌ، ... وأين الهراوةُ والماشيه؟
وأضراسُكِ الصامداتُ الشَّدادُ ... هي اليوم من سوسها ما هيه؟
وصفصافك الغض كيف استحال ... عِصيَّا منكّسةً جافيه؟
يمرّ النسيم بها لا تميل، ... وكانت تراقصه حانيه!
وتَلقى العناكبُ منها سَدىً ... متيناً لِلُحْمتِها الواهيه
كأنكِ في نسجها جثة ... تردّت بأكفانها الباليه
وأنَّ طنين الذباب ترا ... تيل تزُجَى إلى روحكِ النائيه
فنحن أمام وفاةٍ. . . أجل ... وفاة تعِزّ على الناحيه
وإنَّ حياةً اليوم ماتت ... بموتكِ أيتها الساقيه
أليس دليلَ الحياةِ الكلامُ، ... فكم قد خطبت على الرابيه؟
وهل بعد موتٍ سوى وحشةٍ ... أرى وحشةً لكِ تغُرَى بيه
ألا أيها السالكانِ إلى الحيّ ... أقصَى الطريق، أَصيخاَ ليه
وقولا لزوَّارِ مقبرةِ الحيّ ... للحيّ مقبرة ثانية
تثير الشجون بإيحاشِها ... وأطيافِ أيامها الخاليه
فحيُّوا ثراها بِحَفْنِة ماء ... زلال وريحانةٍ ناديه

محمود عماد




مجلة الرسالة - العدد 476
بتاريخ: 17 - 08 - 1942
التفاعلات: فائد البكري
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...