ملأت السيدة "أم ياره" صحناً بالسنبوسك المقلي، وغطته بصفحة جريدة من تلك التي تصدرها أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وقد ثبت بالدليل القاطع أنها تصلح للصَرّ أكثر بكثير من الجرائد الحكومية، وقالت لها:
خذيه فأوصليه إلى أسرة الحاج محمد الفقيرة.
قالت ياره في نفسها وهي تنظر إلى أقراص السنبوسك المنفوخة:
أمي تعمل (كما قال أبي ذات مرة) على طريقة الحكومات العربية تماماً، فحينما تصنع السنبوسك لطعامنا في المنزل فإنها تحشوه باللحم والجوز واللوز والصنوبر والقليل القليل من البصل المفروم، وتقليه بزيت الزيتون الأصلي، وحينما نأكل لا تنفك تقول لنا:
بالهناء والشفاء، صحتين على قلوبكم.
وأما السنبوسك الذي توزعه على الفقراء فتضع في كل قرص منه قليلاً من البصل المفروم الملوث بآثار من اللحم، وتقليه بزيت نباتي يشبه زيت محركات السيارات المستعمل! وطوال ما هي جالسة مع زميلاتها تتبجح بأنها تطعم الفقراء، ولا تقصر مع الناس، والناس لولا صدقاتُها فلربما ماتوا من الجوع!
همت ياره بحمل الصحن الملفوف بجريدة الجبهة الوطنية التقدمية، ولكن أمها استوقفتها لتعطيها (التوجيهات) اللازمة، على طريقة الزعماء العرب أيضاً.
قالت: معظم المسؤولين العرب- يا ابنتي يا ياره- يمضون النصف الأول من أعمارهم في النضال الذي يتلخص في الهتاف والتعييش وإلقاء الخطب الحماسية و (الكتابة!). وأما النصف الثاني فيمضونه متنقلين من وظيفة رفيعة إلى منصب أرفع، ممتطين السيارات الحكومية الفارهة.
وفي هذه الأثناء يكون أبناء المسؤولين الشبان في سن النضال الأولى، ولأنهم يمتلكون ما يسمونه في لغة السياسة (بعد النظر الاستراتيجي)، فإن أبصارهم تخترق جدران الكراجات المقفلة، وترى السيارات الفارهة مخبأة في داخلها، فيضطرون إلى سرقة مفاتيح الكراجات وإخراجها وامتطائها والتجوال بها في الشوارع.
قالت ياره: عفواً يا أمي، إنني أستغرب، لماذا تقولين لي كل هذا الكلام؟
قالت أم ياره: لأحذرك من السير في الشارع، والاقتصار في المشي على الرصيف وحده، لأن أبناء المسؤولين، حينما يركبون السيارات الحكومية الفارهة المسلمة لآبائهم يتقمصون على الفور قول الشاعر العربي، لا فض فوه:
ومن كسب البلاد بغير حـربٍ
يهـونُ عليه تسليـمُ الـبـلادِ
فتراهم يشفطون ويسيرون بسرعة البرق، وبعكس الاتجاه، وإذا جاء أحد في طريقهم دهسوه مستفيدين من الحكمة العربية المتوارثة عبر الأجيال وتقول: لا أحد يموت إلا في يومه المحتوم!
كانت ياره تتوقع أن تنتهي توجيهات أمها لها بتحذيرها من التكلم مع الذئب، كما في القصة المعروفة، ولكنها لم تفعل، فحملت صحن السنبوسك المقلي، المغطى بورقة من إحدى صحف الجبهة الوطنية التقدمية، وخرجت من البيت.
مشت على الرصيف الممتد من أمام منزلهم، باتجاه منزل أسرة الحاج محمد الفقيرة. وفجأة سمعت صوت فحيح ولهاث يأتيها من الخلف. التفتت فجأة فوقعت عيناها على الذئب.
كان في حالة يرثى لها: أذناه متهدلتان، لسانه يتدلى إلى الأسفل، وعيناه كسيرتان، وظهره محني، وكأن قطاراً محملاً بالبضائع مر من فوقه.
قالت ياره على الفور: اغرُبْ من وجهي أيها الذئب اللعين.
فذرف الذئبُ دمعتين حارتين وقال لها:
لماذا كل هذه القسوة يا ابنتي؟ استهدي بالله واعطيني قرص سنبوسك أسكت به جوعي يعطك الله ما تتمنين وترغبين. واعلمي يا ياره الصغيرة الحلوة، أن المسؤولين الذين حدثتك عنهم خالتي أم ياره قبل أن تخرجي من البيت لم يتركوا لنا نحن الذئاب شيئاً نقتات به، ولم يبق إلا أن يربونا في مداجن خاصة، ثم يفلتونا في البوادي ويلحقونا ببنادقهم الأوتوماتيكية ليتعلموا الصيد فينا!
احتارت ياره بأمر الذئب، ولم تدر ما تفعل باعتبار أن توجيهات أمها لم تشمل هذا الموقف. ثم لجأت إلى حل وسطي، إذ أوجدت فتحة في الجريدة التي يصدرها أحد أحزاب الجبهة، وأمالت الصحن، فشرعت بعض أقراص السنبوسك تسقط على الأرض.. ومشت دون أن تلتفت إلى الخلف.. ولكنها كانت متأكدة من أنها قدمت للذئب الجائع شيئاً يأكله.
خذيه فأوصليه إلى أسرة الحاج محمد الفقيرة.
قالت ياره في نفسها وهي تنظر إلى أقراص السنبوسك المنفوخة:
أمي تعمل (كما قال أبي ذات مرة) على طريقة الحكومات العربية تماماً، فحينما تصنع السنبوسك لطعامنا في المنزل فإنها تحشوه باللحم والجوز واللوز والصنوبر والقليل القليل من البصل المفروم، وتقليه بزيت الزيتون الأصلي، وحينما نأكل لا تنفك تقول لنا:
بالهناء والشفاء، صحتين على قلوبكم.
وأما السنبوسك الذي توزعه على الفقراء فتضع في كل قرص منه قليلاً من البصل المفروم الملوث بآثار من اللحم، وتقليه بزيت نباتي يشبه زيت محركات السيارات المستعمل! وطوال ما هي جالسة مع زميلاتها تتبجح بأنها تطعم الفقراء، ولا تقصر مع الناس، والناس لولا صدقاتُها فلربما ماتوا من الجوع!
همت ياره بحمل الصحن الملفوف بجريدة الجبهة الوطنية التقدمية، ولكن أمها استوقفتها لتعطيها (التوجيهات) اللازمة، على طريقة الزعماء العرب أيضاً.
قالت: معظم المسؤولين العرب- يا ابنتي يا ياره- يمضون النصف الأول من أعمارهم في النضال الذي يتلخص في الهتاف والتعييش وإلقاء الخطب الحماسية و (الكتابة!). وأما النصف الثاني فيمضونه متنقلين من وظيفة رفيعة إلى منصب أرفع، ممتطين السيارات الحكومية الفارهة.
وفي هذه الأثناء يكون أبناء المسؤولين الشبان في سن النضال الأولى، ولأنهم يمتلكون ما يسمونه في لغة السياسة (بعد النظر الاستراتيجي)، فإن أبصارهم تخترق جدران الكراجات المقفلة، وترى السيارات الفارهة مخبأة في داخلها، فيضطرون إلى سرقة مفاتيح الكراجات وإخراجها وامتطائها والتجوال بها في الشوارع.
قالت ياره: عفواً يا أمي، إنني أستغرب، لماذا تقولين لي كل هذا الكلام؟
قالت أم ياره: لأحذرك من السير في الشارع، والاقتصار في المشي على الرصيف وحده، لأن أبناء المسؤولين، حينما يركبون السيارات الحكومية الفارهة المسلمة لآبائهم يتقمصون على الفور قول الشاعر العربي، لا فض فوه:
ومن كسب البلاد بغير حـربٍ
يهـونُ عليه تسليـمُ الـبـلادِ
فتراهم يشفطون ويسيرون بسرعة البرق، وبعكس الاتجاه، وإذا جاء أحد في طريقهم دهسوه مستفيدين من الحكمة العربية المتوارثة عبر الأجيال وتقول: لا أحد يموت إلا في يومه المحتوم!
كانت ياره تتوقع أن تنتهي توجيهات أمها لها بتحذيرها من التكلم مع الذئب، كما في القصة المعروفة، ولكنها لم تفعل، فحملت صحن السنبوسك المقلي، المغطى بورقة من إحدى صحف الجبهة الوطنية التقدمية، وخرجت من البيت.
مشت على الرصيف الممتد من أمام منزلهم، باتجاه منزل أسرة الحاج محمد الفقيرة. وفجأة سمعت صوت فحيح ولهاث يأتيها من الخلف. التفتت فجأة فوقعت عيناها على الذئب.
كان في حالة يرثى لها: أذناه متهدلتان، لسانه يتدلى إلى الأسفل، وعيناه كسيرتان، وظهره محني، وكأن قطاراً محملاً بالبضائع مر من فوقه.
قالت ياره على الفور: اغرُبْ من وجهي أيها الذئب اللعين.
فذرف الذئبُ دمعتين حارتين وقال لها:
لماذا كل هذه القسوة يا ابنتي؟ استهدي بالله واعطيني قرص سنبوسك أسكت به جوعي يعطك الله ما تتمنين وترغبين. واعلمي يا ياره الصغيرة الحلوة، أن المسؤولين الذين حدثتك عنهم خالتي أم ياره قبل أن تخرجي من البيت لم يتركوا لنا نحن الذئاب شيئاً نقتات به، ولم يبق إلا أن يربونا في مداجن خاصة، ثم يفلتونا في البوادي ويلحقونا ببنادقهم الأوتوماتيكية ليتعلموا الصيد فينا!
احتارت ياره بأمر الذئب، ولم تدر ما تفعل باعتبار أن توجيهات أمها لم تشمل هذا الموقف. ثم لجأت إلى حل وسطي، إذ أوجدت فتحة في الجريدة التي يصدرها أحد أحزاب الجبهة، وأمالت الصحن، فشرعت بعض أقراص السنبوسك تسقط على الأرض.. ومشت دون أن تلتفت إلى الخلف.. ولكنها كانت متأكدة من أنها قدمت للذئب الجائع شيئاً يأكله.