جرادة (المغرب) –
اللغة أشبه بالمنجم، فيها مشقة الحفر على الصخر ورهبة الأنفاق تحت الأرض ودهشة كشف المعدن الكامن خلف الركام. ويكتسب أدب المناجم -أول ما يكتسب- شرعيته الأدبية من هذا التحليل، لأن الأدب لا يعدو أن يكون في المحصلة النهائية، سوى عمليات حفر متواصلة في اللغة. وهو عين ما يجري داخل فضاء المنجم المغلق، بل هو مبرر وجود المنجم أصلا.
ولأن اسم جرادة، المدينة المغربية الوادعة والمبدعة، ارتبط بالمنجم وعوالمه، فقد احتضن مركزها الثقافي هذه الأيام الدورة الأولى من الملتقى المغاربي الأول حول أدب المناجم، بمشاركة ثلة من المثقفين والأدباء والشعراء تداولوا على مدى يومين، حول أدب المناجم حين يحفظ الذاكرة ويثريها ويسعى إلى الإسهام في إشعاع مدينة أنجبت العديد من المبدعين في هذا اللون الأدبي.
ومن هؤلاء المبدعين محمد العرجوني بروايتيه “أمفيون” و”نرجسية المياه العادمة” والسهلي عويشي بروايته “الحوت البري” وديوانه الشعري “يوسف الفحمي”، وجلول قاسمي بروايته “سيرة للعته والجنون”، وغيرهم الكثيرون.
ويأمل مثقفون ينحدرون من هذه المدينة في أن يشكل أدب المناجم قيمة مضافة داخل الساحة الإبداعية والثقافية المغربية، إذ يتيح هذا اللون الأدبي “إمكانات جديدة للتعبير وتشجيع المبدعين والمثقفين عموما، على التعاطي معه بشكل جديد وجاد باعتباره واجهة للنبش، ليس فقط في الذاكرة، بل في كل الأشكال التعبيرية التي تسود داخل العوالم والفضاءات المنجمية”، وفق ما يرى السهلي عويشي، مدير الملتقى المغاربي الأول حول أدب المناجم، الذي اختتمت فعالياته نهاية الأسبوع الماضي بجرادة.
وعلى الرغم مما قد يتبادر إلى الذهن من أن المناجم فضاءات مغلقة، فإن “ما تتميز به هذه العوالم هو الانفتاح باعتبارها فضاءات منفتحة على أشكال تراثية وثقافية متنوعة ومختلفة باختلاف ألسنة وأعراق” العاملين فيها، بحسب المتحدث ذاته. ومن شأن هذا التنوع الإنساني والتراثي أن يغني الحقل الثقافي المغربي، ليس من جانب الإبداع الأدبي والشعري والدرامي فحسب، ولكن أيضا من حيث الدراسة العلمية في الحقول المعرفية المتصلة بالأنتروبولوجيا والسوسيولوجيا.
وفضاء المناجم، يوضح صاحب رواية “الحوت البري”، هو فضاء متنوع ومنفتح وإن كان يبدو للرائي منغلقا في جغرافية تضاريسية معينة منتجة لمعدن معين، فهو يكتسب انفتاحه من العاملين فيه لتنوع أعراقهم وأجناسهم.
وتُفشي هذه الفضاءات، بفضل مناخ التعايش السائد، قيما إنسانية نبيلة يتم إنتاجها وإعادة إنتاجها في متواليات لا تتوقف، ما يفضي إلى سيادة حالة من “التنوع الثقافي تمنح إمكانات هائلة للخلق والإبداع”، يوضح السهلي عويشي.
وبحكم حديثه عن اليومي المعيش داخل المناجم وما يحيط بها، يتسم أدب المناجم بالواقعية، غير أن السهلي يرى أنه “ليس هناك إبداع واقعي صرف مئة بالمئة حتى وإن كان موغلا في الواقعية، فأدب المناجم حتى وإن بدا قوي الصلة بواقع المناجم، فهو لا يقيد نفسه بها بل ينفتح على ما هو إنساني في كل أبعاده”.
وهو، فضلا عن ذلك، “واجهة للتحليق في سماء الإبداع الإنساني النبيل الذي يلامس الجرح والفرح والبياض والسواد والألم والأمل. لأنه أدب للبوح الجميل رغم ما في المنجم من سواد”.
alarab.co.uk
أول ملتقى من نوعه
اللغة أشبه بالمنجم، فيها مشقة الحفر على الصخر ورهبة الأنفاق تحت الأرض ودهشة كشف المعدن الكامن خلف الركام. ويكتسب أدب المناجم -أول ما يكتسب- شرعيته الأدبية من هذا التحليل، لأن الأدب لا يعدو أن يكون في المحصلة النهائية، سوى عمليات حفر متواصلة في اللغة. وهو عين ما يجري داخل فضاء المنجم المغلق، بل هو مبرر وجود المنجم أصلا.
ولأن اسم جرادة، المدينة المغربية الوادعة والمبدعة، ارتبط بالمنجم وعوالمه، فقد احتضن مركزها الثقافي هذه الأيام الدورة الأولى من الملتقى المغاربي الأول حول أدب المناجم، بمشاركة ثلة من المثقفين والأدباء والشعراء تداولوا على مدى يومين، حول أدب المناجم حين يحفظ الذاكرة ويثريها ويسعى إلى الإسهام في إشعاع مدينة أنجبت العديد من المبدعين في هذا اللون الأدبي.
ومن هؤلاء المبدعين محمد العرجوني بروايتيه “أمفيون” و”نرجسية المياه العادمة” والسهلي عويشي بروايته “الحوت البري” وديوانه الشعري “يوسف الفحمي”، وجلول قاسمي بروايته “سيرة للعته والجنون”، وغيرهم الكثيرون.
ويأمل مثقفون ينحدرون من هذه المدينة في أن يشكل أدب المناجم قيمة مضافة داخل الساحة الإبداعية والثقافية المغربية، إذ يتيح هذا اللون الأدبي “إمكانات جديدة للتعبير وتشجيع المبدعين والمثقفين عموما، على التعاطي معه بشكل جديد وجاد باعتباره واجهة للنبش، ليس فقط في الذاكرة، بل في كل الأشكال التعبيرية التي تسود داخل العوالم والفضاءات المنجمية”، وفق ما يرى السهلي عويشي، مدير الملتقى المغاربي الأول حول أدب المناجم، الذي اختتمت فعالياته نهاية الأسبوع الماضي بجرادة.
وعلى الرغم مما قد يتبادر إلى الذهن من أن المناجم فضاءات مغلقة، فإن “ما تتميز به هذه العوالم هو الانفتاح باعتبارها فضاءات منفتحة على أشكال تراثية وثقافية متنوعة ومختلفة باختلاف ألسنة وأعراق” العاملين فيها، بحسب المتحدث ذاته. ومن شأن هذا التنوع الإنساني والتراثي أن يغني الحقل الثقافي المغربي، ليس من جانب الإبداع الأدبي والشعري والدرامي فحسب، ولكن أيضا من حيث الدراسة العلمية في الحقول المعرفية المتصلة بالأنتروبولوجيا والسوسيولوجيا.
وفضاء المناجم، يوضح صاحب رواية “الحوت البري”، هو فضاء متنوع ومنفتح وإن كان يبدو للرائي منغلقا في جغرافية تضاريسية معينة منتجة لمعدن معين، فهو يكتسب انفتاحه من العاملين فيه لتنوع أعراقهم وأجناسهم.
وتُفشي هذه الفضاءات، بفضل مناخ التعايش السائد، قيما إنسانية نبيلة يتم إنتاجها وإعادة إنتاجها في متواليات لا تتوقف، ما يفضي إلى سيادة حالة من “التنوع الثقافي تمنح إمكانات هائلة للخلق والإبداع”، يوضح السهلي عويشي.
وبحكم حديثه عن اليومي المعيش داخل المناجم وما يحيط بها، يتسم أدب المناجم بالواقعية، غير أن السهلي يرى أنه “ليس هناك إبداع واقعي صرف مئة بالمئة حتى وإن كان موغلا في الواقعية، فأدب المناجم حتى وإن بدا قوي الصلة بواقع المناجم، فهو لا يقيد نفسه بها بل ينفتح على ما هو إنساني في كل أبعاده”.
وهو، فضلا عن ذلك، “واجهة للتحليق في سماء الإبداع الإنساني النبيل الذي يلامس الجرح والفرح والبياض والسواد والألم والأمل. لأنه أدب للبوح الجميل رغم ما في المنجم من سواد”.
لقاء نقدي في المغرب عن "أدب المناجم" | | صحيفة العرب
مثقفو مدينة جرادة المغربية يأملون في أن يشكل أدب المناجم قيمة مضافة داخل الساحة الإبداعية والثقافية المغربية، إذ يتيح هذا اللون الأدبي "إمكانات جديدة للتعبير وتشجيع المبدعين عموما".
أول ملتقى من نوعه