طرقتِ الباب. هي هكذا تأتي دون موعدٍ. صباحاً..مساءً وليلاً أيضاً. حتّي وإن لم تجدني في البيت تعرفُ كيفَ تدخل دونَ أنْ تتثير انتباه أحد. أعرفُ جيّداً هذا النوع منَ النساء، يخفن كثيراً. ومع ذلك لا شيء يوقفهنّ. في المطبخِ جلستْ أمامي. قالتْ إنّها حلمتْ بكائنٍ من لحمٍ ودمٍ تفوحُ منه رائحةُ الطين ويمعسُ الذباب بيديه الهالكة وعندما أفاقتْ وجدتْ جسدها ملتهبا ملطّخاً بأنفاسٍ حارقة. وللغرابة، لا يؤلمها أيّ شيء.
السادسة ونصف صباحاً. شعرتُ برأسي مقلوبة أين النيكوتين والقهوة التي لم أشرب بعد؟ أنا أظنُّ أنّه الشيطان. هذا العجب الذي يزوركِ ليلاً لا يمكن أن يكون ملاكاً. قلتُ كلاما على هذا الشكل. صدّقتني لكنّها لم تسكت بل تابعتْ حكيَها. ليتها تفتحُ عينيها وتنسى كلّ شيء. داهمتني رغبة عارمة في رميها منَ نافذة المطبخ، سأخبرُ الشرطيّ الوسيم الذي سيأتي للتحقيق في الواقعة أنّها سقطتْ وحدها ثمّ ماتت. أنا لطيفة جدّاً والجميع يصدّقني.
قبل ساعة. تشابكتِ الأمور بيننا. لا أتذكّر جيّداً منْ منّا نعتتْ الثانية بالتعيسة. حدثَ شيءٌ رهيب. لم يكنْ حلماً، بلْ مسدّسا أجهزتْ عليَّ برصاصةٍ منه ثمّ زحفتْ كالأفعى صوب النّافذة واختفتْ. بعدها لم أعد أرى شيئاً.
لكنّني سمعتهم يقولون: كانتْ لطيفة وتريد فقط رجلاً يرقص التانچو.
من هؤلاء! أنا لا أعرفهم
اللعنة.. اللعنة،
لا تقفوا هكذا كالخفافيش، أيقظوني..!
لم أعد أميّزُ الوقتَ تماماً. ولا أعرفُ شيئاً سوى أنّي أمشي الآنَ في الشارع وأدركُ جيّداً أنّني وحدي. هناك.. في الطابق الخامس من تلك العمارة وجدوا جثّة. أنا لم أشعر بالبكاء حتّى. أفرغتُ رأسي من كلّ شيءٍ والآن أمشي بسعادة. ما أجمل هذا الشعور! لكنْ ما هو؟ كأنْ تقفَ عارياً أمام خالق كلّ شيء. أن تقف كالكريستال الخالص وتخبره أنّكَ كنتَ صالحاً. وهو سيصدقك لأنّ الجميع يصدّقك. أو أنْ تحلمَ بما يحلو لك، كأنْ تتفاوض مع هذا الخالق الذي لا نفهمه دائما، وتحاول إقناعه بأنْ يبقى جالساً على كرسيّه حتّى آخر الحلم. فأنتَ بالنهاية ممثّل بارع والجميع يصفّق لك مهما كانت الحياةُ نذلة معك.
لم أكنْ أكتب. كنتُ مشغولة. مشغولة على النحو الصحيح. أعيدُ القطط إلى الحياة هذه مهمّتي وأنا نائمة. في الليلِ أمنحهم موتاً طازجاً. وفي الصباح أطردهم قبل أنْ أنْ يبدأوا الحديث عن الحبّ. ودون أنْ يعرفوا أنّني مجرّد جبانةِ هربتْ مثل الدجاجة، تاركةً في المطبخِ جثّتها. لم أكنْ أكتب، عندما لمحتُ قطًّا تحلّقتْ الجرذانُ حوله. إبتأستُ لحاله. خلعتُ عنّي أسفلي وزحفتُ إليه بما تبقّى لي منْ أطرافٍ كيْ أخلّصه. بعدها أخذته إلى الحانةِ التي لا تقفل. شربنا كثيراً وتحدّثنا مطوّلاً عن شيءٍ غامضٍ وكئيب. صرخت فجأةً: “ماذا!.. لكنّكَ ستتبخّر عندَها. ثمّ من قال لك إنّي أحتاج مساعدتك، أنا أنجو دائماً وحدي”. طردته منَ الحانة. صحيح، القطط بلهاء ولا تصلح لشيء. القطط مجرّد قطط. كتبتُ هذا لحظتها وتابعتُ الشربَ وحيدة كأيّ امرأة تمشي في الشارع وهيَ سعيدة.
عندما فتحتُ عينيَّ على جرسِ المنّبه، منَ الهولِ تحسّستُ أطرافي. كان جسدي كاملاً ملتهباً. ولا يؤلمني شيء، لقد نجوتْ. صحيح لقدْ نجوت. كنتُ على حقٍّ إذن. على الطاولة الصغيرة قربَ سريري وجدتُ ورقةً كُتبَ فيها: “علينا أنْ نمزّق ذلك الخيال.”
لا يبدو الأمرُ مستحيلاً. الأمر تافه وبسيط، عليَّ فقط أنْ أصدّقَ نفسي.
غادة الأغزاوي / باريس
السادسة ونصف صباحاً. شعرتُ برأسي مقلوبة أين النيكوتين والقهوة التي لم أشرب بعد؟ أنا أظنُّ أنّه الشيطان. هذا العجب الذي يزوركِ ليلاً لا يمكن أن يكون ملاكاً. قلتُ كلاما على هذا الشكل. صدّقتني لكنّها لم تسكت بل تابعتْ حكيَها. ليتها تفتحُ عينيها وتنسى كلّ شيء. داهمتني رغبة عارمة في رميها منَ نافذة المطبخ، سأخبرُ الشرطيّ الوسيم الذي سيأتي للتحقيق في الواقعة أنّها سقطتْ وحدها ثمّ ماتت. أنا لطيفة جدّاً والجميع يصدّقني.
قبل ساعة. تشابكتِ الأمور بيننا. لا أتذكّر جيّداً منْ منّا نعتتْ الثانية بالتعيسة. حدثَ شيءٌ رهيب. لم يكنْ حلماً، بلْ مسدّسا أجهزتْ عليَّ برصاصةٍ منه ثمّ زحفتْ كالأفعى صوب النّافذة واختفتْ. بعدها لم أعد أرى شيئاً.
لكنّني سمعتهم يقولون: كانتْ لطيفة وتريد فقط رجلاً يرقص التانچو.
من هؤلاء! أنا لا أعرفهم
اللعنة.. اللعنة،
لا تقفوا هكذا كالخفافيش، أيقظوني..!
لم أعد أميّزُ الوقتَ تماماً. ولا أعرفُ شيئاً سوى أنّي أمشي الآنَ في الشارع وأدركُ جيّداً أنّني وحدي. هناك.. في الطابق الخامس من تلك العمارة وجدوا جثّة. أنا لم أشعر بالبكاء حتّى. أفرغتُ رأسي من كلّ شيءٍ والآن أمشي بسعادة. ما أجمل هذا الشعور! لكنْ ما هو؟ كأنْ تقفَ عارياً أمام خالق كلّ شيء. أن تقف كالكريستال الخالص وتخبره أنّكَ كنتَ صالحاً. وهو سيصدقك لأنّ الجميع يصدّقك. أو أنْ تحلمَ بما يحلو لك، كأنْ تتفاوض مع هذا الخالق الذي لا نفهمه دائما، وتحاول إقناعه بأنْ يبقى جالساً على كرسيّه حتّى آخر الحلم. فأنتَ بالنهاية ممثّل بارع والجميع يصفّق لك مهما كانت الحياةُ نذلة معك.
لم أكنْ أكتب. كنتُ مشغولة. مشغولة على النحو الصحيح. أعيدُ القطط إلى الحياة هذه مهمّتي وأنا نائمة. في الليلِ أمنحهم موتاً طازجاً. وفي الصباح أطردهم قبل أنْ أنْ يبدأوا الحديث عن الحبّ. ودون أنْ يعرفوا أنّني مجرّد جبانةِ هربتْ مثل الدجاجة، تاركةً في المطبخِ جثّتها. لم أكنْ أكتب، عندما لمحتُ قطًّا تحلّقتْ الجرذانُ حوله. إبتأستُ لحاله. خلعتُ عنّي أسفلي وزحفتُ إليه بما تبقّى لي منْ أطرافٍ كيْ أخلّصه. بعدها أخذته إلى الحانةِ التي لا تقفل. شربنا كثيراً وتحدّثنا مطوّلاً عن شيءٍ غامضٍ وكئيب. صرخت فجأةً: “ماذا!.. لكنّكَ ستتبخّر عندَها. ثمّ من قال لك إنّي أحتاج مساعدتك، أنا أنجو دائماً وحدي”. طردته منَ الحانة. صحيح، القطط بلهاء ولا تصلح لشيء. القطط مجرّد قطط. كتبتُ هذا لحظتها وتابعتُ الشربَ وحيدة كأيّ امرأة تمشي في الشارع وهيَ سعيدة.
عندما فتحتُ عينيَّ على جرسِ المنّبه، منَ الهولِ تحسّستُ أطرافي. كان جسدي كاملاً ملتهباً. ولا يؤلمني شيء، لقد نجوتْ. صحيح لقدْ نجوت. كنتُ على حقٍّ إذن. على الطاولة الصغيرة قربَ سريري وجدتُ ورقةً كُتبَ فيها: “علينا أنْ نمزّق ذلك الخيال.”
لا يبدو الأمرُ مستحيلاً. الأمر تافه وبسيط، عليَّ فقط أنْ أصدّقَ نفسي.
غادة الأغزاوي / باريس