محمد المكي إبراهيم - سيمدون أيديهم لنقيدها.. شعر

سجلوا في دفاتركم
انني اتنازلُ عن حِصتي في الطحين
وعن حصتي في الوقود
وعن حصتي في غبار الوطن .
طائعا اتنازل عنها لاجل الطفولةِ والعُشبِ
والقفزاتِ الكبيرةِ نحو النجوم القصية
حيث لا جوع او مرضا او مهانة
وحيث الدساتير مكنونة في المصارف
في غرفِ الكنز
حيث يكون الدخول عليها حراما على الحلل العسكرية

خذوا ما تبقى من المائدة :
النساء النضيرات والعملة الوافدة
والحشيش الذي تتعاطون سرا
والنفاق الذي تتعاطون جهرا
خذوا ما تريدون وا نصرفوا
واتركوني أشيد لي وطنا فوق انقاض هذا الهراء.

راح أبناء جيلي لجنتهم او جهنمهم
والبنات اللواتي بكينا بابوابهن تحولن جيلا قديما
وتقولون لي : لا يجوز التغزل في جَدة سبقتنا الى عالم النسل
أبناؤها الآن معنا أو بجانبنا او مع طرف آخر
يخوضون مستنقع الموت والقتل ضد طغاة عواجيز أو ضدنا

والطغاة العواجيزلا يولدون كما يولد الناس بل يصنعون
يصنعون اذا بلغوا الأربعين او اذا بلغوا رتبة الكولونيل
عندها يتلقون بعض الدروس السريعة في الرقص والابتسام
ومن البرمجيات تأتي بقية تعليمهم
برمجيات مغروسة في الذراع وفي البطن او في الدماغ
بعدها يؤخذون الى غرف الصقل حيث ينبطحون عرايا فينتزعون خصوبتهم
ويعطونهم طاقة الجنس والاشتهاء
فقد وجدوا ان كون الرئيس عقيما يقارب كون الرئيس عظيما
فنحسبها غلطة في الهجاء
ثم ينتزعون مشاعرهم كلها ما عدا حاسة الخوف :
خوف الطريدة في ظلمة الغاب إذ هي تسمع خشخشة الموت
في كل هبة ريح
وفي كل همسة عشب لصاحبه او أخيه
قبل ان يقضموا قضمة فبل ان ينهشوا نهشة
يتحقق ضباطهم أي ضباطهم وضع السم فيها
ما نسميه نحن التوجس يدعونه حاسة الامن


وانا ضامن لك ان الشوارع اخطر مما تظن
انها تتذكر كل حكايات أيامنا المجفلة
من قتيل الى قاتل لقتيل جديد
وقاتله بالضرورة أسم جديد يضاف الى القائمة
كم أضعنا من الوقت في البحث عن ميتة الشهداء لأنفسنا
كم اضاعوا من الوقت في قتلنا.

انني لست ضد التقاتلِ - فلنقتتل
بالكلام وبالفكر واللكمات الخفيفة
مثلما في ملاكمة اللومبياد
حيث يحتسبون النقاط ولايأخذونك بالضربة القاضية


وهمو لا يكفون عن ضربنا
في زنازينهم يشتمون اباك وامك
بل يشتمون الاله الذي يدعون محبته
والذي نهضوا لانقاذه من براثننا الجاهلية

نحن لا نحسن القتل
لسنا بلاشفة او دواعش
وخوفا من القتل نعفو ونصفح عمن ينادي بتقطيع أوصالنا
كل ذلك كي نخرجَ للناس في هيئة الانبياء
وفي هيبة الأولياء وفي رقة الشعرا ء
زُهدُنا يتمدد من كِسرة الخُبزِ الى
جُبة الصُوف ِ الى
شهوة القتل والسحل خلف إمام جديد

انتظر
إن قنبلة الغاز ليست الاعيبَ ناريةَ تبهج الناظرين
وهي لا تتدحرج ملفوفة في غلاف الهدايا
بل تفح فحيحا كما الافعوان.
الشوارع ليست لنا ولا نحن ابناؤها
حين ندخل تغلق بعض الحوانيت أبوابها - يتجمد ماء الشهامة فيها
وتظل تراقبنا مقشعرة الجلد خائفة ان نهشم لوح الزجاج المصفح
او نمد يدا لنخربش سيارة عابرة
والبيوت التي فتحت نفسها لتخبئنا صلبوا أهلها
واستباحوا حماها.
الشوارع ليست لنا ولا نحن أبناؤها
نحن ابناء المدارس والبيوت المتاخمة. وفي أوقات سابقة كانت الشوارع مملوكة للمشردين واطفال الشمس ولكنهم كبروا واصبح بعضهم يعملون عند سلطات الامن لقاء بعض النقود واصبحوا يتلثمون لاخفاء ملامحهم من عيون امهاتنا وعن أيديهن التي دأبت على التصدق عليهم ببقايا طعام البارحة
بالتجربة والخطأ وعن طريق الكر والفر أصبح أولاد نا قادرين على امتلاك الشوارع لبرهة من الزمان قبل ان تقتحمها عليهم هراوات الشرطة وشاحناتها
يقيمون متاريس متنقلة لتأمين المداخل وقبيل انسحابهم منها يشعلون الحرائق في الإطارات القديمة تاركين للهبها ودخانها ان يعلن للآخرين اننا كنا هنالك وانسحبنا بخسائرنا وجرحانا فنحن نعمل وفق قوانين تلزمنا بعدم الرد على العنف بالعنف
اسألوا الشباب فهم اكثر دراية وتجربة
سلوا هذه الجميلة كيف تدخل دار ابيها وأعضاء جسمها تئن تحت الكدمات والسجحات
سلوا ولدا عاد للبيت مضروبا داميا وروى كيف بسطوه في قاع حافلتهم البوكس
وشوهوا ظهره وذراعيه
إلا ان ضحايانا كلهم من الشباب الذين تنمو جلودهم من جديد وتتحول كدماتهم الى سجل تاريخي لما كان

هذه سنة الكون
أن يتفتح ورد وفي موسم الصيف يذبل شيئا فشيئا
ثم يولد ورد جديد
إن ما تشهدون من الورد نحن غرسناه
نحن سقيناه
واليوم هب ينافح عنا
فاذكروا انه ليس من العدل ان تفصلوا الورد عن غصنه
وعن ِشوكه وبتلاته

معنا الآن سرب النساء البواسل
سرب البنات الامازون إذ يتلقفن قنبلة الغاز طازجة
ثم يبعثنها وهي ملفوفة في الدخان لمن ارسلوها.
بعد حين سينجبن جيلا جديدا
ويدربنه على السير نحو النجوم القصية
الى حيث لا جوع أو مرضا أو مهانة
الى حيث يلمع في الأفق بيرقنا من جديد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...