– أنظر إلى الزجاجة، فأنتشي. تغمرني غبطة هوجاء. أشرب الكأس الأولى.. الثانية. يحتج صاحبي:
- بلا غش الله يخليك.. دور التورني!
أتجاهل غضبه
- الروج أصاحبي، خير من الويسكي..
- طيب ... ولكن كب لي آنا آبعدا...!
بتمام الزجاجة الثالثة نعجز عن المزيد... أسأل علي:
- هل سكرت ؟...
- ينزعج
-... أنا.. لا... لم أسكر... ربما أنت الذي سك..
... أصمت... ويستدرك...
- نعم... لقد سكرت.. أنا سكـرت يا أخـي..
ولكني أحس بنشاط هائل..
أنهض إلى المرحاض للمرة الثالثة، أبول .. أعود إلى مكاني... أفتح زجاجة رابعة، أملأ الكأس لعلي.. أمدها له.. ينحيها بعيدا عن فمه. بلا رغبة أشربها. أنهض. أجلس. أثاث الغرفة يتماوج أمام عيني. أحاول أن أشرح لعلي مشكلتي مع الكون... نبكي معا... علي يبول في سرواله ... أحس بوحش كاسر يتمطى في أحشائي .. أئن، أتقيأ.. القيء يلطخ سروالي.. الروج يسري في أمعائي... وأنا فرح. نغني معا :
- ما انا إلا بشر... عندي قلب ونظر...
وفي الخارج، يسقط المطر. تعوي العواصف والطريق خال من البشر.
أفكر في الخروج. ألتفت إلى صاحبي.أجده منبطحا على ظهره وسط الغرفة:
- انهض يا كلب!!! سنخرج من هذا السجن!!!
يفتح عينيه ببطىء. يتثاءب... يمد يديه في اتجاهي، ويقول:
- خذني معك... ياحبيبي... خذني معك!
أمسك بيديه وأسحبه نحوي.. كالصخرة يصير علي... لايتحرك. أسحبه مرة أخرى بقوة. أقع فوقه... ألعن ربه ويغني تحتي :
- مانا... إلا بشر... عندي قلب ونظر... وانت كلك خطر... ماتفكرشي فيا... آه....آه....
أنهض من فوقه. أبول عليه... يثور باكيا:
- آش هاد الزملة !
في الحي، نترنح معا. يتأرجح علي ذات اليمين.. أتأرجح ذات الشمال.. سقوط المطر يتضاعف. سيارة مجنونة تمر بسرعة فائقة فوق بركة ماء. الوحل يزركش ثيابنا... يجري علي خلف السيارة ليمسك بصاحبها... يتعثر... يسقط وسط بركة أخرى. يغمض عينيه بوداعة، فلا يفتحهما بعد ذلك. أصرخ:
- علي... علي... انهض! لقد سكرت كثيرا ياحمار حتى نمت في الوحل... يفتح إحدى عينيه ببطء... أمد له يدي... يرفض أن يمد يده. أركله، فيصيح كديك مكبوت:
- دعني لحالي... أريد أن أنام
أركله ثانية، بعنف... يهز رأسه... يتكىء على مرفقيه... أطوق ظهره بذراعي وأساعده على الوقوف. نبول معا وسط الطريق. قطة سوداء تمر من أمامي... أجري خلفها لأبول عليها.. تهرب، ألعن ربها. علي يهرول في اتجاهي... ينقض علي... يركلني... يبصق علي... يصفعني ... بعناء أتخلص منه:
- مابك... هل جننت؟
يصرخ في وجهي:
- أنت تجاوزت الحدود. العن ربك أولا، قبل أن تلعن ربي...
- ولكني لم أقصدك أنت... قصدت القطة.
ينظر إلي بشك وحذر... يتراجع خطوتين إلى الوراء... بصوت خفيض، يقول:
- ربما كنت أنا أيضا قطة؟
لاأفهم قصده.. أستفهم:
- ربما، ماذا؟
يجيبني باشمئزاز:
-أوف... ألا يوجد في البشر قطط ؟
أضحك بصوت عال . هطول المطر يشتد. وجهي يلسعه البرد. أشعر بذلك في حنق وبداخلي يتوهج حبي لنفسي، فأحتقر الكون...
كتفاي يعجزان عن حمل جثتي.. أحس بذلك... أحاول الاستناد على علي. يبتعد عني. يتجه صوب دكان الحي. للمرة الألف، يبول. اليوم يوم أحد، الدكان مغلق، وكتفاي ينوءان بحمل رأسي وجثتي. آذان صلاة المغرب يكتسح الحي. أتذكر عذاب الله يوم القيامة. رعب كبير يتملكني، فأبكي:...
- علــي !
يعانقني صاحبي. يسأل:
- ماذا تريد؟
- هل سندخل معا إلى جهنم؟
يصمت قليلا ويقول:
- لقد سكرت فعلا...
أقاطعه...
- وأنت؟
يقبلني ، ويقول بغباء:
- ماذا قلت لك قبل قليل؟
المطر يجن... ظلام خفيف ينتشر في أرجاء السماء... وصاحبي نصف حي...
- هل نرجع إلى البيت يا علي؟
لايجيب... على الأرض يبصق. يخلع معطفه ويلقي به وسط الطريق:
- ألا تحس بالبرد ؟
يرد بعنف :
- أنا لا أحس بأي شيء!!! ولا أرغب في الإحساس بأي شيء!!
أنقب في ذاكرتي عن الطريق التي أتينا منها... أتذكرها بعد عنت، فأعود أدراجي إلى البيت. صوت علي يسبقني، يطاردني... علي يطلب مني أن أنتظره... أفكر في الفرار... أهرب... جسمي يميل إلى اليمين ...إلى اليسار... إلى اليمين ... إلى كل توازني، أفقده. تتعثر قدماي. على الأرض أقع... جراح في ركبتي... جراح في.. وعلي يركلني :
- أنت ما شي راجل..!!
أحس بدوار في رأسي ... علي يمد لي يده ... أبعدها عني. أستنشق الهواء... دخان ممزوج برائحة التراب... أقول لعلي :
- دعني أستريح... أنا تعبت... أريد أن أستريح...
الضباب يغمر عيناي... في كثافته أتيه ... أضيع... أكاد أنعدم... وعندما أفتحهما، نور خافت يثقبهما. صاحبي يجلس متقرفصا إلى جانبي وأنا متـناثر... أحاول أن أفهم، لا أفهم أي شيء :
- علي، أين نحن ؟ .....
لايجيب......
أكرر السؤال بحدة :
- أجب... ماذا نفعل هنا ؟... أين أنا ؟
ترتسم على شفتيه ابتسامة مرة... يرفع رأسه إلى السقف... ينظر في ثقوبه... روائح كريهة تزكم أنفه... يجيب :
- نحن في السجن
- أين ؟
- نعم .. في السجن ... ألا تصدق ؟
أدفع بذاكرتي إلى الوراء ... ثيابي لا تزال مبللة وملتصقة بجسدي... بركبتي وجع ..وآه...تذكرت..
- كيف ألقي علينا القبض يا علي ؟
.... لايجيب ....
أتقرفص...أدس وجهي بين ركبتي، فأزداد اشمئزازا من الكون.. أحس بظمأ قاتل إلى الروج. علي يسعل... أنا أيضا أسعل. لا أندم على أي شيء مما حدث.. أنتظر اللحظة التي سيفرج فيها عنا معا .. وأغني :
- مانا إلا بشر ... عندي قلب ونظر... وأنت كلك خطر... ما تفكرشي فيا.... آه....آه .... –
(1983)
* منقول عن موقع محمد أسليم
- بلا غش الله يخليك.. دور التورني!
أتجاهل غضبه
- الروج أصاحبي، خير من الويسكي..
- طيب ... ولكن كب لي آنا آبعدا...!
بتمام الزجاجة الثالثة نعجز عن المزيد... أسأل علي:
- هل سكرت ؟...
- ينزعج
-... أنا.. لا... لم أسكر... ربما أنت الذي سك..
... أصمت... ويستدرك...
- نعم... لقد سكرت.. أنا سكـرت يا أخـي..
ولكني أحس بنشاط هائل..
أنهض إلى المرحاض للمرة الثالثة، أبول .. أعود إلى مكاني... أفتح زجاجة رابعة، أملأ الكأس لعلي.. أمدها له.. ينحيها بعيدا عن فمه. بلا رغبة أشربها. أنهض. أجلس. أثاث الغرفة يتماوج أمام عيني. أحاول أن أشرح لعلي مشكلتي مع الكون... نبكي معا... علي يبول في سرواله ... أحس بوحش كاسر يتمطى في أحشائي .. أئن، أتقيأ.. القيء يلطخ سروالي.. الروج يسري في أمعائي... وأنا فرح. نغني معا :
- ما انا إلا بشر... عندي قلب ونظر...
وفي الخارج، يسقط المطر. تعوي العواصف والطريق خال من البشر.
أفكر في الخروج. ألتفت إلى صاحبي.أجده منبطحا على ظهره وسط الغرفة:
- انهض يا كلب!!! سنخرج من هذا السجن!!!
يفتح عينيه ببطىء. يتثاءب... يمد يديه في اتجاهي، ويقول:
- خذني معك... ياحبيبي... خذني معك!
أمسك بيديه وأسحبه نحوي.. كالصخرة يصير علي... لايتحرك. أسحبه مرة أخرى بقوة. أقع فوقه... ألعن ربه ويغني تحتي :
- مانا... إلا بشر... عندي قلب ونظر... وانت كلك خطر... ماتفكرشي فيا... آه....آه....
أنهض من فوقه. أبول عليه... يثور باكيا:
- آش هاد الزملة !
في الحي، نترنح معا. يتأرجح علي ذات اليمين.. أتأرجح ذات الشمال.. سقوط المطر يتضاعف. سيارة مجنونة تمر بسرعة فائقة فوق بركة ماء. الوحل يزركش ثيابنا... يجري علي خلف السيارة ليمسك بصاحبها... يتعثر... يسقط وسط بركة أخرى. يغمض عينيه بوداعة، فلا يفتحهما بعد ذلك. أصرخ:
- علي... علي... انهض! لقد سكرت كثيرا ياحمار حتى نمت في الوحل... يفتح إحدى عينيه ببطء... أمد له يدي... يرفض أن يمد يده. أركله، فيصيح كديك مكبوت:
- دعني لحالي... أريد أن أنام
أركله ثانية، بعنف... يهز رأسه... يتكىء على مرفقيه... أطوق ظهره بذراعي وأساعده على الوقوف. نبول معا وسط الطريق. قطة سوداء تمر من أمامي... أجري خلفها لأبول عليها.. تهرب، ألعن ربها. علي يهرول في اتجاهي... ينقض علي... يركلني... يبصق علي... يصفعني ... بعناء أتخلص منه:
- مابك... هل جننت؟
يصرخ في وجهي:
- أنت تجاوزت الحدود. العن ربك أولا، قبل أن تلعن ربي...
- ولكني لم أقصدك أنت... قصدت القطة.
ينظر إلي بشك وحذر... يتراجع خطوتين إلى الوراء... بصوت خفيض، يقول:
- ربما كنت أنا أيضا قطة؟
لاأفهم قصده.. أستفهم:
- ربما، ماذا؟
يجيبني باشمئزاز:
-أوف... ألا يوجد في البشر قطط ؟
أضحك بصوت عال . هطول المطر يشتد. وجهي يلسعه البرد. أشعر بذلك في حنق وبداخلي يتوهج حبي لنفسي، فأحتقر الكون...
كتفاي يعجزان عن حمل جثتي.. أحس بذلك... أحاول الاستناد على علي. يبتعد عني. يتجه صوب دكان الحي. للمرة الألف، يبول. اليوم يوم أحد، الدكان مغلق، وكتفاي ينوءان بحمل رأسي وجثتي. آذان صلاة المغرب يكتسح الحي. أتذكر عذاب الله يوم القيامة. رعب كبير يتملكني، فأبكي:...
- علــي !
يعانقني صاحبي. يسأل:
- ماذا تريد؟
- هل سندخل معا إلى جهنم؟
يصمت قليلا ويقول:
- لقد سكرت فعلا...
أقاطعه...
- وأنت؟
يقبلني ، ويقول بغباء:
- ماذا قلت لك قبل قليل؟
المطر يجن... ظلام خفيف ينتشر في أرجاء السماء... وصاحبي نصف حي...
- هل نرجع إلى البيت يا علي؟
لايجيب... على الأرض يبصق. يخلع معطفه ويلقي به وسط الطريق:
- ألا تحس بالبرد ؟
يرد بعنف :
- أنا لا أحس بأي شيء!!! ولا أرغب في الإحساس بأي شيء!!
أنقب في ذاكرتي عن الطريق التي أتينا منها... أتذكرها بعد عنت، فأعود أدراجي إلى البيت. صوت علي يسبقني، يطاردني... علي يطلب مني أن أنتظره... أفكر في الفرار... أهرب... جسمي يميل إلى اليمين ...إلى اليسار... إلى اليمين ... إلى كل توازني، أفقده. تتعثر قدماي. على الأرض أقع... جراح في ركبتي... جراح في.. وعلي يركلني :
- أنت ما شي راجل..!!
أحس بدوار في رأسي ... علي يمد لي يده ... أبعدها عني. أستنشق الهواء... دخان ممزوج برائحة التراب... أقول لعلي :
- دعني أستريح... أنا تعبت... أريد أن أستريح...
الضباب يغمر عيناي... في كثافته أتيه ... أضيع... أكاد أنعدم... وعندما أفتحهما، نور خافت يثقبهما. صاحبي يجلس متقرفصا إلى جانبي وأنا متـناثر... أحاول أن أفهم، لا أفهم أي شيء :
- علي، أين نحن ؟ .....
لايجيب......
أكرر السؤال بحدة :
- أجب... ماذا نفعل هنا ؟... أين أنا ؟
ترتسم على شفتيه ابتسامة مرة... يرفع رأسه إلى السقف... ينظر في ثقوبه... روائح كريهة تزكم أنفه... يجيب :
- نحن في السجن
- أين ؟
- نعم .. في السجن ... ألا تصدق ؟
أدفع بذاكرتي إلى الوراء ... ثيابي لا تزال مبللة وملتصقة بجسدي... بركبتي وجع ..وآه...تذكرت..
- كيف ألقي علينا القبض يا علي ؟
.... لايجيب ....
أتقرفص...أدس وجهي بين ركبتي، فأزداد اشمئزازا من الكون.. أحس بظمأ قاتل إلى الروج. علي يسعل... أنا أيضا أسعل. لا أندم على أي شيء مما حدث.. أنتظر اللحظة التي سيفرج فيها عنا معا .. وأغني :
- مانا إلا بشر ... عندي قلب ونظر... وأنت كلك خطر... ما تفكرشي فيا.... آه....آه .... –
(1983)
* منقول عن موقع محمد أسليم