[ ] لم اكن اعرف الكثير عن التجربة التشكيلية السودانية ليس لعدم اهميتها وانما اعترف انه كان تقصيرا منا نحن الافارقة في التعامل مع تجاربنا المحلية ، بحيث ان العالم الافريقي عامة والاسلامي العربي خاصة غالبا ما يجري وراء التجارب الغربية مما يعمي بصيرته ولا يستطيع رؤية الكنوز التشكيلية الافريقية الغنية التي ينهبها ويستنزفها الغرب في حد ذاته وفي خفاء ليملأ متاحفه بها لجلب العملة الصعبة، فتصبح النكتة اننا نسافر الى الغرب لنتعرف على فنوننا التشكيلية الافريقية بمتاحفهم بعد ان ندفع لهم رسوم الدخول . وانا اتحدث مع التشكيلي السوداني السيد محمد ابكر حسين لاجمع بعض المعطيات لتكون لي المعرفة المُثلى التي تؤهلني لبلورة فكرة كافية عن المشهد التشكيلي بالدولة الشقيقة السودان اكتشفت ان الاخ الصلحي ابراهيم هو اول سوداني تدخل اعماله لمتحف الموما MOMA بنيويورك الذي ترددت عليه لازيد من عشر مرات منذ سنة 2015 ، وصدفة تعرفت على زوجة التشكيلي محمد ابكر حسين الفنانة هند عبد الحميد واكتشفت اعمالا بعمق وعراقة الفن الافريقي . فعلا احسست بخجل من نفسي ، ونحن كنقاد افارقة ماذا قدمنا للفن الافريقي في اطار التعريفي به بالساحة العربية والعالمية ككل؟
فتذكرت مقولة العرب الشهيرة " مطرب الحي لا يطرب" اعوذ بالله من الشيطان الرجيم كيف نرسخ هذه المقولة رغما عنا!
وهنا كنت مضطرة لطرح مجموعة اشكاليات لتسهيل عملية بحثي منهجيا.
- من تكون الفنانة التشكيلية هندعبد الحميد ؟
- ماذا يميز تحربتها التشكيلية ؟
-ما هي المدرسة النشكيلية التي اختارت التعبير فيها عن تمثلاتها الفنية وقضاياها الفكرية؟
- كيف تعاملت مع المنشاء الفني ؟
الفنانة هند عبدالحميد عبد الغفار أحمد المعروفة فنيا باسم الفنانة هندويه عبد الحميد عبد الغفار احمد تشكيلية سودانية ولدت وترعرعت بالسودان وخريجة كلية الفنون الجميلة بها..سيدة تعمل في صمت بعيدا عن البهرجة او الجري وراء الشهرة ، حاصلة على مداليات التميز بالميدان التشكيلي من العديد من الجهات الوازنة . ما يهمنا من مسارها الفني هو ما يميز تجربتها الفنية في حد ذاتها .
اعمال الفنانة السودانية لا تخرج عن اطار المدرسة الواقعية تارة وتارة اخرى تجريدية او انطباعية.لكن المنشاء الفني لديها يدخل ضمن زمرة الاعمال الجادة العميقة التي تبحث في التراث السوداني الذي يستمد مشروعيته من الحياة السودانية الغنية بالضوء والالوان والرموز في اسلوبها فى الرسم باستخدام السكين وألوان الزيت للوصول لتدرجات اللون الواحد والالوان المتداخلة (الهارمونى).
لوحاتها لها من الجمال والجدوى ما لا نستطيع حتى استنطاقه والحديث عنه لأنه يندرج في إطار الأعمال الجادة التي ليس بوسع المرء إلا أن يقف أمامها متأملاً مندهشا دون أن ينطق بحرف لأن الكلام في حضرتها إفساد للحظة الابحار في عوالم الجمال والتامل لتاخذك في برزخ روحي و لحظة صوفية تعيشها بقلبك وعقلك ووجدانك، فتدرجت اعمالها بين الواقعية والتجريدية بشكل محكم وبحرفية مدروسة الخطى.
أشتغلت في معظم لوحاتها التجريدية بتجريد ظاهر على بعض المفردات التراثية والزخارف الشعبية من خلال الوان الالبسة او المحيط او البيىة والتراث الفني والخضاري، فهي تمارس فنها بذائقة جمالية راقية وحرفية وتمكن ، كما جاءت واقعيتها بتمويه ذكي ورفيع جدا خصوصا على مستوى رسم ملامح الوجه ، وحتى وان كانت تجسيدية إلا أنهُا لم تتقيد فيها بالشكل الأمثل للجسد البشري بل ترسم الاجساد بتمويه ذكي للوجوه حتى لا تدخل في اشكالية التجسيم والتجسيد وتضارب المواقف حولهما بالدول الاسلامية . بل ان الفنانة حاولت التنويع أو بالأحرى عزفت عدة نغمات لونية من مختلف المدارس التشكيلية ، فجاءت لوحاتها متنوعة وغنية لتخرج منها اجسام رجالية ونساىية انسيابية تحتوي على الكثير من الانفعالات النفسية والتمثلات الفكرية منها الواقعية والتجريدية . بل أن الناظر لا يمكنه أن يتجاوز أعمال الفنانة هندويه دون أن يتمعن فيها بتأني ويستشف جمالياتها المخبوءة والأرتحال في عوالمها الشاسعة لغزارة تفاصيلها، لا سيما تلك التي اختارت اجساد نسائية او رجالية تغزو البياض لتمزق الصمت في امتداد عميق يمتد الى ما وراء مستوى الرؤية وكانها تريد ان تقول لك ان التشكيل السوداني لدى الرجال او نساء تجارب عميقة تمتد الى ما لا يستطيع بصرك الوصول اليه ، وقليلا ما نجد فراغ أو بياض بداخلها فيما تبدو من جهة ثانية عبارة عن رحلات الى عوالم الالوان البعيدة والقريبة والممتدة للمستقبل .ليظل المهم لدى الفنانة هنا هو التقاط الحالة المرسومة وتجسيدها فوق منشاىها الفني بحبكة ودراية وتمكن من تحريك الكتلة اللونية وتوزيعها بتوازن حسبما ترآه هي لا كما هي موجودة في الواقع وعبر الواقع ذاته بطبيعة الحال كلوحة الشيخين الجالسين في حديث هادىء مثلا، أي أن الفنانة هندويه لا تستغني عن الواقع ومحاكته ولكنها في نفس الوقت تحورهُ كما تريده هي بصوفية تجريدية او انطباعية ولا تتقيد بضوابطه وصرامته. وثمة راحة بصرية غامرة تعزفها لوحاتها ولا يمكن للمتلقي إلا أن يحسها و يسمعها ويستجيب لوقعها وتردد صداها في نفسه خصوصا بأعمالها التجريدية ذات الألوان المُبهِجة للروح حتى ولو استعملت بها الالوان الغامقة كالازرق والبنفسجي بذكاء فانها تضيف عليها لمسات باللون الأسود والبرتقالي والاصفر والابيض لتتشابك فيها الخطوط المتعرجة والمنحنية العريضة والدقيقة وتتداخل ببعضها البعض حتى أنها لتبدو مثل الأغصان المتشابكة لتفتح لك بها مسارا شبيه بالطريق الممتد وسط غابة ، تعبيرا عن حالة محددة تراها الفنانة مما يمنح المتلقي راحة نفسية وكانه يمشي بهذا المسار مما يشعره بسعادة ليتحرر من كل ما يضغط على روحه المتعبة فيجتهد في اقحام نفسه في المساءلة الفنية الجادة للتعبير عنه رايه باعمالها بكل انسياببة وحرية متتبعا الكثير من الضربات اللونية القوية المحسوبة. واذا تتبعنا مسار التنقيط والخطوط الطولية والعرضية الصاعدة والنازلة بتناسق وتناغم لوني جمالي تظهر لوحاتها التجريدية متناسقة ومتوازنة مما يجبر الناقد على ان يكتب باحترافية ولا ان يطلق الأحكام بدون معرفة سابقة بها ويعود ذلك فقط إلى ما استنتجه من رقي الذائقة لصاحبة المنجز الفني كمنشاء يحترم الضوابط الفنية المتعارف عليها، لكن هندويه تضيفها لمسة خاصة بها تمنحها الطابع الانثوي السوداني وهو كثافة اللون وتعدد زوايا الرؤية والانكسارات الضوئية لتمنحها تعدد المداخل .
عموما اعمالها التجريدية نرى أنها معبرة بدقة عن الفن التشكيلي السوداني الجاد ، كأحد الوجوه التي تشكل المشاهد الفنية الراهنة ، بل وأحد المتفاعلين مع تطور الفن التشكيلي عامة، خاصة وأن الفنانة السودانية لديها من واقعها ما تستطيع أن يلهمها لأن تقدم وتنجز أعمالا مقنعة لتترجم هذا الواقع إلى رؤى فنية خاصة بها لتسهم في إغناء الذائقة الجمالية الإنسانية وتنشر الجمال وتعالج قضايا فكرية كالمساواة بين الجنسين مثلا لتقترح واقعا أقل حدة بلوحاتها الفنية العالية الذوق لكونها في الأساس لا تخاطب المتلقي السوداني فقط بوجه جديد هو وجه الفرح وانما المتلقي الكوني عامة لتاتي اعمالها غارقة في الألوان والأنسجام الجمالي...
خيرة جليل
فتذكرت مقولة العرب الشهيرة " مطرب الحي لا يطرب" اعوذ بالله من الشيطان الرجيم كيف نرسخ هذه المقولة رغما عنا!
وهنا كنت مضطرة لطرح مجموعة اشكاليات لتسهيل عملية بحثي منهجيا.
- من تكون الفنانة التشكيلية هندعبد الحميد ؟
- ماذا يميز تحربتها التشكيلية ؟
-ما هي المدرسة النشكيلية التي اختارت التعبير فيها عن تمثلاتها الفنية وقضاياها الفكرية؟
- كيف تعاملت مع المنشاء الفني ؟
الفنانة هند عبدالحميد عبد الغفار أحمد المعروفة فنيا باسم الفنانة هندويه عبد الحميد عبد الغفار احمد تشكيلية سودانية ولدت وترعرعت بالسودان وخريجة كلية الفنون الجميلة بها..سيدة تعمل في صمت بعيدا عن البهرجة او الجري وراء الشهرة ، حاصلة على مداليات التميز بالميدان التشكيلي من العديد من الجهات الوازنة . ما يهمنا من مسارها الفني هو ما يميز تجربتها الفنية في حد ذاتها .
اعمال الفنانة السودانية لا تخرج عن اطار المدرسة الواقعية تارة وتارة اخرى تجريدية او انطباعية.لكن المنشاء الفني لديها يدخل ضمن زمرة الاعمال الجادة العميقة التي تبحث في التراث السوداني الذي يستمد مشروعيته من الحياة السودانية الغنية بالضوء والالوان والرموز في اسلوبها فى الرسم باستخدام السكين وألوان الزيت للوصول لتدرجات اللون الواحد والالوان المتداخلة (الهارمونى).
لوحاتها لها من الجمال والجدوى ما لا نستطيع حتى استنطاقه والحديث عنه لأنه يندرج في إطار الأعمال الجادة التي ليس بوسع المرء إلا أن يقف أمامها متأملاً مندهشا دون أن ينطق بحرف لأن الكلام في حضرتها إفساد للحظة الابحار في عوالم الجمال والتامل لتاخذك في برزخ روحي و لحظة صوفية تعيشها بقلبك وعقلك ووجدانك، فتدرجت اعمالها بين الواقعية والتجريدية بشكل محكم وبحرفية مدروسة الخطى.
أشتغلت في معظم لوحاتها التجريدية بتجريد ظاهر على بعض المفردات التراثية والزخارف الشعبية من خلال الوان الالبسة او المحيط او البيىة والتراث الفني والخضاري، فهي تمارس فنها بذائقة جمالية راقية وحرفية وتمكن ، كما جاءت واقعيتها بتمويه ذكي ورفيع جدا خصوصا على مستوى رسم ملامح الوجه ، وحتى وان كانت تجسيدية إلا أنهُا لم تتقيد فيها بالشكل الأمثل للجسد البشري بل ترسم الاجساد بتمويه ذكي للوجوه حتى لا تدخل في اشكالية التجسيم والتجسيد وتضارب المواقف حولهما بالدول الاسلامية . بل ان الفنانة حاولت التنويع أو بالأحرى عزفت عدة نغمات لونية من مختلف المدارس التشكيلية ، فجاءت لوحاتها متنوعة وغنية لتخرج منها اجسام رجالية ونساىية انسيابية تحتوي على الكثير من الانفعالات النفسية والتمثلات الفكرية منها الواقعية والتجريدية . بل أن الناظر لا يمكنه أن يتجاوز أعمال الفنانة هندويه دون أن يتمعن فيها بتأني ويستشف جمالياتها المخبوءة والأرتحال في عوالمها الشاسعة لغزارة تفاصيلها، لا سيما تلك التي اختارت اجساد نسائية او رجالية تغزو البياض لتمزق الصمت في امتداد عميق يمتد الى ما وراء مستوى الرؤية وكانها تريد ان تقول لك ان التشكيل السوداني لدى الرجال او نساء تجارب عميقة تمتد الى ما لا يستطيع بصرك الوصول اليه ، وقليلا ما نجد فراغ أو بياض بداخلها فيما تبدو من جهة ثانية عبارة عن رحلات الى عوالم الالوان البعيدة والقريبة والممتدة للمستقبل .ليظل المهم لدى الفنانة هنا هو التقاط الحالة المرسومة وتجسيدها فوق منشاىها الفني بحبكة ودراية وتمكن من تحريك الكتلة اللونية وتوزيعها بتوازن حسبما ترآه هي لا كما هي موجودة في الواقع وعبر الواقع ذاته بطبيعة الحال كلوحة الشيخين الجالسين في حديث هادىء مثلا، أي أن الفنانة هندويه لا تستغني عن الواقع ومحاكته ولكنها في نفس الوقت تحورهُ كما تريده هي بصوفية تجريدية او انطباعية ولا تتقيد بضوابطه وصرامته. وثمة راحة بصرية غامرة تعزفها لوحاتها ولا يمكن للمتلقي إلا أن يحسها و يسمعها ويستجيب لوقعها وتردد صداها في نفسه خصوصا بأعمالها التجريدية ذات الألوان المُبهِجة للروح حتى ولو استعملت بها الالوان الغامقة كالازرق والبنفسجي بذكاء فانها تضيف عليها لمسات باللون الأسود والبرتقالي والاصفر والابيض لتتشابك فيها الخطوط المتعرجة والمنحنية العريضة والدقيقة وتتداخل ببعضها البعض حتى أنها لتبدو مثل الأغصان المتشابكة لتفتح لك بها مسارا شبيه بالطريق الممتد وسط غابة ، تعبيرا عن حالة محددة تراها الفنانة مما يمنح المتلقي راحة نفسية وكانه يمشي بهذا المسار مما يشعره بسعادة ليتحرر من كل ما يضغط على روحه المتعبة فيجتهد في اقحام نفسه في المساءلة الفنية الجادة للتعبير عنه رايه باعمالها بكل انسياببة وحرية متتبعا الكثير من الضربات اللونية القوية المحسوبة. واذا تتبعنا مسار التنقيط والخطوط الطولية والعرضية الصاعدة والنازلة بتناسق وتناغم لوني جمالي تظهر لوحاتها التجريدية متناسقة ومتوازنة مما يجبر الناقد على ان يكتب باحترافية ولا ان يطلق الأحكام بدون معرفة سابقة بها ويعود ذلك فقط إلى ما استنتجه من رقي الذائقة لصاحبة المنجز الفني كمنشاء يحترم الضوابط الفنية المتعارف عليها، لكن هندويه تضيفها لمسة خاصة بها تمنحها الطابع الانثوي السوداني وهو كثافة اللون وتعدد زوايا الرؤية والانكسارات الضوئية لتمنحها تعدد المداخل .
عموما اعمالها التجريدية نرى أنها معبرة بدقة عن الفن التشكيلي السوداني الجاد ، كأحد الوجوه التي تشكل المشاهد الفنية الراهنة ، بل وأحد المتفاعلين مع تطور الفن التشكيلي عامة، خاصة وأن الفنانة السودانية لديها من واقعها ما تستطيع أن يلهمها لأن تقدم وتنجز أعمالا مقنعة لتترجم هذا الواقع إلى رؤى فنية خاصة بها لتسهم في إغناء الذائقة الجمالية الإنسانية وتنشر الجمال وتعالج قضايا فكرية كالمساواة بين الجنسين مثلا لتقترح واقعا أقل حدة بلوحاتها الفنية العالية الذوق لكونها في الأساس لا تخاطب المتلقي السوداني فقط بوجه جديد هو وجه الفرح وانما المتلقي الكوني عامة لتاتي اعمالها غارقة في الألوان والأنسجام الجمالي...
خيرة جليل