عبد القادر وساط - بورخيس وعلي شار

كان بورخيس الأعمى يمشي وحيدا في زقاق موحش من أزقة بوينس أيرس، في الهزيع الأخير من الليل، وكان ارتطام عكازته بالإسفلت يُسمع من بعيد. ثم حدث ما كان متوقعا. إذ اعترض طريقَه شاب يحمل سكينا، وهدده بها قائلا:
- ها قد حانت ساعتُك أيها الأعمى! لقد قادتك قدماك إلي لأطعنك بسكيني هذه!
بقي بورخيس رابط الجأش رغم الموقف الحرج. لم ينطق بأية كلمة، فعاد الشاب يخاطبه قائلا:
- اسمعني جيدا يا بورخيس، فأنا واحد من قرائك. وفي الكثير من قصصك، يموت الأبطال بطعنات السكاكين، فمالي أراك تخشى موتا مماثلا؟
قال بورخيس:
- ومن قال لك إني أخشاه؟ لقد نشأتُ في حي تَنعدم فيه الأسلحة النارية أو تكاد. وكل المعارك التي تفرجتُ عليها أو شاركتُ فيها في صباي كانت تتم بالسكاكين.
قال الشاب:
- فأخبرني الآن عن العبارة التي تود كتابتَها على شاهدة قبرك، فإني قد عقدت العزم على قتلك.
قال بورخيس:
- إن كان لا بد من ذلك فليكن. وأقترح عليك أن تكتب على شاهدتي هذه العبارة:" هنا يرقد بورخيس. لم يكن الموت بالنسبة إليه أقلَّ جاذبية من الحياة!"
لم يكد الكاتب الأرجنتيني ينهي عبارته هذه حتى سمع وقْعَ سنابك على الإسفلت.
كان هناك فارس ملثم يقترب مسرعا بحصانه، فلما رآه الشاب أطلق ساقيه للريح. إثر ذلك ترجل الفارس وتقدم ممسكا بعنان جواده نحو الأديب الأعمى، وخاطبه بلغة عربية فصيحة:
- يا بورخيس، لا تخش شيئا مني. فأنا لستُ قاتلا ولا قاطع طرق. واعلم أن اسمي" علي شار" وأني جئت إلى هذه المدينة بحثا عن حبيبتي زمرد، التي اختطفها مني الأعداء قبل شهور.
بقي بورخيس صامتا يفكربعض الوقت، ثم قال للشاب:
- علي شار؟ لقد عرفتُك أيها الفتى القادم من ألف ليلة وليلة. ولعل حبيبتك زمرد هي المرأة التي قابلتَها في سوق الرقيق ببغداد، فأحببتها وأحبتك، وأعطتك المال لتشتريها، ثم تزوجتَها بعد ذلك، واغتنيت فترة من الزمن ، لكنك سرعان ما بددت ثروتك، وعدت إلى سابق عهدك بالفقر.
قال علي شار:
- نعم يا يا سيدي، ولقد بلغني أن المختطفين يحتجزون حبيبتي زمرد في بيت من بيوت مدينتكم هذه. وهو بيت مسكون بالجن. وقد احتجزوا معها امرأة أخرى، هي بدر البدور، ابنة إمبراطور الصين ومحبوبة علاء الدين.
وضع بورخيس يده على عنق الحصان وقال لعلي شار:
- انصرف الآن إلى الخان الذي تقيم فيه. فإذا كان الغد فابحث عن رجل رقيق الحال، يعيش في بوينس إيرس، اسمه سندباد الحمّال. سيدلك دون شك على ذلك البيت المسكون بالجن والذي يسميه أهلُ مدينتنا" بيت الأموات."

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...