صفاء عبد المنعم - الموت هو أجمل فنان.. قصة قصيرة

لأنه أسدل ستارة سميكة من القطيفة الداكنة على اللوحة التى تم الأنتهاء منها منذ وقت قليل ، وأصبح صاحبها فى زمن ماضى ، لحظتها سكنت العواصف ، وتأمل اللوحة ، أقصد تأمل حياة الفنان المبدع بشكل أكثر حيادية .
يبدو لى الآن أنه يوجد نوع من أنواع الجنون الرائع الذى بدأ يتبدد شيئا فشيئا مع مرور السنين ، هكذا حدث نفسه ، بشكل صادق وصريح ربما يكون لأول مرة فى حياته ،يتأمل الأشياء بأكثر دقة وحساسية ، وهو يرشف أخر رشفه من كوب الشاى الغامق ، ويلقى بعقب سيجارته داخل الكوب ، ثم قام واقفا ، وأخذ يدندن بصوت رخيم للأخر لحن سمعه وهو معها ، أثناء جلوسها بشكل رومانسى وطاغى فى شرفة الحجرة المطلة على الحديقة الخلفية للمنزل ، وهو يحدثها بصوت رخيم واثق ، أن مستقبلهما ، والأيام القادمة معا،هى أجمل أيام .
هى قليلا ماكانت تصدق أحاديثه وحكاياته ، وتثق فيما يقطع من عهود ومواثيق على نفسه ، لقد جربت أحاديثه الشيقة من قبل عن الحب والحنان والمستقبل ، لأنها بحسها الفطرى تعرف إنه مازال يكذب ويخدع ، ولكن كل مرة بشكل مغاير ، وبمجرد أن تنتهى اللوحة التى فى يده ، حتى يعود إلى سيرته الأولى شرسا ، كاذبا ، لا يفى بأى وعود قطعها على نفسه ، ويظل يدخن فى صمت سيجارة من سيجارة .وكم من مرة صدقت كلماته ، ولكن بمرور الأيام ، أكتشفت أنها مجرد كلمات ، كلمات فقط .
فى هذه اللحظة خرجت من الحجرة ، وأغلقت الباب جيدا ، وقبل خروجها عرفت أن هذه اللوحة ، سوف تكون أخر لوحة يقوم برسمها فى هذا العام ، وأنه سوف يرحل قريبا ، هى لا تعرف بالضبط لماذا كان هذا الهاجس يطاردها دائما كلما كانت تقف قبالته عارية تماما ، ولكن الآن وفى هذه اللحظة ، صدقت حدسها بقوة وبصدق شديد ؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...