هذا العنوان قد يكون عنوان بحث علمي لكنه مجرد مقالة أدبية أريد من خلالها مراجعة شيء من روائع شعرنا العربي وأحاول تلمس أوجه التشابه والاختلاف بين هذين النوعين من البكاء في الشعر العربي .
من أشهر قصائد البكاء على الأطلال المعلقات السبع في العصر الجاهلي ، والتي قيل أنها كتبت بماء الذهبوعلقت على أستار الكعبة ، وهي معلقة امرئ القيس ، ومطلعها :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل = بسقط اللوى بين الدخول فحومل
ومعلقة طرفة بن العبد ، ومطلعها :
لخوله أطلال ببرقه ثهمد = تلوح كباقي الوشم في ظاهراليد
ومعلقة زهير بن أبي سلمى ، ومطلعها :
أمن أم أوفى دمنه لم تتكلم = بحومانة الدراج فالمتلثم
ومعلقة عنترة بن شداد ، ومطلعها :
هل غادر الشعراء من متردم = أم هل عرفت الدار بعد توهم
ومعلقة عمرو بن كلثوم ، ومطلعها :
ألا هبي بصحنك فاصبحينا = ولا تبقي خمور الأندرينا
وهي المعلقة الخمرية التي بدأت بمقدمة خمرية .
ومعلقة الحارث بن حلزة ، ومطلعها
أذنتنا ببينها أسماء = رب ثاو يمل منه الثواء
ومعلقة لبيد بن ربيعة ، ومطلعها :
عفت الديار محلها فمقامها = بمنى تأبد غولها فرجامها
واستمر الوقوف على الأطلال في الشعر العربي حتى العصر الحديث في بعض القصائد . والحديث عن عادة البكاء والوقوف على الأطلال في الشعر العربي طويل ، لكن دعوني انتقل لتسليط شيء من الضوء على البكاء على المدن والممالك في الشعر العربي :
( عرف شعراء المشرق العربي بكاء المدن لكنهم لم يبلغوا فيه شأن المغاربة والأندلسيين ، الذين برعوا فيه لكثرة سقوط المدنوالممالك في المغرب العربي وخاصة الأندلس .
ومن شعراء المشرق الذين بكوا مدينة بغدادأثناء الفتنة بين الأمين والمأمون سنة سبع وتسعين ومائة للهجرة ( 197 ه _ 812 م ) الشاعر عمرو بن عبد الملك الوراق ، يقول :
من ذا أصابك يا بغداد بالعين = ألم تكوني زمانا قرة العين
ألم يكن فيك قوم كان قربهم = وكان مسكنهم زينا من الزين
صاح الغراب فيهم بالبين فافترقوا = ماذا لقيت لهم من لوعة البين
ويقول الشاعر الخزيمي إسحاق بن حسانالفارسي :
يا بؤس بغداد دار مملكة = دارت على أهلها دوائرها
وحينما اقتحم الزنج البصرة سنة خمس وخمسينومائتين للهجرة ( 255 ه ) وهددوا كيان الدولة العباسية ، واعتدوا على الأموالوالحرمات والأعراض ، قال ابن الرومي :
أي نوم من بعد ما حل بالبصرة = ما حل من هنات عظام
أي نوم من بعد ما انتهك = الزنج جهارا محارم الإسلام
كم أخ قد رأى أخاه صريعا = ترب الخد بين صرعى كرام.)( 1 ) .
وفي هذا السياق دراسة رائعة للدكتور السعيدعبد المجيد التوني بعنوان : ( قصيدة أبي الطيب الرندي
في رثاء الأندلس دراسة بلاغية تحليلية ) (2 ) .
يحسن الوقوف عليها لأنها تظهر جمال وبلاغةالقصيدة بمنهج علمي ، ومطلع القصيدة المشهورة :
لكل شيء إذا ما تم نقصان = فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول = من سره زمن ساءته أزمان
والحديث عن بكاء المدن والممالك في الشعرالعربي طويل ، والنماذج كثيرة .
هذان النوعان من البكاء في شعرنا العربيتلتقي وتتفق في البكاء على فقد وخسارة عزيز وغالي .
وتختلف القصائد الطللية من حيث صدق عاطفةالشاعر في بكاء حبيبته بين من هو صادق وبين من يبكي كعادة في بناء القصيدة قديما ،يتضح ذلك من خلال معاني القصائد ، وفي هذا السياق دراسة جميلة للأستاذ الدكتورمصطفى عبد الواحد بعنوان
( الوقوف على الأطلال بين الجاهليةوالإسلام ) .
ويرى البعض أن الوقوف على الأطلال هو رمزلحب الوطن عند الإنسان العربي ، لكن حب الوطن وصدق العاطفة أكثر وضوحا في البكاءعلى المدن والممالك لأنهم يبكون أرضا سلبت ووطنا ضاع ،
بل هم يبكون حضارة وتاريخ ، كما أن القارئلقصائد البكاء بنوعيه في النماذج الرائعة يجد المتعة الفنية والأدبية التي يبحثعنها ، لكنه يهتز ويطرب وهو يقرأ القصيدة الطللية هادئ النفس لا يكدر صفوه شيء ،أما وهو يقرأ قصائد البكاء على المدن والممالك فإنه يشعر بشيء غير يسير من الألموالحسرة وربما الفتور ؛ فالجرح جرحه وجرح أمته...
وما يزال الإنسان العربي يبكي فراديسه، فبعد الأندلس فلسطين وبعدها بغداد....فهل كتب البكاء عليك أيها الإنسان العربي هل كتب عليك أن تبكي الديار كما بكى ابن خذام ؟!!! وهل للبكاء من نهاية؟؟
* من كتاب حصاد العقل للقاصة والصحفية ابتسام البقمي
من أشهر قصائد البكاء على الأطلال المعلقات السبع في العصر الجاهلي ، والتي قيل أنها كتبت بماء الذهبوعلقت على أستار الكعبة ، وهي معلقة امرئ القيس ، ومطلعها :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل = بسقط اللوى بين الدخول فحومل
ومعلقة طرفة بن العبد ، ومطلعها :
لخوله أطلال ببرقه ثهمد = تلوح كباقي الوشم في ظاهراليد
ومعلقة زهير بن أبي سلمى ، ومطلعها :
أمن أم أوفى دمنه لم تتكلم = بحومانة الدراج فالمتلثم
ومعلقة عنترة بن شداد ، ومطلعها :
هل غادر الشعراء من متردم = أم هل عرفت الدار بعد توهم
ومعلقة عمرو بن كلثوم ، ومطلعها :
ألا هبي بصحنك فاصبحينا = ولا تبقي خمور الأندرينا
وهي المعلقة الخمرية التي بدأت بمقدمة خمرية .
ومعلقة الحارث بن حلزة ، ومطلعها
أذنتنا ببينها أسماء = رب ثاو يمل منه الثواء
ومعلقة لبيد بن ربيعة ، ومطلعها :
عفت الديار محلها فمقامها = بمنى تأبد غولها فرجامها
واستمر الوقوف على الأطلال في الشعر العربي حتى العصر الحديث في بعض القصائد . والحديث عن عادة البكاء والوقوف على الأطلال في الشعر العربي طويل ، لكن دعوني انتقل لتسليط شيء من الضوء على البكاء على المدن والممالك في الشعر العربي :
( عرف شعراء المشرق العربي بكاء المدن لكنهم لم يبلغوا فيه شأن المغاربة والأندلسيين ، الذين برعوا فيه لكثرة سقوط المدنوالممالك في المغرب العربي وخاصة الأندلس .
ومن شعراء المشرق الذين بكوا مدينة بغدادأثناء الفتنة بين الأمين والمأمون سنة سبع وتسعين ومائة للهجرة ( 197 ه _ 812 م ) الشاعر عمرو بن عبد الملك الوراق ، يقول :
من ذا أصابك يا بغداد بالعين = ألم تكوني زمانا قرة العين
ألم يكن فيك قوم كان قربهم = وكان مسكنهم زينا من الزين
صاح الغراب فيهم بالبين فافترقوا = ماذا لقيت لهم من لوعة البين
ويقول الشاعر الخزيمي إسحاق بن حسانالفارسي :
يا بؤس بغداد دار مملكة = دارت على أهلها دوائرها
وحينما اقتحم الزنج البصرة سنة خمس وخمسينومائتين للهجرة ( 255 ه ) وهددوا كيان الدولة العباسية ، واعتدوا على الأموالوالحرمات والأعراض ، قال ابن الرومي :
أي نوم من بعد ما حل بالبصرة = ما حل من هنات عظام
أي نوم من بعد ما انتهك = الزنج جهارا محارم الإسلام
كم أخ قد رأى أخاه صريعا = ترب الخد بين صرعى كرام.)( 1 ) .
وفي هذا السياق دراسة رائعة للدكتور السعيدعبد المجيد التوني بعنوان : ( قصيدة أبي الطيب الرندي
في رثاء الأندلس دراسة بلاغية تحليلية ) (2 ) .
يحسن الوقوف عليها لأنها تظهر جمال وبلاغةالقصيدة بمنهج علمي ، ومطلع القصيدة المشهورة :
لكل شيء إذا ما تم نقصان = فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول = من سره زمن ساءته أزمان
والحديث عن بكاء المدن والممالك في الشعرالعربي طويل ، والنماذج كثيرة .
هذان النوعان من البكاء في شعرنا العربيتلتقي وتتفق في البكاء على فقد وخسارة عزيز وغالي .
وتختلف القصائد الطللية من حيث صدق عاطفةالشاعر في بكاء حبيبته بين من هو صادق وبين من يبكي كعادة في بناء القصيدة قديما ،يتضح ذلك من خلال معاني القصائد ، وفي هذا السياق دراسة جميلة للأستاذ الدكتورمصطفى عبد الواحد بعنوان
( الوقوف على الأطلال بين الجاهليةوالإسلام ) .
ويرى البعض أن الوقوف على الأطلال هو رمزلحب الوطن عند الإنسان العربي ، لكن حب الوطن وصدق العاطفة أكثر وضوحا في البكاءعلى المدن والممالك لأنهم يبكون أرضا سلبت ووطنا ضاع ،
بل هم يبكون حضارة وتاريخ ، كما أن القارئلقصائد البكاء بنوعيه في النماذج الرائعة يجد المتعة الفنية والأدبية التي يبحثعنها ، لكنه يهتز ويطرب وهو يقرأ القصيدة الطللية هادئ النفس لا يكدر صفوه شيء ،أما وهو يقرأ قصائد البكاء على المدن والممالك فإنه يشعر بشيء غير يسير من الألموالحسرة وربما الفتور ؛ فالجرح جرحه وجرح أمته...
وما يزال الإنسان العربي يبكي فراديسه، فبعد الأندلس فلسطين وبعدها بغداد....فهل كتب البكاء عليك أيها الإنسان العربي هل كتب عليك أن تبكي الديار كما بكى ابن خذام ؟!!! وهل للبكاء من نهاية؟؟
* من كتاب حصاد العقل للقاصة والصحفية ابتسام البقمي