فى المساحات الشاسعة من عقلى وقلبى، كنتُ أخزن تلك الصور البعيدة التى رأيتها بالفعل أو سمعتُ بها فى جلسات العائلة والتى كانت تزداد غرابة وشوقاً عندما تحضر جدتى لأمى من القرية فى إحدى زيارتها الموسمية، وأحياناً فى زيارة خاطفة للقاهرة، وتجتمع الجدتان، وتعيدان وصل ما أنقطع من حوار فى آخر لقاء كان بينهما منذ عام أو عامين، وكانت تظل ذاكرة كل منهن عند آخر حديث لهما، فتوقف مثلا عند حكاية الأرض التى ورثها جدى لأبى عن أبيه عن جده عن جده، وكيف ضاعت تلك الأرض على نزواته ومزاجه الخاص، وكيف خرج أبى من البلد يا مولاى كما خلقتنى، كما قالت الجدة، وجاء إلى مصر(القاهرة) عام 1946 باحثاً عن عمل بعد أن أخرجه والده من المدرسة الداخلية التى كان بها، بحجة أنه لا يطيق على بعاده، كما أدعى، وأقنع مدير المدرسة.
وعندما يعود أبى من العمل لكى يرحب بقدوم الجدة، ويجلس معها أثناء تناول وجبة العشاء الرئيسية، ويظل يحكى ويضحك على تلك الأيام البعيدة، فبدلا من أن يكون من أعيان القرية كما كان جده، أصبح لا يملك قيراطا واحدا الآن.
وكانت جدتى لأبى تسرد تلك المآسى العظيمة، وهى التى تزوجت رجلاً ثرياً عاطلاً، أصبح لا يملك من حطام الدنيا شيئاً، وتظل تحكى وتحكى، وتذكر جدتى لأمى بتلك الأرض التى تقع على أمتداد كبير فى البلد.
ثم تختم جدتى حكيها بكلمة الله يرحمه وتتمها بجملة(يا وارث مين يورثك؟).
وننام جميعاً ضاحكين فرحين بزيارة الجدة وعطاياها وسخائها من خيرات القرية من(الفطير المشلتت، والزبد، والجبن، وخيرات الأرض من فاكهة وخضر) فكانت جدتى تأتى لنا بكل شىءتزرعه من خضروات وهى تضحك مبتهجة وتجمعنا حولها ونطلب منها أن تحكى لنا حكاية من حكاياتها عن أم الشعور وجنية الساقية حتى ننام على أحلام ورؤى جميلة.
كان التشبع النفسى والرضا الذاتى بالنسبة لى أنا الحفيدة الصغيرة سببا من أسباب النجاح والتفوق لى فى دراستى عكس قريناتى فى المدرسة أو الفصل.
كنتُ أيامها بالصف الخامس وكلها أيام وأصعد إلى الصف السادس، وشهور قليلة وأحصل على شهادة(القبول) وبدرجات عالية، مما يتيح لى الصعود إلى المرحلة الأعدادية، والهروب الطيب من تابور الأزواج المستقبلين من شباب العائلة، حيث كان لى مزاجاً خاصاً وهدفاً مكنوناً فى داخلى وهو الحصول على أعلى الشهادات العلمية مهما كلفنى ذلك من المزيد من الأرهاق أو العزلة والتعب، وعندما بدأت ذاكرتى تزدحم بالحكايات والأحلام الطيبة، فقررت أن أقوم بشراء مكتب صغير بأدراج محكمة الغلق، ويكون المفتاح معى طوال الوقت حتى لا اسمح لأحد بالعبث فى محتوياتى الشخصية، وخاصة المفكرة الخاصة بى، والتى كنت أسجل بها يومياتى، وأسجل فيها بعض الأراء الشخصية والخاصة، وكذلك الأوتوجراف الشخصى، والذى كتب لى فيه زملائى كلمات رقيقة، وكذلك بعض المدرسين الذين كنت أحبهم.
وكان لدى كشكول كبير يتجاوز المائة صفحة من الحجم الكبير أقوم فيه بتدوين بعض القصص والحكايات التى اسمعها من جدتى، ثم شراء راديو فيليبس صغير بحجم الكف الصغير ويكون خاص بى اسمع من خلاله المسلسلات والبرامج التى أعشقها، وأدير مؤشر الراديو كما يحلو لى خصوصا إذاعة أم كلثوم كى استمتع بصوت مطربى المفضل وهو عبد الحليم حافظ.
الأهم من كل ذلك شراء حصالة معدنية محكمة الغلق كى أضع بداخلها مصروفى اليومى، وأقوم بأدخاره لشراء الملابس التى تعجبنى فى فترينات العرض.
وكان لتنظيم الوقت وعمل جدول خاص بى للمذاكرة، لكى أتفوق فى دراستى وتكون حجة صائبة لى للفرار من المصير المنتظر لأى بنت فى سنى(الزواج).
وكان لهذه القرارات المصيرية الهامة فى حياتى دورا كبيرا فى تنظيم وتخطيط حياتى، فمنذ هذا اليوم تحديداً، أصبح لى هدفاً واضحاً أسعى إليه.
وكلما تقدمت للصفوف العليا ونلت الدرجات المرتفعة، كلما أصبح لى صوتاً مسموعاً، وبدأت حدة القمع الأسرى تخف وطئه شيئا فشىء.
إبداعات قصصية
وعندما يعود أبى من العمل لكى يرحب بقدوم الجدة، ويجلس معها أثناء تناول وجبة العشاء الرئيسية، ويظل يحكى ويضحك على تلك الأيام البعيدة، فبدلا من أن يكون من أعيان القرية كما كان جده، أصبح لا يملك قيراطا واحدا الآن.
وكانت جدتى لأبى تسرد تلك المآسى العظيمة، وهى التى تزوجت رجلاً ثرياً عاطلاً، أصبح لا يملك من حطام الدنيا شيئاً، وتظل تحكى وتحكى، وتذكر جدتى لأمى بتلك الأرض التى تقع على أمتداد كبير فى البلد.
ثم تختم جدتى حكيها بكلمة الله يرحمه وتتمها بجملة(يا وارث مين يورثك؟).
وننام جميعاً ضاحكين فرحين بزيارة الجدة وعطاياها وسخائها من خيرات القرية من(الفطير المشلتت، والزبد، والجبن، وخيرات الأرض من فاكهة وخضر) فكانت جدتى تأتى لنا بكل شىءتزرعه من خضروات وهى تضحك مبتهجة وتجمعنا حولها ونطلب منها أن تحكى لنا حكاية من حكاياتها عن أم الشعور وجنية الساقية حتى ننام على أحلام ورؤى جميلة.
كان التشبع النفسى والرضا الذاتى بالنسبة لى أنا الحفيدة الصغيرة سببا من أسباب النجاح والتفوق لى فى دراستى عكس قريناتى فى المدرسة أو الفصل.
كنتُ أيامها بالصف الخامس وكلها أيام وأصعد إلى الصف السادس، وشهور قليلة وأحصل على شهادة(القبول) وبدرجات عالية، مما يتيح لى الصعود إلى المرحلة الأعدادية، والهروب الطيب من تابور الأزواج المستقبلين من شباب العائلة، حيث كان لى مزاجاً خاصاً وهدفاً مكنوناً فى داخلى وهو الحصول على أعلى الشهادات العلمية مهما كلفنى ذلك من المزيد من الأرهاق أو العزلة والتعب، وعندما بدأت ذاكرتى تزدحم بالحكايات والأحلام الطيبة، فقررت أن أقوم بشراء مكتب صغير بأدراج محكمة الغلق، ويكون المفتاح معى طوال الوقت حتى لا اسمح لأحد بالعبث فى محتوياتى الشخصية، وخاصة المفكرة الخاصة بى، والتى كنت أسجل بها يومياتى، وأسجل فيها بعض الأراء الشخصية والخاصة، وكذلك الأوتوجراف الشخصى، والذى كتب لى فيه زملائى كلمات رقيقة، وكذلك بعض المدرسين الذين كنت أحبهم.
وكان لدى كشكول كبير يتجاوز المائة صفحة من الحجم الكبير أقوم فيه بتدوين بعض القصص والحكايات التى اسمعها من جدتى، ثم شراء راديو فيليبس صغير بحجم الكف الصغير ويكون خاص بى اسمع من خلاله المسلسلات والبرامج التى أعشقها، وأدير مؤشر الراديو كما يحلو لى خصوصا إذاعة أم كلثوم كى استمتع بصوت مطربى المفضل وهو عبد الحليم حافظ.
الأهم من كل ذلك شراء حصالة معدنية محكمة الغلق كى أضع بداخلها مصروفى اليومى، وأقوم بأدخاره لشراء الملابس التى تعجبنى فى فترينات العرض.
وكان لتنظيم الوقت وعمل جدول خاص بى للمذاكرة، لكى أتفوق فى دراستى وتكون حجة صائبة لى للفرار من المصير المنتظر لأى بنت فى سنى(الزواج).
وكان لهذه القرارات المصيرية الهامة فى حياتى دورا كبيرا فى تنظيم وتخطيط حياتى، فمنذ هذا اليوم تحديداً، أصبح لى هدفاً واضحاً أسعى إليه.
وكلما تقدمت للصفوف العليا ونلت الدرجات المرتفعة، كلما أصبح لى صوتاً مسموعاً، وبدأت حدة القمع الأسرى تخف وطئه شيئا فشىء.
إبداعات قصصية