هدى حمد - الغِبطة.. قصة قصيرة

الصفعة‭ ‬التي‭ ‬تلقيتها‭ ‬ظُهر‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬يد‭ ‬أمّي‭ ‬تركتِ‭ ‬احمرارًا‭ ‬لا‭ ‬تُخطئه‭ ‬عينٌ‭ ‬على‭ ‬خدي‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬صفعة‭ ‬حاقدة‭ ‬أو‭ ‬مُؤنبة،‭ ‬كانت‭ ‬حركة‭ ‬لا‭ ‬إرادية‭ ‬تُلازمها‭ ‬باستمرار‭ ‬وتصدرُ‭ ‬عنها‭ ‬كلّما‭ ‬فاجأها‭ ‬أمرٌ‭ ‬ما‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تستوعب‭ ‬حدوث‭ ‬طلاقٍ‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬عشتُ‭ ‬معه‭ ‬لأعوام‭ ‬ليست‭ ‬بالقليلة‭. ‬رفعتُ‭ ‬وجهي‭ ‬قليلًا،‭ ‬ولم‭ ‬أتمكن‭ ‬من‭ ‬لمس‭ ‬خدي‭ ‬بأطراف‭ ‬أصابعي‭ ‬لشدة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يحرقني‭. ‬أومأتُ‭ ‬برأسي‭ ‬مؤكدة‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬سمعتْ‭ ‬مني‭ ‬بينما‭ ‬أسحب‭ ‬دموعي‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭: ‬‮«‬حصل‭ ‬فعلًا‮»‬‭. ‬لطالما‭ ‬كانت‭ ‬أمّي‭ ‬مُغرمة‭ ‬بكل‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬المثالية،‭ ‬ولذا‭ ‬أصرتْ‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬خطأ‭ ‬ما‭ ‬بالأمر‭. ‬تركتْ‭ ‬كراسات‭ ‬طلاب‭ ‬المدرسة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بصدد‭ ‬تصحيحها‭ ‬في‭ ‬فناء‭ ‬البيت‭ ‬الخارجي‭. ‬لملمتْ‭ ‬أوراقها‭ ‬وملفاتها‭ ‬بينما‭ ‬هواءٌ‭ ‬باردٌ‭ ‬يلفحُ‭ ‬وجهي‭ ‬ويُحاولُ‭ ‬رفع‭ ‬غطاء‭ ‬رأسي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬أثبته‭ ‬جيدًا‭ ‬بالدبابيس‭ ‬ككل‭ ‬مرّة‭. ‬أمسكُ‭ ‬الغطاء‭ ‬بيد‭ ‬وفي‭ ‬يدي‭ ‬الأخرى‭ ‬أمسكُ‭ ‬حقيبة‭ ‬صغيرة‭ ‬وضعتُ‭ ‬فيها‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬ملابسي‭. ‬

ولجتْ‭ ‬أمّي‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬المعيشة،‭ ‬وضعتْ‭ ‬كراساتها‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مُنتظم‭ ‬على‭ ‬منضدة‭ ‬جانبية‭. ‬كنتُ‭ ‬خلفها‭ ‬تمامًا‭ ‬كامرأة‭ ‬غريبة‭ ‬تنتظرُ‭ ‬إذنًا‭ ‬بالجلوس‭. ‬جلسنا‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬مُتكئين‭ ‬على‭ ‬الوسائد‭ ‬المزركشة‭ ‬فوق‭ ‬سجادٍ‭ ‬احتفظت‭ ‬به‭ ‬أمّي‭ ‬نظيفًا‭ ‬منذ‭ ‬طفولتي‭ ‬البعيدة،‭ ‬بدتِ‭ ‬الغرفةُ‭ ‬مُظلمةً‭ ‬بستائرها‭ ‬الداكنة،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬النهار‭ ‬الشتوي‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬في‭ ‬منتصفه‭. ‬إخوتي‭ ‬وأخواتي‭ ‬تزوجوا‭ ‬جميعًا‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬سوى‭ ‬أمّي‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬أبي‭. ‬اعتدلتْ‭ ‬في‭ ‬جلستها‭ ‬وبدا‭ ‬حزنٌ‭ ‬عميقٌ‭ ‬في‭ ‬عينيها،‭ ‬‮«‬لمَ‭ ‬أنتِ‭ ‬مهتمة‭ ‬ببقائي‭ ‬معه‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الدرجة؟‮»‬‭ ‬قلتُ‭ ‬لها‭. ‬تحركتْ‭ ‬يداها‭ ‬لا‭ ‬إراديًّا‭ ‬مجددًا‭ ‬فأشحتُ‭ ‬بوجهي‭ ‬بعيدًا،‭ ‬لكنها‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬صفعت‭ ‬كتفيها‭ ‬بشكل‭ ‬مُتعاكس،‭ ‬ثم‭ ‬قامت‭ ‬إلى‭ ‬المطبخ‭ ‬القريب،‭ ‬تغلي‭ ‬الشاي‭ ‬فوق‭ ‬النار‭ ‬بتوتر‭ ‬غير‭ ‬مألوف‭. ‬سمعتُ‭ ‬صفير‭ ‬الإبريق‭ ‬بعد‭ ‬برهة‭. ‬بقيتُ‭ ‬في‭ ‬مكاني‭ ‬هادئة،‭ ‬أنتظرُ‭ ‬أن‭ ‬نتحدث‭ ‬معًا‭. ‬عادت‭ ‬وجلست‭. ‬رجعتُ‭ ‬بظهري‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬واستندتُ‭ ‬على‭ ‬الوسائد‭ ‬مجددًا،‭ ‬ثم‭ ‬طويتُ‭ ‬ساقيّ‭ ‬في‭ ‬بطانية‭ ‬مُخططة‭ ‬بالأزرق‭ ‬والبنفسجي‭ ‬كانت‭ ‬مطوية‭ ‬قبل‭ ‬بُرهة‭. ‬سكبت‭ ‬أمّي‭ ‬الشاي‭. ‬حركتِ‭ ‬الكوب‭ ‬الأول‭ ‬بين‭ ‬يديها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ترفع‭ ‬عينيها‭ ‬ودون‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬شيئًا،‭ ‬ثم‭ ‬ناولتني‭ ‬إياه،‭ ‬وسكبت‭ ‬آخر‭ ‬لها‭. ‬

تلفتُّ‭ ‬حولي‭ ‬وانتفضتُ‭ ‬قليلًا‭: ‬‮«‬ليلة‭ ‬باردة‮» ‬‭. ‬قالت‭ ‬أمّي‭ ‬بحزم‭ : ‬‮«‬كنتُ‭ ‬أسمعُ‭ ‬قصصًا‭ ‬جيدة‭ ‬عنكما‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭. ‬الفتاة‭ ‬العاقلة‭ ‬والشاب‭ ‬الطيب‮»‬‭. ‬تركتُ‭ ‬الشاي‭ ‬جانبًا،‭ ‬وضممتُ‭ ‬يديّ‭ ‬تحت‭ ‬البطانية،‭ ‬وقبضتُ‭ ‬على‭ ‬ساقيّ‭ ‬المتجمدين‭ : ‬‮«‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يفعلونه‭ ‬دائمًا‮»‬‭. ‬ضغطتْ‭ ‬بيديها‭ ‬على‭ ‬جانبي‭ ‬كوب‭ ‬الشاي‭ ‬لتستمد‭ ‬حرارته‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تنظر‭ ‬لوجهي‭ : ‬‮«‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يبدو‭ ‬بينكما‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يشيرُ‭ ‬لانزعاج‭ ‬ما‭. ‬ كان‭ ‬رجلًا‭ ‬جيدًا‮»‬‭. ‬تنفستُ‭ ‬وضممتُ‭ ‬جسدي‭ ‬إليّ‭ ‬أكثر‭: ‬‮«‬ نعم‭. ‬لكني‭ ‬لم‭ ‬أعد‭ ‬أودّ‭ ‬الاستمرار‭ ‬بصحبته‮»‬‭. ‬ رفعتْ‭ ‬عينيها‭ ‬ونظرتْ‭ ‬لي‭ ‬بقسوة‭: ‬‮«‬كانت‭ ‬حياتي‭ ‬برفقة‭ ‬والدكِ‭ ‬مليئةً‭ ‬بالحلو‭ ‬والمر‭ ‬أيضًا،‭ ‬ولكني‭ ‬بقيتُ‭ ‬برفقته‮»‬‭. ‬ ارتخى‭ ‬جسدي‭ ‬قليلًا،‭ ‬تناولتُ‭ ‬كوب‭ ‬الشاي‭ ‬وبقيتُ‭ ‬أضغطُ‭ ‬عليه‭ ‬بكلتا‭ ‬يديّ‭ ‬ولا‭ ‬أرتشفُ‭ ‬منه‭ ‬شيئًا‭: ‬‮«‬ لا‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬أنتِ‮»‬‭. ‬بدا‭ ‬وكأنّها‭ ‬تبحثُ‭ ‬عن‭ ‬شيء،‭ ‬ثم‭ ‬وجدتها‭ ‬توصلُ‭ ‬المدفأة‭ ‬بالكهرباء‭. ‬شاهدتُ‭ ‬الأسياخ‭ ‬الرقيقة‭ ‬تتوهجُ‭ ‬بالحُمرة‭. ‬بات‭ ‬وجه‭ ‬أمّي‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحًا‭ ‬مما‭ ‬كان‭. ‬هدأتْ‭ ‬قليلًا‭ ‬ورفعتْ‭ ‬رأسها‭ ‬ونظرت‭ ‬إليّ‭. ‬كانت‭ ‬تنتظرُ‭ ‬القصّة‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬ودقيق‭. ‬كنتُ‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بأنّ‭ ‬القصّة‭ ‬عندما‭ ‬تُروى‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬ستُغنِي‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬التبريرات‭ ‬المُسبقة‭. ‬

لكني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أعرف‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬أبدأ‭. ‬ كل‭ ‬ما‭ ‬سأقوله‭ ‬سيبدو‭ ‬لأمّي‭ ‬تافهًا‭ ‬أمام‭ ‬المشقّات‭ ‬التي‭ ‬تحملتْها‭ ‬بصحبة‭ ‬أبي‭. ‬لكنها‭ ‬أنقذت‭ ‬حديثنا‭ ‬من‭ ‬الصمت‭ ‬قائلة‭ : ‬‮ «‬أنا‭ ‬ووالدكِ‭ ‬كنا‭ ‬نثير‭ ‬الغِبطة‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الناس‭. ‬هل‭ ‬تعرفين‭ ‬شيئًا‭ ‬عن‭ ‬الغِبطة؟‭ ‬كنا‭ ‬ندفعُ‭ ‬الناس‭ ‬ليشعروا‭ ‬بإمكانية‭ ‬حياة‭ ‬اثنين‭ ‬معًا‭ ‬لآخر‭ ‬العمر‭ ‬دون‭ ‬حروب‭. ‬الجميع‭ ‬كان‭ ‬ينظرُ‭ ‬إلى‭ ‬الود‭ ‬الذي‭ ‬بيننا‭. ‬الجميع‭ ‬كان‭ ‬يأملُ‭ ‬بحياة‭ ‬مُماثلة‭ . ‬نكثرُ‭ ‬من‭ ‬الالتفات‭ ‬لبعضنا‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬أمسيات‭ ‬القرية‭ ‬الصاخبة،‭ ‬نفلتُ‭ ‬ضحكاتنا‭ ‬لنفصح‭ ‬عن‭ ‬تفاهمنا‭. ‬تكفي‭ ‬إيماءةٌ‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬رأس‭ ‬أحدنا‭ ‬ليستشعر‭ ‬الآخر‭ ‬المعنى‭ ‬بيسر‭. ‬يتركُ‭ ‬أحدنا‭ ‬وجبة‭ ‬غداءه‭ ‬في‭ ‬الثلاجة‭ ‬لأنّ‭ ‬الآخر‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬الغداء‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭. ‬يبقى‭ ‬أحدنا‭ ‬مُتسمرًا‭ ‬أمام‭ ‬الباب‭ ‬مُنتظرًا‭ ‬وصول‭ ‬الآخر‭. ‬ هل‭ ‬تعرفين‭ ‬قدر‭ ‬الحسرة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تُحرضها‭ ‬علاقتي‭ ‬بوالدكِ؟‮»‬‭.‬

بدأتِ‭ ‬الغرفة‭ ‬تدفأ،‭ ‬وأصبح‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬أفلت‭ ‬البطانية‭ ‬وأن‭ ‬أنزع‭ ‬الجوارب‭ ‬وأنا‭ ‬مُطمئنة‭. ‬دفعتُ‭ ‬غطاء‭ ‬رأسي‭ ‬ليستقر‭ ‬فوق‭ ‬كتفي،‭ ‬ثم‭ ‬رفعتُ‭ ‬شعري‭ ‬عاليًا،‭ ‬ولممته‭ ‬جيدًا‭ ‬في‭ ‬مقبض‭ ‬الشعر‭. ‬أرخيتُ‭ ‬كتفي‭ ‬بينما‭ ‬ارتفعت‭ ‬نبرة‭ ‬صوتُ‭ ‬أمّي‭: ‬‮«‬كيف‭ ‬سنخبر‭ ‬الناس‭ ‬وإخوتكِ‭ ‬بالقصة؟‮»‬‭. ‬بدا‭ ‬أنّي‭ ‬أفتح‭ ‬بابًا‭ ‬لمشاكل‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لديّ‭ ‬قصّة‭ ‬جيدة‭ ‬لأقولها،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬فاتني‭ ‬التفكير‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬اهتمامي‭ ‬بخلاصي‭ ‬من‭ ‬شريك‭ ‬حياة‭ ‬تعيس‭. ‬عادت‭ ‬تقول‭: ‬‮«‬تزوجتما‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭. ‬أنتِ‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تشتكي‭ ‬يومًا‭. ‬لطالما‭ ‬كنتِ‭ ‬الأكثر‭ ‬التصاقًا‭ ‬بزوجكِ‭. ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬أخواتكِ‭ ‬يمضين‭ ‬إلى‭ ‬مشاكل‭ ‬لا‭ ‬نهائية‭.. ‬لكن‭ ‬أنتِ‭…‬‮»‬‭. ‬كان‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬أستجمع‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬الشجاعة‭ ‬لأقول‭: ‬‮«‬ربما‭ ‬لأنّي‭ ‬كنتُ‭ ‬أراكِ‭ ‬مثالًا‭. ‬أردتُ‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬مثلكِ‭ ‬دومًا‭. ‬كنتُ‭ ‬أُجابِه‭ ‬كل‭ ‬مشاكلي‭ ‬باستدعاء‭ ‬وجهكِ‭. ‬استدعاء‭ ‬قدرتكِ‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكوني‭ ‬مثار‭ ‬الغِبطة‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬لكني‭ ‬أخفقت‭ ‬هذه‭ ‬المرّة‮»‬،‭ ‬لكني‭ ‬لم‭ ‬أتمكن‭ ‬من‭ ‬قول‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬جيد‭. ‬هنا‭ ‬صار‭ ‬صوتها‭ ‬أعلى‭ ‬ووجهها‭ ‬أكثر‭ ‬تجهمًا‭: ‬‮«‬ما‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تحتمليه‭.. ‬هاه‭.. ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مُحتملًا‭ ‬بينكما‭.. ‬هل‭ ‬يخونكِ‭.. ‬يضربكِ‭..‬هل‭… ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هنالك‭ ‬سببٌ‭ ‬غير‭ ‬مُحتمل‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬النهاية‭!‬‮»‬‭. ‬

إلى‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬سؤال‭ ‬أمّي‭ ‬المتكرر‭ ‬عن‭ ‬السبب‭ ‬الذي‭ ‬هدم‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬سببٌ‭ ‬مُحدد‭ ‬لترك‭ ‬زوجي‭. ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬سببٌ‭ ‬أستطيع‭ ‬قوله‭ ‬بطريقة‭ ‬مُقنعة‭ ‬لأمّي‭ ‬تحديدًا،‭ ‬الأمر‭ ‬كان‭ ‬ينمو‭ ‬بيننا‭ ‬عامًا‭ ‬بعد‭ ‬آخر،‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬صغيرة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬وضعها‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬ساذجة‭. ‬لكن‭ ‬الدفء‭ ‬الذي‭ ‬غمر‭ ‬غرفة‭ ‬المعيشة‭ ‬التي‭ ‬نمتُ‭ ‬فيها‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬طفولتي‭ ‬الأولى‭ ‬والتي‭ ‬لطالما‭ ‬كنتُ‭ ‬فيها‭ ‬طرفًا‭ ‬ثالثًا‭ ‬بين‭ ‬أمّي‭ ‬وأبي،‭ ‬ورأيتُ‭ ‬وسمعتُ‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يُرى‭ ‬ويُسمع،‭ ‬كانت‭ ‬تُحرضُ‭ ‬بداخلي‭ ‬حنينًا‭ ‬منسيًّا،‭ ‬كانت‭ ‬تُشعرني‭ ‬بأمانٍ‭ ‬غامض‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬لحظات‭ ‬حياتي‭ ‬هشاشة‭. ‬بقيتُ‭ ‬أنامُ‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاء‭ ‬إخوتي‭ ‬من‭ ‬بعدي،‭ ‬وكبر‭ ‬البيت‭ ‬وتعددت‭ ‬غُرفه‭. ‬استلبني‭ ‬الحنين‭ ‬القديم،‭ ‬فـنما‭ ‬عازلٌ‭ ‬شفاف،‭ ‬وتبدد‭ ‬صوت‭ ‬أمّي‭ ‬الغاضب‭. ‬

آنذاك‭ ‬قلتُ‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الارتياح‭: ‬‮«‬تذكرين‭ ‬عندما‭ ‬سافرنا‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬أنا‭ ‬وزوجي‮»‬‭ ‬قلتُ‭ ‬جملتي‭ ‬تلك،‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬كعادتي‭ ‬مُتشنجة‭ ‬ودموعي‭ ‬لم‭ ‬تغمر‭ ‬حلقي‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬تلك‭ ‬الدموع‭ ‬التي‭ ‬تمنعُ‭ ‬تدفق‭ ‬الكلمات،‭ ‬كنتُ‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬مثالي‭ ‬تمامًا‭ ‬لأتحدث‭ ‬إليها‭: ‬‮«‬أحضرنا‭ ‬سجادة‭ ‬يا‭ ‬أمّي‭. ‬اخترتها‭ ‬بعناية‭ ‬فائقة‭ ‬وأحببتها‭ ‬جدًّا‭. ‬نُسج‭ ‬عليها‭ ‬سمكتان‭ ‬متعانقتان‭ ‬إحداهما‭ ‬فضية‭ ‬والأخرى‭ ‬ذهبية،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬أرضية‭ ‬السجادة‭ ‬تميل‭ ‬للبيج‭ ‬الفاتح‭. ‬وضعتُ‭ ‬السجادة‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬النوم؛‭ ‬لأتمكن‭ ‬من‭ ‬النظر‭ ‬إليها‭ ‬كلما‭ ‬فتحتُ‭ ‬عيني‭. ‬كان‭ ‬عناق‭ ‬السمكتين‭ ‬يثيرُ‭ ‬بداخلي‭ ‬مشاعر‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬خاص‭. ‬كنتُ‭ ‬أجد‭ ‬في‭ ‬تلاحم‭ ‬السمكتين‭ ‬صبرًا‭ ‬لإكمال‭ ‬الطريق‭ ‬مع‭ ‬زوجي‭. ‬زوجي‭ ‬أيضًا‭ ‬أحبّ‭ ‬السجادة‭. ‬كانت‭ ‬من‭ ‬الأشياء‭ ‬القليلة‭ ‬والنادرة‭ ‬التي‭ ‬قررنا‭ ‬معا‭ ‬شراؤها‭ ‬دون‭ ‬تفكير‭ ‬كثير‭. ‬لكنه‭ ‬تجرأ‭ ‬على‭ ‬نقلها‭ ‬إلى‭ ‬الصالة‭ ‬ليراها‭ ‬كل‭ ‬الضيوف‭. ‬كان‭ ‬فخورًا‭ ‬بذوقه‭. ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬أرجعتها‭ ‬بإصرار‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬النوم،‭ ‬وبعد‭ ‬يومين‭ ‬وجدتها‭ ‬مجددًا‭ ‬على‭ ‬مدخل‭ ‬البيت‭. ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الخامس‭ ‬تنازعنا‭ ‬على‭ ‬المكان‭ ‬الأفضل‭ ‬لوضع‭ ‬السجادة‭ ‬ونحن‭ ‬نتناول‭ ‬الإفطار،‭ ‬بعدها‭ ‬قلنا‭ ‬لبعضنا‭ ‬أشياء‭ ‬لم‭ ‬نقلها‭ ‬يومًا‭ ‬طوال‭ ‬سنوات‭ ‬حياتنا‭ ‬معًا‮»‬‭. ‬

‭ ‬مدتْ‭ ‬أمّي‭ ‬قدميها‭ ‬أمامها،‭ ‬وفي‭ ‬غرفة‭ ‬المعيشة‭ ‬الضيقة‭ ‬والمُلتهبة‭ ‬بالحرارة،‭ ‬تلامستْ‭ ‬أصابع‭ ‬قدميّ‭ ‬بأصابع‭ ‬قدميها‭. ‬بدا‭ ‬أنّ‭ ‬إحدانا‭ ‬لا‭ ‬تأمل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تزحزح‭ ‬التحامهما‭ ‬النادر‭ ‬بالأخرى‭. ‬بدا‭ ‬لي‭ ‬أنّ‭ ‬أمّي‭ ‬ستبكي‭ ‬لكنها‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬تخفيض‭ ‬حرارة‭ ‬المدفأة،‭ ‬ولدى‭ ‬اقترابها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬وهج‭ ‬الإضاءة‭ ‬شاهدتُ‭ ‬وجهها‭ ‬المُحمر‭ ‬والدموع‭ ‬تنزلق‭ ‬على‭ ‬جانبي‭ ‬وجنتيها‭ ‬البارزتين‭. ‬قالت‭ ‬بصوت‭ ‬مُتحشرج‭: ‬‮«‬إذن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لديكِ‭ ‬أسباب‭ ‬حقيقية‭ ‬للطلاق‭. ‬ليس‭ ‬بحوزتكِ‭ ‬حتى‭ ‬قصة‭ ‬جيدة‭ ‬لتقوليها‭ ‬للناس‮»‬‭. ‬

تصاعد‭ ‬إلى‭ ‬حلقي‭ ‬كلامٌ‭ ‬كثير‭ ‬أقل‭ ‬ترتيبًا‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬وبنبرة‭ ‬أكثر‭ ‬رعونة‭ ‬قلتُ‭ ‬لها‭: ‬‮«‬كنتما‭ ‬تصدقان‭ ‬ما‭ ‬يتوهمه‭ ‬الآخرون‭ ‬عنكما‭ ‬أنتِ‭ ‬وأبي،‭ ‬كنتما‭ ‬راغبين‭ ‬بذلك‭ ‬بشدة‭. ‬تناضلان‭ ‬لسنواتٍ‭ ‬طويلة‭ ‬لإبقاء‭ ‬أعين‭ ‬الناس‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬سمعتكما‭ ‬الطيبة‭. ‬ذلك‭ ‬الحد‭ ‬اللامعقول‭ ‬من‭ ‬التفاهم‭ ‬بينكما‭. ‬الأمرُ‭ ‬ليس‭ ‬مثاليًّا‭ ‬تمامًا‭ ‬يا‭ ‬أمّي‭. ‬أنا‭ ‬ابنتكِ‭ ‬البكر‭ ‬وأعرف‭ ‬ذلك‭ ‬جيدًا‮»‬‭. ‬هزتْ‭ ‬أمّي‭ ‬رأسها‭ ‬بخنوع‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تخلطي‭ ‬حياتي‭ ‬بحياتك‭. ‬لا‭ ‬تفعلي‭ ‬ذلك‭. ‬ماذا‭ ‬تعرفين‭ ‬أنتِ‭.. ‬ها‭.. ‬ماذا‭ ‬تعرفين؟‭ ‬تدمرين‭ ‬حياتكِ‭ ‬وحياة‭ ‬إخوتكِ‭ ‬لأجل‭ ‬التفاهة‭.. ‬ها‭.. ‬التفاهة‭ ‬وحسب‮»‬‭. ‬

لم‭ ‬أجد‭ ‬كلامًا‭ ‬مناسبًا‭ ‬أقوله‭ ‬لها،‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬قصة‭ ‬جيدة‭ ‬لطلاقي،‭ ‬ولكن‭ ‬بينما‭ ‬أصبع‭ ‬قدمي‭ ‬الإبهام‭ ‬تضغط‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬إبهام‭ ‬قدمها‭ ‬تذكرتُ‭ ‬الفتيات‭ ‬الماضياتُ‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬وهن‭ ‬يُصدرن‭ ‬تأوهًا‭ ‬ناعمًا‭ ‬ويرغبن‭ ‬بشدة‭ ‬بحياة‭ ‬مُماثلة‭ ‬لحياتي‭ ‬مع‭ ‬زوجي‭. ‬أعرف‭ ‬جيدًا‭ ‬ذلك‭ ‬التمني‭ ‬الساذج‭ ‬بأن‭ ‬يُصبح‭ ‬كلّ‭ ‬من‭ ‬يرانا‭ ‬ونحن‭ ‬نسير‭ ‬معًا،‭ ‬مُتحفزًا‭ ‬لعذوبة‭ ‬حياتنا‭ ‬ورقّتها‭. ‬الشبان‭ ‬الصغار‭ ‬يتوقفون‭ ‬عن‭ ‬تحريك‭ ‬عجلات‭ ‬دراجاتهم‭ ‬الهوائية‭ ‬ليتسرب‭ ‬الاطمئنانُ‭ ‬إلى‭ ‬قلوبهم‭. ‬ورغم‭ ‬تكاثر‭ ‬أطباق‭ ‬الأبناء‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬عامًا‭ ‬بعد‭ ‬آخر،‭ ‬احتفظنا‭ ‬أنا‭ ‬وزوجي‭ ‬بطبقٍ‭ ‬واحدٍ‭ ‬نأكل‭ ‬فيه‭ ‬معًا‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هنالك‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬كلها‭ ‬طبق‭ ‬منفرد‭ ‬لأحدنا‭. ‬كنا‭ ‬نفعل‭ ‬ذلك‭ ‬لنثير‭ ‬شيئًا‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬من‭ ‬حولنا،‭ ‬وكنا‭ ‬بصورة‭ ‬لا‭ ‬إرادية‭ ‬نتغذى‭ ‬على‭ ‬إطرائهم‭.‬

كنتُ‭ ‬أُدرِكُ‭ ‬جيدًا‭ ‬أنّ‭ ‬حجرًا‭ ‬صغيرًا‭ ‬في‭ ‬بركة‭ ‬حياتنا‭ ‬الراكدة‭ ‬أنا‭ ‬وزوجي‭ ‬سيفضحُ‭ ‬الهشاشة،‭ ‬ولذا‭ ‬بقينا‭ ‬أنا‭ ‬وهو‭ ‬نحاولُ‭ ‬دائمًا‭ ‬منع‭ ‬الحجر‭ ‬الصغير‭ ‬من‭ ‬الاصطدام‭ ‬بزجاج‭ ‬حياتنا‭. ‬وغالبًا‭ ‬كان‭ ‬الأمرُ‭ ‬ينجح،‭ ‬فيكبرُ‭ ‬بيننا‭ ‬نشيدُ‭ ‬السكينة‭ ‬والدعة‭ ‬لأعوامٍ‭ ‬مديدة‭. ‬لكن‭ ‬أحدنا‭ ‬سمح‭ ‬لحجرٍ‭ ‬صغيرٍ‭ ‬جدًّا‭ ‬بأن‭ ‬يصطدم‭ ‬بالبركة‭. ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬بإرادة‭ ‬تامة،‭ ‬وظل‭ ‬يراقبُ‭ ‬بعينٍ‭ ‬يائسة‭ ‬الدوامات‭ ‬التي‭ ‬نبشها‭ ‬الحجر‭. ‬ظلت‭ ‬الدوامات‭ ‬تكبر‭ ‬وتكبر،‭ ‬فيما‭ ‬الآخر‭ ‬يُخفقُ‭ ‬في‭ ‬ردعه،‭ ‬أو‭ ‬لربما‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬أيضًا‭ ‬يأملُ‭ ‬في‭ ‬قرارة‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬يُنهي‭ ‬الأمر،‭ ‬وكأنّ‭ ‬مهمة‭ ‬منع‭ ‬تسلل‭ ‬الأحجار‭ ‬لروح‭ ‬البركة‭ ‬أمرٌ‭ ‬مملٌّ‭ ‬وعبثيّ‭. ‬ظل‭ ‬كلُّ‭ ‬واحدٍ‭ ‬منا‭ ‬يرقبُ‭ ‬الآخر‭.. ‬أيّ‭ ‬واحد‭ ‬منّا‭ ‬الأكثر‭ ‬كفاءة‭ ‬على‭ ‬تجاهل‭ ‬حجرٍ‭ ‬يُمزقُ‭ ‬الدعة‭ ‬المتوهمة‭ ‬بيننا‭! ‬

كانت‭ ‬الأحجار‭ ‬تتكاثر‭ ‬وترتطم‭ ‬دون‭ ‬صدٍّ‭ ‬يُذكَر‭! ‬وعندما‭ ‬نمتْ‭ ‬دوامةٌ‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬بركة‭ ‬حياتنا،‭ ‬عند‭ ‬ذلك‭ ‬وحسب،‭ ‬زالتِ‭ ‬الغِبطة‭ ‬من‭ ‬أعين‭ ‬الناس‭ ‬بشأننا‭.‬

لم‭ ‬أقل‭ ‬لأمّي‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬تحركتْ‭ ‬للتو‭ ‬في‭ ‬رأسي،‭ ‬كانت‭ ‬الظلمة‭ ‬تزدادُ‭ ‬كثافة‭ ‬من‭ ‬حولنا‭. ‬خمنا‭ ‬أنّ‭ ‬الشمس‭ ‬غابت‭ ‬آنذاك،‭ ‬ولم‭ ‬تتحرك‭ ‬إحدانا‭ ‬لفتح‭ ‬الإضاءة،‭ ‬كلٌّ‭ ‬منا‭ ‬تفترش‭ ‬الأرض‭ ‬مُسنِدة‭ ‬ظهرها‭ ‬إلى‭ ‬الوسائد‭ ‬المزركشة‭ ‬بشكل‭ ‬متعاكس‭ ‬مع‭ ‬الأخرى،‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬لم‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬صيغة‭ ‬تفاهم‭ ‬جيدة‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نقوله‭ ‬للناس‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هنالك‭ ‬قصة‭ ‬جيدة‭ ‬تُقال‭ ‬عن‭ ‬طلاقي‭ ‬بعد‭. ‬وحدها‭ ‬أصابع‭ ‬قدمينا‭ ‬أنا‭ ‬وأمّي‭ ‬ظلت‭ ‬تضغط‭ ‬برفق‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬تفاهم‭ ‬نادر‭.‬



* نقلا عن:
الغِبطة | مجلة الفيصل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...