توطئة
يمثل مفهوم السيميولوجيا موقعا مركزيا في الأبحاث و الدراسات التي تندرج في مجالات البحث اللساني، لاسيما بعد النجاح الباهر الذي اللسانيات حققته في دراساتها للغة، إذ كان لذلك أثره البالغ في حقل الدراسات المرتبطة بالتحليل السيميولوجي. و يبدو لنا ذلك في السعي إلى تأسيس صرح سيميولوجي يستمد مفاهيمه دراسة و تحليلا من مجالات البحث اللساني؛ حيث نعاين بجلاء كون التحليل السيميولوجي يبتدأ مما انتهت إليه جهود اللسانيين في علم اللغة.
من هذا المنطلق، نجد رولان بارط يعتبر السيميولوجيا فرعا معرفيا من علم عام هو اللسانيات، و ذلك على اعتبار أن هذا الفرع الجديد ينبغي أن تكون مكوناته متجانسة مع الثنائيات الأساسية لعلم اللغة. كما أن كل مظاهر السلوك و الأشياء خاصة و الصور التي تؤثث عالم الظواهر الإنسانية عامة تعكس خطابات متعددة تبلغ رسالتها بواسطة أنظمة مختلفة، حيث اللغة واصفة الأنظمة المتباينة. و يتجلى هذا الأمر في المصطلحات و المفاهيم الموظفة من قبل الباحث بمؤلفاته، و التي اصطفاها من اللسانيات و استانس بها في تفكيكاته السيميولوجية.
لقد استوحى رولان بارط منجز تصوراته السيميولوجية من أسلافه السيميولوجيين و اللسانيين الذين رفدوا اللسانيات بمفاهيم مستحدثة، ساعيا إلى تشييد ما اصطلح على تسميته بسيميولوجيا الدلالة حين اشتغاله على الدلائل المنطوقة و غير المنطوقة بمقولات لسانية محضة، لاسيما درسه للموضة و أساطير المجتمع البورجوازي الفرنسي.
و بما أن مطلبنا في هذه القراءة هو تعرف الدرس السيميولوجي عند بارط، فإننا سنعمد على طرح آراءه انطلاقا من البناء المنهجي الذي وضعه في نهاية كتاب أسطوريات. ففي هذا الأخير، نستنتج استنباط العديد من التصورات التحليلية اللسانية، و هي مستلهمة من اللسانيات البنيوية، من أجل إخصاب البحث السيميولوجي. لكن المقصد الأساسي من الكتاب هو " النقد الأيديولوجي القائم على لغة الثقافة المسماة بالثقافة الجماهيرية من جهة، و التفكيك السيميولوجي الأولي لهذه اللغة من جهة ثانية."
غير أن أهم إضافة يمكن أن تثري القراءة، هو تسجيلنا في هذا النطاق، و انطلاقا من المعارف التي امتلكناها بقدر فهمنا و مستطاعنا، أمثلة تطبيقية مستقاة من عدة شواهد توضيحية استعان بها بارط حين إرساء صرحه المفاهيمي.
أولا الشق النظري
ٳذا تأملنا ما يفيظ به كتاب أسطوريات، بوصفه دراسة مرصودة للسيميولوجيا، تلقطنا من مظانه أن الأسطورة تسجل حضورها في العالم المعاصر ككلام تعبيري و رسالة ملفوظة. لكن الأسطورة هنا لا يرتبط تعريفها بالتمثل الكلاسيكي القائم على تفسير الظواهر بعوامل خارطة للطبيعة، بل تمارس الأسطورة حضورها يوميا في الأسواق، و في المدارس، و في السينيمات، و في الطرقات، و حتي في البيوت بوصفها أيديولوجيا يشارك فيها الأفراد طواعية أو دون رغبتهم.
هكذا، يسجل رولان بارط معنى للأسطورة يخالف ما تواضع عليه السابقون، بجعلها كلاما يقابل اللسان عند دوسوسير. ٳنها دال لاينفك عن ٳنتاج مدلولات و ٳيحاءات، حيث يرادف استعمالا جماعيا للكلام بعد أن فقد طبيعته المرجعية ليكتسب طبيعة ٳيحائية يهبها المجتمع. لا غرابة ٳذن أن تعادل الأسطورة، من وجهة نظر بارط، صيغة من الصيغ الدلالية باعتبارها شكلا. و المقصود بذلك: الأسطورة لا تنبثق من رحم الأشياء، بل من جوف الوضع البشري انطلاقا من خبرات متراكمة تؤسس للتاريخ: " تاريخ ينقل الواقع ٳلى حالة الكلام... لأن الأسطورة كلام اختاره التاريخ". و تبعا لذلك، يموقع بارط الأسطورة ضمن علم عام يعتبر امتدادا للسانيات اللسان، و نقصد به السيميولوجيا. فالأسطورة منظومة سيميولوجية يتركز موضوع دراستها على الصيغ الدلالية باعتبارها أشكالا للمعنى و تحققات ممكنة له.
و حيال هذه التحديدات، يلاحق بارط الأسطورة وفق تصور يلوح ٳلى تساجله مع المنظور الثلاثي للنظام اللساني، و الذي يقوم على الدال، و المدلول، و الدليل. و بموازاة ذلك، يشرع بارط من مظان التقسيم اللساني تحليلا سيميولوجيا للأسطوة يقوم على نفس الترسيمة الثلاثية، مع التمييز بين منظومتين سيميولوجيتين. من هنا، نكون ٳزاء نظامين مختلفين على الرغم من معانقتهما لنفس الأساس. فلقد ميز الباحث بين الدال و المدلول، ثم بين الدليل كعلامة جامعة للطرفين. و هذه السلسة تشكل نظاما بسيطا من نظام ثان يمتد منه. و الخطاطة التالية توضح ذلك:
يمثل مفهوم السيميولوجيا موقعا مركزيا في الأبحاث و الدراسات التي تندرج في مجالات البحث اللساني، لاسيما بعد النجاح الباهر الذي اللسانيات حققته في دراساتها للغة، إذ كان لذلك أثره البالغ في حقل الدراسات المرتبطة بالتحليل السيميولوجي. و يبدو لنا ذلك في السعي إلى تأسيس صرح سيميولوجي يستمد مفاهيمه دراسة و تحليلا من مجالات البحث اللساني؛ حيث نعاين بجلاء كون التحليل السيميولوجي يبتدأ مما انتهت إليه جهود اللسانيين في علم اللغة.
من هذا المنطلق، نجد رولان بارط يعتبر السيميولوجيا فرعا معرفيا من علم عام هو اللسانيات، و ذلك على اعتبار أن هذا الفرع الجديد ينبغي أن تكون مكوناته متجانسة مع الثنائيات الأساسية لعلم اللغة. كما أن كل مظاهر السلوك و الأشياء خاصة و الصور التي تؤثث عالم الظواهر الإنسانية عامة تعكس خطابات متعددة تبلغ رسالتها بواسطة أنظمة مختلفة، حيث اللغة واصفة الأنظمة المتباينة. و يتجلى هذا الأمر في المصطلحات و المفاهيم الموظفة من قبل الباحث بمؤلفاته، و التي اصطفاها من اللسانيات و استانس بها في تفكيكاته السيميولوجية.
لقد استوحى رولان بارط منجز تصوراته السيميولوجية من أسلافه السيميولوجيين و اللسانيين الذين رفدوا اللسانيات بمفاهيم مستحدثة، ساعيا إلى تشييد ما اصطلح على تسميته بسيميولوجيا الدلالة حين اشتغاله على الدلائل المنطوقة و غير المنطوقة بمقولات لسانية محضة، لاسيما درسه للموضة و أساطير المجتمع البورجوازي الفرنسي.
و بما أن مطلبنا في هذه القراءة هو تعرف الدرس السيميولوجي عند بارط، فإننا سنعمد على طرح آراءه انطلاقا من البناء المنهجي الذي وضعه في نهاية كتاب أسطوريات. ففي هذا الأخير، نستنتج استنباط العديد من التصورات التحليلية اللسانية، و هي مستلهمة من اللسانيات البنيوية، من أجل إخصاب البحث السيميولوجي. لكن المقصد الأساسي من الكتاب هو " النقد الأيديولوجي القائم على لغة الثقافة المسماة بالثقافة الجماهيرية من جهة، و التفكيك السيميولوجي الأولي لهذه اللغة من جهة ثانية."
غير أن أهم إضافة يمكن أن تثري القراءة، هو تسجيلنا في هذا النطاق، و انطلاقا من المعارف التي امتلكناها بقدر فهمنا و مستطاعنا، أمثلة تطبيقية مستقاة من عدة شواهد توضيحية استعان بها بارط حين إرساء صرحه المفاهيمي.
أولا الشق النظري
ٳذا تأملنا ما يفيظ به كتاب أسطوريات، بوصفه دراسة مرصودة للسيميولوجيا، تلقطنا من مظانه أن الأسطورة تسجل حضورها في العالم المعاصر ككلام تعبيري و رسالة ملفوظة. لكن الأسطورة هنا لا يرتبط تعريفها بالتمثل الكلاسيكي القائم على تفسير الظواهر بعوامل خارطة للطبيعة، بل تمارس الأسطورة حضورها يوميا في الأسواق، و في المدارس، و في السينيمات، و في الطرقات، و حتي في البيوت بوصفها أيديولوجيا يشارك فيها الأفراد طواعية أو دون رغبتهم.
هكذا، يسجل رولان بارط معنى للأسطورة يخالف ما تواضع عليه السابقون، بجعلها كلاما يقابل اللسان عند دوسوسير. ٳنها دال لاينفك عن ٳنتاج مدلولات و ٳيحاءات، حيث يرادف استعمالا جماعيا للكلام بعد أن فقد طبيعته المرجعية ليكتسب طبيعة ٳيحائية يهبها المجتمع. لا غرابة ٳذن أن تعادل الأسطورة، من وجهة نظر بارط، صيغة من الصيغ الدلالية باعتبارها شكلا. و المقصود بذلك: الأسطورة لا تنبثق من رحم الأشياء، بل من جوف الوضع البشري انطلاقا من خبرات متراكمة تؤسس للتاريخ: " تاريخ ينقل الواقع ٳلى حالة الكلام... لأن الأسطورة كلام اختاره التاريخ". و تبعا لذلك، يموقع بارط الأسطورة ضمن علم عام يعتبر امتدادا للسانيات اللسان، و نقصد به السيميولوجيا. فالأسطورة منظومة سيميولوجية يتركز موضوع دراستها على الصيغ الدلالية باعتبارها أشكالا للمعنى و تحققات ممكنة له.
و حيال هذه التحديدات، يلاحق بارط الأسطورة وفق تصور يلوح ٳلى تساجله مع المنظور الثلاثي للنظام اللساني، و الذي يقوم على الدال، و المدلول، و الدليل. و بموازاة ذلك، يشرع بارط من مظان التقسيم اللساني تحليلا سيميولوجيا للأسطوة يقوم على نفس الترسيمة الثلاثية، مع التمييز بين منظومتين سيميولوجيتين. من هنا، نكون ٳزاء نظامين مختلفين على الرغم من معانقتهما لنفس الأساس. فلقد ميز الباحث بين الدال و المدلول، ثم بين الدليل كعلامة جامعة للطرفين. و هذه السلسة تشكل نظاما بسيطا من نظام ثان يمتد منه. و الخطاطة التالية توضح ذلك: