عبد الكريم العامري - لست كما تظن!- مسرحية

شخوص المسرحية :
1- الطبيب
2- المرأة
3- الرجل
4- م. فرقة الإطفاء

المشهد الأول

في غرفة الإنعاش داخل مشفى، الرجل مسجى على السرير وقد تشوه كامل جسده، بينما المرأة والطبيب يقفان بالقرب منه. الطبيب يقوم بمراجعة بعض الأوراق الخاصة بالرجل.
المرأة: (تنظر الى الطبيب وهو يقلّب بالأوراق)
هل سيعيش يا دكتور؟
الطبيب: (يرفع رأسه حيث المرأة) نحتاج الى معجزة.
المرأة: (بحزن شديد) هذا يعني أنه لن يعيش.
الطبيب: (يهز رأسه يائسا) لو كانت الاعمار بأيدينا!
المرأة: لكنك اخبرتني ان قلبه معافى وجميع أعضائه تعمل بشكل جيد.
الطبيب: (يضع الأوراق على طاولة قرب السرير) ننتظر أسبوعا آخرا حتى نتأكد من ان كل شيء على ما يرام. المهم ان مرحلة الخطر توشك ان تنتهي.
المرأة: لم يفتح عينيه ولم يتحرك منذ أسبوع.
الطبيب: الحروق التي تعرض لها كافية ان تشوي خروفا! لم يبق جزء من جسده دون ان تمسّه النار حتى انهم حين جاءوا به الى هنا كانت رائحة الشواء تملأ الغرفة.
المرأة: (باكية) يا الله! ما الذي فعله هذا المسكين كي تعاقبه هكذا؟
الطبيب: الله لا يعاقب أحدا في الدنيا.
المرأة: (مترددة) لم أعنِ ذلك. كان يساعد الناس. (كأنها تستذكر) أطفأ أكثر من حريق. تصور حتى هذا الحريق المشؤوم حين سمع به قطع اجازته والتحق بفرقة الإطفاء.
الطبيب: (وهو يغادر) كل ما علينا قد فعلناه وما بقي على الله.
اظلام
المرأة: (لوحدها ضمن بقعة ضوء والرجل يقف بجانبها بكامل قيافة رجل الإطفاء)
المرأة:
ألست في إجازة؟
الرجل: حياة الناس أهم من كل شيء.
المرأة: لكنه ذكرى يوم زواجنا.
الرجل: ذهابي لا يفسد الذكرى. لن اتأخر. ساعتان وأعود.
المرأة: (متوسلة) لنوقد شمعة الذكرى ومن ثم اذهب.
الرجل: (باسما) نوقدها حين اعود. الليل طويل. أطماني يا زوجتي سأكون ظلا لك ولا افارقك.
المرأة: (مستسلمة) حسنا. سأنتظرك. لا تغب طويلا.
اظلام
(بقعة الضوء على المرأة لوحدها)
المرأة: (قلقة وهي تنظر الى الهاتف الجوال الذي تحمله)
مضت أربع ساعات ولم يعد. لم يتصل بي. لو كان يعرف قلقي لكان قد اتصل. ما الذي سأفعله؟ (بحيرة شديدة تحاول ان تتصل به وتنتظر قليلا) يا الله! هاتفه مغلق. ليس من العادة ان يغلق هاتفه. ما الذي جرى له؟ (تعاتبه) لا اعرف كيف تفكر يا رجل.. أنت في إجازة وهناك من يعوّض عنك. كنت اعدّ لهذا اليوم منذ أسبوع. ذكرى زواجنا الأول، هل هناك ما هو أهم من هذا اليوم؟ (تصمت قليلا وكأنها تستذكر) أتذكر اك قلت لي قبل الزواج أن عملك في دائرة الإطفاء سيأخذ كل وقتك. ويوم أردنا شراء بعض الحاجيات لبيتنا لم تذهب معي. طلبوا منك الالتحاق بالفرقة سريعا. آه يا زوجي أراك تطفئ النار التي تشبّ في المنازل. متى تطفئ النار التي تستعر في صدري. أنا احترق فمن سينقذني من هذا الحريق؟ (تبكي)
(اظلام)


المشهد الثاني

في منزله يجلس الرجل في كرسي متحرك وقد تشوّه وجهه. المرأة تقف قبالته.
المرأة: (بحزن شديد)
لولا انسانيتك لندبت هذا العمر وبكيت لكن عزائي في أنك كنت مخلصك لعملك. آه لهذه البلوى، مذ خرجت من المشفى وأنت تحدّق بي. تغرقني نظراتك بالحزن. أعرف ما يجول بخاطرك، اعرف ان لديك كلاما كثيرا لكن اطمئن. أنا افهمك. افهم ما تريد قوله فالمرأة تقرأ ما تكتبه عينا زوجها وتشعر به. لم يكن يوما نحساً يا حبيبي. كان يوم زواجنا. أغلى أيام حياتي. (تقترب منه وتجلس امامه) حين اتصل بي صاحبك وأخبرني بالحادث احسست ان هناك امرا ما. كان قلبي يخبرني ان كارثة قد حدثت. كل نبضة كانت تقول لي إنك في خطر. (تنظر في وجهه المشوّه وتتحسسه) ما زلت جميلا مثلما رأيتك اول مرة. عيناك تنطقان بالحب. ابتسامتك لم تغب. اطمئن يا حبيبي فزوجتك ستكون ظلا لك ولن تفارقك ابدا. (تصمت قليلا) أتذكر أنك قلت لي هذا. والان سأصبح ظلا لك. لا بل خادمة للرجل الشهم. قال لي اصحابك إنك انقذت طفلا. هم حذّروك. قالوا لي انهم حذّروك. نعم حذّروك من الدخول في لب النار لكنك اتبعت قلبك وانت تسمع صرخات الطفل الآتية من جوف الحريق. قال لي اصحابك أنك لم تأبه للنار وأنت لم ترتدِ بدلة النار. اقتحمتها بطلا. ليتها كانت بردا وسلاما عليك. ليتها شعرت بنبلك واخلاصك وانسانيتك. من اين لها ذلك وهي بلا شعور. ربما فرحت النار بمقدمك تلذذت بطعم رجولتك وشهامتك.
(تنهض وهي تمسك بيديه وتحاول رفعه) قم يا حبيبي. قم. اترك هذا الكرسي فهو لم يصنع لرجل مثلك. تعال معي. سأعينك على الوقوف والمشي. أنت قادر على فعل ذلك. (تحاول رفعه لكنه يسقط على الكرسي) حاول ثانية. لا تيأس. حاول يا حبيبي. أعرف أن اصحابك لو طلبوك الآن ستركض لهم. أنت قوي. قوي وستبقى. هل ترى ذاك السرير؟ (تشير الى جهة) سريرنا! كنت شرسا فيه (تبتسم وهي تتمطى امامه) تشبعني قبلا، وقرصا.. تكاد ان تأكلني. كنت تقول لي: يا لطعمك اللذيذ! ربما لم يكن طعمي كما وصفت لكن شهيتك كانت أكبر. هل تتذكر يوم سقط السرير بنا؟ (تضحك) لم تأبه بسقوطنا مثلما لم تأبه للنار التي حذّرك اصحابك منها. كنت تريد التهامي. فريستك كنت (تضحك) فريستك الضعيفة المستسلمة لك. (تنهض وتمرر اصابعها على صدره) هذا كان وسادتي. زرعت فيه أحلامي. يغمرني صدرك بالسعادة. (تحاول وضع رأسها على صدره لكنه يدير وجهه عنها، تمسك وجهه وتحدّق به) لا يهمني ما ضاع منك. ما يهمني هو ان اراك بجانبي. معي. بوجهك هذا. (تشير الى جسده) كل هذا سيعود ما دمت معك. سيعود جسدك بهيّا، قويّا كما كان. (تخرج زجاجة عطر وترش) هو ذا عطرك المفضّل. كنت تقول لي اشتم فيه رائحة العافية. اشتمه يا حبيبي. شمّه لتعود عافيتك. (الرجل لا يرغب بالعطر ويهز راسه بينما تنظر المرأة له باسمة) ها.. هل شعرت به. هل احسست بما كنت تشعر فيه يوم كنت تلتهم فريستك؟
(تذهب خلف الكرسي وتدفعه) تعال يا حبيبي. تعال الى سريرنا. هو يشتاق لك أيضا. اظنّه سيفرح بمقدمك. يفرح لرجولتك وأنت تملؤه انتشاءاً. (تدفعه حيث الغرفة)
اظلام


المشهد الثالث
في مكتب مسؤول فرقة الإطفاء. المسؤول ينظر بالأوراق التحقيقية لحادث احتراق الرجل بينما تقف المرأة بالقرب منه)
المسؤول:
هذا ما تقوله الأوراق سيدتي.
المرأة: لكنه اجحاف وظلم بحق رجل أنقذ طفلا.
المسؤول: محضر التحقيق لا يهمه التفاصيل. ما يهمه سيدتي أن زوجك خالف التعليمات.
المرأة: ما هي تلك التعليمات التي تقف امام عمل انساني؟
المسؤول: لم يكن مرتديا البدلة التي تقيه من النار.
المرأة: لم يكن في الدائرة. خرج من المنزل مسرعا حيث مكان الحريق من اين يأتي بالبدلة يا سيدي؟
المسؤول: كان عليه ان يلتحق بالدائرة ويرتديها (يصمت قليلا) ذهابه الى مسرح النار كان خطا منه.
المرأة: أصحابه قالوا له أن لا وقت لديه وعليه الإسراع بالمجيء.
المسؤول: (ينظر لها برأفة) هناك أمور أنت لا تعرفينها سيدتي.
المرأة: أي أمر لا أعرفه سيدي المسؤول؟ كل شيء اعرفه عن زوجي. هو لا يخفي عني شيئا حتى وان كان يخص عمله.
المسؤول: (يضع الوراق امامها) محضر التحقيق ليس في صالحه. (يصمت قليلا) ثم انه كان يتمتع بإجازة ما الذي جعله ان يلتحق بالفرقة.
المرأة: (بصوت عال) اخلاصه. شهامته. رجولته. ألا يكفي ذلك؟
المسؤول: العمل الإداري شيء وهذا شيء آخر. الإخلاص والشهامة والرجولة لا تعني أنه يتجاهل التعليمات. عليه ان يدفع ثمن الخطأ الذي ارتكبه.
المرأة: ما هذا الذي اسمعه يا سيدي. زوجي دفع ثمن انسانيته.
المسؤول: (ينظر لها برأفة) اسمعي يا سيدتي. لا تظنين ان قلبي قاس لهذه الدرجة. أنا انسان أيضا وأتألم لما وصلت اليه حالة زوجك لكنها الإدارة واوامرها.
المرأة: اللعنة على إدارة فاقدة للمشاعر. انه بشر يا سيدي. بشر وليس عربة أو سيارة أو خرطوم ماء خسرتموه في الحادث. المال يمضي ويعود فمن يعيد زوجي؟ لقد خسرت زوجي يا سيدي فما الذي خسرتموه أنتم؟
المسؤول: خسرنا رجلا يا سيدتي. مثلك تماماً.
المرأة: لا. لستم مثلي. ولن تكونوا مثلي. أنا لم اخسر رجلا وحسب انما خسرت كل عمري وكل سعادتي. خسرت كل شيء.
(اظلام وبقعة ضوء على المرأة لوحده)
المرأة:
خسرت كل ايامي بمرها وحلوها. أنتم لم تخسروا شيئا. بدل الرجل تأتون بعشرة. لا يهمكم شيء. كل ما يهمكم أن ترضى الإدارة عنكم. يرضى المسؤول عنكم. لا يهم ان فقدتم واحدا او اثنين او عشرة او فرقة بحالها. هكذا أنتم يا سيدي المسؤول. قلوبكم حجر. البشر لا يعنيكم مثلما تعنيكم كراسيكم ومناصبكم. أقصى ما تفكرون به هي تلك الكراسي المتحركة. تظنون انكم خالدون بكراسيكم. (تصمت قليلا) آه يا زوجي العزيز. لقد ظلموك لأنك انسان.
اظلام
ستار

2-6-2019 البصرة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...