شخوص المسرحية
1- السكرتير: رجل تجاوز الثلاثين من عمره يدّعي الثقافة.
2- الرجل: بالأربعين من عمره
3- صوت المخرج
(عيادة طبيب اسنان. صور لشرائح مختلفة معلقة على الحائط. اسنان منزوعة ووجوه يعتريها الألم. السكرتير جالسا يمسك بيديه جريدة يستمتع بحل الكلمات المتقاطعة. بينما هو منشغل يدخل الرجل وقد وضع يده على خده وهو يعاني من ألم في أسنانه)
الرجل: ألم يأت؟
السكرتير: (ينظر له متفحصاً) ما بك يا رجل ألم اقل لك انتظر؟
الرجل: ثلاث ساعات وأنا انتظر، متى يأتي الطبيب؟
السكرتير: لا أعرف.
الرجل: ارجوك أتصل به.
السكرتير: (مستغربا) ماذا قلت...؟ أتصل بالطبيب...!
الرجل: (مؤكدا) قل له أن هناك رجلا بحاجة اليه.
السكرتير: (بغباء) وأين هو هذا الرجل؟
الرجل: (بألم) هذا الواقف امامك.
السكرتير: (بغباء) أنت...؟ (يتفحصه) ما الذي تريده منه؟
الرجل: سنّي يؤلمني لم أعد قادرا على الكلام.
السكرتير: وما حاجتك للكلام. كف عن الكلام.
الرجل: أريده أن يخلّصني من هذا الألم.
السكرتير: (يضع الجريدة ويقف امامه) اسمع يا رجل. الحياة كلها آلام والفرصة التي تأتيك مرة لا تعود اليك ثانية. هكذا هي الحياة. استسلم لها. لا بل استمتع بها حتى لو كانت تؤلمك فالألم قد يزول في أي لحظة. هذا عن تجربة وقراءة مستديمة. لا حياة بلا ألم ولا متعة فيها دون ان تشعر بمرارتها. قد تستغرب كيف استطعت ان ألمّ بكل تلك المعلومات. هذا شيء يخصني ولا يخصّك. عليك ان تتعلم. الحياة تعطيك فرصا كثيرة. انتهزها ولا تفرّط فيها فالتفريط بالفرص مثل التفريط بالطعام. ستموت جوعا ان لم تأخذ حصتك منها.
الرجل: (مستغرباً وبألم شديد) ما هذا اللغو...؟ أنا أتألم وانت تلغو لقد سببت لي الصداع بلغوك هذا.
السكرتير: (ممتعضاً) أنا.. أنا الغو. أتسمّي هذه المعلومات لغواً..
الرجل: وتثرثر ايضاً.
السكرتير: واثرثر أيضا..
الرجل: وما الذي تسمّي هذا الذي ثرثرت فيه. ما علاقته بما أعانيه من ألم؟
السكرتير: (متراجعا من امتعاضه وبابتسامة) الآن عرفت. يبدو أنك لم تقرأ كتاباً في حياتك. هذا واضح. نعم يبدو ذلك عليك بشكل واضح لا لبس فيه.
الرجل: وما علاقة قراءة الكتب بألم السن؟
السكرتير: ها.. سألتني وسأجيبك.
الرجل: ارجوك. لا احتاج لإجابتك. ارحمني يا هذا.
السكرتير: تريدني ان ارحمك. ها. أنت قلت هذا. الرحمة يا سيدي شيء مطلوب في هذا الزمن وهذا ما افعله. أنا ازودك بما لا تعرفه من معلومات. يبدو أنك تحتاج للمزيد من المعلومات وهذا لن تجده عند غيري. سألتني عن قراءة الكتب. وهذا أمر معقد بعض الشيء لكني سأبسطه لك. اسمع. ان قرأت كتاباً في يومين فانت تقرا كتابين في أسبوع. وأربعة كتب في الشهر وستة وأربعين كتاباً في العام الواحد. وإذا كان عمرك أربعين (يتمعن فيه) يبدو ذلك. عمرك لم يتجاوز الأربعين. إذا كان عمرك كذلك وانت قد بدأت القراءة في العشرين من عمرك فأنت الآن من المفترض قد قرأت أكثر من تسعمائة كتاب. أرأيت، مكتبة كاملة أدخلتها في رأسك.
الرجل: ما هذا...؟ أيها المثقف صدّعت رأسي. (يصرخ) أريد الطبيب.. أين الطبيب.
السكرتير: (يستمر بحديثه) ليس من المفترض ان تقرأ كتاباً في الشعر أو الرواية او حتى القصة. لا. ربما عليك ان تقرأ في مختلف العلوم. الهندسة والطب مثلا وقد لا تحتاج لمراجعة الطبيب.
الرجل: (متضايقا) يا الله. تباً لكِ وقد ورّطتيني بمراجعة هذه العيادة. أي زوجة انت.
السكرتير: قلت الزوجة. الزوجات هكذا يبحثن عن الأمكنة الملهمة التي تعطيهن اكسير الشباب. كثيرات يأتين الى هنا لتقويم اسنانهن ليخرج بعد ذلك بأبهى صورة. أنت محظوظ يا سيدي لأنك جئت الى هنا. لا بل قل زوجتك هي المحظوظة التي دلّتك على العيادة. أكيد رأيت اسنانها وعرفت الفرق بين ما قبل زواجك منها وما بعده. هذه العيادة يا سيدي هي الوحيدة في البلدة. هذا أولا. وثانياً أنك ستخرج من هنا مزوداً بمعلومات عامة تعينك في حياتك.
الرجل: لا اريد أن أخرج من عيادتك الا وهذا السن الذي يؤلمني بين يديّ.
السكرتير: أنت ذكرت السن. سنّك يعني. وليست كل الأسنان سواء، بالضبط تماماً مثل اصابعك. لكن لإن آلمك واحد منها ستشعر أن كل اسنانك تؤلمك وليس من المعقول أن تتبرأ من اسنانك في لحظة طيش عليك بمراجعة نفسك فالقرارات لا تحتاج الى تسرّع. بل تحتاج الى تفكير وليس كل تفكير يوصلك الى حل!
الرجل: (مقاطعا) يا الله! ما هذا...؟ أنت تفعل ما فعلته بي مع كل المراجعين.
السكرتير: (بابتسامة) فقط من يدخل الى قلبي. مراجع واحد يكفي في اليوم الواحد فليس كل الناس يأتون الى هنا. أجد فرصتي في الثقيف لمن يحتاجه. من يأتي الى العيادة يعني انه يهتم بأسنانه ومن لا يأتي ذاك أما انه لا يهتم بها او ليس لديه أسنان فبدون السنان لا يمكنك أن تمضغ طعامك جيداً او أن تبتسم. أرأيت، تلك العلاقة الجدلية ما بين المضغ والابتسام. ربما خيوط العلاقة كثيرة لكن أشهرها وهذا المتفق عليه بين كل العلماء القدامى منهم والمحدثين، أشهرها الحركة. وفي الحركة بركة. حركة الفك، صعودا ونزولا هكذا (يفتح فمه).. أرأيت؟ ابتسامة ومضغ كلها تؤدي الى طريق واحد لكن المضغة تشبعك والابتسامة في وجه الناس صدقة والصدقة مطلوبة قد تحتاجها في دنياك وآخرتك.
الرجل: (هازئاً) أتريدني ان اعطيك صدقة؟
السكرتير: مستورة والحمد لله! لكن ان ألححت عليّ فلا بأس ولكن ايّاك أن تعطي الصدقات الا لمن يستحقها. أنا إن لم تلح عليّ لا استحق وأنت أيضا لا تستحق والطبيب لا يستحقها. لا تفكر في أن تعطي صدقة الا لمن يستحقها. لا تعطي الا بعد التفكير وليس كل تفكير....
الرجل: (مقاطعا) يوصلك الى حل..
السكرتير: (هاتفاً) رائع. رائع.. بدأت تفهم. أرأيت؟ بدأت تفهم وهذه اول خطواتك في مسيرة الألف كتاب. انت تحتاج الى المزيد. عليك أن تكون مثقفاً. هذه الخطوة الأولى أنا أعطيتك مما قرات لست متفضلا عليك لا. هو الواجب. واجب المثقف ان يكون محوراً في مجتمعه. وانا محور. هل رأيت (يدور حوله نفسه) هذا أنا محور ثقافي. عليك الآن أن تفهم والفهم هذا يجعلك تنظر الى الحياة بشكل أفضل، بشكل مختلف. لماذا...؟ (يصمت قليلا) لأنك فهمتها بشكل جيد. أقصد الحياة ولا اقصد قدرتك على التفكير لأن ليس كل تفكير ....
الرجل: (مقاطعا) يوصلك الى حل.. فهمناها!
السكرتير: تعجبني فطنتك. على فكرة انت فطن. أنت ذكي وهذا واضح عليك لأنك التقطت المعلومة وهي في الجو! أقصد الفكرة ولا أعني غيرها لأن كل شيء غير الفكرة هو عدم. والعدم هو اللاشيء.. ولكي تكون شيئا عليك ان تفهم. أن تكون لديك خلفية ثقافية. هل رأيت خلفيتي...؟ (مستدركاً) أقصد الثقافية. نحن معشر المثقفين هكذا نهتم بخلفياتنا اهتمامنا بمداركنا لأن الإدراك هو بوابة الدخول للميتافيزيقيا.
الرجل: (حائراً) يبدو أنني تورطت مع روبوت.
السكرتير: (متسائلا) روبوت...؟ ما هو هذا الذي قلته؟
الرجل: عجبا تعرف الميتافيزيقيا ولا تعرف الروبوت!
السكرتير: (يفكر) إذا كان اكلة فأنا لا آكل الا الطعام المحلي. لا أحب البيتزا ولا أحب غيرها وإن كانت غير ذلك فعليك اخباري. ما هذا الذي ذكرته بوبوت أو ماذا...؟
الرجل: كل هذا الخرط ولا تعرف ما هو الروبوت؟
السكرتير: قلت لك الانسان مهما تعلم وغاص في الثقافة الا انه يبقى بحاجة الى التعلّم. وأنا من هذا النوع. وبصراحة متناهية لا تحدّها حدود ولا تغطيها الغيوم لم اسمع بهذا الاسم وما مرّ عليّ وأنا أحلّ الكلمات المتقاطعة في الجريدة.
الرجل: (مستغربا) ها.. قل لي يا رجل من البداية أن كل خرطك هذا هو معلومات من الكلمات المتقاطعة.
السكرتير: لا يا سيدي. ليس كلها. الكلمات المتقاطعة بئر من المعلومات والفهم. أنت لم تجربّها. واكيد لم تجربّها عرفت هذا من رفع حاجبيك واندهاشك. أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا لي مصادري الخاصة.
الرجل: مصادرك الخاصة. ما شاء الله. وما هي تلك المصادر.
السكرتير: لا يحق للمثقف أن يكشف مصادره لأحد الا بعد ان يثق به. أنا آسف. اعذرني لأني للآن لم اثق بك ولا أعرفك واحتاج لعام أو عامين لكي اثق بك هذا هو مفهوم الصداقة والثقة بالآخر.
الرجل: نصف ساعة يا رجل ونفخت رأسي بكلماتك المتقاطعة كيف تريدني أن أكون معك عاما او عامين.
السكرتير: الحياة بلا صحبة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة. قل لي ما هو هذا البوت؟
الرجل: الروبوت وليس البوت.. هو الانسان الآلي.
السكرتير: (يضحك) ها.. والله على طرف لساني.. أردت ان اقولها وسبقتني أنت. نعم الانسان الآلي. أعرفه لكن الذاكرة أحيانا تكون مثقوبة بفعل الهزات (يهز وسطه) الكبرى التي لحقت بالمثقفين. ربما أنت لا تصدقني. من حقّك. لأنك لا تعرفني ولا تعرف ما احمله من كمٍّ معرفي هائل وظننت أنى لا اعرف ما الذي تعنيه كلمة الكيبوت.
الرجل: (مصححا) الروبوت.
السكرتير: ها.. نعم. نعم هو ما قلت (يصمت قليلا) وما كانت مناسبة ذكره؟
الرجل: (وقد خفّ ألمه) كنت أقول لك أني تورطت مع روبوت.
السكرتير: ها.. تقصد انسان آلي. نعم أنا امتلك طاقة إنسان آلي بعلمي وفهمي وقدرتي على تمحيص الأمور وشويها. أقصد وتأويلها. هذه نعمة حصلت عليها بجهدي لهذا ما زال الطبيب متمسكاً بي. تصوّر قدّمت له ثلاث استقالات.
الرجل: (مقاطعا) وأكيد رفضها.
السكرتير: (يصمت قليلا كأنه يتذكّر) لا. مزّقها ورماها بوجهي.
الرجل: والآن قل لي. هل طبيبك مثلك؟
السكرتير: أوووه. هو واحد من مصادري التي لم أعلن عنها. أتصدّق لو بدأ بالكلام لن يسكته أحد. لكن للحق أقول هو أكثر ثقافة مني أتعرف لماذا لأنه يكبرني سناً وبالتأكيد من يكبرك بالعمر يكون فهمه أكثر منك. هذا طبيعي. بالأمس جاءت إحدى المراجعات بقصد تقوم أسنانها الساعة السادسة مساءاً ولم تخرج منه الا قبل ساعتين من الآن.
الرجل: باتت معه في العيادة؟
السكرتير: بقصد نشر الثقافة. افهام الناس بما لا يعرفونه.
الرجل: وما الذي كان يتحدث معها. هل سمعته؟
السكرتير: كل شيء. أقصد يتحدث بكل شيء. سياسة واقتصاد وثقافة.
الرجل: موقع إلكتروني هذا أم طبيب!
السكرتير: انتظرته هناك على ذاك الكرسي وهو يقوم بمهامه الفكرية مع السيدة.
الرجل: يبدو انها مهام جاءت بنتيجة.. (ضاحكاً)
السكرتير: كيف لا. نتيجة كبيرة. خرجت مرتاحة.
الرجل: (يضحك) مرتاحة؟!
السكرتير: أرأيت...؟ بانت ابتسامتك. ألم اقل لك أنت تحتاج لأسنانك. بالمضغ والابتسام. كثيرون مثلك يحتاجون الى ذلك ولولا الاسنان لما استطعنا أن نأكل.
الرجل: معلومة مهمة. لولا الاسنان لما استطعنا ان نأكل.
السكرتير: (مبتسماً) ونبتسم ايضاً.
الرجل: ها.. ونبتسم ايضاً.
السكرتير: رائع. أنت تحفظ المعلومة بشكل جيد.
الرجل: (متندراً) وخاصة من شخص مثقف مثلك.
السكرتير: طبعاً. أنا مكتبة تمشي على الأرض.
الرجل: (ضاحكاً)
السكرتير: أنت تضحك. (فرحاً) بعدما كنت تتألم صرت تضحك. أرأيت فعل الثقافة.
الرجل: (متندراً) فعل واضح.
السكرتير: بالتأكيد هو فعل واضح.. بالثقافة يمكن أن تُعالج باراسوجياً.
الرجل: (ضاحكاً) باراسوجياً..؟ ما هذا..؟ حبوب ام شراب؟
السكرتير: ألا تعرف العلاج الباراسوجي..؟ (يضحك) صرنا متعادلين. الإنسان الآلي وهذا.. من حقك أن لا تعرف الباراسوجيا فهذا علم كبير وعريض (يشير بيديه) فليس كل انسان يعرف هذا.. الباراسوجي يا سيدي هو العلاج النفسي. ألم تسمع بالعلاج النفسي؟
الرجل: (وهو يضحك) تقصد السايكولوجي.
السكرتير: (يصمت قليلا وكأنه يراجع المصطلح) ماذا قلت؟
الرجل: السايكولوجي.
السكرتير: (يهز راسه موافقاً) المهم أن نهايته لوجي.
الرجل: (يضحك) وأنت أيّ لوجي منهم..؟
السكرتير: أنا معالج اللوجي.
الرجل: (ما زال ضاحكا) دعنا نعود للأسنان خير من اللوجي. والمرأة التي كانت البارحة هنا هل تلقت علاجاً لوجياً..
السكرتير: (يقترب منه ويهمس في اذنه) كانت تئن من فرط لوجيات الطبيب. (يعود لمكانه وبصوته) طبعاً دخلت متضجرة من أسنانها وخرجت ضاحكة. لا. واعطاها الطبيب مبلغ الدواء!
الرجل: وهل سيفعل الطبيب بي ما فعله مع تلك.
السكرتير: حالة واحدة مرت بي مثل تلك مع شاب لكن معك لا اعتقد.
الرجل: (ضاحكا) ربما لأن علاج اللوجيا خاص بفئة معينة.
السكرتير: ليس كل إنسان يحتاجه. هناك من يحتاجه وهناك من ينفر منه. (يحدّق في الرجل ويشير الى اسنانه) ألا يؤلمك سنّك؟
الرجل: وكيف يؤلمني وأنت أنسيتني الألم. أنت تذكرني بأصحاب السياسة وما سمعته منك يؤكد لي أنك تصلح أن تكون سياسياً وان تقود بلداً.
السكرتير: وما الذي ينقصني كي اقود البلد. كل شيء فيّ يشير الى قدرتي على قيادة البلد. وما الذي يحتاجه المرء ليكون قائداً للبلد. بدلة شيك ولسان. هذا كل شيء!
الرجل: وماذا عن الدهاء السياسي؟
السكرتير: كل شيء يأتي فيما بعد. أرأيت أنت دخلت الى العيادة ولا تفهم شيئا والان ستخرج وانت مثقفا. هكذا هو الأمر بقيادة البلد. أقصد بعد جلوسك على الكرسي السحريّ ملك سليمان سيكون بين يديك ومن كان يكرهك بالأمس تجده اليوم يصفّق لك ويبح صوته وهو يهتف لك (بهتاف) بالروح بالدم نفديك يا جربوع!
الرجل: (مستغرباً) أيّ جربوع هذا؟
السكرتير: هذا أنا. اسمي. أنا اسمي جربوع. ألا تصدّق؟ خذ هذه بطاقتي واقرأها ان كنت تقرأ (يقدم له بطاقته الشخصية)
الرجل: (وهو يقلّب البطاقة ثم يعيدها) وهل تظن أنه يصلح للرئاسة؟ أقصد اسمك.
السكرتير: كل شيء في هذه البلاد يصلح. السلطة والمال يجعلان من جربوع مقبولا وستجد كل النساء يُسميَنّ اولادهن باسمي.
الرجل: حسناً. والآن متى يأتي الطبيب؟
السكرتير: ألم اقل لك.؟
الرجل: وهل بقي ما لم تقله؟
السكرتير: بعدما خرجت امرأة اللوجي من العيادة كان الطبيب متعباً فجلسة العلاج تطلبت جهداً كبيراً منه لهذا فهو في إجازة اليوم.
الرجل: الطبيب في إجازة؟
السكرتير: لأبدانكم حق عليكم.. هو في إجازة.
الرجل: لكنك قلت لي انه سيجيء..
السكرتير: لم أقل.
الرجل: أنا سمعتك.
السكرتير: عليك بمراجعة نص المؤلف لم يكتب فيه ان أقول لك سيجيء. ذاك هو المخرج اسأله ان لم تصدّقني.
الرجل: (يخرج من جيبه مجموعة من الأوراق يحدّق بها) حسناً. سأراجع النص وأطلب من المؤلف أن يلغي دورك فأنت لا تصلح لشيء.
(يخرج الرجل ويعود السكرتير الى جريدته) والآن اسم من خمسة أحرف لحيوان يعيش في البراري.. ها. عرفتها. سياسي! (يصمت قليلا) لكن السياسي لا ينتهي بحرف العين. هو عنده عيون لكن الاسم لا ينتهي بهذا الحرف. أووف أي حيوان هذا يا جربوع؟ (يفكر مع نفسه ثم يغلق الجريدة بامتعاض) أووف.. ما هذه الكلمات المتقاطعة الصعبة. (ينتبه لصوت المخرج في الخارج)
صوت المخرج: اخرج يا جربوع. انتهى العرض.
السكرتير: ما هذا أيها المخرج. لست جربوعاً.. ألف مرة أقول لك لا تناديني بهذا الاسم. لست جربوعا. ولست منهم. الجرابيع هناك يتحكمون بنا.
(يخرج)
اظلام
ستار
15 حزيران 2019
1- السكرتير: رجل تجاوز الثلاثين من عمره يدّعي الثقافة.
2- الرجل: بالأربعين من عمره
3- صوت المخرج
(عيادة طبيب اسنان. صور لشرائح مختلفة معلقة على الحائط. اسنان منزوعة ووجوه يعتريها الألم. السكرتير جالسا يمسك بيديه جريدة يستمتع بحل الكلمات المتقاطعة. بينما هو منشغل يدخل الرجل وقد وضع يده على خده وهو يعاني من ألم في أسنانه)
الرجل: ألم يأت؟
السكرتير: (ينظر له متفحصاً) ما بك يا رجل ألم اقل لك انتظر؟
الرجل: ثلاث ساعات وأنا انتظر، متى يأتي الطبيب؟
السكرتير: لا أعرف.
الرجل: ارجوك أتصل به.
السكرتير: (مستغربا) ماذا قلت...؟ أتصل بالطبيب...!
الرجل: (مؤكدا) قل له أن هناك رجلا بحاجة اليه.
السكرتير: (بغباء) وأين هو هذا الرجل؟
الرجل: (بألم) هذا الواقف امامك.
السكرتير: (بغباء) أنت...؟ (يتفحصه) ما الذي تريده منه؟
الرجل: سنّي يؤلمني لم أعد قادرا على الكلام.
السكرتير: وما حاجتك للكلام. كف عن الكلام.
الرجل: أريده أن يخلّصني من هذا الألم.
السكرتير: (يضع الجريدة ويقف امامه) اسمع يا رجل. الحياة كلها آلام والفرصة التي تأتيك مرة لا تعود اليك ثانية. هكذا هي الحياة. استسلم لها. لا بل استمتع بها حتى لو كانت تؤلمك فالألم قد يزول في أي لحظة. هذا عن تجربة وقراءة مستديمة. لا حياة بلا ألم ولا متعة فيها دون ان تشعر بمرارتها. قد تستغرب كيف استطعت ان ألمّ بكل تلك المعلومات. هذا شيء يخصني ولا يخصّك. عليك ان تتعلم. الحياة تعطيك فرصا كثيرة. انتهزها ولا تفرّط فيها فالتفريط بالفرص مثل التفريط بالطعام. ستموت جوعا ان لم تأخذ حصتك منها.
الرجل: (مستغرباً وبألم شديد) ما هذا اللغو...؟ أنا أتألم وانت تلغو لقد سببت لي الصداع بلغوك هذا.
السكرتير: (ممتعضاً) أنا.. أنا الغو. أتسمّي هذه المعلومات لغواً..
الرجل: وتثرثر ايضاً.
السكرتير: واثرثر أيضا..
الرجل: وما الذي تسمّي هذا الذي ثرثرت فيه. ما علاقته بما أعانيه من ألم؟
السكرتير: (متراجعا من امتعاضه وبابتسامة) الآن عرفت. يبدو أنك لم تقرأ كتاباً في حياتك. هذا واضح. نعم يبدو ذلك عليك بشكل واضح لا لبس فيه.
الرجل: وما علاقة قراءة الكتب بألم السن؟
السكرتير: ها.. سألتني وسأجيبك.
الرجل: ارجوك. لا احتاج لإجابتك. ارحمني يا هذا.
السكرتير: تريدني ان ارحمك. ها. أنت قلت هذا. الرحمة يا سيدي شيء مطلوب في هذا الزمن وهذا ما افعله. أنا ازودك بما لا تعرفه من معلومات. يبدو أنك تحتاج للمزيد من المعلومات وهذا لن تجده عند غيري. سألتني عن قراءة الكتب. وهذا أمر معقد بعض الشيء لكني سأبسطه لك. اسمع. ان قرأت كتاباً في يومين فانت تقرا كتابين في أسبوع. وأربعة كتب في الشهر وستة وأربعين كتاباً في العام الواحد. وإذا كان عمرك أربعين (يتمعن فيه) يبدو ذلك. عمرك لم يتجاوز الأربعين. إذا كان عمرك كذلك وانت قد بدأت القراءة في العشرين من عمرك فأنت الآن من المفترض قد قرأت أكثر من تسعمائة كتاب. أرأيت، مكتبة كاملة أدخلتها في رأسك.
الرجل: ما هذا...؟ أيها المثقف صدّعت رأسي. (يصرخ) أريد الطبيب.. أين الطبيب.
السكرتير: (يستمر بحديثه) ليس من المفترض ان تقرأ كتاباً في الشعر أو الرواية او حتى القصة. لا. ربما عليك ان تقرأ في مختلف العلوم. الهندسة والطب مثلا وقد لا تحتاج لمراجعة الطبيب.
الرجل: (متضايقا) يا الله. تباً لكِ وقد ورّطتيني بمراجعة هذه العيادة. أي زوجة انت.
السكرتير: قلت الزوجة. الزوجات هكذا يبحثن عن الأمكنة الملهمة التي تعطيهن اكسير الشباب. كثيرات يأتين الى هنا لتقويم اسنانهن ليخرج بعد ذلك بأبهى صورة. أنت محظوظ يا سيدي لأنك جئت الى هنا. لا بل قل زوجتك هي المحظوظة التي دلّتك على العيادة. أكيد رأيت اسنانها وعرفت الفرق بين ما قبل زواجك منها وما بعده. هذه العيادة يا سيدي هي الوحيدة في البلدة. هذا أولا. وثانياً أنك ستخرج من هنا مزوداً بمعلومات عامة تعينك في حياتك.
الرجل: لا اريد أن أخرج من عيادتك الا وهذا السن الذي يؤلمني بين يديّ.
السكرتير: أنت ذكرت السن. سنّك يعني. وليست كل الأسنان سواء، بالضبط تماماً مثل اصابعك. لكن لإن آلمك واحد منها ستشعر أن كل اسنانك تؤلمك وليس من المعقول أن تتبرأ من اسنانك في لحظة طيش عليك بمراجعة نفسك فالقرارات لا تحتاج الى تسرّع. بل تحتاج الى تفكير وليس كل تفكير يوصلك الى حل!
الرجل: (مقاطعا) يا الله! ما هذا...؟ أنت تفعل ما فعلته بي مع كل المراجعين.
السكرتير: (بابتسامة) فقط من يدخل الى قلبي. مراجع واحد يكفي في اليوم الواحد فليس كل الناس يأتون الى هنا. أجد فرصتي في الثقيف لمن يحتاجه. من يأتي الى العيادة يعني انه يهتم بأسنانه ومن لا يأتي ذاك أما انه لا يهتم بها او ليس لديه أسنان فبدون السنان لا يمكنك أن تمضغ طعامك جيداً او أن تبتسم. أرأيت، تلك العلاقة الجدلية ما بين المضغ والابتسام. ربما خيوط العلاقة كثيرة لكن أشهرها وهذا المتفق عليه بين كل العلماء القدامى منهم والمحدثين، أشهرها الحركة. وفي الحركة بركة. حركة الفك، صعودا ونزولا هكذا (يفتح فمه).. أرأيت؟ ابتسامة ومضغ كلها تؤدي الى طريق واحد لكن المضغة تشبعك والابتسامة في وجه الناس صدقة والصدقة مطلوبة قد تحتاجها في دنياك وآخرتك.
الرجل: (هازئاً) أتريدني ان اعطيك صدقة؟
السكرتير: مستورة والحمد لله! لكن ان ألححت عليّ فلا بأس ولكن ايّاك أن تعطي الصدقات الا لمن يستحقها. أنا إن لم تلح عليّ لا استحق وأنت أيضا لا تستحق والطبيب لا يستحقها. لا تفكر في أن تعطي صدقة الا لمن يستحقها. لا تعطي الا بعد التفكير وليس كل تفكير....
الرجل: (مقاطعا) يوصلك الى حل..
السكرتير: (هاتفاً) رائع. رائع.. بدأت تفهم. أرأيت؟ بدأت تفهم وهذه اول خطواتك في مسيرة الألف كتاب. انت تحتاج الى المزيد. عليك أن تكون مثقفاً. هذه الخطوة الأولى أنا أعطيتك مما قرات لست متفضلا عليك لا. هو الواجب. واجب المثقف ان يكون محوراً في مجتمعه. وانا محور. هل رأيت (يدور حوله نفسه) هذا أنا محور ثقافي. عليك الآن أن تفهم والفهم هذا يجعلك تنظر الى الحياة بشكل أفضل، بشكل مختلف. لماذا...؟ (يصمت قليلا) لأنك فهمتها بشكل جيد. أقصد الحياة ولا اقصد قدرتك على التفكير لأن ليس كل تفكير ....
الرجل: (مقاطعا) يوصلك الى حل.. فهمناها!
السكرتير: تعجبني فطنتك. على فكرة انت فطن. أنت ذكي وهذا واضح عليك لأنك التقطت المعلومة وهي في الجو! أقصد الفكرة ولا أعني غيرها لأن كل شيء غير الفكرة هو عدم. والعدم هو اللاشيء.. ولكي تكون شيئا عليك ان تفهم. أن تكون لديك خلفية ثقافية. هل رأيت خلفيتي...؟ (مستدركاً) أقصد الثقافية. نحن معشر المثقفين هكذا نهتم بخلفياتنا اهتمامنا بمداركنا لأن الإدراك هو بوابة الدخول للميتافيزيقيا.
الرجل: (حائراً) يبدو أنني تورطت مع روبوت.
السكرتير: (متسائلا) روبوت...؟ ما هو هذا الذي قلته؟
الرجل: عجبا تعرف الميتافيزيقيا ولا تعرف الروبوت!
السكرتير: (يفكر) إذا كان اكلة فأنا لا آكل الا الطعام المحلي. لا أحب البيتزا ولا أحب غيرها وإن كانت غير ذلك فعليك اخباري. ما هذا الذي ذكرته بوبوت أو ماذا...؟
الرجل: كل هذا الخرط ولا تعرف ما هو الروبوت؟
السكرتير: قلت لك الانسان مهما تعلم وغاص في الثقافة الا انه يبقى بحاجة الى التعلّم. وأنا من هذا النوع. وبصراحة متناهية لا تحدّها حدود ولا تغطيها الغيوم لم اسمع بهذا الاسم وما مرّ عليّ وأنا أحلّ الكلمات المتقاطعة في الجريدة.
الرجل: (مستغربا) ها.. قل لي يا رجل من البداية أن كل خرطك هذا هو معلومات من الكلمات المتقاطعة.
السكرتير: لا يا سيدي. ليس كلها. الكلمات المتقاطعة بئر من المعلومات والفهم. أنت لم تجربّها. واكيد لم تجربّها عرفت هذا من رفع حاجبيك واندهاشك. أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا لي مصادري الخاصة.
الرجل: مصادرك الخاصة. ما شاء الله. وما هي تلك المصادر.
السكرتير: لا يحق للمثقف أن يكشف مصادره لأحد الا بعد ان يثق به. أنا آسف. اعذرني لأني للآن لم اثق بك ولا أعرفك واحتاج لعام أو عامين لكي اثق بك هذا هو مفهوم الصداقة والثقة بالآخر.
الرجل: نصف ساعة يا رجل ونفخت رأسي بكلماتك المتقاطعة كيف تريدني أن أكون معك عاما او عامين.
السكرتير: الحياة بلا صحبة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة. قل لي ما هو هذا البوت؟
الرجل: الروبوت وليس البوت.. هو الانسان الآلي.
السكرتير: (يضحك) ها.. والله على طرف لساني.. أردت ان اقولها وسبقتني أنت. نعم الانسان الآلي. أعرفه لكن الذاكرة أحيانا تكون مثقوبة بفعل الهزات (يهز وسطه) الكبرى التي لحقت بالمثقفين. ربما أنت لا تصدقني. من حقّك. لأنك لا تعرفني ولا تعرف ما احمله من كمٍّ معرفي هائل وظننت أنى لا اعرف ما الذي تعنيه كلمة الكيبوت.
الرجل: (مصححا) الروبوت.
السكرتير: ها.. نعم. نعم هو ما قلت (يصمت قليلا) وما كانت مناسبة ذكره؟
الرجل: (وقد خفّ ألمه) كنت أقول لك أني تورطت مع روبوت.
السكرتير: ها.. تقصد انسان آلي. نعم أنا امتلك طاقة إنسان آلي بعلمي وفهمي وقدرتي على تمحيص الأمور وشويها. أقصد وتأويلها. هذه نعمة حصلت عليها بجهدي لهذا ما زال الطبيب متمسكاً بي. تصوّر قدّمت له ثلاث استقالات.
الرجل: (مقاطعا) وأكيد رفضها.
السكرتير: (يصمت قليلا كأنه يتذكّر) لا. مزّقها ورماها بوجهي.
الرجل: والآن قل لي. هل طبيبك مثلك؟
السكرتير: أوووه. هو واحد من مصادري التي لم أعلن عنها. أتصدّق لو بدأ بالكلام لن يسكته أحد. لكن للحق أقول هو أكثر ثقافة مني أتعرف لماذا لأنه يكبرني سناً وبالتأكيد من يكبرك بالعمر يكون فهمه أكثر منك. هذا طبيعي. بالأمس جاءت إحدى المراجعات بقصد تقوم أسنانها الساعة السادسة مساءاً ولم تخرج منه الا قبل ساعتين من الآن.
الرجل: باتت معه في العيادة؟
السكرتير: بقصد نشر الثقافة. افهام الناس بما لا يعرفونه.
الرجل: وما الذي كان يتحدث معها. هل سمعته؟
السكرتير: كل شيء. أقصد يتحدث بكل شيء. سياسة واقتصاد وثقافة.
الرجل: موقع إلكتروني هذا أم طبيب!
السكرتير: انتظرته هناك على ذاك الكرسي وهو يقوم بمهامه الفكرية مع السيدة.
الرجل: يبدو انها مهام جاءت بنتيجة.. (ضاحكاً)
السكرتير: كيف لا. نتيجة كبيرة. خرجت مرتاحة.
الرجل: (يضحك) مرتاحة؟!
السكرتير: أرأيت...؟ بانت ابتسامتك. ألم اقل لك أنت تحتاج لأسنانك. بالمضغ والابتسام. كثيرون مثلك يحتاجون الى ذلك ولولا الاسنان لما استطعنا أن نأكل.
الرجل: معلومة مهمة. لولا الاسنان لما استطعنا ان نأكل.
السكرتير: (مبتسماً) ونبتسم ايضاً.
الرجل: ها.. ونبتسم ايضاً.
السكرتير: رائع. أنت تحفظ المعلومة بشكل جيد.
الرجل: (متندراً) وخاصة من شخص مثقف مثلك.
السكرتير: طبعاً. أنا مكتبة تمشي على الأرض.
الرجل: (ضاحكاً)
السكرتير: أنت تضحك. (فرحاً) بعدما كنت تتألم صرت تضحك. أرأيت فعل الثقافة.
الرجل: (متندراً) فعل واضح.
السكرتير: بالتأكيد هو فعل واضح.. بالثقافة يمكن أن تُعالج باراسوجياً.
الرجل: (ضاحكاً) باراسوجياً..؟ ما هذا..؟ حبوب ام شراب؟
السكرتير: ألا تعرف العلاج الباراسوجي..؟ (يضحك) صرنا متعادلين. الإنسان الآلي وهذا.. من حقك أن لا تعرف الباراسوجيا فهذا علم كبير وعريض (يشير بيديه) فليس كل انسان يعرف هذا.. الباراسوجي يا سيدي هو العلاج النفسي. ألم تسمع بالعلاج النفسي؟
الرجل: (وهو يضحك) تقصد السايكولوجي.
السكرتير: (يصمت قليلا وكأنه يراجع المصطلح) ماذا قلت؟
الرجل: السايكولوجي.
السكرتير: (يهز راسه موافقاً) المهم أن نهايته لوجي.
الرجل: (يضحك) وأنت أيّ لوجي منهم..؟
السكرتير: أنا معالج اللوجي.
الرجل: (ما زال ضاحكا) دعنا نعود للأسنان خير من اللوجي. والمرأة التي كانت البارحة هنا هل تلقت علاجاً لوجياً..
السكرتير: (يقترب منه ويهمس في اذنه) كانت تئن من فرط لوجيات الطبيب. (يعود لمكانه وبصوته) طبعاً دخلت متضجرة من أسنانها وخرجت ضاحكة. لا. واعطاها الطبيب مبلغ الدواء!
الرجل: وهل سيفعل الطبيب بي ما فعله مع تلك.
السكرتير: حالة واحدة مرت بي مثل تلك مع شاب لكن معك لا اعتقد.
الرجل: (ضاحكا) ربما لأن علاج اللوجيا خاص بفئة معينة.
السكرتير: ليس كل إنسان يحتاجه. هناك من يحتاجه وهناك من ينفر منه. (يحدّق في الرجل ويشير الى اسنانه) ألا يؤلمك سنّك؟
الرجل: وكيف يؤلمني وأنت أنسيتني الألم. أنت تذكرني بأصحاب السياسة وما سمعته منك يؤكد لي أنك تصلح أن تكون سياسياً وان تقود بلداً.
السكرتير: وما الذي ينقصني كي اقود البلد. كل شيء فيّ يشير الى قدرتي على قيادة البلد. وما الذي يحتاجه المرء ليكون قائداً للبلد. بدلة شيك ولسان. هذا كل شيء!
الرجل: وماذا عن الدهاء السياسي؟
السكرتير: كل شيء يأتي فيما بعد. أرأيت أنت دخلت الى العيادة ولا تفهم شيئا والان ستخرج وانت مثقفا. هكذا هو الأمر بقيادة البلد. أقصد بعد جلوسك على الكرسي السحريّ ملك سليمان سيكون بين يديك ومن كان يكرهك بالأمس تجده اليوم يصفّق لك ويبح صوته وهو يهتف لك (بهتاف) بالروح بالدم نفديك يا جربوع!
الرجل: (مستغرباً) أيّ جربوع هذا؟
السكرتير: هذا أنا. اسمي. أنا اسمي جربوع. ألا تصدّق؟ خذ هذه بطاقتي واقرأها ان كنت تقرأ (يقدم له بطاقته الشخصية)
الرجل: (وهو يقلّب البطاقة ثم يعيدها) وهل تظن أنه يصلح للرئاسة؟ أقصد اسمك.
السكرتير: كل شيء في هذه البلاد يصلح. السلطة والمال يجعلان من جربوع مقبولا وستجد كل النساء يُسميَنّ اولادهن باسمي.
الرجل: حسناً. والآن متى يأتي الطبيب؟
السكرتير: ألم اقل لك.؟
الرجل: وهل بقي ما لم تقله؟
السكرتير: بعدما خرجت امرأة اللوجي من العيادة كان الطبيب متعباً فجلسة العلاج تطلبت جهداً كبيراً منه لهذا فهو في إجازة اليوم.
الرجل: الطبيب في إجازة؟
السكرتير: لأبدانكم حق عليكم.. هو في إجازة.
الرجل: لكنك قلت لي انه سيجيء..
السكرتير: لم أقل.
الرجل: أنا سمعتك.
السكرتير: عليك بمراجعة نص المؤلف لم يكتب فيه ان أقول لك سيجيء. ذاك هو المخرج اسأله ان لم تصدّقني.
الرجل: (يخرج من جيبه مجموعة من الأوراق يحدّق بها) حسناً. سأراجع النص وأطلب من المؤلف أن يلغي دورك فأنت لا تصلح لشيء.
(يخرج الرجل ويعود السكرتير الى جريدته) والآن اسم من خمسة أحرف لحيوان يعيش في البراري.. ها. عرفتها. سياسي! (يصمت قليلا) لكن السياسي لا ينتهي بحرف العين. هو عنده عيون لكن الاسم لا ينتهي بهذا الحرف. أووف أي حيوان هذا يا جربوع؟ (يفكر مع نفسه ثم يغلق الجريدة بامتعاض) أووف.. ما هذه الكلمات المتقاطعة الصعبة. (ينتبه لصوت المخرج في الخارج)
صوت المخرج: اخرج يا جربوع. انتهى العرض.
السكرتير: ما هذا أيها المخرج. لست جربوعاً.. ألف مرة أقول لك لا تناديني بهذا الاسم. لست جربوعا. ولست منهم. الجرابيع هناك يتحكمون بنا.
(يخرج)
اظلام
ستار
15 حزيران 2019