ستعيدني مقالة الشاعر والصديق علي الخليلي "تفاسير الحقيقة المفزعة" (الأيام 21/6/2004) التي كتبها بعد قراءته مقالة الشاعر أمجد ناصر "الفلسطينيون والكتابة عن اليومي" (الأيام 15/6/2004)، ستعيدني الى تلك الايام، ايام الاحتلال والحصار الثقافي المريع، حصار ما بين 67 و1995، الايام التي عادت منذ 29/9/2000، حتى اللحظة، اشد وأقسى.
ورغبت، قبل ان اقرأ ما استثارته مقالة أمجد في عليّ، رغبت في ان اكتب الى أمجد موضحاً بعض الاشياء، فقد قصصت مقالته ودونت عليها بعض الملاحظات، لم ادونها، بعد، في مقالة، نظراً لتتابع الاحداث. اردت ان اوضح للشاعر امرين، يتعلق اولهما فيما كتبه عن السخرية في الادب الفلسطيني، ويخص ثانيهما ما كتبه عن كتابة التفاصيل ايضا فيه، اي في الادب الفلسطيني. فلي، وأنا اتابع جيداً ما يكتب، رأي يختلف عن رأي الشاعر، مع احترامي وتقديري له شاعراً ومجتهداً أيضاً. وربما يكون له عذر فيما كتبه، فهو ليس باحثاً أكاديمياً، وهو ليس مطلعاً اطلاعاً كاملاً على ما ينجزه أدباؤنا، وبما أنه ليس كذلك فآراؤه تُقرأ، ولكنها لا تلزم. وكان يمكن للباحثين أن يوضحوا عدم دقة بعض ما ذهب اليه، وهذا للأسف ما لم يتم حتى اللحظة. فالسخرية في أدبنا لم تقتصر على إميل حبيبي ونصوصه، إذ ثمة أدباء ساخرون آخرون كتبوا نصوصاً لم تنل حظاً من الشهرة والانتشار، وأبرز هؤلاء سلمان ناطور ومحمد علي طه وعبد اللطيف عقل، وثمة مجموعة قصصية للشاعر توفيق زياد لا يقل حضور السخرية والتهكم والضحك فيها عن حضوره في متشائل حبيبي، غير أن الأخيرة شاعت وانتشرت ودرست، وظلت قصص زياد حبيسة الأدراج، ولم تنل حظها من الدراسة، وإن كنت أنصفتها مؤخراً. وكتابة التفاصل بالطريقة التي يريدها أمجد حاضرة أيضاً في نصوص كتابنا التي لم تنل حظاً من الشهرة، حاضرة في كتابات سلمان ناطور "وما نسينا"، وحاضرة في نصوص أنجزتها أنا، إبان الانتفاضة، ونشرتها في صحف ومجلات ربما لم يتمكن الصديق الشاعر من الاطلاع عليها (رؤية في غزة/ الأيام في رام الله).
وإن كانت مقالة الشاعر مهمة للخوض فيها، فإن ما ذكرني بـ "تلك الأيام" - عنوان هذه المقالة - هو ما أدرك الشاعر علي موضحاً أن دراسة أدبنا يجدر أن تتم دون إغفال الشرط التاريخي له، أي دون إغفال ما أحاط، من ظروف قاسية وصعبة، به. (الحصار وعدم وصول الكتب والمنع من السفر... والانقطاع عن العالم).
وستعيدني مقالة الصديق علي الى تلك الأيام:
سأعود، ذات خميس، من جريدة "الشعب"، في العام 1986 أو في العام 1987، سأعود فرحاً لعودتي من جريدة "الشعب" غانماً بأعداد قليلة من أسبوعية "الأفق" التي كانت تصدر في قبرص. سأحملها خائفاً، كما كنت وأنا أحمل الاتحاد والجديد الممنوعتين أيضاً من التوزيع في المناطق المحتلة في العام 1967، وسأسير في شوارع نابلس، قبل اندلاع الانتفاضة بأشهر مزهواً بهذا الصيد الثمين، وسأشتري بعض الخضار والفواكه أو أحاول، وستقترب دورية اسرائيلية مني وتطلب مني الصعود، وستسير، في شارع فيصل في نابلس، مسرعة، وهي تقلني الى مبنى الحكم العسكري، فرحة هي أيضاً بصيد ثمين، فقد كانت المجلات هذه ممنوعاً تداولها. ولا أدري كيف خدمني الحظ يومها. كان اليوم يوم سبت. أجلسني ضابط الدورية على مقعد، وذهب الى مكتب مسؤول عنه، بعد أن أخذ مني المجلات، لينظر ذلك الضابط فيها، ذلك الضابط الذي يجيد العربية على أية حال. وقد انتظرت يومها ساعة.. ساعتين، لا أدري الآن بالضبط، وبعدها عاد ضابط الدورية بالمجلات، وأعطاني إياها، فقد كان الضابط مسافراً، وهكذا نجوت من سجن ستة أشهر وغرامة مالية. هكذا كان يحكم من يعثر بحوزته على كتب ومجلات ممنوعة مثل الاتحاد والجديد. ومع ذلك كنا نغامر. ربما تكون مقالة علي توضيحاً، وربما... غير أن مقالة أمجد ومقالة علي أعادتني الى تلك الأيام التي طوينا دفاترها، ثم عدنا ننشرها في "دفاتر الأيام".
* تلك الأيام - عادل الأسطة -
ورغبت، قبل ان اقرأ ما استثارته مقالة أمجد في عليّ، رغبت في ان اكتب الى أمجد موضحاً بعض الاشياء، فقد قصصت مقالته ودونت عليها بعض الملاحظات، لم ادونها، بعد، في مقالة، نظراً لتتابع الاحداث. اردت ان اوضح للشاعر امرين، يتعلق اولهما فيما كتبه عن السخرية في الادب الفلسطيني، ويخص ثانيهما ما كتبه عن كتابة التفاصيل ايضا فيه، اي في الادب الفلسطيني. فلي، وأنا اتابع جيداً ما يكتب، رأي يختلف عن رأي الشاعر، مع احترامي وتقديري له شاعراً ومجتهداً أيضاً. وربما يكون له عذر فيما كتبه، فهو ليس باحثاً أكاديمياً، وهو ليس مطلعاً اطلاعاً كاملاً على ما ينجزه أدباؤنا، وبما أنه ليس كذلك فآراؤه تُقرأ، ولكنها لا تلزم. وكان يمكن للباحثين أن يوضحوا عدم دقة بعض ما ذهب اليه، وهذا للأسف ما لم يتم حتى اللحظة. فالسخرية في أدبنا لم تقتصر على إميل حبيبي ونصوصه، إذ ثمة أدباء ساخرون آخرون كتبوا نصوصاً لم تنل حظاً من الشهرة والانتشار، وأبرز هؤلاء سلمان ناطور ومحمد علي طه وعبد اللطيف عقل، وثمة مجموعة قصصية للشاعر توفيق زياد لا يقل حضور السخرية والتهكم والضحك فيها عن حضوره في متشائل حبيبي، غير أن الأخيرة شاعت وانتشرت ودرست، وظلت قصص زياد حبيسة الأدراج، ولم تنل حظها من الدراسة، وإن كنت أنصفتها مؤخراً. وكتابة التفاصل بالطريقة التي يريدها أمجد حاضرة أيضاً في نصوص كتابنا التي لم تنل حظاً من الشهرة، حاضرة في كتابات سلمان ناطور "وما نسينا"، وحاضرة في نصوص أنجزتها أنا، إبان الانتفاضة، ونشرتها في صحف ومجلات ربما لم يتمكن الصديق الشاعر من الاطلاع عليها (رؤية في غزة/ الأيام في رام الله).
وإن كانت مقالة الشاعر مهمة للخوض فيها، فإن ما ذكرني بـ "تلك الأيام" - عنوان هذه المقالة - هو ما أدرك الشاعر علي موضحاً أن دراسة أدبنا يجدر أن تتم دون إغفال الشرط التاريخي له، أي دون إغفال ما أحاط، من ظروف قاسية وصعبة، به. (الحصار وعدم وصول الكتب والمنع من السفر... والانقطاع عن العالم).
وستعيدني مقالة الصديق علي الى تلك الأيام:
سأعود، ذات خميس، من جريدة "الشعب"، في العام 1986 أو في العام 1987، سأعود فرحاً لعودتي من جريدة "الشعب" غانماً بأعداد قليلة من أسبوعية "الأفق" التي كانت تصدر في قبرص. سأحملها خائفاً، كما كنت وأنا أحمل الاتحاد والجديد الممنوعتين أيضاً من التوزيع في المناطق المحتلة في العام 1967، وسأسير في شوارع نابلس، قبل اندلاع الانتفاضة بأشهر مزهواً بهذا الصيد الثمين، وسأشتري بعض الخضار والفواكه أو أحاول، وستقترب دورية اسرائيلية مني وتطلب مني الصعود، وستسير، في شارع فيصل في نابلس، مسرعة، وهي تقلني الى مبنى الحكم العسكري، فرحة هي أيضاً بصيد ثمين، فقد كانت المجلات هذه ممنوعاً تداولها. ولا أدري كيف خدمني الحظ يومها. كان اليوم يوم سبت. أجلسني ضابط الدورية على مقعد، وذهب الى مكتب مسؤول عنه، بعد أن أخذ مني المجلات، لينظر ذلك الضابط فيها، ذلك الضابط الذي يجيد العربية على أية حال. وقد انتظرت يومها ساعة.. ساعتين، لا أدري الآن بالضبط، وبعدها عاد ضابط الدورية بالمجلات، وأعطاني إياها، فقد كان الضابط مسافراً، وهكذا نجوت من سجن ستة أشهر وغرامة مالية. هكذا كان يحكم من يعثر بحوزته على كتب ومجلات ممنوعة مثل الاتحاد والجديد. ومع ذلك كنا نغامر. ربما تكون مقالة علي توضيحاً، وربما... غير أن مقالة أمجد ومقالة علي أعادتني الى تلك الأيام التي طوينا دفاترها، ثم عدنا ننشرها في "دفاتر الأيام".
* تلك الأيام - عادل الأسطة -