ثقافة شعبية محمد شعبان - الأغاني الإباحية في أفراح صعيد وقرى مصر ودلالتها

لكل مجتمع أدواته في توصيل المعلومة، وقد تكون الأغنية إحدى هذه الأدوات خاصة إذا كان المجتمع منغلقاً على نفسه ومحافظاً بطبيعته. هكذا هو الأمر في أفراح الصعيد وأرياف مصر حيث يردد أهالي العريس والعروس أغاني تتضمن معاني جنسية صريحة تارة وضمنية تارة أخرى لتوصيل رسائل بعينها.

في كتابه "أغاني النساء في صعيد مصر" استعرض محمد شحاتة عدداً من الأغنيات التي يرددها أقارب وأصدقاء العروس والعريس وتتضمن ألفاظاً جنسية صريحة، وقام بشرحها وبيان دلالتها.

من ميتى وانت غايب
والرمان استوى

تتحدث هذه الأغنية عن العريس الذي كان مسافراً وبعيداً عن خطيبته، وتقول إن موسم جمع فاكهة الرمان قد اقترب وإن خطيبته كبرت واستوى عودها، ويدللون على ذلك بـ"الرمان استوى" ويقصدون ثدي الفتاة.

المجموعة: وله يا وله يا عرباوي
المغني: والعرباوي كان عيان
وصفوله البرتكان
والبرتكان دوا العيان
المجموعة: وله يا وله يا عرباوي

تتحدث الأغنية عن "عرباوي" الذي كان مريضاً ومكتئباً، فأشار عليه البعض بالزواج (وصفوله البرتكان) وهو تشبيه لثدي الفتاة بـ"البرتقال" ودلالة هذه الأغنية أن الزواج علاج للشباب من الأمراض النفسية والجسدية.

المغني: عينيي على العازب عيني عليه
المجموعة: عيني على العازب عيني عليه
المغني: المخدة بين رجليه

تتحدث الأغنية عن الشاب الذي ظهرت عليه علامات الرجولة ويتألم بسبب عدم الزواج الذي يقيم من خلاله علاقة سوية، فيضطر إلى ممارسة العادة السرية وهو ما يشير إليه المغني بجملة "المخدة بين رجليه".

تحت السرة بشوية
أرنب صايد غزال

يصف هذا المقطع العضوين الذكري والأنثوي، وهو تشبيه الهدف منه وصف العلاقة الجنسية ومكانها للشباب والفتيات.

وحلو مص الشفايف
ومحدّق يا لمون

يصف هذا المقطع القُبلة بأنها جميلة ولذيذة ويقول إن أي شيء سواها طعمه لاذع مثل طعم الليمون.

والعين تشيل وقية
م الكحل آبو دلال
هاتلي خمرة نضيفة
وأقلعلك بالقميص

تصف الأغنية جمال العروس وزينتها وجمال عينيها الواسعتين واللتين تزينهما بالكحل، وتصف حوار العروس وعريسها داخل غرفة النوم بقولها "هاتلي خمرة نضيفة واقلعلك بالقميص" أي قميص النوم.

بيضة بياض اللبن
وأحلى من الفلة
وآدي صدرها ريش نعام
صفطه الهوى غنا

تتغزل الأغنية ببياض جسد العروس وجمال صدرها الذي يشبه ريش النعام في ملمسه.

المغني: بوّط فيا وارميني على الفرشة يا جميل
بوّط من تحت بزازي
وحاسب على ضلعت

المجموعة: حاسب على ضلعت
نوم السرير شوكني
ونوم دراعك حرير

المجموعة: نوم دراعك حرير
والواد من كتر هزاره
كسر رجل السرير

المجموعة: كسر رجل السرير

المغني: وآدي السرير من تعبه
يدعي ع النجارين
المجموعة: يدعي ع النجارين

تصف الأغنية ما يحدث بين العروسين في غرفة النوم، فالعروس تطلب منه أن يحتضنها ويضعها على السرير، وأن يكون رقيقاً في تعامله معها، وتضيف أن نومه بمفرده على السرير كان يؤلمه، وأن نومه على ذراعها مثل نومه على الحرير، وأن كثرة نوم العروسين على السرير تسبب في كسر أرجل السرير، وأن السرير كان يتألم مما يحدث فوقه لدرجة أنه كان يدعو على النجار الذي صنعه.

المغني: ما اعرفش أدق الكسبرة
المجموعة: هاي هاي
المغني: إلا بقميص المسخرة
المجموعة: هاي هاي
المغني: ما اعرفش أدق التوم
المجموعة: هاي هاي
المغني: إلا بقميص النوم

بعد أن أصبحت العروس في بيت زوجها، تشعر أنها أصبحت من أهل المنزل وتتصرف بحرية وتُظهر الدلال لزوجها، وتقول في الأغنية إنها تريد أن تتصرف في بيت زوجها بحرية، وتقوم بأعمال المنزل وهي ترتدي ملابس شفافة، والهدف من الأغنية هنا أن العروس تطلب من زوجها أن يحضر لها منزلاً مستقلاً بعيداً عن بيت العائلة.

المغني: يا اللي على الترعة حوّد على المالح
شعري بيوجعني
المجموعة: من إيه
المغني: شعري بيوجعني من شد امبارح
المغني: خدي بيوجعني
المجموعة: من ايه
المجموعة: خدي بيوجعني من بوس امبارح
المغني: وسطي بيوجعني
المجموعة: من ايه
المغني: وسطي بيوجعني من رقص امبارح
المجموعة: ضهري بيوجعني
المجموعة: من إيه؟
المغني: ضهري بيوجعني من نوم امبارح
المجموعة: يا اللي على الترعة حوّد على المالح
المغني: حاسب على بيتنا بانيينه امبارح

تصف الأغنية ما حدث مع العروس من آثار مداعبة العريس لها، وتقول إن جميع أجزاء جسمها بها آلام بسبب تلك المداعبة.

وع القُلة الملاوية وحماتي غالية عليا
حط ايده على شعري
قلت آه يا شعري
تحت شوية
وع القُلة الملاوية حماتي غالية عليا
حط ايده على صدري
قلت آه يا صدري
تحت شوية
وع القُلة الملاوية وحماتي غالية عليا
وحط ايده على وسطي
قلت آه يا وسطي
تحت شوية
وع القُلة الملاوية وحماتي غالية عليا

تستلهم هذه الأغنية مفردات البيئة المحيطة، فـ"القُلة الملاوية" نوع من القُلل الفخار التي تشتهر بها مدينة ملوي في صعيد مصر، وتصف بشكل فكاهي على لسان العروس ما يحدث بينها وبين زوجها مما يثير غيرة والدته (حماتها).

هدف تعليمي

عادة ما تتردد هذه الأغاني داخل محفل نسائي، أو في محفل ذكوري، سواء في أيام ما قبل الزواج أو ليلة الحناء أو في يوم الزفاف.

وقال محمد شحاتة مؤلف الكتاب المذكور لرصيف22 إنه لا يجوز أن تتردد هذه الأغاني في مكان مشترك يجمع بين النساء والرجال نظراً لما تتضمّنه من ألفاظ وكلمات خادشة للحياء خاصة إذا كان المجتمع محافظاً بطبعه ومنغلقاً على نفسه مثل الصعيد.

والهدف من هذه الأغاني تعليمي في المقام الأول، حيث تعلّم البنت كيف تتعامل مع زوجها وتعلّم الرجل كيف يتعامل مع زوجته دون هدم للعادات والتقاليد الراسخة في المجتمع، حسبما أوضح شحاتة.

وأضاف أن بعضاً من هذه الأغاني كانت تشرح في الماضي العلاقة الجنسية ومكانها للشباب والفتيات لقلة التعليم ووسائل التواصل التكنولوجية في ذلك الوقت، ومن ثم لم يكن هنالك مَن يعلم هؤلاء، وكان من الصعب أن تقوم الأم بشرح تلك العلاقة للبنت أو الولد، لأن تلك المجتمعات كانت محافظة بشكل كبير ومن ثم كانت تلك الأغاني هي الوسيلة المتاحة للتعليم والإرشاد.

وأشار إلى أن الأمر اختلف الآن بعد انتشار وسائل الإعلام وسبل الاتصال الحديثة. ولكن بعض الأمهات وبنات العم وأولاد العم وأفراد العائلة بشكل عام يجتمعون قبل بدء الفرح بعدة أيام ويرددون هذه الأغاني القديمة التي ورثوها عن أمهاتهم وجداتهم وهذا ما حفظ لها نوعاً من الاستمرارية حتى الآن.

ويقول إن هذه الأغاني بدأت تختفي نظراً لأنه تراث شفهي بالدرجة الأولى، ومعظم حفظته قد ماتوا ولم يعد يوجد إلا القليل ممَّن يحفظونها ولذلك قام بجمعها في كتاب.
الأغاني المكشوفة

لا يمكن الحكم على هذه الأغاني بمنظور أخلاقي بحت وإلا لجرّدناها من سياقها الاجتماعي والتاريخي الذي قيلت فيه شأنها في ذلك شأن روايات "ألف ليلة وليلة". هكذا يقول الدكتور خالد أبو الليل أستاذ الأدب الشعبي بجامعة القاهرة.

وتابع لرصيف22 أن البعض قد يرى في هذه الأغاني ألفاظاً إباحية تتعارض مع قيم وعادات المجتمع الذي قيلت فيه وهذا أمر غير صحيح، موضحاً أن هذه الأغاني يطلق عليها اسم "الأغاني المكشوفة" التي قيلت في زمن مضى كان فيه المجتمع أكثر تحفظاً وتماسكاً، ومن ثم لم يكن الشاب أو الفتاة المقبلين على الزواج يعرفان من أمره شيئاً سوى ما يحتفظان به في خيالهما خاصة أن أحداً لم يكن يستطيع أن يحكي عما يدور في هذا العالم، لأنه يدخل في إطار العيب والحرج الاجتماعي بل والحرام، وبالتالي كانت هذه الأغاني بمثابة تهيئة للطرفين قبل الدخول إلى هذا العالم الغامض لهما.

يؤمن المجتمع الصعيدي بأن الفتاة لو دخلت عالم الزواج دون تهيئة قد تتعرض لصدمة وقد تؤذي نفسها وزوجها، لذا وفق العادات، تقوم إحدى قريباتها بالحديث معها عن أمور الزواج والمعاشرة، وقبل الزواج بنحو عشرين يوماً، يقوم أقاربها بترديد هذه الأغاني حتى تزول عنها الرهبة، حسبما يقول أبو الليل.

ولفت أبو الليل إلى أن هذه الأغاني مجهولة المؤلف وتُنسب إلى الشعب، ونظراً لأنها لاقت قبولاً، فقد تناقلتها الأجيال، وهذا ما يفسر بقاءها حتى الآن خاصة أنها ما زالت تلبّي احتياجات بعينها في مناطق محددة وذلك رغم الحداثة التي طرأت على وسائل المعرفة والثقافة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...