كان فخامة الرئيس المغوار يحب شعبه حباً نزيهاً عفيفاً طاهراً عذرياً، ويُعنى بمتابعة كل خبر عنه وعن حاله وأحواله، وقد نمي إلى أذنيه الكبيرتين شائعات كثيرة مفادها أن شعبه في ضيق عظيم يدفع الرجال والنساء إلى البكاء في أثناء نومهم، فطاب له أن يتأكد بنفسه مما بلغه، وتنكر في هيئة حمار هزيل يجر عربة محملة بأكياس الحطب، وسار في الشوارع والطرقات والدروب والحارات والأزقة محاولاً إكتشاف ما يعانيه شعبه، وقد علم أعداؤه بنبأ جولته السرية تلك، وقصفوا بالقنابل الفتاكة كل الطرق التي كان فخامته يسير فيها، فتهدمت مبان، واحترقت سيارات، وقتل أناس ليسوا بالقلائل، وجرح آخرون، ولكن فخامته لم يمسه أي ضرر لأن خالق كل شيء مكلف بحمايته والدفاع عنه.
وسمع فخامته أن طلاب المدارس والجامعات متأهبون للتضحية بأرواحهم في سبيله وسبيل آبائه وأبنائه وأحفاده، فتنكر في هيئة تلميذ صغير السن يرتدي بنطالاً قصيراً يكشف عن فخذين بضين، وقصد إحدى المدارس معتزماً البقاء فيها نهاراً كاملاً، فبادر أعداؤه إلى تدمير المدرسة بكاملها، فهلك طلاب كثيرون، وتمزقت كتبهم المدرسية، ولكن فخامته كان من أوائل الناجين لأن خالق الماء والرمل مكلف بحمايته والدفاع عنه، ففقد أعداؤه صوابهم، وأرسلوا إلى قصره طائراتهم الحربية التي أمطرته بطوفان من قنابلها المحرقة، فسارع فخامته إلى التنكر في هيئة غراب، وتصدى للطائرات، فأسقط ثلاثاً بينما لاذت بقية الطائرات بالفرار، وما حدث ليس بالأمر المستغرب، فكل من يتجرأ على مواجهة فخامته محكوم عليه بالهزيمة والهرب هروب الجبناء.
وعلم فخامة الرئيس المحبوب أن أجمل نساء البلد سيعقدن مهرجاناً خطابياً غايته تسليط الأضواء على بعض محاسن فخامته، فاستولى عليه الفضول، وقرر حضور ذلك المهرجان خفية، وتنكر في هيئة إمرأة فاتنة هي مزيج من مارلين مونرو وماري منيب وبثينة شعبان وصابر فلحوط، فتسلل أعداؤه المسلحون إلى المهرجان النسائي، واغتصبوا كل المشاركات، ولكنهم لم يتجرأوا على الإقتراب من فخامته الذي كان آنذاك متنكراً في هيئة إمرأة لأن خالق السموات والأرض قد وهبه في تلك اللحظات رائحة مقززة تحيل الصخر لبناً وترغم كل مستيقظ على النوم الطويل، فسلم الشرف الرفيع من الأذى.
وعلم فخامة الرئيس المفدى أن الفلاحين في مملكته دائمو التذمر والشكوى من حياتهم الملأى بالبؤس، فتنكر جلالته في هيئة دجاجة، وزارهم تواقاً إلى معرفة أسباب بؤسهم، وتبين لفخامته أن الفلاحين لا يتذمرون إلا من زوجاتهم القبيحات المحبات للثرثرة والنكد، فتركهم ضاحكاً، وحاول العودة إلى هيئته البشرية، فأخفق، وظل دجاجة يتواثب عليها الديوك التواثب غير المؤدب غير مبالين بصياحها المتوجع.
وتنبه الفلاح مالك الدجاج إلى أن كل ما لديه من دجاج يعطي البيض بسخاء ما عدا دجاجة واحدة، فسارع إلى ذبحها وسلخها وابتلاع لحمها الذي كان شبيهاً بلحم القرود.
أكسفورد
القدس العربي April 14, 2014