رياض عبدالكريم عواد - عارف حجاوي الذي لا أعرفه؟!..

في الحقيقة لم أعرف الأستاذ عارف حجاوي من قبل، فهذه عادة فلسطينية، لا نعرف الشخص الا بعد فضيحة أو بعد أن يموت؟!

كما انني لم أقرأ له لا نثرا ولا شعرا، ولم أرى له كتابة على الفيسبوك ولم أشاهد الفيديوهات التي ينشرها. حتى عندما ارسل لي صديقي من الضفة الغربية هذا المقال عن نابلس لم أقرأه الا بعد أيام وبعد معركة الهجوم على هذا الرجل.

ولم اعرف عنه، كما كتب احد اصدقائه، انه "خطّاط في زمن الحرف المضيئ والإملاء الرديء، كاتب في زمن قلت فيه الأقلام، قارئ نَـهِـِم قرأ آلاف الكتب بلا مبالغة ومازال، كتب موسوعات في تحليل الشعر العربي منذ زمن المعلقات حتى زمن شوقي، وكتب في الجغرافيا والتاريخ والإعلام والنحو وروى آلاف القصص القصيرة، وبعضاً من الطويلة، طباخ ماهر، شاعر، عازف، ناقد، مذيع، محرر، مدقق لغوي، يحترف العربية والإنجليزية، وقدراً كبيرا من الألمانية، فهو مترجم قبل غوغل التُرجُمان، الكتب التي كتبها لا تتسع لها رفوف بيت قارئ هذا الكلام، لا يعرف إلا أن يستزيد في العلم، لا يطيق المجاملات ويهرب من المناسبات، كتلة من اللطف والأدب ودماثة الخلق...."

نابلس مدينة فلسطينية هامة، لا يستطيع ولم يحاول احد أن ينكر ذلك، كما أن مقال يقرأه العشرات أو المئات لن يضيف أو ينقص كثيرا من قيمة هذه المدينة ولا من قيمة أهلها.

تناول مقال الأستاذ حجاوي مدينة نابلس بطريقة ولغة أدبية جميلة محببة إلى القلب، لدرجة انني شعرت أنه يشيد بنابلس ونسائها المثقفات القويات وبكنافتها المشهورة، واعتقدت أن كل هذا المديح لمدينة نابلس كان بسبب انه أحد أبنائها، وليس غريبا أو مهاجرا إليها ولا طارئا عليها؟

حاول الكاتب أن يكون أمينا مع الواقع والتاريخ، وفقا لمعرفته ووجهة نظره التي تحتمل الخطأ قبل الصواب، فانتقد المدينة واطرى على فلاحيها وارجع إليهم فضل المشاركة في الثورات الفلسطينية قبل النكبة، بالمناسبة غسان كنفاني أيضا سمى هذه الثورات بثورات الفلاحين، السؤال أليس الفلاحين هم من اهل نابلس، أم أن نابلس حكرا على العائلات التي تسكن مدينتها؟

انا لا ادافع ولا استطيع ان ادافع عن أراء الأستاذ عارف حجاوي، التي لا تحتاج لا إلى دفاع ولا إلى هجوم، ولكن تحتاج الى القراءة والنقد، بعيدا عن كل هذا التوتر الذي خلقه مقال من صفحة على هذا العالم الافتراضي الذي يكتب عليه يوميا ملايين الصفحات.

من الواضح أن للفلسطينيين حساسية منفردة في التعامل مع النقد، لدرجة انك تشعر أن بعضهم قد يكون مقدسا ولا يمكن حتى الاقتراب منه ولا من ثقافته أو اراءه، رغم أن الجميع ينادي بالنقد ويعرف أهميته.

أن الهجوم المتواصل على صاحب هذا المقال ووصفه بالكثير من الأوصاف السيئة، من بعض ناشطي الفيس بوك، تدلل على فقدان بعضنا لروح الموضوعية وضعف تقبل الرأي الآخر، وعدم امتلاك بعضنا للقيم الأخلاقية التي تحدد كيفية التعامل مع كل رأي أو وجهة نظر مخالفة، مهما حملت من تناقضات واختلاف مع ما نؤمن به.

ان عدم تقبل أي نوع من انواع النقد، واخذ النقد دائما بشكل شخصي، وتزكية النفس والنظر إليها بقدسية وخيرية مقارنة بالآخرين يشير إلى مرض لا بد التخلص منه، خاصة عندما يمارس هذا مع أحد ابناء الشعب، فمدينة نابلس ورام الله وغزة ليست ملكا لسكانها أو عائلاتها، بل ملكا لكل ابناء الشعب الفلسطيني أينما كانوا ومهما كانت أصولهم أو جذورهم، لقد تجاوز هذا الزمن المفهوم المناطقي والانتماء العائلي إلى مفهوم الوطن والمواطنة.

يعلق أحد النشطاء على المقال بروح من الاستعلاء "خربت نابلس قليلا لما سمحولكم اهل نابلس تصاهرو بناتهم، للاسف صار الغريب يدخل على البلد،
الحق على اهل نابلس مش عليكم" ويتساءل آخر "هل حضرتك ابن عيلة نابلسية"؟!. يا الله كم اكره هذا السؤال ومن يسأله؟!

ويشكك آخرون في انتماء الكاتب إلى نابلس ويعيرونه بأصله الفلاحي "اسمه حجاوي بس ممكن انولد في نابلس وصار نابلسي، "فشرت عينو يحكي ويمثلنا ويمثل نابلس، لا هو ولا اهل حجه تبعتكم"، اكيد مش ابن نابلس ولاينتمي لنابلس"، "مش نابلسي اصلي"؟!، "أنت لا تنتمي لهذه المدينة ولا تعرف عنها سوى ما يعرفه غرباؤها"، "طبعا بدو ينسب البطولات للفلاحين لانو فلاح متلهم"؟! يخلف على نابلس واهل نابلس اللي حضنوك؟!

ويشير آخرون إلى قضية اللواط التي أثارها الكاتب والذي قال فيها "وأغلب ظني أن هذا الشيء موجود في نابلس بقدر ما هو موجود في غيرها، إلا أن مؤلفي النكت يحتاجون دائماً إلى عنوان ثابت لكل خصلة بشرية"، وهذا يتسق مع ما ادعاه أحد المعلقين أن هذه القضية هي مثار تندر دائم بين اهل نابلس في مجالسهم ومقاهيهم وحتى في مدارسهم؟!. يغمز بعض المعلقين من الكاتب وأسرته وطفولته فيقول احدهم، "استغرب من شخص اعلامي ان يبدأ مقاله بهيك عباره، بس اكيد انت بتحكي عن اسرتك وتجربتك المريره فيها وطفولتك التعيسه"، ويضيف اخرون "شكله طفولتك كانت حزينة في نابلس"، "الكاتب مر عليه أيام صعبه في صغره".

ويتهم اخرون الكاتب بالعنصرية "عنصريتك ظهرت واضحه بين سطورك" وآخر يتهمه بالحقد على اهل نابلس "مش فاهمة هي هاي مقالة ولا حقد على نابلس وأهل نابلس"؟!. واخر يفكر بعقلية اقتصادية ويتهم الكاتب بانه يهدف من مقالته "تطفيش السياحة من المدينة".

تتصاعد الاتهامات ويزداد التوتر لدرجة أن أحد المعلقين يتهمه ب "انه حاول زرع الفتنه بين أهل مدينة نابلس والريف والمخيمات وبإذن الله محاولته فاشله وستبقى نابلس عصية على الانكسار وحتما سوف تلفظ أمثاله ..."؟!، وخسارة فيك شربت الماء الي شربتها من نبعها، يضيف اخر، "احنا نابلسيه بنحب بعض أما الي من برا نابلس ''المدينه'' بنطيئوش"؟!.، كل صابونة نابلس (التي رائحتها قذرة حسب قولك) لن تغسل العار الذي جلبته على نفسك.

هذا غيض من فيض، لكن من حسن حظ الأستاذ عارف الحجاوي انه من نابلس وليس من مدينة أخرى لكان تعدت هذه الحالة المتوترة من السب والشتم والاتهام إلى التخوين والتكفير وهدر الدماء؟!

قبل أن اختم أتساءل، لماذا لا يتصدى المثقفون والكتاب المشهرون إلى مثل مثل هذه الآراء الاجتماعية، أليس ما قاله الكاتب وما واجهه من شتم وسب واتهام من الممكن أن يتعرض له كتاب اخرين، ألم يحاكم كتاب في اماكن مختلفة في هذا الوطن المبتلى على آرائهم وصولا إلى تكفيرهم وقتل واغتيال بعضهم؟! من الواضح أن الكتاب الفلسطينيين غير متفرغين لمثل هذه القضايا الصغيرة، وانهم مستنفرين لقضايا أخرى قد تكون استراتيجية، أو بدهمش وجع رأس؟! الستير هو الله، ليزعل علينا حبايبنا من أهل نابلس؟.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...