في اللوحة الفلسفية المعاصرة ، يحتل جاك دريدا مكانًا فريداً ، ليس فيما يتعلق بتاريخ الفلسفة نفسها فقط، وإنما كذلك في الطريقة التي تعامل بها مع مسألة التقنية/ التقانة ، وتدريجياً التكنولوجيا لاحقاً. وعلى الرغم من أنه لا يمكن اعتباره فيلسوفاً تكنولوجياً ، سوى أن مسألة التقنية موجودة مع ذلك في كل مكان في عمله omniprésente dans son œuvre ، وسر ذلك أساساً هو أن الفكرة المركزية للإيماءة الفلسفية التي باشرها ، أي التفكيك ، هي الكتابة.
إن ما ينظر إليه جاك دريدا في أسلوب الكتابة هو لعبة اختلاف المعنى. إذ من المرجح دائماً أن يستمر هذا الأمر بقدر ما هو مكتوب إلى منا هو أبعد من ذاتية المؤلف ، ويجري تفسيره بشكل مختلف تبعاً للسياق التاريخي والاجتماعي. والنص كمنتج للكتابة هو الاتصال عن بعد ، " ثمة الاتصالات السلكية واللاسلكية ". وإنما بعد ذلك ، ما هي خصوصية التقنيات المعاصرة ، وفي العصر الرقمي خاصة ، مقارنة بتقنية (الكتابة) وعمرها ستة آلاف سنة؟ وقد أجاب جاك دريدا على هذا السؤال في " كتابات التصوير في Echographies de la Television ":
" يقودنا تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في شكلها الراهن إلى التفكير الافتراضي virtualisation للمكان والزمان، وإمكانية الأحداث الافتراضية التي تحظر سرعتها منطق المعارضة. "
الديمقراطية أم الانسحاب؟: Démocratie ou repli sur soi
إن ما يبرز لإثارة التطور المتسارع للتكنولوجيات والفضاء الإلكتروني والطوبولوجيا الجديدة للافتراضية هو تفكيك عملي للمفاهيم التقليدية السائدة للدولة والمواطن – ومن ثم "السياسة" في ارتباطها بـ أخبار المكان المناسب ، من أراضي محددة بدقة. ولا يمكن إنكار البعد الإثني - السياسي في هذا المستوى تمامًا كما يبدو، حتى لو كانت التقنيات عن بُعد ، مثل الكتابة ، تتصرف كعقار صيدلي. إذ يمكن أن يكون علاجاً بقدر ما هو السم ، فكل شيء يعتمد على النشاط النقدي الذي يثيرونه أم لا.
وفي مثل هذا المسار ، على التقنيات أن تكون مصحوبة بأشكال مقاومة جديدة. فتركيز القوة الاقتصادية الذي يحدد إلى حد كبير وسائل الإعلام ، والاتصالات السلكية واللاسلكية ، والحوسبة ، يشكل خطراً على الديمقراطية لأنه يمثل في الوقت ذاته فرصة لبعض ديناميات الديمقراطية. وإنما بعد ذلك ، كيف نرد على الخطر دون إلغاء الفرصة؟
ذلك جهد دؤوب للتمييز يدعونا إليه دريدا في وقت تأخذ فيه مجتمعاتنا بشكل متزايد بعدم اليقين بينما تتوق في الوقت نفسه إلى ابتكار ما يحلم به عالم الاجتماع زيجمونت باومان (فهو علاوة على ذلك ، أشار إلى جاك دريدا في كثير من الأحيان في عمله إ) المسمى "مناطق الراحة". وإذا كانت الشاشات تقدم من مكان آخر في "المنزل chez moi " و "العالم في أي لحظة et le mondial à chaque instant " ، فإن كل واحدة منها "أكثر عزلة وخصخصة من أي وقت مضى" وادعاء "الوطن" أمضى من "المصادرة التكنولوجية العنيفة violente l’expropriation technologique ". تلك ألعاب مزدوجة يتعين علينا أن نفكر اليوم فيها ، ونخرج من الأنماط الثنائية التي اعتدنا عليها غالباً. ولابد من إيجاد بعض الصيغ التفسيرية المميَّزة بحزم .
تشويش الحق في السرية Fragilisation d’un droit au secret :
لقد تم ربط دريدا كمفكر في الاختلاف،وبشكل دائم ، بالفجوات/ الثغرات écarts التي من المحتمل أن تلعب دوراً في علاقتنا بتكنولوجيات المعلومات. فعلى سبيل المثال ، حتى على مستوى أولئك الذين لديهم وصول متزامن أو شبه متزامن إلى تسلسل المعلومات نفسه والذين يخضعون لذلك لنوع معين من البرمجة ، فإنه يتم النظر إلى استراتيجيات الاستقبال المختلفة دائماً. : "يتم ذلك من أماكن مختلفة ، مع استراتيجيات مختلفة ، لغات مختلفة". والعلاقة بالتكنولوجيات ليست محايدة أبداً تمامًا وإنما موجهة عبر السياقات الثقافية والتاريخية ، من خلال تراث "يفترض العلامات التجارية الفردية suppose des marques singulières ".
سوى أن هذه الملاحظات لم تمنع دريدا من القلق بشأن الطبيعة المحتملة للتكنولوجيات الاتصالات. ففي منطق الاقتحام الدائم المحتمل في المجال الشخصي ، نشهد إضعاف الحق في السرية. فمثل هذا الحق - الذي أضعف اليوم إلى حد كبير بالوسائل التكنولوجية التي نعرفها والتي تجعل من الممكن تتبع حياتنا اليومية المطلقة تقريبًا - يجب أن يظل مسألة اهتمام خاص. وإذا كانت الدولة ستشهد فكرة معينة عن الصالح ، فمن المحتمل بالمقابل أن تولد سيطرة اجتماعية شبه كاملة.
ونشهد داخل الدول الديمقراطية المزعومة ، تطوراً هائلاً للتكنولوجيات التي تضمن للقوى السياسية الوجود المطلق تقريباً ، وتشبع الحيز العام والخاص ، " ندفع بتعايش السياسة والشرطي إلى أقصى الحدود". راهناً ، وفي مواجهة خطر الترشيد في أقصى الوجود ، لم يتوقف جاك دريدا عن تذكيرنا بفضائل عدم التحديد ، وقد دعانا إلى الاعتقاد بأن الهوية يجري بناؤها باستمرار وتفكيكها من قبل حقيقة عدم وضع كل شيء في الاعتبار.
تفسير عصر الشاشات Interpréter l’ère des écrans:
وإذ يتم تحديث فكرة جاك دريدا اليوم كذلك ، فذلك لأنه يعلّمنا أن نبصر في أي وسيلة ، سواء أكانت مكتوبة أو سمعية بصرية ، وليس وساطة حيث يمكن قول كل شيء (من جهة أخرى والأحداث de l’autre et des événements) ، سوى أن المجال يجب أن يبقى مفتوحاً بالكامل لجهد التفسير. إنما تفتقر ثقافة الاستجواب في التمثيل إلى حد كبير، في شركات الإعلام لدينا، على الرغم من أن قنوات المعلومات تكون دائماً مسألة التحرير والاختيار ؛ وهذا ما أفصح جاك دريدا خلال حواراته مع صفاء فتحي إلى"أن هناك دائماً نصاً في الصورة« qu’il y a toujours du texte dans l’image ". وفي هذا المستوى ، هناك تحدّ كبير من ناحية التعليم والتدريب. فيجبرنا مصير الصور اليوم وانتشارها وسلطتها ، على ابتكار إيماءات نقدية وتفسيرية جديدة. وهذا هو التحدي الأخلاقي والديمقراطي الرئيس في عصر التسارع التكنولوجي*.
*- نقلاً عن موقع theconversation.com، والنص حديث العهد، وتاريخ نشِر في 2 أيار 2019، وقد تم نشْره بمناسبة مؤتمر "Derrida والتكنولوجيا" الذي تم تنظيمه في باريس في 2، 3، 4 أيار، 2019 في مركز كولومبيا العالمي. أما عن الكاتب تشاردل، فهو أستاذ العلوم الاجتماعية والأخلاق ، كلية إدارة الأعمال بمعهد المناجم – تيليكوم .
إن ما ينظر إليه جاك دريدا في أسلوب الكتابة هو لعبة اختلاف المعنى. إذ من المرجح دائماً أن يستمر هذا الأمر بقدر ما هو مكتوب إلى منا هو أبعد من ذاتية المؤلف ، ويجري تفسيره بشكل مختلف تبعاً للسياق التاريخي والاجتماعي. والنص كمنتج للكتابة هو الاتصال عن بعد ، " ثمة الاتصالات السلكية واللاسلكية ". وإنما بعد ذلك ، ما هي خصوصية التقنيات المعاصرة ، وفي العصر الرقمي خاصة ، مقارنة بتقنية (الكتابة) وعمرها ستة آلاف سنة؟ وقد أجاب جاك دريدا على هذا السؤال في " كتابات التصوير في Echographies de la Television ":
" يقودنا تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في شكلها الراهن إلى التفكير الافتراضي virtualisation للمكان والزمان، وإمكانية الأحداث الافتراضية التي تحظر سرعتها منطق المعارضة. "
الديمقراطية أم الانسحاب؟: Démocratie ou repli sur soi
إن ما يبرز لإثارة التطور المتسارع للتكنولوجيات والفضاء الإلكتروني والطوبولوجيا الجديدة للافتراضية هو تفكيك عملي للمفاهيم التقليدية السائدة للدولة والمواطن – ومن ثم "السياسة" في ارتباطها بـ أخبار المكان المناسب ، من أراضي محددة بدقة. ولا يمكن إنكار البعد الإثني - السياسي في هذا المستوى تمامًا كما يبدو، حتى لو كانت التقنيات عن بُعد ، مثل الكتابة ، تتصرف كعقار صيدلي. إذ يمكن أن يكون علاجاً بقدر ما هو السم ، فكل شيء يعتمد على النشاط النقدي الذي يثيرونه أم لا.
وفي مثل هذا المسار ، على التقنيات أن تكون مصحوبة بأشكال مقاومة جديدة. فتركيز القوة الاقتصادية الذي يحدد إلى حد كبير وسائل الإعلام ، والاتصالات السلكية واللاسلكية ، والحوسبة ، يشكل خطراً على الديمقراطية لأنه يمثل في الوقت ذاته فرصة لبعض ديناميات الديمقراطية. وإنما بعد ذلك ، كيف نرد على الخطر دون إلغاء الفرصة؟
ذلك جهد دؤوب للتمييز يدعونا إليه دريدا في وقت تأخذ فيه مجتمعاتنا بشكل متزايد بعدم اليقين بينما تتوق في الوقت نفسه إلى ابتكار ما يحلم به عالم الاجتماع زيجمونت باومان (فهو علاوة على ذلك ، أشار إلى جاك دريدا في كثير من الأحيان في عمله إ) المسمى "مناطق الراحة". وإذا كانت الشاشات تقدم من مكان آخر في "المنزل chez moi " و "العالم في أي لحظة et le mondial à chaque instant " ، فإن كل واحدة منها "أكثر عزلة وخصخصة من أي وقت مضى" وادعاء "الوطن" أمضى من "المصادرة التكنولوجية العنيفة violente l’expropriation technologique ". تلك ألعاب مزدوجة يتعين علينا أن نفكر اليوم فيها ، ونخرج من الأنماط الثنائية التي اعتدنا عليها غالباً. ولابد من إيجاد بعض الصيغ التفسيرية المميَّزة بحزم .
تشويش الحق في السرية Fragilisation d’un droit au secret :
لقد تم ربط دريدا كمفكر في الاختلاف،وبشكل دائم ، بالفجوات/ الثغرات écarts التي من المحتمل أن تلعب دوراً في علاقتنا بتكنولوجيات المعلومات. فعلى سبيل المثال ، حتى على مستوى أولئك الذين لديهم وصول متزامن أو شبه متزامن إلى تسلسل المعلومات نفسه والذين يخضعون لذلك لنوع معين من البرمجة ، فإنه يتم النظر إلى استراتيجيات الاستقبال المختلفة دائماً. : "يتم ذلك من أماكن مختلفة ، مع استراتيجيات مختلفة ، لغات مختلفة". والعلاقة بالتكنولوجيات ليست محايدة أبداً تمامًا وإنما موجهة عبر السياقات الثقافية والتاريخية ، من خلال تراث "يفترض العلامات التجارية الفردية suppose des marques singulières ".
سوى أن هذه الملاحظات لم تمنع دريدا من القلق بشأن الطبيعة المحتملة للتكنولوجيات الاتصالات. ففي منطق الاقتحام الدائم المحتمل في المجال الشخصي ، نشهد إضعاف الحق في السرية. فمثل هذا الحق - الذي أضعف اليوم إلى حد كبير بالوسائل التكنولوجية التي نعرفها والتي تجعل من الممكن تتبع حياتنا اليومية المطلقة تقريبًا - يجب أن يظل مسألة اهتمام خاص. وإذا كانت الدولة ستشهد فكرة معينة عن الصالح ، فمن المحتمل بالمقابل أن تولد سيطرة اجتماعية شبه كاملة.
ونشهد داخل الدول الديمقراطية المزعومة ، تطوراً هائلاً للتكنولوجيات التي تضمن للقوى السياسية الوجود المطلق تقريباً ، وتشبع الحيز العام والخاص ، " ندفع بتعايش السياسة والشرطي إلى أقصى الحدود". راهناً ، وفي مواجهة خطر الترشيد في أقصى الوجود ، لم يتوقف جاك دريدا عن تذكيرنا بفضائل عدم التحديد ، وقد دعانا إلى الاعتقاد بأن الهوية يجري بناؤها باستمرار وتفكيكها من قبل حقيقة عدم وضع كل شيء في الاعتبار.
تفسير عصر الشاشات Interpréter l’ère des écrans:
وإذ يتم تحديث فكرة جاك دريدا اليوم كذلك ، فذلك لأنه يعلّمنا أن نبصر في أي وسيلة ، سواء أكانت مكتوبة أو سمعية بصرية ، وليس وساطة حيث يمكن قول كل شيء (من جهة أخرى والأحداث de l’autre et des événements) ، سوى أن المجال يجب أن يبقى مفتوحاً بالكامل لجهد التفسير. إنما تفتقر ثقافة الاستجواب في التمثيل إلى حد كبير، في شركات الإعلام لدينا، على الرغم من أن قنوات المعلومات تكون دائماً مسألة التحرير والاختيار ؛ وهذا ما أفصح جاك دريدا خلال حواراته مع صفاء فتحي إلى"أن هناك دائماً نصاً في الصورة« qu’il y a toujours du texte dans l’image ". وفي هذا المستوى ، هناك تحدّ كبير من ناحية التعليم والتدريب. فيجبرنا مصير الصور اليوم وانتشارها وسلطتها ، على ابتكار إيماءات نقدية وتفسيرية جديدة. وهذا هو التحدي الأخلاقي والديمقراطي الرئيس في عصر التسارع التكنولوجي*.
*- نقلاً عن موقع theconversation.com، والنص حديث العهد، وتاريخ نشِر في 2 أيار 2019، وقد تم نشْره بمناسبة مؤتمر "Derrida والتكنولوجيا" الذي تم تنظيمه في باريس في 2، 3، 4 أيار، 2019 في مركز كولومبيا العالمي. أما عن الكاتب تشاردل، فهو أستاذ العلوم الاجتماعية والأخلاق ، كلية إدارة الأعمال بمعهد المناجم – تيليكوم .