هذا كتاب من أجمل كتب السير العربية، يحمل خلاصة تجربة الدكتور «سيد عويس»، أبرز أساتذة علم الاجتماع، ويحمل فى طياته دراسة تمزج بين التجربة الذاتية ودقة الملاحظة والبحث العلمى، وقد صاغها سيد عويس فى حكاية شيقة تجمع الجوانب الثقافية والاجتماعية والتاريخية للمجتمع المصرى بعد أن غاص بفضل تجربته ودراسته فى أعماق التراث والقيم والفنون. وهو من مواليد 1913م، وتخرج فى مدرسة الخدمة الاجتماعية بالقاهرة فى عام 1940، وهو فيه يروى من خلال تجربته هموم وأحلام جيله، بأسلوبه الشيق الذى يساعد على التعرف الصادق على اتجاهات أعضاء المجتمع المصرى وما وراء هذه الاتجاهات من تراث ثقافى قديم ومتجدد، وكما يقول إنه منذ ولادته واجه حربين عالميتين وأربع حروب مع إسرائيل، وعاش ثورتين كبيرتين الأولى فى السادسة من عمره (ثورة 1919)، والثانية عند بلوغه التاسعة والثلاثين من عمره (ثورة 1952). والكتاب صادر عن (دار الهلال) عام 1985. ويهمنى أن أعرض منه بعض الفقرات والمقاطع التى تدل على عظمة الكتابة وعظمة الكاتب.
وهو فى حداثة سنه وبداية حياته العملية زهق يوماً فخرج بدون إذن من العمل، وبعد ذلك فى يوم 27 من شهر مايو عام 1937، وصله خطاب من المصلحة يتضمن مجازاته بثلاثة أيام قطع ماهية للأسباب التى وردت فيه، وأسرع سيد عويس بوضع بنود خطة قال فيها: «وقد عزمت- متوكلا على الله- على ما يأتى: أولا: أبقى بالمصلحة إلى آخر سبتمبر عام 1937 فقط. ثم أقدم استقالتى من المصلحة، احتجاجا على هذا الحكم غير العادل. وفرارا من بيئة الوظيفة الملوثة.
ثانيا: أقتصد ما أستطيع فى كل أنواع المصروفات فى خلال هذه المدة يونيو عام 1937- سبتمبر عام 1937.
ثالثا: أسعى جهدى لبيع نصف المنزل الذى أملكه، وإنى أرجو إلهى أن ييسر هذا البيع قريبا.
رابعا: التحاقى بكلية الصحافة بالجامعة الأمريكية فى موعد بدء الدراسة، أو أنتسب إلى كلية الحقوق بالجامعة المصرية، أو إلى الحقوق الفرنسية إن تعذر علىّ الالتحاق بكلية الصحافة.
خامسا: أشترى ورقة يانصيب إذا ربحت أرصد هذا الربح لتعليمى فحسب، على أن أنفق قيمته عند التيسير فى وجوه الخير. القاهرة فى 27 مايو سنة (1937).
والقارئ لهذه الخطة يلاحظ التعلق الشديد بمواصلة تعليمى تعليما عاليا. وقد يدهش وأنا الشخص المتدين، إذ يجد فى هذه الخطة (شراء ورقة يانصيب) يخصص ربحها لتعليمى، ويجد التناقض حتما فى طلب بلوغ الآمال فى حدود الطرق المشروعة على الرغم من التحفظ الوارد فى هذا البند من الخطة ويتعلق بإنفاق قيمة ربح ورقة اليانصيب عند التيسير فى وجوه الخير. وقد يدهش القارئ أو لا يدهش، ولكنى عندما وضعت الخطة كنت وخط التفكير الذى كنت أتبناه فى ذلك الحين على وفاق، ذلك لأن حظ الشخص المتديّن فى العادة مرهون بمدى إيمانه بالقدر، حلوه ومره وخيره وشره. والعبرة بالنيات. وكانت نيتى كلها كما كنت أراها فى ذلك الحين مشروعة وإيمانى بالقدر فوق ذلك كان عظيما. وقد تأكد لى مدى صحة هذا الوفاق فى التفكير عندما أشرفت على دراسة عن الأشخاص الذين يواظبون على قراءة موضوع (حظك اليوم) فى الصحف اليومية، فقد اتضح أن هؤلاء يؤدون فريضة الصلاة والصوم، كما يزورون الأولياء ويؤدون لهم النذور ويوفون بها، ونسبة كبيرة منهم يؤمنون بالأشباح ويمارسون عمليات البخور فى المناسبات وقراءة الفنجان والكف وحمل التمائم وفتح المندل».
www.facebook.com
وهو فى حداثة سنه وبداية حياته العملية زهق يوماً فخرج بدون إذن من العمل، وبعد ذلك فى يوم 27 من شهر مايو عام 1937، وصله خطاب من المصلحة يتضمن مجازاته بثلاثة أيام قطع ماهية للأسباب التى وردت فيه، وأسرع سيد عويس بوضع بنود خطة قال فيها: «وقد عزمت- متوكلا على الله- على ما يأتى: أولا: أبقى بالمصلحة إلى آخر سبتمبر عام 1937 فقط. ثم أقدم استقالتى من المصلحة، احتجاجا على هذا الحكم غير العادل. وفرارا من بيئة الوظيفة الملوثة.
ثانيا: أقتصد ما أستطيع فى كل أنواع المصروفات فى خلال هذه المدة يونيو عام 1937- سبتمبر عام 1937.
ثالثا: أسعى جهدى لبيع نصف المنزل الذى أملكه، وإنى أرجو إلهى أن ييسر هذا البيع قريبا.
رابعا: التحاقى بكلية الصحافة بالجامعة الأمريكية فى موعد بدء الدراسة، أو أنتسب إلى كلية الحقوق بالجامعة المصرية، أو إلى الحقوق الفرنسية إن تعذر علىّ الالتحاق بكلية الصحافة.
خامسا: أشترى ورقة يانصيب إذا ربحت أرصد هذا الربح لتعليمى فحسب، على أن أنفق قيمته عند التيسير فى وجوه الخير. القاهرة فى 27 مايو سنة (1937).
والقارئ لهذه الخطة يلاحظ التعلق الشديد بمواصلة تعليمى تعليما عاليا. وقد يدهش وأنا الشخص المتدين، إذ يجد فى هذه الخطة (شراء ورقة يانصيب) يخصص ربحها لتعليمى، ويجد التناقض حتما فى طلب بلوغ الآمال فى حدود الطرق المشروعة على الرغم من التحفظ الوارد فى هذا البند من الخطة ويتعلق بإنفاق قيمة ربح ورقة اليانصيب عند التيسير فى وجوه الخير. وقد يدهش القارئ أو لا يدهش، ولكنى عندما وضعت الخطة كنت وخط التفكير الذى كنت أتبناه فى ذلك الحين على وفاق، ذلك لأن حظ الشخص المتديّن فى العادة مرهون بمدى إيمانه بالقدر، حلوه ومره وخيره وشره. والعبرة بالنيات. وكانت نيتى كلها كما كنت أراها فى ذلك الحين مشروعة وإيمانى بالقدر فوق ذلك كان عظيما. وقد تأكد لى مدى صحة هذا الوفاق فى التفكير عندما أشرفت على دراسة عن الأشخاص الذين يواظبون على قراءة موضوع (حظك اليوم) فى الصحف اليومية، فقد اتضح أن هؤلاء يؤدون فريضة الصلاة والصوم، كما يزورون الأولياء ويؤدون لهم النذور ويوفون بها، ونسبة كبيرة منهم يؤمنون بالأشباح ويمارسون عمليات البخور فى المناسبات وقراءة الفنجان والكف وحمل التمائم وفتح المندل».
الدكتور سيد عويس عالم الاجتماع المصرى
الدكتور سيد عويس عالم الاجتماع المصرى. Gefällt 2.430 Mal. عالم الاجتماع المصرى الراحل الدكتور سيد عويس ولد في يوم 17 /2/ 1913 ، بحي الخليفة ، بالقاهرة . ثم رحل عن دنيانا في 16 / 6 /1989