هايدي النشرتي - كازانوفا لن يأتي هذا العام

كنت انتظره كل عام لأنظر الى عينيه الواسعتين و هو يجلس وحيدا تحيطه نظرات البنات و السيدات بلهفة و إعجاب منتظرات دورهن في لمحة منه...
هكذا كنت أراهن و اراه في قهوة دلسيز عند نزولي الي وسط البلد لأشم هواء البحر ثم اتجه بعد ذلك الي سينما الهمبرا صباحا , احب هذه السينما بقدر حبي للمدينة الكوزموبوليتانية.
كنت في غربتي عندما تركتها، أتذكر اصص الورد في بيت امي و رائحة الذرة علي البحر ......
اما عن ذلك الشاب كازانوفا الذي ابهر البنات بوسامته، فلم يكن يقدر حق نفسه و لكنه كان يعلم كيف يدور العالم حوله.
تعرفت عليه في رحلة لأسوان لم اكن في البداية مشغولة بمعرفة قصته و لكن فضولي بعد ذلك جعلني اراقب كل شيء حوله حتى اني عرفت اسمه و كتبته في ورقه ووضعته داخل حقيبتي الصغيرة.
كانت المدينة الكوزموبوليتانية مدينتي المفضلة التي اذهب اليها لتفضيه رأسي من احاديث القاهرة المليئة بالشغب و الزحمة، عندما أرى البحر و اشم رائحة اليود في الهواء شيء ما يجعلني اقع في غرامها اكثر، و ما اكثر قصص الحب التي كنت اشاهدها امامي على الكورنيش.
في هذه الاثناء نسيت كازانوفا وتمنيت ان أكون افر وديت ....
الى ان تذكرته عندما رأيت افيش فيلم نهر الحب . لم اعرف لماذا ذكرني ذلك النجم الشاب عمر الشريف به نظرا لتشابههما في الوسامة و حب البنات .
قررت ان ادخل لمشاهدة الفيلم، طوال عرض الفيلم لم اكف عن التفكير في كازانوفا , ربما قد اخترق عقلي , فقد كنت سمعت عنه حكايات بالأمس في حفل النادي .
و عندما سافرت الى فرنسا في 1967... وجدته على متن الطائرة وحيدا شاردا , فذهبت اليه
- ما بك كازانوفا؟ا
ابتسم
- " الهم يا صديقتي"
- و اين ستذهب بذلك الهم
- الي الغرق
و استأذنته في ان اجلس بجانبه
لم ينطق بكلمة طوال الرحلة وظل يستمع الى كلماتي البلهاء و احلامي عن الحرية و الفرق بيننا و بين أوروبا و أمريكا.
ودعته عندما هبطت الطائرة في المطار.
كنت ذاهبة الى فرنسا لزيارة صديقتي " أحلام" التي تركت مصر بعد الزواج . ثم وجدت كازانوفا معنا علي طاولة العشاء في بيت أحلام... ابتسم لي وشكرته علي لطفه معي في الطائرة .... لم انطق بكلمة واحدة طوال السهرة، حتى ان أحلام استغربتني ،
حكيت لها ما حدث في الطائرة , و اني اعرف كازانوفا منذ وقت في الإسكندرية
في صيف 1969 قابلته للمرة الثالثة في حفل بالنادي مع الفتيات عندما رأينه ظللن يتهامسن على امل لفت انظاره اليهن
نظرت في تلك العينين بشيء من العمق احسستها تهمس فجأة في قلبي ... انصرفت من الحفلة مسرعة ... عندما ادركت اني قد اقع في حب "كازانوفا ".
استوقفني صوت ينادي علي عند باب النادي :
- اين تذهبين يا صديقتي؟
- كازانوفا!!!! هل مازلت تتذكرني!!! .. اعتقدت أنك نسيت
- كازانوفا لا ينسي أحدا ...
و ابتسم ابتسامة جعلت عينيه تعكسان ضوء النجوم في قلبي.
فضحكت من شدة اعجابي به ,. ووقعت في حب كازانوفا...
مرت الأيام و لم اعرف عنه شيئا و لم ارد ان اعرف ....
تمنيت ان يظل البطل الخيالي لي.
و تمنيت مجددا ان أكون افر وديت أحلامه.
اما عن عمر الشريف فظل حبي له اكثر من كازانوفا و حفظت أفلامه مع فاتن حتي اني دخلت افلامهما اكثر من مرة و في كل مرة اراه بشكل مختلف و روح أخرى.
و في مرة و انا خارجة من باب السينما وجدت كازانوفا امامي مبتسما ... سألني :
- هل الوقوع في الحب جريمة ؟
ضحكت و اكملنا الطريق معا حتي النهاية.
و لذلك كنت انا الوحيدة التي تعرف ان كازانوفا لن يأتي هذا العام .

تعليقات

نص سردي مفعم بالجمال بالحنين وبالحميمية .. عن عاشق ومعشوق .. و نموذج لبطل اسطوري في رقته ودونجوانيته . نجحت القاصة في استلهام صورته واقتفاء خطواته بحذر و بنجاح باهر وبلغة انيقة عافرت من اجل تحميلها بكل انواع الرقة وصنوفها.. حيث يسيطر طيف كازانوفا على كل تفاصيل الحكي.. من خلال اسرار المدينة الكوزموبوليتانية . وافلام عمر الشريف وابتسامته .. ومن خلال حضوره المتكرر عبر اللقاءات الكازانوفية الثلاثة..
راقني هذا النص واحببته بقوة لقوته ولجماليته ولروعته ولبداعة حبكته وتنوع صيغ السرد فيه
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...