حسين خلف موسى - بقايا حنين

انتصف اليوم وهو ما زال يسير على غير هدى، يطوف شوارع القرية. .يحملق في الناس .يبحث في وجوههم عن شيء ما .انقضى اليوم أدميت قدماه من كثرة ما مشى .

وأصبح مثل عصفور جريح . وفي الليل شاهدوه يتابع السير كالأسير، مهتديا ببعض ضوء النجوم. وفي صباح اليوم التالي ،شاهدوه ملقى على مفترق الطريق المؤدي إلى ساحة القرية ، كأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة .

سألوه: عما تبحث يا صابر ؟ ماذا جرى لك ؟ ……. لقد كنت زين شباب القرية .
أين كانت غيبتك الطويلة ؟ …….. حدق صابرا بهم طويلا، ثم نكس رأسه ولم يجب.
قالوا: مسكين يا صابر…. قم وعُدْ إلى بيتك
تقدم منه رجل وقال له : صابر انتهى كل شيء والطريق الذي كان يجمعكما معاً،
وكان مفروشاً بالورد، لم يعد كذلك، تغير كل شيء.

وإذا بقيت هكذا لن تجد أمامك إلا الأشواك وبقايا حنين. قُمْ وعُدْ ، لقد أدميت قدميك في البحث والمسير . لقد أصبحت هي وجع مستهام وتراب . لن تجد إلا الجراح والعذاب بجانبها ،
رفقاً بحالك ،
أرح قلبك العليل .
قم وعُــــدْ .
لن تراها أبدا.
لكنه تابع سيره حتى وصل إلى مقبرة القرية فجلس فوق ضريحها وصاح بأعلى صوته : افتحي نافذتك يا حبيبتي .

جاءه صوتها : لمن افتح ؟ من أنت ؟ ولماذا جئتني في هذه الليلة الممطرة الباردة؟
ـــ أنسيت من أنا يا حبيبتي ؟ أنا صابر .
ـــ لا أعرفك … قالت له .
ـــ ردَّ عليها بحزن : سأغنى لك أغنيتي المفضلة التي تحبينها
قالت بصوت واهن منخفض : هلاَ تخفض صوتك ؟ إني اسمع وطء أقدام .
قال صابر: من هم ؟
قالت : هص انه الحارس اللعين ، اهرب سيلقي القبض عليكَ .
قال صابر : أي حارس هذا ؟ أنسيت إني حارسكِ وحبيبكِ ورفيق عمركِ ؟
قالت له ” من خوفها عليه “: انصرف لا أعرفك لقد ضللت طريقك .
قال لها : افتحي نافذتك أنا حبيبك .
ردت عليه : كل شيء تبدل ، حبيبتكَ عذبوها كثيراً، صلبوها حتى فقدت كل قواها، فضاقت بها عزلتها وآلامها فهربت تبحث عنك ، كانت تمشي الدروب وهي لا تعرف أين أنت ، فلم تلقى إلا الريح ، فألقتْ نفسها على صدرها وباحت لها بكل أسرارها لكن الريح خدعتها ودلتهم على طريقها ، جاءوا إليها وقتلوها .
ابتعد لقد جئت متأخراً .
رد عليها : وأنا يا حبيبتي أخذوني ووضعوني في مكان لا يعرفه الذباب الأزرق ، عذبوني أرادوا سلب عقلي وقلبي ولكنهم لم يستطيعوا .
حبيبتي حبيبتي قالها بأعلى صوته وصار ينبش بأظافره تراب القبر ،وعند منتصف النهار تبعه أناس من القرية يبحثون عنه فوجدوا القبر محفوراً ووجدوا صابر جثة هامدة بجوارها .



حسين خلف موسى

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...