الفراغُ يملؤُ جنبات المكان، لا أحد يستقصي خبر الرَّجُل المُمدَّد على الرِّمال تحت ظلِّ النَّخلة السَّامقة، لا شئ يلفت الأنظار سوى ناقةٍ شاردةٍ عن مرابض الحيِّ في جوفِ بيداء مقفرة، وشمسٍ شرُفت على الإرتماء بين أحضان المغيب لتتوارى خلف الكثبان الرَّمليَّة بعد يومٍ حارٍّ حافلٍ بالسَّأم، يسمعُ الرَّجل المستلقي على ظهره، المتوسِّد يده اليُمنى نداء يلاحقهُ الصَّدى من الجهة الشَّرقية لواحة النَّخل، وهو يهرعُ نحوه:
- أيها الغريب...أيها الغريب
نظر إلى حيث مصدر الصَّوت فإذا به يرى رجلا من القوم قادما من هُنالك قاصدا إيَّاه، فلَّما بلغ عنده رفع رأسه عن الرَّمل واتكأ على يده اليمنى:
- ما وراءك يا هذا ؟!
- إنِّي سمعتُ القوم يتهامسون برؤيا رأيتها فما ذاك ؟!
- أفي هذا مجيئك ؟!
- هذا، وشئ آخر
- أما الأولى فإنِّي مُخبرُك السَّاعة، وأما الثَّانية فأرجئها إلى اللَّيل
- لك ذلك، فحدِّثني عن الأولى إذا
- أنصت إذا، وألقي إليَّ السَّمع...وقد أخذ يربتُ على يده
إنِّي رأيتُ فيما يرى الرَّائي أنِّي أحلِّق إلى هُناك، وأشار بسبَّابته إلى السَّماء، فلمَّا بلغتُ ذروتها نوديِّ بصوتٍ لا أعلمُ مصدره، ولا أعرفُ أيُّ الأصوات هو:
- من هُناك ؟!
رددتُ، وقلبي يرتجفُ بين أضلعي:
- جئتُ من ديَّار الغُرب، وأنا الغريب
- اصعد، وارتقِ إنَّك الرَّجل المطلوب
- لم أفهم المقصد، ولكنَّني خشيتُ السُّؤال، فارتأيتُ أن أصمت، ثمَّ صعدتُ، وصعِدتُ إلى أن خلصتُ إلى الأُفق الأعلى هُنالك فُتحت الأبواب، فولجتُ وفي نفسي شئ، فإذا بي تلقفُني أرواحٌ تتطايرُ داخل ألسنة اللَّهب، وتدعوني لجولةٍ في المكان، وكذلك فعلتُ، وأخذتُ أمشي الهوينا هنالك، وأرقُبُ عن كثبٍ ما يجري، فرأيتُ رجلا مرباع، عريض الجبين، محمرَّ الوجنتين، في لحيته سبع شعيراتٍ لو شئت أن تعدَّهن لعددتهن، يقفُ على خيطٍ من ماء، ويلتحفُ بغيمةٍ سوداء، يخطُبُ في القوم:
- يا أهل هذا المكان نِعم الأهل أنتم، لا تُصدِّقوا من يصفُ أفعالكم بالتَّمرُّد، وتفكيركم بالكُفر البواح، فإنَّكم ما تمرَّدتم إلَّا على تفاهة أقوامكم، وما شككتم إلَّا وأنتم تبتغون كشف الحقائق، وضحض الأوهام الرَّاسخة في عقول أسلافكم، ولا يغُرَّنكم من ينظُر إليكم على أنَّكم أهلُ العذاب، وأصحاب الجحيم، ذروا أولئك فإنَّهم عبيدُ حماقاتهم، وإنَّهم يرونكم في عذابٍ وجنون، والحقُّ أنَّكم بملذَّات العذاب تتمتِّعون، وبمعقوليَّة الجنون تؤمنون، وفي محرابِ الشَّك تصلُّون، فمن خاف على نفسه من هؤلاء فإنَّ ذاك من في الوهم استقر، وبعقله انتحر، فما لهُ من حظ في ركوبِ الخطر...
- أيها الغريب...أيها الغريب
نظر إلى حيث مصدر الصَّوت فإذا به يرى رجلا من القوم قادما من هُنالك قاصدا إيَّاه، فلَّما بلغ عنده رفع رأسه عن الرَّمل واتكأ على يده اليمنى:
- ما وراءك يا هذا ؟!
- إنِّي سمعتُ القوم يتهامسون برؤيا رأيتها فما ذاك ؟!
- أفي هذا مجيئك ؟!
- هذا، وشئ آخر
- أما الأولى فإنِّي مُخبرُك السَّاعة، وأما الثَّانية فأرجئها إلى اللَّيل
- لك ذلك، فحدِّثني عن الأولى إذا
- أنصت إذا، وألقي إليَّ السَّمع...وقد أخذ يربتُ على يده
إنِّي رأيتُ فيما يرى الرَّائي أنِّي أحلِّق إلى هُناك، وأشار بسبَّابته إلى السَّماء، فلمَّا بلغتُ ذروتها نوديِّ بصوتٍ لا أعلمُ مصدره، ولا أعرفُ أيُّ الأصوات هو:
- من هُناك ؟!
رددتُ، وقلبي يرتجفُ بين أضلعي:
- جئتُ من ديَّار الغُرب، وأنا الغريب
- اصعد، وارتقِ إنَّك الرَّجل المطلوب
- لم أفهم المقصد، ولكنَّني خشيتُ السُّؤال، فارتأيتُ أن أصمت، ثمَّ صعدتُ، وصعِدتُ إلى أن خلصتُ إلى الأُفق الأعلى هُنالك فُتحت الأبواب، فولجتُ وفي نفسي شئ، فإذا بي تلقفُني أرواحٌ تتطايرُ داخل ألسنة اللَّهب، وتدعوني لجولةٍ في المكان، وكذلك فعلتُ، وأخذتُ أمشي الهوينا هنالك، وأرقُبُ عن كثبٍ ما يجري، فرأيتُ رجلا مرباع، عريض الجبين، محمرَّ الوجنتين، في لحيته سبع شعيراتٍ لو شئت أن تعدَّهن لعددتهن، يقفُ على خيطٍ من ماء، ويلتحفُ بغيمةٍ سوداء، يخطُبُ في القوم:
- يا أهل هذا المكان نِعم الأهل أنتم، لا تُصدِّقوا من يصفُ أفعالكم بالتَّمرُّد، وتفكيركم بالكُفر البواح، فإنَّكم ما تمرَّدتم إلَّا على تفاهة أقوامكم، وما شككتم إلَّا وأنتم تبتغون كشف الحقائق، وضحض الأوهام الرَّاسخة في عقول أسلافكم، ولا يغُرَّنكم من ينظُر إليكم على أنَّكم أهلُ العذاب، وأصحاب الجحيم، ذروا أولئك فإنَّهم عبيدُ حماقاتهم، وإنَّهم يرونكم في عذابٍ وجنون، والحقُّ أنَّكم بملذَّات العذاب تتمتِّعون، وبمعقوليَّة الجنون تؤمنون، وفي محرابِ الشَّك تصلُّون، فمن خاف على نفسه من هؤلاء فإنَّ ذاك من في الوهم استقر، وبعقله انتحر، فما لهُ من حظ في ركوبِ الخطر...