يزخر الأدب الموريتاني بذكر الشاي وبالحديث عنه، عن مادته (الورگه) عن جودتها وعن ردائتها، عن طريقة إعداده، وما ينبغي فيها وما لا ينبغي، عن ندمائه المفضلين، وعن الطفيليين الذين لا يرغب فيهم (السكاكه) إلى غير ذلك مما يزخر به الأدب الموريتاني فصيحا كان أو شعبيا إلا أننا سنخصص مقالنا هذا عن الشاي لبعض ما ورد فيه من الشعر الحساني
؛ لأن موضوع (أتاي) في الشعر الفصيح نال حظا كبيرا من اهتمام الدارسين والباحثين، مع أن الأستاذ الباحث / أبو محمد ولد محمد الحسن (المشرف على موقع "التیسير" الثقافی) يعد للشاي حاليا ركنا ضمن "ثقافة المجتمع" في موقع التيسير الثقافي سيتناول فيه الأدب الفصيح للشاي.
وقد اخترت تناول موضوع الأدب الحساني مساهمة في حفظ موضوع من الشعر الحساني أصبح عرضة للضياع بفعل الإهمال والنسيان.
لقد قدم لنا شعراء الحسانية صورة دقيقة لجيمع المراحل التي مربها (أتاي) في هذه البلاد كما سنرى بوضوح من خلال هذا المقال.
عرف الموريتانيون الشاي مع أواخر القرن التاسع عشر الميلادي حيث جذبته إلى هذه الربوع قوافل التجار القادمة من الشمال آنذاك.
وقد تلقى مجتمع "البيظان" هذا الوافد الجديد بتحفظ شديد حيث أثار نقاشا واسعا بين صفوف الفقهاء الذين لم يعرفوا كؤوس الشاي من قبل، فكانت الأكثرية تراه حراما لا يجوز شربه ولا بيعه وشراؤه، وكان أقلهم تشددا ينشد مع الشاعر الحساني قوله :
يولاد الناس المعولومين = = لا تفن لعمار افذ الصور
كاس الجهل امحال فالدين = = ؤكاس أتاي اعل المال اغرور
وشيئا فشيئا بدأ أهل هذه البلاد يتقبلون هذا الوافد الجديد وهو يدخل البيوت الواحد تلو الآخر، فلم ينقض العقد الرابع من القرن الماضي حتى كانت كؤوس الشاي تدار في جميع البيوت الموريتانية، وأصبح جزء لا يتجزأ من حياة هذا المجتمع كما أصبح جزء من إكرام الضيف الذي عرف هذا المجتمع بالحرص عليه وبذله في سبيله الغالي والنفيس، وقد أحب الموريتانيون الشاي وتعلقوا به فتفننوا في أناقة وتزويق أدواته، وفي اختيار ندمائه، وفي طريقة إعداده، إلى غير ذلك مما يعكس شدة تعلقهم بهذا الوافد الجديد، كما تفنن الأدباء في وصف الشاي، ومجالسه، وعلاقته بالفتوة، وأثره النفيس والاجتماعي.
إن المادة الأساسية في تحضير الشاي وهي "الورگه" مرت بها بعض الفترات وقد صعب الحصول عليها وعز منالها وفي تلك الفترات ونظرا لتعلق البيظان بـ"أتاي" وكونه جزء من حياتهم فإنهم يلجئون إلى تعويض هذه المادة ببعض الأشجار التي تنبت في هذه البلاد مثل "أجرك - تولاكت - ادباغ – الطلح".
وفي ذلك يقول احد الشعراء الحسانيين :
أتاي امنادم گد باغـ = = ـراج يحييه الاكتـ
ـلوه أولاد آدم بالدباغ واجرك وتلولاكت.
ندرة مادتي "الورگه" والسكر وصعوبة الحصول عليهما هو ما نجم عنه ما يعرف بظاهرة "التسكاك" وهو التطفل على معدي الشاي الذي كان دأب من لا يمتلك الوسائل المادية لإعداده وذلك ما أشار إليه الشاعر الحساني بقوله :
يالسكاك گلُّ = = تو اتاي اتوگ
ما تشروه اخلُّ = = حد اشراه اظوگ
وقد تناول الشعراء الحسانيون ظاهرة "التسكاك" في أشعارهم وتحدثوا عنها في مجالسهم فكانوا يستثقلون "السكاكه" ويدعون عليهم ولا يتورعون عن نعتهم بأبشع النعوت، ومن ذلك قول الأديب محمد يحظيه بن الحسن بن حمادي:
إجيك افگراشْ = = بلحي تـتـناش
يتبسم لك كاش = = ميت بيه اغلاك
واعود التحاش = = كتل گاع ؤراك
مالك عن فاش = = كل انهار اراك
ؤلكهول تجر = = والترك تجاك
يعطيك اجدر = = يذ من سكاك.
ومن استقالهم بـ"السكاكه" واعتبارهم إياهم ضمة قبر لا ينجو منها أحد قول بعضهم :
السكاكه تجل = = ؤلاه افش مشتغل
واتجيك اعل عجل = = واتج كامل تجاك
من تل ؤمن گبل = = والِّ منه ما جاك
اصبر لا تتنگل = = فرظ اتم ؤر ذاك
ألا سكاك اعل = = سكاك اعل سكاك.
ولبغضهم لـ"سكاكه" واستثقالهم إياهم، واعتبارهم يكدرون صفو جلسات "أتاي" فقد تم استحداث عدة طرق لإخفاء "أتاي" وإقامته بعيدا عن أعين "السكاكه" ومن تلك الطرق ما نجد في طلعة للأديب محمد عبد الله بن محمد آسكر وهي :
السكر يدگدگ بالكاس = = كان اگبيل ؤلا فيه باس
وادگديگ السكر ابلملاس = = من خوف إگول السكر كر
بيه ال كر اتجيب الناس = = كر اتجيب السكاك اكر
وال ويل حد ابسكر = = لا بدال من ينكر
سكر وامل لا نكر = = لا بدال من ينكر كر.
بل قد يذهب بهم مقتهم هؤلاء الطفيليين "السكاكه" الذين ينغصون عليهم الأوقات السعيدة التي يقضونها في تناول كؤوس الشاي إلى أبعد من هذا، ومن ذلك ما يحكى من أن أحدهم زار صديقا له ذات مرة وكان الصديق المزور يقوم وقتها بإعداد "أتاي" فلما أحس باقتراب صديقه قام بكفئ جفنة على أبراد المنصوب فوق الجمر لإخفاء الشاي المعد عن الصديق "السكاك" ثم إن الحديث طال بين الاثنين فلم ينتبها إلا وألسنة الدخان تتصاعد مؤذنة باشتعال النار.. فقال الصديق "السكاك" - وكان معد الشاي يدعى اسلم- :
امنادم تي مندعر = = عن صاحب ل ما علْمُ
يعمل براد ينگعر = = گعرت براد اسلم
ظاهرة "التسكاك" هذه انتشرت بين الناس حتى شملت المرأة وقد تعرض الشعراء الحسانيون لتسكاك المرأة، وأنكروه واعتبروه خروجا على المألوف ومخالفة لعادات هذا المجتمع الذي يلزم المرأة بأن تبقى من قعر بيتها إلى قعر قبرها فمن غير المقبول أن تظل تزاحم الرجال على كؤوس الشاي وفي ذلك يقول بعضهم:
ما تسمع كر = = فالتلج جات
ماج عسكر = = من لعليات
ويقول آخر :
ما يطلع بط = = اعل جمر
ما جات اتبط = = للبط امر
وبدورهن فإن النساء قد عبن "تسكاك" الرجل بوصفه أجدر بأن يتحلى بالمسؤولية ليظل أكثر احتراما، فينبغي أن يترفع ويصون نفسه عن كل ما من شأنه أن يقلل من احترامه أو ينقص من هيبته فمن غير المقبول أن يرى وهو يجوب بيوت الحي بحثا عن بيت يتم فيه إعداد "أتاي" تقول إحداهن :
ما يطلع بط = = اعل لحموم
ما جاك ابط = = راجل معلوم
إن نظرة الدون هذه التي ينظرها المجتمع لـ"السكاكه" جعلت الكثيرين يترفعون عن تناول كؤوس الشاي الذي تم البدء في تحضيره قبل حضورهم خشية أن ينعتوا ب(التسكاك) وفي ذلك يقول أحدهم :
أتاي ال مطلع ماه = = اعل مول يزوز ل
وأتاي ال مطلع ماه = = اعل مول يزوز ل
وكانت ثمت عدة عادات وتقاليد تصاحب إعداد الشاي، وقد اتبعوها وحرصوا عليها حتى أصبح أتاي بدونها ناقصا ومنها أن لا ينقص السكر فيه ولا "الوركه" عن المقدار المعتاد، وأن لا يطغى أحدهما على الآخر، وأن ينال حظه من مادة "النعناع" عند الكثيرين، ومنها أن يكون معد الشاي نصوحا متقنا يقظا فلا يترك "أتاي" تقطر منه قطرة على "الطابله" أو على الحصير، ومنها كذلك أن يترك "أبراد" على النار حتى تفعل مادة "الوركه" مفعولها، وإلى هذه الشروط مجتمعة أشار الشاعر الحساني بقوله وهو يخاطب شخصا لم يتوفر "أتايه" على واحد من هذه الشروط
أتايك ذ ماست حرگ = = واعل لحصير ابان گطار
وخاص السكر وخاصت الورگ = = ؤخاص النعناع ؤخاصت النار
ومن هذه الشروط أن يكون الشاي معدا في "أبراد" ويعنون به الإبريق المصنوع من المادة المعروفة عندهم بـ"التاسميمت" ويحتفظون لغيره بالإسم العربي الفصيح "الإبريق" ومنها كذلك أن يكون الماء الذي أعد به الشاي مغليا في المغراج قبل "أبراد" وأن يكون السكر من الصنف المعروف بـ"التلج" وأن يكون تم إعداده على الجمر كما سيأتي وإلى هذا يشير المرحوم لكويري بن عبد الله ابن سيدي داعيا من يقوم بإعداد الشاي إلى الحرص على أن تتوفر كل هذه الوسائل في "أتايه" محذرا من التفريط فيها أوتعويضها بغيرها :
أتاي اباش اليق = = احذرلك من ينسك
بالرشوه البريق = = والم البارد والبك
ومن هذه العادات أيضا أن يتم إعداد الشاي بحضرة متناوليه وأمام أعينهم :
أتاي ال مرفود = = ما يگلع للتدواخ
ما يسلك من لبرود = = ؤلا يسلك من لمساخ
ومن هذه الشروط أيضا ما يعرف بـ"جيمات اتاي" وهي "الجر واجماعة واجمر" إلا أنهم مع حرصهم على أن تكون للشاي جماعة لا يحبذون كثرة "أتاي" في "أبراد" بل يعافون الشاي الذي أعد في الماء الكثير وفي ذلك يقول الشاعر الحساني :
حد اتي ما ايميه = = لتاي ؤذ راي
حد اميه ما ايتيه = = تعدال لتاي
إلا أن هذه المسألة لم تكن محل إجماع منهم، بل كان لوفرة الماء في أبراد أصحابها الذين يحبذونها ويدافعون عنها حرصا منهم على أن يتم التمكن من إشراك كل من حضر في تناول الشاي، ولبعضهم وقد تصرف في الكاف السابق :
حد اتشفگ لا اطلع = = لتا ي ؤذ اراي
حد اشفگ ما يسلع = = تعدال لتاي
نقتصر على هذا القدر كنموذج يعطي تصورا بسيطا عن الشاي لدى المجتمع البظاني، وأملي كبير أن أكون وفقت في إعطاء صورة ولو بسيطة عن الموضوع.
محمد الأمين ولد لكويري
؛ لأن موضوع (أتاي) في الشعر الفصيح نال حظا كبيرا من اهتمام الدارسين والباحثين، مع أن الأستاذ الباحث / أبو محمد ولد محمد الحسن (المشرف على موقع "التیسير" الثقافی) يعد للشاي حاليا ركنا ضمن "ثقافة المجتمع" في موقع التيسير الثقافي سيتناول فيه الأدب الفصيح للشاي.
وقد اخترت تناول موضوع الأدب الحساني مساهمة في حفظ موضوع من الشعر الحساني أصبح عرضة للضياع بفعل الإهمال والنسيان.
لقد قدم لنا شعراء الحسانية صورة دقيقة لجيمع المراحل التي مربها (أتاي) في هذه البلاد كما سنرى بوضوح من خلال هذا المقال.
عرف الموريتانيون الشاي مع أواخر القرن التاسع عشر الميلادي حيث جذبته إلى هذه الربوع قوافل التجار القادمة من الشمال آنذاك.
وقد تلقى مجتمع "البيظان" هذا الوافد الجديد بتحفظ شديد حيث أثار نقاشا واسعا بين صفوف الفقهاء الذين لم يعرفوا كؤوس الشاي من قبل، فكانت الأكثرية تراه حراما لا يجوز شربه ولا بيعه وشراؤه، وكان أقلهم تشددا ينشد مع الشاعر الحساني قوله :
يولاد الناس المعولومين = = لا تفن لعمار افذ الصور
كاس الجهل امحال فالدين = = ؤكاس أتاي اعل المال اغرور
وشيئا فشيئا بدأ أهل هذه البلاد يتقبلون هذا الوافد الجديد وهو يدخل البيوت الواحد تلو الآخر، فلم ينقض العقد الرابع من القرن الماضي حتى كانت كؤوس الشاي تدار في جميع البيوت الموريتانية، وأصبح جزء لا يتجزأ من حياة هذا المجتمع كما أصبح جزء من إكرام الضيف الذي عرف هذا المجتمع بالحرص عليه وبذله في سبيله الغالي والنفيس، وقد أحب الموريتانيون الشاي وتعلقوا به فتفننوا في أناقة وتزويق أدواته، وفي اختيار ندمائه، وفي طريقة إعداده، إلى غير ذلك مما يعكس شدة تعلقهم بهذا الوافد الجديد، كما تفنن الأدباء في وصف الشاي، ومجالسه، وعلاقته بالفتوة، وأثره النفيس والاجتماعي.
إن المادة الأساسية في تحضير الشاي وهي "الورگه" مرت بها بعض الفترات وقد صعب الحصول عليها وعز منالها وفي تلك الفترات ونظرا لتعلق البيظان بـ"أتاي" وكونه جزء من حياتهم فإنهم يلجئون إلى تعويض هذه المادة ببعض الأشجار التي تنبت في هذه البلاد مثل "أجرك - تولاكت - ادباغ – الطلح".
وفي ذلك يقول احد الشعراء الحسانيين :
أتاي امنادم گد باغـ = = ـراج يحييه الاكتـ
ـلوه أولاد آدم بالدباغ واجرك وتلولاكت.
ندرة مادتي "الورگه" والسكر وصعوبة الحصول عليهما هو ما نجم عنه ما يعرف بظاهرة "التسكاك" وهو التطفل على معدي الشاي الذي كان دأب من لا يمتلك الوسائل المادية لإعداده وذلك ما أشار إليه الشاعر الحساني بقوله :
يالسكاك گلُّ = = تو اتاي اتوگ
ما تشروه اخلُّ = = حد اشراه اظوگ
وقد تناول الشعراء الحسانيون ظاهرة "التسكاك" في أشعارهم وتحدثوا عنها في مجالسهم فكانوا يستثقلون "السكاكه" ويدعون عليهم ولا يتورعون عن نعتهم بأبشع النعوت، ومن ذلك قول الأديب محمد يحظيه بن الحسن بن حمادي:
إجيك افگراشْ = = بلحي تـتـناش
يتبسم لك كاش = = ميت بيه اغلاك
واعود التحاش = = كتل گاع ؤراك
مالك عن فاش = = كل انهار اراك
ؤلكهول تجر = = والترك تجاك
يعطيك اجدر = = يذ من سكاك.
ومن استقالهم بـ"السكاكه" واعتبارهم إياهم ضمة قبر لا ينجو منها أحد قول بعضهم :
السكاكه تجل = = ؤلاه افش مشتغل
واتجيك اعل عجل = = واتج كامل تجاك
من تل ؤمن گبل = = والِّ منه ما جاك
اصبر لا تتنگل = = فرظ اتم ؤر ذاك
ألا سكاك اعل = = سكاك اعل سكاك.
ولبغضهم لـ"سكاكه" واستثقالهم إياهم، واعتبارهم يكدرون صفو جلسات "أتاي" فقد تم استحداث عدة طرق لإخفاء "أتاي" وإقامته بعيدا عن أعين "السكاكه" ومن تلك الطرق ما نجد في طلعة للأديب محمد عبد الله بن محمد آسكر وهي :
السكر يدگدگ بالكاس = = كان اگبيل ؤلا فيه باس
وادگديگ السكر ابلملاس = = من خوف إگول السكر كر
بيه ال كر اتجيب الناس = = كر اتجيب السكاك اكر
وال ويل حد ابسكر = = لا بدال من ينكر
سكر وامل لا نكر = = لا بدال من ينكر كر.
بل قد يذهب بهم مقتهم هؤلاء الطفيليين "السكاكه" الذين ينغصون عليهم الأوقات السعيدة التي يقضونها في تناول كؤوس الشاي إلى أبعد من هذا، ومن ذلك ما يحكى من أن أحدهم زار صديقا له ذات مرة وكان الصديق المزور يقوم وقتها بإعداد "أتاي" فلما أحس باقتراب صديقه قام بكفئ جفنة على أبراد المنصوب فوق الجمر لإخفاء الشاي المعد عن الصديق "السكاك" ثم إن الحديث طال بين الاثنين فلم ينتبها إلا وألسنة الدخان تتصاعد مؤذنة باشتعال النار.. فقال الصديق "السكاك" - وكان معد الشاي يدعى اسلم- :
امنادم تي مندعر = = عن صاحب ل ما علْمُ
يعمل براد ينگعر = = گعرت براد اسلم
ظاهرة "التسكاك" هذه انتشرت بين الناس حتى شملت المرأة وقد تعرض الشعراء الحسانيون لتسكاك المرأة، وأنكروه واعتبروه خروجا على المألوف ومخالفة لعادات هذا المجتمع الذي يلزم المرأة بأن تبقى من قعر بيتها إلى قعر قبرها فمن غير المقبول أن تظل تزاحم الرجال على كؤوس الشاي وفي ذلك يقول بعضهم:
ما تسمع كر = = فالتلج جات
ماج عسكر = = من لعليات
ويقول آخر :
ما يطلع بط = = اعل جمر
ما جات اتبط = = للبط امر
وبدورهن فإن النساء قد عبن "تسكاك" الرجل بوصفه أجدر بأن يتحلى بالمسؤولية ليظل أكثر احتراما، فينبغي أن يترفع ويصون نفسه عن كل ما من شأنه أن يقلل من احترامه أو ينقص من هيبته فمن غير المقبول أن يرى وهو يجوب بيوت الحي بحثا عن بيت يتم فيه إعداد "أتاي" تقول إحداهن :
ما يطلع بط = = اعل لحموم
ما جاك ابط = = راجل معلوم
إن نظرة الدون هذه التي ينظرها المجتمع لـ"السكاكه" جعلت الكثيرين يترفعون عن تناول كؤوس الشاي الذي تم البدء في تحضيره قبل حضورهم خشية أن ينعتوا ب(التسكاك) وفي ذلك يقول أحدهم :
أتاي ال مطلع ماه = = اعل مول يزوز ل
وأتاي ال مطلع ماه = = اعل مول يزوز ل
وكانت ثمت عدة عادات وتقاليد تصاحب إعداد الشاي، وقد اتبعوها وحرصوا عليها حتى أصبح أتاي بدونها ناقصا ومنها أن لا ينقص السكر فيه ولا "الوركه" عن المقدار المعتاد، وأن لا يطغى أحدهما على الآخر، وأن ينال حظه من مادة "النعناع" عند الكثيرين، ومنها أن يكون معد الشاي نصوحا متقنا يقظا فلا يترك "أتاي" تقطر منه قطرة على "الطابله" أو على الحصير، ومنها كذلك أن يترك "أبراد" على النار حتى تفعل مادة "الوركه" مفعولها، وإلى هذه الشروط مجتمعة أشار الشاعر الحساني بقوله وهو يخاطب شخصا لم يتوفر "أتايه" على واحد من هذه الشروط
أتايك ذ ماست حرگ = = واعل لحصير ابان گطار
وخاص السكر وخاصت الورگ = = ؤخاص النعناع ؤخاصت النار
ومن هذه الشروط أن يكون الشاي معدا في "أبراد" ويعنون به الإبريق المصنوع من المادة المعروفة عندهم بـ"التاسميمت" ويحتفظون لغيره بالإسم العربي الفصيح "الإبريق" ومنها كذلك أن يكون الماء الذي أعد به الشاي مغليا في المغراج قبل "أبراد" وأن يكون السكر من الصنف المعروف بـ"التلج" وأن يكون تم إعداده على الجمر كما سيأتي وإلى هذا يشير المرحوم لكويري بن عبد الله ابن سيدي داعيا من يقوم بإعداد الشاي إلى الحرص على أن تتوفر كل هذه الوسائل في "أتايه" محذرا من التفريط فيها أوتعويضها بغيرها :
أتاي اباش اليق = = احذرلك من ينسك
بالرشوه البريق = = والم البارد والبك
ومن هذه العادات أيضا أن يتم إعداد الشاي بحضرة متناوليه وأمام أعينهم :
أتاي ال مرفود = = ما يگلع للتدواخ
ما يسلك من لبرود = = ؤلا يسلك من لمساخ
ومن هذه الشروط أيضا ما يعرف بـ"جيمات اتاي" وهي "الجر واجماعة واجمر" إلا أنهم مع حرصهم على أن تكون للشاي جماعة لا يحبذون كثرة "أتاي" في "أبراد" بل يعافون الشاي الذي أعد في الماء الكثير وفي ذلك يقول الشاعر الحساني :
حد اتي ما ايميه = = لتاي ؤذ راي
حد اميه ما ايتيه = = تعدال لتاي
إلا أن هذه المسألة لم تكن محل إجماع منهم، بل كان لوفرة الماء في أبراد أصحابها الذين يحبذونها ويدافعون عنها حرصا منهم على أن يتم التمكن من إشراك كل من حضر في تناول الشاي، ولبعضهم وقد تصرف في الكاف السابق :
حد اتشفگ لا اطلع = = لتا ي ؤذ اراي
حد اشفگ ما يسلع = = تعدال لتاي
نقتصر على هذا القدر كنموذج يعطي تصورا بسيطا عن الشاي لدى المجتمع البظاني، وأملي كبير أن أكون وفقت في إعطاء صورة ولو بسيطة عن الموضوع.
محمد الأمين ولد لكويري