اغتنى المسرح بشكل عام وفن الممثل والتمثيل بشكل خاص بطروحات الفرنسي (ديدرو)، لأنه كان الأكثر أهتماماً بالتنظير لفن الممثل،
بل إن طروحاته مهدت لأغلب التنظيرات لفن الممثل اللاحقة ومنها طروحات الروسي ستانسلافسكي، الذي لم يكن متأثراً بطروحاته حسب، بل تبنى أغلب تلك الطروحات. عُرف َعنه بأنه أول من اتبع الطبيعية Naturalism في المسرح، وهذا ليس غريباً، لأن الطبيعية كانت سمة هذا القرن، وهذا الاتباع للمذهب الطبيعي، يدفعنا بلا أدنى شك إلى استنساخ الحياة بكل تفاصيلها على خشبة المسرح. وبما أن الممثل أهم عنصر في منظومة العرض المسرحي، إذا يجب أن يكون أسلوبه على خشبة المسرح على وفق ديدرو شبيها بأسلوبه في الحياة، بمعنى أنه يستعير شخصية حياتية بكل تفاصيلها، وأحاسيسها ومشاعرها ونقلها إلى الخشبة، بدلاً من ممثلين كأنهم روبوتات تسير بخطوات محسوبة، وتمثل ما يملى عليها من ارشادات مسرحية Stage Directions، مصدر سعادتها أن تحظى بتصفيق الجمهور، وخاصة الذين يجلسون في المقاعد الأمامية. لهذا سعى ديدرو لتجاهل حضور الجمهور من ذهنية الممثل، وطلب أن ينساه تماماً، وكأنه يمثل داخل غرفته، يتصرف بتلقائية تفرضها عليه روحية المشهد والمسرحية، في الحياتي واليومي، نصح الممثلين بأن "لا يفكروا في الجمهور أكثر مما لو أنه لم يوجد قط. تخيلوا حائطاً هائلاً عند مقدمة خشبة المسرح، يفصلكم عن الجمهور، وتصرفوا وكأن الستار لم يرفع أبداً". وإيغالاً في هذا التجاهل لحضور الجمهور، طالب الممثلون أن يديروا ظهورهم له بين فترة وأخرى طوال مدة العرض، وأن يكون إلقاؤهم أشبه بإلقاء القطع النثرية في الحياة اليومية، والإيهام بوجود جدار وهمي افتراضاً على الخشبة يفصل بين عالمي الخشبة والصالة، وعادة ما أطلق عليه الجدار الرابع The Fourth Wall، من أجل الإيغال في الإيهام Illusion، إيهام المتفرج بأن كل الذي يجري أمامه هو حقيقة حياتية. أهتم ديدرو بتقديم الإحساس الداخلي للممثل، على حساب قدرات الممثل الجسدية والحركية، ويفضله على الفهم والحكم والفكر، بل يؤكد على ذوبان الممثل وفقدانه للوعي في أثناء تصويره للمشاعر الداخلية. ويصر على أن الممثل العظيم، هو ذلك الممثل الذي يعيش داخل الشخصية ويتماثل مع أحداثها وكأنها جزء منه، بل إنها حدثت له وليس للشخصية، وهكذا سيحلق بعوالمها الداخلية على الخشبة. فالإحساس يقود إلى فهم المواقف الروحية للشخصية ،إذ يشكل الإحساس الداخلي العلامة الكبرى التي يجب على الممثل الاشتغال على نموها وتطورها، لأنها تعمل بديناميكية عالية، فهي التي تقوده لفهم روحية المواقف داخل المشهد والمسرحية، وتحدد له طريقة النغمة الصوتية، وطريقة الإلقاء، بمعنى آخر يكون الاشتغال على وفق التداخل بين الممثل الإيقونة (كشخص عادي)، والشخصية العلامة، وهو تداخل متكامل، نفسي وجسدي، هذا الاشتغال يتم عن طريق، التوحد مع الإحساس الكامل، من خلال معايشة الشخصية، وتبنيها، فهو يمثل مصدراً لكل تقلباتها، هذا ما امتازت به المرحلة الأولى من الاشتغال. بعد عشر سنوات جاءت المرحلة الثانية، وكتب فيها "إن الممثل الذي لا يملك سوى العقل والتقدير المحسوب يكون شديد البرودة؛ والممثل الذي لا يملك سوى الإثارة والانفعالية يكون سخيفاً"، فيفندُ بذلك كل طروحاته الأولى، التي أكد فيها على ضرورة سيادة الإحساس وقدرته الخلاقة على تحفيز الممثل، والحصول على الإيهام Illusion. وامتازت طروحات هذه المرحلة بفكرة الموازنة بين التفكير العقلاني وبين شدة الإحساس، لأن الإحساس لا يمكن أن يكون يقظا طوال مدة العرض المسرحي، بل التفكير وتحكم العقل في التعامل مع الإحساس، يعطيه ديناميكية في عملية توزيعه بشكل متساوٍ داخل العرض. وهذا جوهر التناقض الذي ذكره إدوين ديور، فلم يعد في هذه المرحلة من الاشتغال، أسلوب الممثل مشابهاً لأسلوب الحياة، وأن يمثل وكأنه يتعايش مع يومياته، بل التوازن بين العقل والتفكير المحسوب، أهم الضرورات الأساس لفن التمثيل. ولا وجود لتمثيل عظيم من دونهما، وألا يكون الممثلين مجرد ناسخين حساسين للطبيعة، بل يجب عليهم التمتع بالحذاقة حتى يكونوا مبدعين، حتى أصبح الإحساس عند ديدرو "لا يمكنه بذاته أن يصنع فناناً. ولكي يكون فناناً عظيماً يجب على الشخص ذو الإحساس أن يفعل أكثر من مجرد إظهاره". وبناء عليه، فإن الإحساس وتدفقاته العالية يقوض العملية التواصلية بين الممثل والجمهور، لأنه من العسير أن يكون التمثيل خارجا من القلب داخل العرض المسرحي وعليه حدد ديدرو أربعة أسباب متداخلة لصعوبة التمثيل الكلي من القلب:
1. إن الإحساس ليس هو السمة المميزة للعبقرية العظيمة، بل القدرة على الفهم بعمق، كذلك اتحاد الذاكرة مع الخيال، لهذا يجب أن يكون الممثل مختلفا عن الرسام والشاعر والخطيب والموسيقي، لأنه لا يتولد إبداع الممثل من لحظة انفجار الحدث، بل من خلال الثبات والسيطرة على النفس، ومن ثمَّ يجب أن يسيطر عقل الممثل على قلبه.
2. إن الممثل الذي يتغلب عليه انفعالاته لا يستطيع السيطرة على ردود أفعاله على المسرح. ولا يستطيع أن يمتلك حرية عقله، بل يكون تحت تاثير انفعالاته الآنية، وعندها يكون غير مدرك للمهام الجوهرية للخطاب المسرحي. فالممثل الذي يتملكه انفعاله على الخشبة، سيكون مبهرا وساحرا لدقائق معدودة داخل العرض. لكنه بالمقابل سيخسر الدور طوال زمن العرض، لكن الممثل العظيم، هو الذي يضع خطة كاملة لكل تحولات الشخصية، نقاط ضعفها، قوتها، اتحادها مع الضوء والظلام، وأن تتسم بالتنوع طوال العرض.
3. الشخصيات هي مجموعة أشباح، صنعها الخيال الخاص للمؤلف أو الشاعر، لهذا يجب على الممثل ألا يطلق العنان لعواطفه على الخشبة، كما يفعل بالحياة، بل التعامل مع النص بوصفه عملا فنيا مخطط اومُؤلفا.
4. أن يبقى الممثل بحدود الشخصية، وألا يكون مفرط الإحساس، وألا يلعب الشخصية بدل المؤلف، ولا يشتت نفسه، بأن يظل هو نفسه.
إذن، الخيال يقود عملية الخلق العالية للشخصية، بعيدا عن طريق الإحساس المفرط، الذي يعتمده الممثل، وطبعا ألا يبتعد التجسيد عن عملية التخيل. فهذا معناه تقويض لضرورات التمثيل والممثل، وبهذا يكون ديدرو قد ابتكر ثلاثية للخلق:
1. إثارة الحماس Enthousiasme عن طريق إدراك معنى ظاهرة معينة.
2. شحذ الخيال بالحماس ليشكل كماً من الصور التي يتم بها التعبير عن المعنى؛ وهذه هي أهم لحظة في المعالجة، لحظة الإلهام.
3. العقل أو التفكير الذي يتحكم في أداة المبدع التكنيكية، ويرسي نظاماً بين الصور ويمنحها إدراكاً مادياً مفهوماً.
* عن جريدة المدى
بل إن طروحاته مهدت لأغلب التنظيرات لفن الممثل اللاحقة ومنها طروحات الروسي ستانسلافسكي، الذي لم يكن متأثراً بطروحاته حسب، بل تبنى أغلب تلك الطروحات. عُرف َعنه بأنه أول من اتبع الطبيعية Naturalism في المسرح، وهذا ليس غريباً، لأن الطبيعية كانت سمة هذا القرن، وهذا الاتباع للمذهب الطبيعي، يدفعنا بلا أدنى شك إلى استنساخ الحياة بكل تفاصيلها على خشبة المسرح. وبما أن الممثل أهم عنصر في منظومة العرض المسرحي، إذا يجب أن يكون أسلوبه على خشبة المسرح على وفق ديدرو شبيها بأسلوبه في الحياة، بمعنى أنه يستعير شخصية حياتية بكل تفاصيلها، وأحاسيسها ومشاعرها ونقلها إلى الخشبة، بدلاً من ممثلين كأنهم روبوتات تسير بخطوات محسوبة، وتمثل ما يملى عليها من ارشادات مسرحية Stage Directions، مصدر سعادتها أن تحظى بتصفيق الجمهور، وخاصة الذين يجلسون في المقاعد الأمامية. لهذا سعى ديدرو لتجاهل حضور الجمهور من ذهنية الممثل، وطلب أن ينساه تماماً، وكأنه يمثل داخل غرفته، يتصرف بتلقائية تفرضها عليه روحية المشهد والمسرحية، في الحياتي واليومي، نصح الممثلين بأن "لا يفكروا في الجمهور أكثر مما لو أنه لم يوجد قط. تخيلوا حائطاً هائلاً عند مقدمة خشبة المسرح، يفصلكم عن الجمهور، وتصرفوا وكأن الستار لم يرفع أبداً". وإيغالاً في هذا التجاهل لحضور الجمهور، طالب الممثلون أن يديروا ظهورهم له بين فترة وأخرى طوال مدة العرض، وأن يكون إلقاؤهم أشبه بإلقاء القطع النثرية في الحياة اليومية، والإيهام بوجود جدار وهمي افتراضاً على الخشبة يفصل بين عالمي الخشبة والصالة، وعادة ما أطلق عليه الجدار الرابع The Fourth Wall، من أجل الإيغال في الإيهام Illusion، إيهام المتفرج بأن كل الذي يجري أمامه هو حقيقة حياتية. أهتم ديدرو بتقديم الإحساس الداخلي للممثل، على حساب قدرات الممثل الجسدية والحركية، ويفضله على الفهم والحكم والفكر، بل يؤكد على ذوبان الممثل وفقدانه للوعي في أثناء تصويره للمشاعر الداخلية. ويصر على أن الممثل العظيم، هو ذلك الممثل الذي يعيش داخل الشخصية ويتماثل مع أحداثها وكأنها جزء منه، بل إنها حدثت له وليس للشخصية، وهكذا سيحلق بعوالمها الداخلية على الخشبة. فالإحساس يقود إلى فهم المواقف الروحية للشخصية ،إذ يشكل الإحساس الداخلي العلامة الكبرى التي يجب على الممثل الاشتغال على نموها وتطورها، لأنها تعمل بديناميكية عالية، فهي التي تقوده لفهم روحية المواقف داخل المشهد والمسرحية، وتحدد له طريقة النغمة الصوتية، وطريقة الإلقاء، بمعنى آخر يكون الاشتغال على وفق التداخل بين الممثل الإيقونة (كشخص عادي)، والشخصية العلامة، وهو تداخل متكامل، نفسي وجسدي، هذا الاشتغال يتم عن طريق، التوحد مع الإحساس الكامل، من خلال معايشة الشخصية، وتبنيها، فهو يمثل مصدراً لكل تقلباتها، هذا ما امتازت به المرحلة الأولى من الاشتغال. بعد عشر سنوات جاءت المرحلة الثانية، وكتب فيها "إن الممثل الذي لا يملك سوى العقل والتقدير المحسوب يكون شديد البرودة؛ والممثل الذي لا يملك سوى الإثارة والانفعالية يكون سخيفاً"، فيفندُ بذلك كل طروحاته الأولى، التي أكد فيها على ضرورة سيادة الإحساس وقدرته الخلاقة على تحفيز الممثل، والحصول على الإيهام Illusion. وامتازت طروحات هذه المرحلة بفكرة الموازنة بين التفكير العقلاني وبين شدة الإحساس، لأن الإحساس لا يمكن أن يكون يقظا طوال مدة العرض المسرحي، بل التفكير وتحكم العقل في التعامل مع الإحساس، يعطيه ديناميكية في عملية توزيعه بشكل متساوٍ داخل العرض. وهذا جوهر التناقض الذي ذكره إدوين ديور، فلم يعد في هذه المرحلة من الاشتغال، أسلوب الممثل مشابهاً لأسلوب الحياة، وأن يمثل وكأنه يتعايش مع يومياته، بل التوازن بين العقل والتفكير المحسوب، أهم الضرورات الأساس لفن التمثيل. ولا وجود لتمثيل عظيم من دونهما، وألا يكون الممثلين مجرد ناسخين حساسين للطبيعة، بل يجب عليهم التمتع بالحذاقة حتى يكونوا مبدعين، حتى أصبح الإحساس عند ديدرو "لا يمكنه بذاته أن يصنع فناناً. ولكي يكون فناناً عظيماً يجب على الشخص ذو الإحساس أن يفعل أكثر من مجرد إظهاره". وبناء عليه، فإن الإحساس وتدفقاته العالية يقوض العملية التواصلية بين الممثل والجمهور، لأنه من العسير أن يكون التمثيل خارجا من القلب داخل العرض المسرحي وعليه حدد ديدرو أربعة أسباب متداخلة لصعوبة التمثيل الكلي من القلب:
1. إن الإحساس ليس هو السمة المميزة للعبقرية العظيمة، بل القدرة على الفهم بعمق، كذلك اتحاد الذاكرة مع الخيال، لهذا يجب أن يكون الممثل مختلفا عن الرسام والشاعر والخطيب والموسيقي، لأنه لا يتولد إبداع الممثل من لحظة انفجار الحدث، بل من خلال الثبات والسيطرة على النفس، ومن ثمَّ يجب أن يسيطر عقل الممثل على قلبه.
2. إن الممثل الذي يتغلب عليه انفعالاته لا يستطيع السيطرة على ردود أفعاله على المسرح. ولا يستطيع أن يمتلك حرية عقله، بل يكون تحت تاثير انفعالاته الآنية، وعندها يكون غير مدرك للمهام الجوهرية للخطاب المسرحي. فالممثل الذي يتملكه انفعاله على الخشبة، سيكون مبهرا وساحرا لدقائق معدودة داخل العرض. لكنه بالمقابل سيخسر الدور طوال زمن العرض، لكن الممثل العظيم، هو الذي يضع خطة كاملة لكل تحولات الشخصية، نقاط ضعفها، قوتها، اتحادها مع الضوء والظلام، وأن تتسم بالتنوع طوال العرض.
3. الشخصيات هي مجموعة أشباح، صنعها الخيال الخاص للمؤلف أو الشاعر، لهذا يجب على الممثل ألا يطلق العنان لعواطفه على الخشبة، كما يفعل بالحياة، بل التعامل مع النص بوصفه عملا فنيا مخطط اومُؤلفا.
4. أن يبقى الممثل بحدود الشخصية، وألا يكون مفرط الإحساس، وألا يلعب الشخصية بدل المؤلف، ولا يشتت نفسه، بأن يظل هو نفسه.
إذن، الخيال يقود عملية الخلق العالية للشخصية، بعيدا عن طريق الإحساس المفرط، الذي يعتمده الممثل، وطبعا ألا يبتعد التجسيد عن عملية التخيل. فهذا معناه تقويض لضرورات التمثيل والممثل، وبهذا يكون ديدرو قد ابتكر ثلاثية للخلق:
1. إثارة الحماس Enthousiasme عن طريق إدراك معنى ظاهرة معينة.
2. شحذ الخيال بالحماس ليشكل كماً من الصور التي يتم بها التعبير عن المعنى؛ وهذه هي أهم لحظة في المعالجة، لحظة الإلهام.
3. العقل أو التفكير الذي يتحكم في أداة المبدع التكنيكية، ويرسي نظاماً بين الصور ويمنحها إدراكاً مادياً مفهوماً.
* عن جريدة المدى