هو مقال شهير للقاص سليمان فياض عند المهتمين بتاريخ سيد قطب الذي نُشر في مجلة «الهلال»، في شهر سبتمبر (أيلول) عام 1986، تحت عنوان «تحولات كاتب: سيد قطب بين النقد الأدبي وجاهلية القرن العشرين»، والذي قال فيه عنه: «كثيراً ما كان يخالجني شك في صلته بالعقاد، فأسلوب سيد فيه لمسات الاحتذاء للعقاد. روى لي سيد ذكرى مريرة، بدا لي وهو يرويها كأنها لم تعد تحزنه، أو تعنيه في شيء. قال لي وهو يبتسم: كنتُ له تلميذاً محبّاً، وكنت أقدم له كتبي، فيثني عليّ، ويقربني منه، حتى طلبتُ منه ذات يوم أن يكتب مقدمة لكتاب لي، يقدمني به للناس، فأبى ذلك على نفسه وعليّ، وشعرتُ بالغيظ، حين آثر أن يقدم لكتاب (بروتوكولات حكماء صهيون) لخليفة التونسي، ولا يقدم لكتابي. فجفوته وجفاني. وهجرت مجلسه. سألت سيد قطب: أي كتاب كان؟ فقال لي: ليس ذلك مهماً الآن. وآثر سيد الصمت في هذا الموضوع، ولم ألحّ عليه. لكنني فكرت أنه ولا بد كان واحداً من كتابين: (التصوير الفني) أو (مشاهد القيامة)، وهما موضوعان يجدر أن يكتب فيهما العقاد. أيكون السبب هو غيرة الأستاذ من تلميذه الموهوب؟ أم يكون سبب الرفض والجفوة، حدة القلم، وتمرُّد الروح، في كتابات سيد قطب؟».
أخبرنا سليمان فياض في مقاله هذا أنه التقى بسيد قطب بضع مرات، وتحدث عن لقاءين: اللقاء الأول واللقاء الأخير.
يقول عن اللقاء الأول: «كانت الثورة قد بسطت على أرض مصر، وأخذت تناوئ الأحزاب، وكنت قد كتبتُ مقالاً بمجلة (الرسالة) بعثت به بالبريد من المنصورة، ونشرته (الرسالة) في باب عرض الكتب، وكان المقال عن كتابه الإسلامي التالي: (السلام العالمي والإسلام)».
مقاله هذا الذي يشير إليه نُشر بتاريخ 19 - 11 - 1951، ونُشِر باسم محمد فياض وليس سليمان فياض! والقصد من التدقيق في هذه المعلومة الإشارة إلى أنه لم يكن دقيقاً في تحديد العام الذي التقى فيه سيد قطب وجهاً لوجه، إذ إن مقاله الذي قرّظ فيه كتاب سيد قطب نُشِر في مجلة «الرسالة» قبل أشهر طويلة من حدوث ثورة الضباط الأحرار.
لقاؤه الأخير بسيد قطب، الذي ذكر في خاتمة الحديث عنه تلك الرواية التي أتينا بنصها أعلاه، يمكن أن نحدد تاريخ هذا اللقاء، استناداً إلى بعض الوقائع التي أشار إليها وإن كانت لا تخلو من تخليط، بعام 1953 أو بعام 1954. وإن كان هذا اللقاء حصل في العام الأخير، فلا بد أن يكون قد حصل إما قبل 13 يناير (كانون الثاني) من ذلك العام، لأنه في هذا التاريخ اعتقل مجموعة من الإخوان المسلمين كان من ضمنهم سيد قطب، وإما أن يكون قد حصل ما بين أواخر شهر مارس (آذار) وأواخر شهر أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام، وهي الأشهر الفاصلة ما بين الإفراج عن مساجين «الإخوان» واعتقال «الإخوان» بأعداد كبيرة مرة ثانية بعد حادثة المنشية.
سواء أكان لقاء سليمان فياض الأخير بسيد قطب يرجع تاريخه إلى عام 1953 أو إلى عام 1954، فإننا سنجابه مشكلة في قبول تلك الرواية التي رواها. الشق الأول من المشكلة أن كتاب محمد خليفة التونسي، «بروتوكولات حكماء صهيون»، الذي صدر في أخريات عام 1951، صدر في طبعته الأولى من دون أن يكتب العقاد له مقدمة. والصحيح أن العقاد - كما أخبرنا بذلك التونسي بعد سنوات - قرَّظه بمقال عقب صدوره بأيام، نُشِر في جريدة «الأساس» بتاريخ 23 - 11 - 1951. ومع صدور الطبعة الثانية من الكتاب، في عام 1961، جعل محمد خليفة التونسي من ذلك المقال مقدمة لكتابه. وينبغي أن نتذكر أنه في عام 1961 كان سيد قطب لا يزال يقضي محكوميته في السجن!
الشقّ الثاني من المشكلة هو أننا حتى لو تجاوزنا هذه الهفوة في هذه المعلومة، ومِلنا إلى أن المقصود كان مقال العقاد الذي كتبه عن الكتاب عقب صدور طبعته الأولى بأيام، فإن سيد قطب لم يجفُ العقاد ويهجر مجلسه بعد كتابة العقاد لذلك المقال، بل جفاه وهجر مجلسه قبل ذلك التاريخ بسنوات.
قد يعطي ما رواه سليمان فياض ظلاً من الصدق ما قاله قبله بسنوات دارسان إسلاميان مغاليان جداً في حب سيد قطب والإعجاب به وإكباره وتعظيمه.
الأول هو محمد توفيق بركات. ففي كتابه «سيد قطب: خلاصة حياته، منهجه في الحركة، النقد الموجه إليه» قال عن سيد قطب: «ومع تتلمذه على العقاد، واستفادته الكبيرة، إلا أنه كان له نوع من الاستقلال، بحيث إنه كان أقرب إلى الابتداعية في الأدب»، ثم فتح هامشاً قال فيه: «يمكننا في مجال استقلاله النسبي عن العقاد في فترة التلمذة أن نقارنه بتلميذ آخر هو محمد خليفة التونسي، الذي لم يكن أبداً أكثر من تلميذ ذكي يحسن فهم ما يقوله أستاذه فحسب. أما سيد قطب فكان مختلفاً عنه، وذلك واضح من آثاره في تلك الفترة، نذكر منها، مثلاً، كتاب (كتب وشخصيات)».
الملحظ على هذا الهامش الذي بدا غريباً ومفاجئاً ومن دون مناسبة، هو لماذا خص محمد خليفة التونسي بالمقارنة مع سيد قطب، فتلاميذ العقاد ورواد صالونه كثر؟! فهل خصّه بالمقارنة لأن العقاد أثنى على كتابه «بروتوكولات حكماء صهيون» بمقال ولم يُثنِ مطلقاً على أي كتاب من كتب سيد قطب؟
الدارس عبد الله الخباص الذي سجل رسالته الماجستير عن سيد قطب في عام 1978م، وبدأ يجمع مادتها منذ ذلك التاريخ، يضع تاريخاً تقريبياً لصدور كتاب محمد توفيق بركات عن سيد قطب. هذا التاريخ هو بداية السبعينات الميلادية. ولأكثر من شاهد لا يتسع المجال هنا للحديث عنه لن تكون بداية السبعينات عام 1970م أو عام 1971م أو عام 1972م، وإنما ستكون عام 1973م، أو في عام من أعوام منتصف السبعينات الميلادية.
الدارس الإسلامي الآخر المغالي جداً في حب سيد قطب والإعجاب به وإكباره وتعظيمه، هو صلاح عبد الفتاح الخالدي. ففي رسالته للماجستير عن سيد قطب التي بدأ البحث فيها عام 1978، قال: «سيد قطب تلميذ للعقاد، ولكنه ليس نسخة أخرى منه! ولو قارنّاه بتلميذ آخر للعقاد، وهو محمد خليفة التونسي، لتميزت شخصيته، فالتونسي لم يكن أكثر من تلميذ ذكي يحسن ما يقوله أستاذه فحسب، وكذلك تلميذ العقاد الآخر عبد الرحمن صدقي، فإنه نسخة طبق الأصل عن العقاد»!
ما قاله عن التونسي اقتبسه من كتاب محمد توفيق بركات، وما قاله عن عبد الرحمن صدقي قال في الهامش: «أخبرني بهذا الأستاذ محمد قطب»!
عرفنا فيما مضى، لماذا أقحم محمد توفيق بركات محمد خليفة التونسي في مقارنة مع سيد، وسنعرف الآن لما أقحم الخالدي عبد الرحمن صدقي في مقارنة مع سيد قطب.
السبب أن العقاد كتب بتاريخ 25 - 6 - 1945 مقالاً في مجلة «الرسالة» عن ديوان عبد الرحمن صدقي «من وحي المرأة»، وصف تلميذه فيه بـ«الشاعر الألمعي». ومما قاله عن هذا الديوان: «لم يكن إلا وحياً فاض به حزنه على فقيدته العزيزة، فخرج في جملته منظوماً كأنه لا يحتاج إلى ناظم، وجاء بقصائد ومقطوعات ستبقى في عداد الشعر الخالد، سواء منه ما نظم في هذا الموضوع أو غير هذا الموضوع».
والسبب أن العقاد كتب بتاريخ 8 - 12 - 1947 مقالاً في مجلة «الرسالة»، عنوانه «كتابان قيِّمان». أشاد فيه بكتابين صادرين حديثاً لتلميذين من تلامذته، هما: علي أدهم وعبد الرحمن صدقي. كتاب الأول اسمه «ألوان من أدب الغرب»، وكتاب الثاني اسمه «ألحان الحان» وهو عن الشاعر أبي نواس. هذه الإشادة كانت إشادة مفصلة ومستفيضة، وشملت عد خصائص هذين الأدبيين ومزاياهما، وتبيان الفروق بينهما، وإطراء ثقافتهما ونهجهما ولغتهما وبراعتهما في التأليف.
والسبب أخيراً أن العقاد قدم لكتاب عبد الرحمن صدقي «حواء والشاعر» الصادر في عام 1962.
لا شك أن إقحام الخالدي، عبد الرحمن صدقي، في مقارنة مع سيد قطب، كان بتوجيه من محمد قطب؛ فالأول كان مجرد طالب علوم دينية ولم يكن في الأصل ذا ثقافة أدبية، بينما محمد قطب ثقافته في الأصل هي ثقافة أدبية، وقد أدرك جيل الأدباء المصريين في المنتصف الأول من القرن الماضي، معايشة وقراءة، وتأثر في بواكير أعماله قبل أن يتجه إلى الكتابة الدينية بأسلوب المازني وبروحه، وعاصر معاناة أخيه سيد التي أسميها «معاناة العقدة العقادية»، وورثها هو بالنيابة عن أخيه، وورثها - أيضاً - إسلاميون منذ سبعينات القرن الماضي. نسأل الله العافية.
يقول الدارس عبد الله الخباص في كتابه «سيد قطب، الأديب الناقد»: «ونحن، وإن كنا نستغرب موقف جيل الشيوخ من نتاج سيد الأدبي والنقدي، إلا أننا أشد استغراباً من موقف أستاذه العقاد، فمن خلال مراجعتنا لمؤلفات العقاد ودواوينه لم نجد أي إشارة لسيد، سوى ما ورد في مقدمة ديوانه (أعاصير مغرب)، حين ذكر إجابته لسيد حول سؤاله عن إجادة توماس هاردي لشعر الغزل وهو في السبعين من عمره».
إشارة العقاد اليتيمة إلى اسم سيد قطب، يطلعنا علي شلش في كتابه «التمرد على الأدب» على أصلها، فيقول: «أقدم إشارة من سيد قطب إلى العقاد كانت بمقال نشره في فبراير (شباط) 1928، تعقيباً على مقال لصاحبه، جاء فيه ذكر الشاعر توماس هاردي الذي أحب في شيخوخته، وكان رأي سيد قطب أن الحب والفتوة صِنوان، وأنه أحق بالشباب لا بالشيخوخة. وردّ العقاد على التعقيب مشيراً إلى صاحبه بكلمة (طالب)، ثم عاد إلى الموضوع في تقديمه لديوانه (أعاصير مغرب) - 1942 - فذكر سيد قطب هذه المرة بالاسم، وأشار إليه بعبارة (الأديب الأستاذ)». وقال علي شلش في الهامش إن العقاد أعاد نشر الرد في كتابه «ساعات بين الكتب». وللحديث بقية.
علي العميم
كاتب وصحافي سعودي
aawsat.com
أخبرنا سليمان فياض في مقاله هذا أنه التقى بسيد قطب بضع مرات، وتحدث عن لقاءين: اللقاء الأول واللقاء الأخير.
يقول عن اللقاء الأول: «كانت الثورة قد بسطت على أرض مصر، وأخذت تناوئ الأحزاب، وكنت قد كتبتُ مقالاً بمجلة (الرسالة) بعثت به بالبريد من المنصورة، ونشرته (الرسالة) في باب عرض الكتب، وكان المقال عن كتابه الإسلامي التالي: (السلام العالمي والإسلام)».
مقاله هذا الذي يشير إليه نُشر بتاريخ 19 - 11 - 1951، ونُشِر باسم محمد فياض وليس سليمان فياض! والقصد من التدقيق في هذه المعلومة الإشارة إلى أنه لم يكن دقيقاً في تحديد العام الذي التقى فيه سيد قطب وجهاً لوجه، إذ إن مقاله الذي قرّظ فيه كتاب سيد قطب نُشِر في مجلة «الرسالة» قبل أشهر طويلة من حدوث ثورة الضباط الأحرار.
لقاؤه الأخير بسيد قطب، الذي ذكر في خاتمة الحديث عنه تلك الرواية التي أتينا بنصها أعلاه، يمكن أن نحدد تاريخ هذا اللقاء، استناداً إلى بعض الوقائع التي أشار إليها وإن كانت لا تخلو من تخليط، بعام 1953 أو بعام 1954. وإن كان هذا اللقاء حصل في العام الأخير، فلا بد أن يكون قد حصل إما قبل 13 يناير (كانون الثاني) من ذلك العام، لأنه في هذا التاريخ اعتقل مجموعة من الإخوان المسلمين كان من ضمنهم سيد قطب، وإما أن يكون قد حصل ما بين أواخر شهر مارس (آذار) وأواخر شهر أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام، وهي الأشهر الفاصلة ما بين الإفراج عن مساجين «الإخوان» واعتقال «الإخوان» بأعداد كبيرة مرة ثانية بعد حادثة المنشية.
سواء أكان لقاء سليمان فياض الأخير بسيد قطب يرجع تاريخه إلى عام 1953 أو إلى عام 1954، فإننا سنجابه مشكلة في قبول تلك الرواية التي رواها. الشق الأول من المشكلة أن كتاب محمد خليفة التونسي، «بروتوكولات حكماء صهيون»، الذي صدر في أخريات عام 1951، صدر في طبعته الأولى من دون أن يكتب العقاد له مقدمة. والصحيح أن العقاد - كما أخبرنا بذلك التونسي بعد سنوات - قرَّظه بمقال عقب صدوره بأيام، نُشِر في جريدة «الأساس» بتاريخ 23 - 11 - 1951. ومع صدور الطبعة الثانية من الكتاب، في عام 1961، جعل محمد خليفة التونسي من ذلك المقال مقدمة لكتابه. وينبغي أن نتذكر أنه في عام 1961 كان سيد قطب لا يزال يقضي محكوميته في السجن!
الشقّ الثاني من المشكلة هو أننا حتى لو تجاوزنا هذه الهفوة في هذه المعلومة، ومِلنا إلى أن المقصود كان مقال العقاد الذي كتبه عن الكتاب عقب صدور طبعته الأولى بأيام، فإن سيد قطب لم يجفُ العقاد ويهجر مجلسه بعد كتابة العقاد لذلك المقال، بل جفاه وهجر مجلسه قبل ذلك التاريخ بسنوات.
قد يعطي ما رواه سليمان فياض ظلاً من الصدق ما قاله قبله بسنوات دارسان إسلاميان مغاليان جداً في حب سيد قطب والإعجاب به وإكباره وتعظيمه.
الأول هو محمد توفيق بركات. ففي كتابه «سيد قطب: خلاصة حياته، منهجه في الحركة، النقد الموجه إليه» قال عن سيد قطب: «ومع تتلمذه على العقاد، واستفادته الكبيرة، إلا أنه كان له نوع من الاستقلال، بحيث إنه كان أقرب إلى الابتداعية في الأدب»، ثم فتح هامشاً قال فيه: «يمكننا في مجال استقلاله النسبي عن العقاد في فترة التلمذة أن نقارنه بتلميذ آخر هو محمد خليفة التونسي، الذي لم يكن أبداً أكثر من تلميذ ذكي يحسن فهم ما يقوله أستاذه فحسب. أما سيد قطب فكان مختلفاً عنه، وذلك واضح من آثاره في تلك الفترة، نذكر منها، مثلاً، كتاب (كتب وشخصيات)».
الملحظ على هذا الهامش الذي بدا غريباً ومفاجئاً ومن دون مناسبة، هو لماذا خص محمد خليفة التونسي بالمقارنة مع سيد قطب، فتلاميذ العقاد ورواد صالونه كثر؟! فهل خصّه بالمقارنة لأن العقاد أثنى على كتابه «بروتوكولات حكماء صهيون» بمقال ولم يُثنِ مطلقاً على أي كتاب من كتب سيد قطب؟
الدارس عبد الله الخباص الذي سجل رسالته الماجستير عن سيد قطب في عام 1978م، وبدأ يجمع مادتها منذ ذلك التاريخ، يضع تاريخاً تقريبياً لصدور كتاب محمد توفيق بركات عن سيد قطب. هذا التاريخ هو بداية السبعينات الميلادية. ولأكثر من شاهد لا يتسع المجال هنا للحديث عنه لن تكون بداية السبعينات عام 1970م أو عام 1971م أو عام 1972م، وإنما ستكون عام 1973م، أو في عام من أعوام منتصف السبعينات الميلادية.
الدارس الإسلامي الآخر المغالي جداً في حب سيد قطب والإعجاب به وإكباره وتعظيمه، هو صلاح عبد الفتاح الخالدي. ففي رسالته للماجستير عن سيد قطب التي بدأ البحث فيها عام 1978، قال: «سيد قطب تلميذ للعقاد، ولكنه ليس نسخة أخرى منه! ولو قارنّاه بتلميذ آخر للعقاد، وهو محمد خليفة التونسي، لتميزت شخصيته، فالتونسي لم يكن أكثر من تلميذ ذكي يحسن ما يقوله أستاذه فحسب، وكذلك تلميذ العقاد الآخر عبد الرحمن صدقي، فإنه نسخة طبق الأصل عن العقاد»!
ما قاله عن التونسي اقتبسه من كتاب محمد توفيق بركات، وما قاله عن عبد الرحمن صدقي قال في الهامش: «أخبرني بهذا الأستاذ محمد قطب»!
عرفنا فيما مضى، لماذا أقحم محمد توفيق بركات محمد خليفة التونسي في مقارنة مع سيد، وسنعرف الآن لما أقحم الخالدي عبد الرحمن صدقي في مقارنة مع سيد قطب.
السبب أن العقاد كتب بتاريخ 25 - 6 - 1945 مقالاً في مجلة «الرسالة» عن ديوان عبد الرحمن صدقي «من وحي المرأة»، وصف تلميذه فيه بـ«الشاعر الألمعي». ومما قاله عن هذا الديوان: «لم يكن إلا وحياً فاض به حزنه على فقيدته العزيزة، فخرج في جملته منظوماً كأنه لا يحتاج إلى ناظم، وجاء بقصائد ومقطوعات ستبقى في عداد الشعر الخالد، سواء منه ما نظم في هذا الموضوع أو غير هذا الموضوع».
والسبب أن العقاد كتب بتاريخ 8 - 12 - 1947 مقالاً في مجلة «الرسالة»، عنوانه «كتابان قيِّمان». أشاد فيه بكتابين صادرين حديثاً لتلميذين من تلامذته، هما: علي أدهم وعبد الرحمن صدقي. كتاب الأول اسمه «ألوان من أدب الغرب»، وكتاب الثاني اسمه «ألحان الحان» وهو عن الشاعر أبي نواس. هذه الإشادة كانت إشادة مفصلة ومستفيضة، وشملت عد خصائص هذين الأدبيين ومزاياهما، وتبيان الفروق بينهما، وإطراء ثقافتهما ونهجهما ولغتهما وبراعتهما في التأليف.
والسبب أخيراً أن العقاد قدم لكتاب عبد الرحمن صدقي «حواء والشاعر» الصادر في عام 1962.
لا شك أن إقحام الخالدي، عبد الرحمن صدقي، في مقارنة مع سيد قطب، كان بتوجيه من محمد قطب؛ فالأول كان مجرد طالب علوم دينية ولم يكن في الأصل ذا ثقافة أدبية، بينما محمد قطب ثقافته في الأصل هي ثقافة أدبية، وقد أدرك جيل الأدباء المصريين في المنتصف الأول من القرن الماضي، معايشة وقراءة، وتأثر في بواكير أعماله قبل أن يتجه إلى الكتابة الدينية بأسلوب المازني وبروحه، وعاصر معاناة أخيه سيد التي أسميها «معاناة العقدة العقادية»، وورثها هو بالنيابة عن أخيه، وورثها - أيضاً - إسلاميون منذ سبعينات القرن الماضي. نسأل الله العافية.
يقول الدارس عبد الله الخباص في كتابه «سيد قطب، الأديب الناقد»: «ونحن، وإن كنا نستغرب موقف جيل الشيوخ من نتاج سيد الأدبي والنقدي، إلا أننا أشد استغراباً من موقف أستاذه العقاد، فمن خلال مراجعتنا لمؤلفات العقاد ودواوينه لم نجد أي إشارة لسيد، سوى ما ورد في مقدمة ديوانه (أعاصير مغرب)، حين ذكر إجابته لسيد حول سؤاله عن إجادة توماس هاردي لشعر الغزل وهو في السبعين من عمره».
إشارة العقاد اليتيمة إلى اسم سيد قطب، يطلعنا علي شلش في كتابه «التمرد على الأدب» على أصلها، فيقول: «أقدم إشارة من سيد قطب إلى العقاد كانت بمقال نشره في فبراير (شباط) 1928، تعقيباً على مقال لصاحبه، جاء فيه ذكر الشاعر توماس هاردي الذي أحب في شيخوخته، وكان رأي سيد قطب أن الحب والفتوة صِنوان، وأنه أحق بالشباب لا بالشيخوخة. وردّ العقاد على التعقيب مشيراً إلى صاحبه بكلمة (طالب)، ثم عاد إلى الموضوع في تقديمه لديوانه (أعاصير مغرب) - 1942 - فذكر سيد قطب هذه المرة بالاسم، وأشار إليه بعبارة (الأديب الأستاذ)». وقال علي شلش في الهامش إن العقاد أعاد نشر الرد في كتابه «ساعات بين الكتب». وللحديث بقية.
علي العميم
كاتب وصحافي سعودي
علي العميم - العقدة العقادية
هو مقال شهير للقاص سليمان فياض عند المهتمين بتاريخ سيد قطب الذي نُشر في مجلة «الهلال»، في شهر سبتمبر (أيلول) عام 1986، تحت عنوان «تحولات كاتب: سيد قطب بين النقد الأدبي وجاهلية القرن العشرين»، والذي قال فيه عنه: «كثيراً ما كان يخالجني شك في صلته بالعق