لا شيء يكدر صفو الإنسان ويهدد سعادته مثل المصائب والأحزان التي مرت به عندما يتذكرها، أو التي تفترسه الآن، أو التي يتوقع ـ وهو توقع كاليقين ـ الابتلاء بها مستقبلا. ولا يكاد يشك احد بوجود هذه الأحزان في الحياة،بل حتى بضرورتها القطعية. فقد قيل ((حياة بلا مشاكل، طعام بلا ملح)). وليس ثمة شك بأهمية الأفراح والسعادات في الحياة لإجراء عملية توازن بين الفرح والحزن كما هي بين الخير والشر،الأمل واليأس ، فالشيء لا يعرف إلا بضده. ولقد طفق البشر منذ ان خلقوا يتفكرون في الطرق التي تخفف من الأحزان وتحقق السعادة في الحياة، وهي أمور تتناولها أركان رئيسة من المعتقدات والفلسفات، وطرق أو فن العيش، فضلا عن علم النفس والأدب والحكمة.عملت هذه الطرق وغيرها الكثير لتخفيف الأحزان او التغلب عليها ـ وليس محوها من الوجود ـ وكذلك لتركيز الفرح.
وقد استوقفتني الفكرة التي طرحها احد الكتاب بخصوص تصغير المصائب والأحزان. باعتبار أننا ننظر إلى الأحزان والمصائب التي مرت بنا في الماضي كم هي صغيرة الآن وهينة.فينصح ذلك الكاتب بأننا ما دمنا سنتجاوز هذه ألازمات ـ شئنا أم أبينا ـ وستصبح صغيرة وغير مؤثرة بنفس تأثيرها السابق ـ عندما نجعلها وراء ظهورنا بفعل الزمن ـ فلا باس لو أننا، أثناء مرورنا بها، ننظر إليها بهذا المنظار الزمني أو ما يسمى((مصغر الأحزان)). من الطبيعي رؤية النجوم وكأنها نقطة في السماء، رغم أنها اكبر من كرتنا الأرضية بأضعاف مضاعفة، بسبب بعدنا عنها أو بعدها عنا. ولو تمكنا أثناء وقوعنا في المصائب والأحزان من الابتعاد عنها أو إبعادها عنا(( المهم تحقق مفهوم الابتعاد المصغر للأحزان)) لرأيناها صغيرة جدا وتمكنا من احتمالها والصبر حيالها. ولكن أنى لنا الابتعاد وأقدامنا عند المصائب يصيبها الشلل والإعياء ولا تقدر على حملنا بعيدا فنبقى ندور في حلقة مفرغة حول مصائبنا، نجتر الأحزان بشكل لاإرادي…
كنت مستلقيا على السرير أثناء تفكري بهذا الأمر، وبصري مركزا على المروحة السقفية المنهمكة في الدوران. العديد من الأفكار كانت تداعب مخيلتي. فجأة قفزت إلى رأسي فكرة بهذا الخصوص جلبتها لي المروحة بأذرعها الثلاثة التي تدور باتجاه عقارب الساعة. ماذا لو كانت المروحة ساعة واذرعها عقارب تلك الساعة وتدور بهذه السرعة التي من الممكن التحكم بها ، طالما أننا نستطيع التحكم بسرعة دوران المروحة، لنتمكن من السيطرة على سرعة جريان زمننا الخاص المقترح لتخفيف الأحزان. فلو كانت المروحة تدور بسرعة ألف دورة في الدقيقة مثلا لأصبح الزمن الجديد في ساعتنا الخاصة الجديدة وبحسابات تقريبية كالآتي:الدقيقة ستعدل (40)يوما من الزمن الاعتيادي ـ الساعة الاعتيادية ـ والساعة تعدل (2400)يوما أو ما يقرب سبعة سنين من الزمن السابق واليوم في ساعتنا الجديدة ـ المعدة للطوارىء ـ يعدل(168)سنة في الظروف الاعتيادية.
عندما يمر البشر بالأحزان والمصائب،يجد أن الدقائق أصبحت ساعات والساعات دهورا. المسالة مسالة وقت؛ فلو استطعنا أن نجعل هذه الساعات والسنين تجري بسرعة لأصبح بامكاننا التخلص من هذه الآلام وأحزانها بسرعة خارقة، فنمرُّ بها وكأنها نقطة أو شيء من الحزن المركز جدا الذي لا يكاد يملأ قدحا واحدا ن بدل من أن يكون مخففا في خزانات ضخمة يتوجب علينا أن نمضي السنين في التهامها قبل ان نقضي عليها جميعا، أو تقضي علينا جميعا…
خُيّلَ إلي أني امتلك أعظم سلاح على سطح الأرض أستطيع أن أغزو به ممالك الحزن والألم. غصت في غيبوبة شفافة. حملت سلاحي(طالما انه فكرة وليس مادة) في رأسي، اقتحمت فيافي الاحزان وشققت بحار الهموم. بامكاني أن أواجه كل المصاعب والمحن، والموت الذي هو أصعبها وأقساها بلحظاته القليلة سيمر علي برفقة ساعتي الجديدة وكأنه جزء من عشرات الأجزاء من الثانية. فسوف لن اشعر به مطلقا لا من قريب ولا من بعيد، وكأني لن أموت أبدا، فما الذي يهمني بعد وكل ما دون الممات قليل. قررت أن أواجه كل المصاعب والأحزان: أحزان الماضي والحاضر والمستقبل، اجعلها لحظات خاطفة ليس بامكانها النيل مني ولا من عزيمتي، أما الألم فلم اشعر به إلا كدغدغة جميلة. فكرت بالأحزان التي تمر بي والمقرر أن أعاقرها في المستقبل والتي من الممكن التخلص منها بسرعة كلمح البصر ؛ ولكن ماذا عن الفرح والسعادة؟! كيف لي أن احتمل مرورها وكانها لحظات خاطفة وفي داخلي رغبة جامحة للتمتع بها وإطالتها؟!!. الا انه ما من معضلة إلا ولها ساعتي الرهيبة. أستطيع، في أوقات الفرح، أن اخفض التيار عن ساعتي واجعلها تدور ببطء لأتمتع أقصى ما أستطيع وقد اقطع التيار نهائيا فيتوقف الزمان وأبقى خالدا في النعيم إلى أبد الآبدين.
اقتحمت كهف الأحزان الأسطوري. رميت نفسي وسط هموم لا تستطيع تحملها امة بأسرها. كنت مزهوا رافعا رأسي أمشي بخيلاء. كان جو الكهف لزجا دبقا، الحرارة عالية والضغط مرتفعا، كاد ان يتوقف سيران الدم في عروقي.
كنت أتنفس الهواء سياطا من نار تحرق أحشائي بلا رحمة. لم أجد أمامي منفذا للنجاة غير ساعتي المنقذة. نظرت إليها متوسلا أن تسرع أو على الأقل تسير بسرعتها المعهودة، لكنها بدأت ترتجف وتتعثر. أخذت عقاربها تسير ببطء ـ ببطء الزمن الذي يمر عند المصائب والمحن ـ انتابني الرعب والخوف بعد ان توقفت عقاربها نهائيا. لم أجد أمامي، في تلكم اللحظات، إلا توجيه اللوم إلى نفسي التي قادتني إلى هذا الكهف المميت اعتمادا على ساعة من نسج الخيال. وجدت نفسي تواصل الصراخ حزنا وألما. إزددت صراخا حالما رأيت شبح الموت يأمر وحوشه المفترسة بالتحرك نحوي. قتلني الأسى والندم. إنقضَّتْ علي الوحوش بسرعة رهيبة، غرست أنيابها ومخالبها في أحشائي باحثة عن روحي لتخرجها من جسدي.صرخت من الندم والألم صرخة عظيمة قطعت كبدي ــ وإن كانت صرخة الندم أعلى من صرخت الألم ــ إرتجَّ الكهف من صراخي، ازداد غضبي، قوي الضغط داخل الكهف،تزحزحت جدرانه وتحركت أعمدته،وفجأة تحول داخل الكهف كتلة نار!!. إثْرَ دوي هائل أنهد الكهف وتناثر في الفضاء. خرجت أنا معه بهيأة ذرات متناثرة كانت كل ذرة مني تعاني أضعاف ما كنت أعاني داخل الكهف من الضياع والفناء. تيقنت أنها النهاية، لكن فجأة، وجدت نفسي متحررا من ذلك الكهف وهمومه وصحوت من إغفاءتي على صراخي، وإذا بي نائما على السرير حيا أرزق.عاد الأمان إلى نفسي بعد ان جفت منابع الحياة في روحي وجسدي.رحت اشكر الله تعالي إذ خرجت من الكابوس على قيد الحياة!!. امتلأت حنقا على تلك الساعة اللعينة التي خانتني في شدتي. في خضم هذه اللجة فوجئت وأصابني الذهول ؟!. إذ رأيت المروحة لا زالت تدور بسرعتها المعهودة بلا إبطاء أو توقف!.. استغربت لساعتي التي توقفت في ذلك الكهف المدمر.استدركت؛إن المروحة لم تتوقف ما دام التيار الكهربائي يسري في عروقها واني أستطيع إيقافها بقطعه عنها!. رجعت بذاكرتي إلى ذلك الكهف والى ساعتي الرهيبة. قد يكون سبب توقفها انقطاع التيار عنها؛ من البديهي أنها بحاجة للطاقة لتشغيلها وليس بالامكان أن تشتغل على اللاشيء. ولم استغرب، فطاقة الفكر الخلاقة ــ ما دامت ساعتي فكرة وليست مادة ــ أقوى من الكهرباء ومن الحديد. كسرت طوق الرتابة، تخلصت من ذلك القيد الثقيل. بعدها غصت في بحر الفكر ابحث عن سبب توقف ساعتي في ذلك الكهف.حملت عدة أصداف، تبينت خواءها الواحدة تلو الأخرى. أجهدت نفسي، واصلت البحث بحماس بالغ. أخيرا، بعد جهد مضني، عثرت على الصدفة التي تزخر بلؤلؤتي المأمولة.
قبل دخولي إلى الكهف؛ كان اعتقادي صادقا وحقيقيا بتلك الساعة ـ الفكرة الرائعة ــ فكانت تعمل بصورة جيدة. ولكن ما أن دخلت إلى الكهف حتى توقفت الساعة، إذ تغير تركيزي وتفكيري فتحول عن الساعة ليصبح أسير الكرب والهم الذي يفيض بهما الكهف. وتعطلت الساعة اثر افتقارها للطاقة المتمثلة باليقين الصادق الذي كان متوافرا قبل الدخول. اكتشفت أنني، بداخل الكهف، قد قطعت التيار عن ساعتي المنقذة، ولم يكن تيارها إلا اليقين. إذ انشغلت بالأحزان والهموم وهول المفاجأة ونسيت أن أبقي التيار مستمرا بالوصول إلى الساعة؟!. فكم يتلاشى يقيننا وثقتنا بأفكارنا وطاقاتنا عند المحن وندفع افدح الخسائر. اطمأنت نفسي، فكرت أني سأنجح باستخدام ساعتي الرهيبة مرة أخرى والى الأبد إذا ما حافظت أو أمنت وصول التيار ـ اليقين ـ إلى شرايينها.بقيت انتظر التجربة، شاكاً في قدرتي على مواجهة المصائب والأحزان وان أحافظ في نفس الوقت على استمرار وصول التيار إلى الساعة. بقيت متهيبا من هكذا مغامرة. لكن الشيء الذي خرجت متيقنا منه ولا سبيل أمام الشك للوصول إليه هو أنني لن أعاود السعي بقدمي للدخول إلى مثل ذلك الكهف المدمر مرة أخرى أبدا……..
* نقلا عن موقع الناقد العراقي
وقد استوقفتني الفكرة التي طرحها احد الكتاب بخصوص تصغير المصائب والأحزان. باعتبار أننا ننظر إلى الأحزان والمصائب التي مرت بنا في الماضي كم هي صغيرة الآن وهينة.فينصح ذلك الكاتب بأننا ما دمنا سنتجاوز هذه ألازمات ـ شئنا أم أبينا ـ وستصبح صغيرة وغير مؤثرة بنفس تأثيرها السابق ـ عندما نجعلها وراء ظهورنا بفعل الزمن ـ فلا باس لو أننا، أثناء مرورنا بها، ننظر إليها بهذا المنظار الزمني أو ما يسمى((مصغر الأحزان)). من الطبيعي رؤية النجوم وكأنها نقطة في السماء، رغم أنها اكبر من كرتنا الأرضية بأضعاف مضاعفة، بسبب بعدنا عنها أو بعدها عنا. ولو تمكنا أثناء وقوعنا في المصائب والأحزان من الابتعاد عنها أو إبعادها عنا(( المهم تحقق مفهوم الابتعاد المصغر للأحزان)) لرأيناها صغيرة جدا وتمكنا من احتمالها والصبر حيالها. ولكن أنى لنا الابتعاد وأقدامنا عند المصائب يصيبها الشلل والإعياء ولا تقدر على حملنا بعيدا فنبقى ندور في حلقة مفرغة حول مصائبنا، نجتر الأحزان بشكل لاإرادي…
كنت مستلقيا على السرير أثناء تفكري بهذا الأمر، وبصري مركزا على المروحة السقفية المنهمكة في الدوران. العديد من الأفكار كانت تداعب مخيلتي. فجأة قفزت إلى رأسي فكرة بهذا الخصوص جلبتها لي المروحة بأذرعها الثلاثة التي تدور باتجاه عقارب الساعة. ماذا لو كانت المروحة ساعة واذرعها عقارب تلك الساعة وتدور بهذه السرعة التي من الممكن التحكم بها ، طالما أننا نستطيع التحكم بسرعة دوران المروحة، لنتمكن من السيطرة على سرعة جريان زمننا الخاص المقترح لتخفيف الأحزان. فلو كانت المروحة تدور بسرعة ألف دورة في الدقيقة مثلا لأصبح الزمن الجديد في ساعتنا الخاصة الجديدة وبحسابات تقريبية كالآتي:الدقيقة ستعدل (40)يوما من الزمن الاعتيادي ـ الساعة الاعتيادية ـ والساعة تعدل (2400)يوما أو ما يقرب سبعة سنين من الزمن السابق واليوم في ساعتنا الجديدة ـ المعدة للطوارىء ـ يعدل(168)سنة في الظروف الاعتيادية.
عندما يمر البشر بالأحزان والمصائب،يجد أن الدقائق أصبحت ساعات والساعات دهورا. المسالة مسالة وقت؛ فلو استطعنا أن نجعل هذه الساعات والسنين تجري بسرعة لأصبح بامكاننا التخلص من هذه الآلام وأحزانها بسرعة خارقة، فنمرُّ بها وكأنها نقطة أو شيء من الحزن المركز جدا الذي لا يكاد يملأ قدحا واحدا ن بدل من أن يكون مخففا في خزانات ضخمة يتوجب علينا أن نمضي السنين في التهامها قبل ان نقضي عليها جميعا، أو تقضي علينا جميعا…
خُيّلَ إلي أني امتلك أعظم سلاح على سطح الأرض أستطيع أن أغزو به ممالك الحزن والألم. غصت في غيبوبة شفافة. حملت سلاحي(طالما انه فكرة وليس مادة) في رأسي، اقتحمت فيافي الاحزان وشققت بحار الهموم. بامكاني أن أواجه كل المصاعب والمحن، والموت الذي هو أصعبها وأقساها بلحظاته القليلة سيمر علي برفقة ساعتي الجديدة وكأنه جزء من عشرات الأجزاء من الثانية. فسوف لن اشعر به مطلقا لا من قريب ولا من بعيد، وكأني لن أموت أبدا، فما الذي يهمني بعد وكل ما دون الممات قليل. قررت أن أواجه كل المصاعب والأحزان: أحزان الماضي والحاضر والمستقبل، اجعلها لحظات خاطفة ليس بامكانها النيل مني ولا من عزيمتي، أما الألم فلم اشعر به إلا كدغدغة جميلة. فكرت بالأحزان التي تمر بي والمقرر أن أعاقرها في المستقبل والتي من الممكن التخلص منها بسرعة كلمح البصر ؛ ولكن ماذا عن الفرح والسعادة؟! كيف لي أن احتمل مرورها وكانها لحظات خاطفة وفي داخلي رغبة جامحة للتمتع بها وإطالتها؟!!. الا انه ما من معضلة إلا ولها ساعتي الرهيبة. أستطيع، في أوقات الفرح، أن اخفض التيار عن ساعتي واجعلها تدور ببطء لأتمتع أقصى ما أستطيع وقد اقطع التيار نهائيا فيتوقف الزمان وأبقى خالدا في النعيم إلى أبد الآبدين.
اقتحمت كهف الأحزان الأسطوري. رميت نفسي وسط هموم لا تستطيع تحملها امة بأسرها. كنت مزهوا رافعا رأسي أمشي بخيلاء. كان جو الكهف لزجا دبقا، الحرارة عالية والضغط مرتفعا، كاد ان يتوقف سيران الدم في عروقي.
كنت أتنفس الهواء سياطا من نار تحرق أحشائي بلا رحمة. لم أجد أمامي منفذا للنجاة غير ساعتي المنقذة. نظرت إليها متوسلا أن تسرع أو على الأقل تسير بسرعتها المعهودة، لكنها بدأت ترتجف وتتعثر. أخذت عقاربها تسير ببطء ـ ببطء الزمن الذي يمر عند المصائب والمحن ـ انتابني الرعب والخوف بعد ان توقفت عقاربها نهائيا. لم أجد أمامي، في تلكم اللحظات، إلا توجيه اللوم إلى نفسي التي قادتني إلى هذا الكهف المميت اعتمادا على ساعة من نسج الخيال. وجدت نفسي تواصل الصراخ حزنا وألما. إزددت صراخا حالما رأيت شبح الموت يأمر وحوشه المفترسة بالتحرك نحوي. قتلني الأسى والندم. إنقضَّتْ علي الوحوش بسرعة رهيبة، غرست أنيابها ومخالبها في أحشائي باحثة عن روحي لتخرجها من جسدي.صرخت من الندم والألم صرخة عظيمة قطعت كبدي ــ وإن كانت صرخة الندم أعلى من صرخت الألم ــ إرتجَّ الكهف من صراخي، ازداد غضبي، قوي الضغط داخل الكهف،تزحزحت جدرانه وتحركت أعمدته،وفجأة تحول داخل الكهف كتلة نار!!. إثْرَ دوي هائل أنهد الكهف وتناثر في الفضاء. خرجت أنا معه بهيأة ذرات متناثرة كانت كل ذرة مني تعاني أضعاف ما كنت أعاني داخل الكهف من الضياع والفناء. تيقنت أنها النهاية، لكن فجأة، وجدت نفسي متحررا من ذلك الكهف وهمومه وصحوت من إغفاءتي على صراخي، وإذا بي نائما على السرير حيا أرزق.عاد الأمان إلى نفسي بعد ان جفت منابع الحياة في روحي وجسدي.رحت اشكر الله تعالي إذ خرجت من الكابوس على قيد الحياة!!. امتلأت حنقا على تلك الساعة اللعينة التي خانتني في شدتي. في خضم هذه اللجة فوجئت وأصابني الذهول ؟!. إذ رأيت المروحة لا زالت تدور بسرعتها المعهودة بلا إبطاء أو توقف!.. استغربت لساعتي التي توقفت في ذلك الكهف المدمر.استدركت؛إن المروحة لم تتوقف ما دام التيار الكهربائي يسري في عروقها واني أستطيع إيقافها بقطعه عنها!. رجعت بذاكرتي إلى ذلك الكهف والى ساعتي الرهيبة. قد يكون سبب توقفها انقطاع التيار عنها؛ من البديهي أنها بحاجة للطاقة لتشغيلها وليس بالامكان أن تشتغل على اللاشيء. ولم استغرب، فطاقة الفكر الخلاقة ــ ما دامت ساعتي فكرة وليست مادة ــ أقوى من الكهرباء ومن الحديد. كسرت طوق الرتابة، تخلصت من ذلك القيد الثقيل. بعدها غصت في بحر الفكر ابحث عن سبب توقف ساعتي في ذلك الكهف.حملت عدة أصداف، تبينت خواءها الواحدة تلو الأخرى. أجهدت نفسي، واصلت البحث بحماس بالغ. أخيرا، بعد جهد مضني، عثرت على الصدفة التي تزخر بلؤلؤتي المأمولة.
قبل دخولي إلى الكهف؛ كان اعتقادي صادقا وحقيقيا بتلك الساعة ـ الفكرة الرائعة ــ فكانت تعمل بصورة جيدة. ولكن ما أن دخلت إلى الكهف حتى توقفت الساعة، إذ تغير تركيزي وتفكيري فتحول عن الساعة ليصبح أسير الكرب والهم الذي يفيض بهما الكهف. وتعطلت الساعة اثر افتقارها للطاقة المتمثلة باليقين الصادق الذي كان متوافرا قبل الدخول. اكتشفت أنني، بداخل الكهف، قد قطعت التيار عن ساعتي المنقذة، ولم يكن تيارها إلا اليقين. إذ انشغلت بالأحزان والهموم وهول المفاجأة ونسيت أن أبقي التيار مستمرا بالوصول إلى الساعة؟!. فكم يتلاشى يقيننا وثقتنا بأفكارنا وطاقاتنا عند المحن وندفع افدح الخسائر. اطمأنت نفسي، فكرت أني سأنجح باستخدام ساعتي الرهيبة مرة أخرى والى الأبد إذا ما حافظت أو أمنت وصول التيار ـ اليقين ـ إلى شرايينها.بقيت انتظر التجربة، شاكاً في قدرتي على مواجهة المصائب والأحزان وان أحافظ في نفس الوقت على استمرار وصول التيار إلى الساعة. بقيت متهيبا من هكذا مغامرة. لكن الشيء الذي خرجت متيقنا منه ولا سبيل أمام الشك للوصول إليه هو أنني لن أعاود السعي بقدمي للدخول إلى مثل ذلك الكهف المدمر مرة أخرى أبدا……..
* نقلا عن موقع الناقد العراقي