عيناها ساهمتان يتخلل بياضهما خيط احمر متقطع منذ الصباح ، مرت نصف ساعة بدون ان تفركهما او تمسح دموعهما، بل تشاغلت بخصلات شعرها الامامية مبتعدة عن العمودين المتقابلين الذين تستند فوقهما طارمة بيتها الدائرية، تبدأ مشيتها الهادئة بمحاذاة سياج الحديقة الخشبي الذي يطوق نباتات الياس المتساوية الارتفاع ، بضعة خطوات تفصلها عن نهاية الممر المؤدي الى الارجوحة الحديدية المصبوغة باللون الابيض، يهتزان نهداها اثناء قفزتها الى ضفة الساقية الاخرى متجاهلة القنطرة القريبة كما تفعل كل مرة ، يختفي خيالها وسط اوراق شجرة التوت المتدلية من منزل الصابئة المجاور ، تستقر في قلب الارجوحة رافعة قدميها عن الارض لتنطلق محلقة بإيقاع واحد ، تمسك اطراف ثوبها الخفيف المتطاير الذي يكشف جزءا من فخذيها ، عشرون دقيقة بالتمام والكمال وعدد من المرات للأمام ومثلها للخلف وهي في قلب الارجوحة ، اعتادت ذلك في كل ليلة قبل عودتها لداخل بيتها واقفال ابوابه واسدال ستائر شبابيك غرفة نومها المزركشة، تعاين وجهها المنعكس وسط المرآة المستطيلة المثبتة في ثلث الجدار المدهون بلون يقترب من الاصفر الخفيف، تغني بصوت مسموع بين الحين والاخر ، ” آنه من اشوف هواي مجبل عليه، حيلي يكع بالكاع وتموت اديه”
تعودت ترديد تلك الكلمات اثناء تكوير شعر راسها وتثبيته بالقراصة الصغيرة الوردية على شكل قلب ، تضع اطراف اصابع يدها اليسرى على شفتيها ثم تبعدهما في الفراغ الفاصل بينها وبين وجهها الساكن منتصف المرآة باعثة قبلة هوائية سريعة ،
” هذا الهوى من اهواي حيل ارد اشمه، عونك بدنياك يلجنت يمه”
قالت ذلك ايضا مقتربة من خزانة ملابسها الضاجة بالملابس ، تقلب فساتينها المعلقة ، مبتدأة بالاحمر الغامق مرورا بذي اللونين الاسود والابيض كما رقعة شطرنجية، فالقهوائي المجاور للازرق ثم الفيروزي المفتوح من الصدر الذي ارتدته في حفلة تخرجها من كلية الاداب ، قربت الفستان الاصفر من اكتافها محدقة لحافاته السفلى التي لامست اقدامها ثم اعادته لمكانه السابق متناولة الايشارب الاسود الذي رمته على كتفيها وراحت مبتعدة ، هذه الليلة تطلعت كثيرا لملابسها بخلاف الليالي التي مرت طوال اربعة فصول بالتمام والكمال
،” كصري زبونك ، خل الحجل ايبان كصري زبونك”
رددت ذلك بصوت ضعيف بعد اتمام مكياجها الخفيف ، تنقلت عدة مرات في اروقة الصالة ذات الانوار الخافتة قبل استقرارها فوق المقعد الاسفنجي الوثير ، وضعت ساقها اليمنى فوق الاخرى قبالة الطاولة المزدحمة بالشموع المصفوفة على شكل حرف ( ك ) باللغة الانكليزية، اعادت ظهرها للخلف قليلا فبدا الحرف واضحا بشكله التقليدي، اوقات طويلة مرت على تحديقها صوب الشمعات المستمرات بالإضاءة والذوبان معا، انتبهت على خفوت النور حين تزايدت مخلفات الشمع الذي تراكم كتضاريس متعددة الارتفاعات ، بدا شكل الكاف المكتوب بالإنكليزية الكبيرة مختلفا عما كان عليه قبل اشعال الشموع ،ضاعت بصمته الاولى وصارت اطرافه بدون معنى، فركت راحتيها وتقدمت باتجاه الشباك الكبير الذي اقتحمه الفجر من زاويته البعيدة ، توقفت بمحاذاة الفراشة المرسومة اعلى الستارة الملامسة لبلاطات الارضية المرمرية ، نظرت لزوايا المنزل المعتمة التي مازال الليل فيها في مراحله الاخيرة ، رمقت الصورة المعلقة وقالت بصوت مرتفع هذه المرة
– “ياطيور الطايرة، مري بهلي، ياشمسنا الدايرة ضوي لهلي”
هزت راسها قليلا وهي تضع يدها أسفل بطنها مردفة
–لكنه لم يعد
ازاحت الستارة قليلا
– ياه ، كعادتك ايها الليل
حدقت نحو الباب المغلقة التي بانت خيوط الشمس من خلال فتحاتها
– ليته يعود،
تنهدت من جديد ثم واصلت
– هاهو النهار مرة أخرى ،
أظنني سمعته يقول
“سوف أعود “
،لكنه لم يعد،
تلفتت عدة مرات بعد استيقاظها السريع، عدلت غطاؤها المبعثر فوق جسدها، لم يكن هنالك شيء تسمعه سوى زقزقة عصافير الصباح المتزاحمة فوق شجرة التوت المنتصبة في حديقة دار الصابئة الخالية وقفزات البلبل داخل القفص المعلق في هول منزلها الداخلي ، رددت بصوت ضعيف
” الحلم والعصافير والبلبل والارجوحة ومنزل الصابئة المجاور، كل شيء على حاله ، الليل هو هو، والصباح نفسه يتكرر طوال اربعة فصول ، ليته … “
لم تكمل كلماتها ، نظرت مرة اخرى إلى الصورة التي داهمها الضياء المتسلل من ستارة النافذة الكبيرة ، تنهدت عدة مرات حين اصبحت وسط الارجوحة التي راحت للامام بسرعة اقل مما للخلف، لم ترفع قدميها عن الارض هذه المرة او تمسك اطراف ثوبها ، مسحت دموعها ورددت بصوت ضعيف
– ربما هو الآن ينتظر النهار، وها قد جاء النهار ، لكنه لن يعود.
* عن الناقد العراقي
تعودت ترديد تلك الكلمات اثناء تكوير شعر راسها وتثبيته بالقراصة الصغيرة الوردية على شكل قلب ، تضع اطراف اصابع يدها اليسرى على شفتيها ثم تبعدهما في الفراغ الفاصل بينها وبين وجهها الساكن منتصف المرآة باعثة قبلة هوائية سريعة ،
” هذا الهوى من اهواي حيل ارد اشمه، عونك بدنياك يلجنت يمه”
قالت ذلك ايضا مقتربة من خزانة ملابسها الضاجة بالملابس ، تقلب فساتينها المعلقة ، مبتدأة بالاحمر الغامق مرورا بذي اللونين الاسود والابيض كما رقعة شطرنجية، فالقهوائي المجاور للازرق ثم الفيروزي المفتوح من الصدر الذي ارتدته في حفلة تخرجها من كلية الاداب ، قربت الفستان الاصفر من اكتافها محدقة لحافاته السفلى التي لامست اقدامها ثم اعادته لمكانه السابق متناولة الايشارب الاسود الذي رمته على كتفيها وراحت مبتعدة ، هذه الليلة تطلعت كثيرا لملابسها بخلاف الليالي التي مرت طوال اربعة فصول بالتمام والكمال
،” كصري زبونك ، خل الحجل ايبان كصري زبونك”
رددت ذلك بصوت ضعيف بعد اتمام مكياجها الخفيف ، تنقلت عدة مرات في اروقة الصالة ذات الانوار الخافتة قبل استقرارها فوق المقعد الاسفنجي الوثير ، وضعت ساقها اليمنى فوق الاخرى قبالة الطاولة المزدحمة بالشموع المصفوفة على شكل حرف ( ك ) باللغة الانكليزية، اعادت ظهرها للخلف قليلا فبدا الحرف واضحا بشكله التقليدي، اوقات طويلة مرت على تحديقها صوب الشمعات المستمرات بالإضاءة والذوبان معا، انتبهت على خفوت النور حين تزايدت مخلفات الشمع الذي تراكم كتضاريس متعددة الارتفاعات ، بدا شكل الكاف المكتوب بالإنكليزية الكبيرة مختلفا عما كان عليه قبل اشعال الشموع ،ضاعت بصمته الاولى وصارت اطرافه بدون معنى، فركت راحتيها وتقدمت باتجاه الشباك الكبير الذي اقتحمه الفجر من زاويته البعيدة ، توقفت بمحاذاة الفراشة المرسومة اعلى الستارة الملامسة لبلاطات الارضية المرمرية ، نظرت لزوايا المنزل المعتمة التي مازال الليل فيها في مراحله الاخيرة ، رمقت الصورة المعلقة وقالت بصوت مرتفع هذه المرة
– “ياطيور الطايرة، مري بهلي، ياشمسنا الدايرة ضوي لهلي”
هزت راسها قليلا وهي تضع يدها أسفل بطنها مردفة
–لكنه لم يعد
ازاحت الستارة قليلا
– ياه ، كعادتك ايها الليل
حدقت نحو الباب المغلقة التي بانت خيوط الشمس من خلال فتحاتها
– ليته يعود،
تنهدت من جديد ثم واصلت
– هاهو النهار مرة أخرى ،
أظنني سمعته يقول
“سوف أعود “
،لكنه لم يعد،
تلفتت عدة مرات بعد استيقاظها السريع، عدلت غطاؤها المبعثر فوق جسدها، لم يكن هنالك شيء تسمعه سوى زقزقة عصافير الصباح المتزاحمة فوق شجرة التوت المنتصبة في حديقة دار الصابئة الخالية وقفزات البلبل داخل القفص المعلق في هول منزلها الداخلي ، رددت بصوت ضعيف
” الحلم والعصافير والبلبل والارجوحة ومنزل الصابئة المجاور، كل شيء على حاله ، الليل هو هو، والصباح نفسه يتكرر طوال اربعة فصول ، ليته … “
لم تكمل كلماتها ، نظرت مرة اخرى إلى الصورة التي داهمها الضياء المتسلل من ستارة النافذة الكبيرة ، تنهدت عدة مرات حين اصبحت وسط الارجوحة التي راحت للامام بسرعة اقل مما للخلف، لم ترفع قدميها عن الارض هذه المرة او تمسك اطراف ثوبها ، مسحت دموعها ورددت بصوت ضعيف
– ربما هو الآن ينتظر النهار، وها قد جاء النهار ، لكنه لن يعود.
* عن الناقد العراقي