زينة المدوري - الكسكاس.. قصة قصيرة

..وانا تلميذة لم تكن الصفوف الأولى تستهويني وحتى بعد ان تخرجت وتوظفت ، ورغم ذلك كنت لا تفوتني شاردة او واردة ولا افوّت حرفا مما يقوله الأستاذ. التفاصيل الصغيرة هي ما يستهويني كأن اظل طوال حصة الرياضيات الاحق ذبابة على نظارة استاذي، هو لا يهتمّ لها اصلا ولا حتى يهشّها حين تحطّ على باربيشه بل ينغمس في التحليل والشرح ويكتب في الاتجاهين يستعمل يده اليسرى ويده اليمنى يسالني صديقي جنّ الرياضيات بتهكّم فيقول :
- من يراك تتابعين الأستاذ بشغف يظن انك عالمة وانت على مُوراد الله عْقوبة ربي كعبه لا"
اقرّب منه راسي فاقول له:
- نموت ونعرف كيفاش monsieur يكتب بزوز يدين وما ينشش الذبان
فينتفض في مكانه ويقول :
- " فشّلتيني يعطيك سخطه
صحيح لم اكن افهم الرياضيات ولست ادري سبب تكلّس دماغي كلما دخلت القسم ، الغريب انني لا اتغيب عن الحصة واحضر دفتري وكتابي وانقل من على السبورة كل حرف يكتبه استاذي . ذات مرة جلس بجانبي استاذي وتصفح دفتري فاعجب بنظامي وحسن ترتيبي واهتمامي فسالني :
- غريب امرك يا طفله يعجبني حضورك واهتمامك وسلوكك فلمً درجاتك ضعيفة في مادتي ؟ هل انني لا احسن افهامك ام انك ترفضين التعلم؟
- لا سيدي انا لا ارفض التعلم ولا انت لم تحسن افهامي، انما هو غباء توارثته عن امي حين ابتاعت اول مرة وفي غياب ابي مقفولا وكسكاسا من بائع متجول . سالَته عن الثمن قال لها :
_ كل ثقب في الكسكاس بمئة مليم
يومها جلبت كل ما كانت تدخره من نقود في خابية الكسكسي ، جمعتها من بيع البيض وما خنصرته من ابي ساعة روقانه ، فبقيت تعدّ الثقوب وتحط على قدرها نقودا الى ان بقي ثقبين ولم تكفها النقود فاعطاها البائع الأواني وسامحها في الباقي.
يومها يا سيدي اعدت امي كسكسا لذيذا في بيتنا اقصد في مطبخنا ولأول مرة، فنحن لا نطبخ الا في مطبخ العائلة مع زوجات اعمامي وجدتي ونطبخ ما تامر به جدتي فلا خيار لنا في نوع الوجبة.
لما عاد ابي وضعت امي الصحفة على المائدة وكانت سعيدة جدا يومها، وجميلة جدا ايضا عيناها تلمعان وخدودها تتقد حمرة ، وقبل ان تجلس الى المائدة رايت ابي يحمل المقفول بين يديه ويسالها :
_ من اين هذا ؟
اجبته بسرعة وقلت له حتى انها هزّبتْ الكْساكْسي في نُقبتينْ، وانها طبخت في مطبخنا واعطت جارنا الديك الرومي ذبحه
لم انس تلك النظرة التي رمق بها امي وفي لحظة صار كل شيء بقايا . قذف ابي صحفة الكسكسي ورفس المقفول والكسكاس برجليه ثم جذب امي من يدها وصاح بوجهها:
_ (معنديش مرا تصرف علي ، اليومْ انا عايش خرجت للبياع وطيّبت في غير بيت العيلة ماله غدوة نموت تهزي الحيط بيني وبين امي وخواتي وتخرجي للبياعه )
لم تنبس امي ببنت شفة ولمحت الدموع في مقلتيها عصية حين همّ ابي بصفعها امسكت يده بل كادت تشلّها وقالت له :
_ سامحني، هذه المرة الاولى والاخيرة
كنت انتظر ان يكسر ابي يدها او ضلعها فما اتته جريمة كبرى وسابقة ايضا في العائلة لا تغتفر ، خاصة وان ابي كبير اعمامي الا انه ترك يدها وخرج الى الحوش واشعل سيجارة بينما دخلت امي مطبخ جدتي لتحضر الغذاء رحت انا في بكاء صامت وانا ارى الكلب اتى على كل اللحم فاكله وانا التي منّتني امي ولاول مرة بساق الديك الرومي كاملة.
من يومها كرهت الجمع والطرح والضرب والقسمة فوالدي كان يجيد الجمع والضرب، اما امي فماهرة في الطرح غبية في القسمة
التفاعلات: رضى كنزاوي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...