عادل سعد يوسف - مخْطُوطَةُ الْبَصَّاص بَعْدَ كَابُوسهِ الأخِيرِ.. قصة قصيرة

[وَأْنْتَ تَنْظُرُ لِلْمُلْصَقِ الْحَائِطيِّ تَأكَّدْ أَنَّ الْبَصَّاصَ يَنْظُرُ مَعَكَ.​
وَأَنْتَ تَأْكُلُ مُنْزَوِيَاً فِي الْمَطْعَمِ تَأكَّدْ أَنَّ الْبَصَّاصَ يَأْكُلُ مَعَكَ.
وَأَنْتَ... تَأكَّدْ أَنَّ الْبَصَّاصَ يُشَارِكُكَ بِمُنْتَهى اللَّذَّةِ.
قَدْ يَكُونُ فِي شَارِعِ الْقَصْرِ، فِي الأَزِقَةِ، فِي الْحَمَّامَاتِ الْعَامَّةِ، لَكِنَّكَ لا تَرَاهُ مُطْلَقا.ً
قَدُ تَحُسُّ بِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كَتِفَكَ، يَمْشِي مَعَكَ جَنْبَاً لِجَنْبٍ، يَتْبَعُكَ كَظِلِّكَ، يُحَمْلِقُ فِيكَ عِنْدَ مَخْفَرِ الشُّرْطَة، لَكِنَّكَ لا تَرَاهُ مُطْلَقاً].
حَدَّثَنِي أَحَدُ الرُّوَاةُ: إنَّهُ رَأى ذَاتَ صَبَاحٍ الْبَصَّاصَ جَالِسَاً عَلى بُرْجِ الاتِّصَالاتِ فِي حَالةٍ اسْتِطْلاعِيَّةٍ على لِكَوَامِنِ الْمَدِينَةِ، بَيْنَمَا قَالَ آخَرُ وَهْوَ يَبْسِطُ يَمِينَاً مُغَلَّظَةً: لَقدْ رَآهُ فِي نَفْسِ اللَّحْظَةِ يَسُلُّ عُنْقَهُ كَرَافِعَةِ قَلاَّبٍ هَيْدُرُولِيكِيَّةٍ. أَعْلَى حَائِطِ جَارِهِ، مُسْتَطْلِعَاً مَا يَجْرِي فِي دَاخِلِ الْحُوشِ، ثُمَّ أَضَافَ: كَانَتْ سِمَايَة وَلَدِه الرَّابِعِ.
بَيْنَمَا زَعَمَ آخَرٌ أَنَّهُ رَآه بِأمِّ عَيْنَيْهِ فِي غَرْبِيِّ بِلادِ الْحَذَاقِنَةِ حَالَ مَعْرِكَةٍ، ثُمَّ أَضَافَ مُؤكِّدَاً أنَّ لَهُ عَلاقَةً مَتِينَةً وَمُعْتَبَرَةً بِالْعَالَمِ السُّفْلِي، وَأنَّ لَهُ عَيْنَيْنِ حَادَّتَيْنِ تَتَّسِمَانِ بِمَجَالٍ بَصَرِيٍّ مُتَّسِعٍ جِدَّاً كَائِنَتَانِ فِي مُؤَخِرَةِ رَأسِه.
بَيْنَمَا زَعَمَتْ إِحْدَى مُنَاصِرَاتِ الْجَنْدَرِ أَنَّ الْبَصَّاصَ مِنَ الْمُتَحّوِّلِينَ وَأنَّهُ لَهُ عِدَّةُ صِيَغٍ يَتَمَظْهرُ فِيهَا، وَكَانَتْ مَوْتُورَةً].
***​
 بِرَسْمِ الْعَادَةِ يَقْضِي الْبَصَّاصُ جُلَّ نَهَارِه فِي إِرْسَالِ عَيْنَيْهِ وَأُذْنَيهِ هُنَا وَهُنَاكَ، مُتَتَبِّعَاً مَا يُقالُ وَمَا يُرَى، يَجسُّ الْهَمْسَّ جَسَّا، وَكُلَّمَا زَادَ عَدُّدُ الْوِشَايَاتِ كَبُرَ مَقَامُه لَدَي الْحَاكِمِ الْمُقْتَدِرِ وَتَنَاقَصَ عَدَدُ النَّاسِ فِي الْمَدِينَةِ، وَتَضَخَّمتْ رَأسُ الْبَصَّاصِ بِالحُظْوَةِ الفَخِيمَةِ وَظَلَّ يَخْتَلِقُ وِشَايَةً بَعْدَ وِشَايَة، وَيَلْقَى حَصِيدَةً بَعْدَ مَكِيدَة، حَتَّى تَرَكَ النَّاسُ أَعْمَالَهمْ وَتَحَصَّنُوا بِالْبُيوتِ الَّتِي لَهَا آذَانٌ جَسِيمَةٌ، وَمَعَ جَوَاثِيمِ اللَّيْلِ تَطْلِقُ ألسِنَتُهَا الدَّعَوَاتِ الْخَفِيضَةِ عَلَى مَنْ جَعَلَ نَهَارَهُمْ ظَلامَا.
مِمَّا جَاءَ فِي دِيبَاجَةِ الْمَخْطُوطَةِ:
 أَوَيْتُ إِلى فِرَاشِي وَأَنَا مُطْمَئِنُ الْبَالِ مُنْشَرِحُ الصَّدْرِ عَلَى مَا كَافَأنِي بهِ الْحَاكِمُ الْمُقْتَدِرُ بَعْدَ أنْ أَعْلَمْتُهُ بِخَبَرِ الْخَارِجِينَ عَلَى سُلْطَانِهِ، وَالْمُدْبِرِينَ عَنْ رَجَاحَةِ عَقْلِهِ، السَّاعِينَ إِلى خَلْعِهِ، فَرَبَتَ عَلَى كَتِفِي مُسْتَحْسِنَاً وَمُشَجِّعَاً، وَمِنْ شِدَّةِ تَعَلُّقِي بِخِدْمَتِهِ تَلَوْتُ عَلَيْهِ أَسْماءَ الْمَارِقِينَ وَالْخَوَنَةَ وَاحِداً وَاحِدَاً. الْقِيَادَاتِ ثُمَّ الْقِيَادَاتِ الْوَسِيطَةَ وَاحِدَاً وَاحِداً، وَعَدَدَاً غَيْرَ يَسِيرٍ مِمَّنْ اصْطَدَمَ بِي فِي الطَّرِيقِ وَاحِدَاً وَاحِدَاً، وَمَن رَفَعَ بَصَرَهُ فِي وَجْهِي مُتَنمِّراً وَلَهُ عِنْدِي سُبَّة، وَمَنْ خَفَضَهُ رَهْبَةً وَرَغْبَة، وَالنِّسَاءَ الَّلائِي يَرْتَدَيْنَ الْمَلابِسَ الضَّيَّقةَ لِيُفْتِنَّ الْحَافِظِينَ، جَنْدَرِيَّاتِ الصِّفَاتِ، الرُّومَانْسِيينَ الْجُدُدَ الْمُشْتَغِلِينَ بِالـ (شَاتْ) مَعَ الحَبِيبَاتِ، وَالحَبِيبَاتِ الْمُشْتَغِلاتِ بِـ (الْوَاتْس آبْ) مِنْ أَهْلِ الْفِسْقِ وَالأصْحَابِ.
وَاحِداً وَاحِدَةْ
 أَمْسَيْتُ مُرْتَاحَ الْضَّمِيرِ لِلْخِدْمَةِ الْجَلِيلَةِ الَّتي قدَّمْتُهَا لِلْحَاكِمِ الْمُقْتَدِرِ الْمُفَدَّى.
فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَأنَا فِي فِرَاشِي الَّذِي أَهْدَانِيهِ مَوْلَى نِعْمَتِي، وَصَائِنُ عِتْرَتِي، رَكِبَتْنِي الْكَوَابِيسُ، كَوَابِيسُ بِوُجُوهٍ مُخْتَلِفةٍ، قَضَتْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ حُسُومَا، نَفَضَتْ مَضْجَعِي وَأسْلمَتِني لِجُنُونِ التَّوْبةِ وَطَلِبي إِلى اللهِ الْمَثُوبَةِ، فَكَتَبْتُ رِسَالَتِي لِلْحَاكِمِ الْمُقْتَدِرِ بِأمْرِه.
عَنْ كَابُوسِ الْبَصَّاصِ الأوَّلِ:
 رَأْيْتُني مُمَدَّداً فِي الْفَضَاءِ الْوَاقِعِ بَيْنّ النَّهْر ِوَ مَبْنَى الْبَرْلَمَان، تَتَحلَّقُ حَوْلِي أُمَّةٌ مِنْ الْحَذَاقِنةِ، لَهَا مِنْ المُسُوخِ هَيْلَمَان، تَلْفَحُهَا رِيحٌ حَارَّةٌ وَمِنْهَا يَنْسِلُونَ، كَالأنْعَامِ يَهِيمُونَ، أَصْوَاتُهمْ مُنْكَرَةٌ، لَهُمْ زَفَرَاتٌ وَأبْخِرَةٌ، أَفْوَاهُهمْ كَالْخَراطِيِمِ يَضَعُونَها فِي النَّيلِ فَيَشْفِطُونَه فِي غَيْرِ تَقَاسِيم، عِظَامُ الْبَلاعِيمِ، يَقِفُونَ أَعْلَى الْبُحَيْرَاتِ يَتبَوَّلُونَ، وَعَلَى بَوْلِهمْ يَتَدَافَعُ الْنَّاسُ وَ يَكْرَعَونَ.
 نَهَشُوا جِسْمِي بِأَظَافِرِهمْ، ثُمَّ شَحَذُوا مَشافرَهَمْ، تَقَدَّمَ مِنِّي أَحَدُهمْ وَجَثَا عَلَى صَدْرِي، فَجَّ وَاعْتَلَجْ لِيَسْتبِنْ أَمْرِي، وَلَمَّا وَجَدَ أَنَّ الرُّعْبَ أَخَذَ مِنِّي كُلَّ مَأْخَذٍ، وَنَبَذَنِي الْخَوْفُ أَلْفَ مَنْفَذٍ، قَالَ لِي: اِهْدَأ وَتَبَسَّطَ مَعِيَ بِقَوْلٍ عَمِيمٍ، ذَاكِرَاً لِي مُلُوكَهمْ فِي الأرْضِ بَعْدَ الانْفِجَارِ الْكَوْنِيِّ الْعَظِيم، وَهُمُ الْمُخْتَارُونَ لِحُكْمِ الْبَشَرِ حَتَّى قِيَامِ السَّاعَةِ وَعَلَيْنَا السَّمعُ وَالطَّاعَةُ، سَيُقَرْطِمُونَ الْبِلادَ، وَيَدْرَءُونَ الْفَسَادَ.
ثُمَّ تَرَكُونِي عَلَى حَالِي وَأنَا أَسْمَعُ لِقَلْبِي نِيَاطَاً.
عَنْ كَابُوس الْبَصَّاصِ الثَّانِي:
 فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيةِ حَدَثَ مَا كُنْتُ أَخْشَاه.
وجَدْتُنِي فِي مُنْتَصَفِ مَقَابِرِ (الْبَكْرِيِّ) وَحَوْلِي سَحَالٍ ذَوَاتُ أَلْسِنَةٍ طِوَالٍ كُلُّ لِسَانٍ لاعِقٍ، يَمُرُّ عَلَى جَسَدِي حَتَّى يَذْرُوه فَتِيتَ (نَقَانِق)، وَأَنَا مُمَدَّدٌ عَلَى هَيْأَتِي طَلَلاً مَحِيلا، رَفَعْتُ بَصَرِي إِلى السَّمَاءِ فَرَأيْتُ حَيَّةً عَظِيمَةً تَبْتَلِعُ فِيلاً، وَعَلَى رَأْسِهَا يَجْلِسُ الْحَاكِمُ الْمُقْتَدِرُ- (زُولِي المَا بَغَباهُ) يُؤَشِرُ لِجُمُوعِ السِّحَالي فَتَأتَمِرُ بِأمْرِه، وَتَخْشَى مِنْ مَهَاوِي مَكْرِه .
وَأَنَا أَرْتَجِفُ كَقَشَّةٍ فِي رِيحٍ صَارَّة، أَزَاحَ الْهَوَاءَ بِيَدِه كَأنَّه يُزيحُ سِتَارَة، فَأنْكَشَفَ أُفْقٌ فِيهِ قُصُورٌ بِيضٌ يَطُوفُ بهِ دَهاقِنَة، وَقَالَ لِي: سَأُحَدِّثُك عَنْ أَسْلافِي الْحَذَاقِنَة:
 هَذِه هِيَ جَزِيرَتُنَا "تَلُوحُ وَتَتَزَّايَا لِلنَّاسِ فَيَطْمَعُونَ فِيهَا وَكُلَّمَا قَرَبُوا مِنْهَا تَبَاعَدَتْ عَنْهُمْ فَلا يَزَالُونَ كَذَلكَ حَتَّى يَيْأَسُوا مِنْها فَيَنْصَرِفُوا عَنْهَا وَيَتَّصِلُ هَذَا الْبَحْرُ بِالْوَاقِ لا يَعْرِفُ أَحَدٌ مُنْتَهَاه إِلاَّ نَحْنُ، وَفِي اقْصَاه جِبَال تَتَوَقَّدُ نَارَاً، لَيْلاً وَنَهَاراً، يُسْمَعُ لَهَا قَوَاصِفُ مِثْلُ قَوَاصِفِ الرُّعُودِ مِن شِدِّة اِلْتِهَابِهِ، وَرُبَّمَا سَمِعُوا مِن تِلكَ النَّارِ صَوْتا...
اِنْسَ هَذَا، قُلْتُ سَأحَدِّثُكَ عَنْ أسْلافِي، عَنْ شدَّةِ أسْلافِي الْحَذَاقِنَة
" كَانَ لَهُمْ نَهْرٌ آخَرُ، مِنْ سُنتِهم أنْ يَحضُرَه رِجَالٌ بِأيْدِيِهمْ سُيوفٌ قَاطِعَة، فَإذا أَرَادَ الرَّجُلُ مِنْ عِبَادِهمْ أنْ يَتَطَّهرَ وَيتَقرَّبَ إِلى الْبَارِي سُبْحانَه، أَتَى فِي جَمَاعَةٍ يَأْخُذُونُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَلْي وَاللِّبِاسِ وَأَطْوَاقَ الذَّهَبِ وَالأسْوِرَةَ وَالقَرَاطِقَ لأنْ أَبْنَاءَ الْمُلُوكِ كَثِيرَاً مَا يَخْرُجُونَ إِلى هَذَا النَّهْرِ ثُمَّ يَطْرَحُونَه عَلىَ لَوْحٍ عَظِيمٍ وَيَأخْذُونَ بِأطْوَاقِهِ وَيَضْرِبُونَهُ بِسُيُوفِهمْ وَيَقْطَعُونَهُ نِصْفَينِ فَيْلَقْوَنَ أَحَدَ الْنِّصْفَيْنِ فِي هَذَا النَّهْرِ وَالنِّصْفَ الآخَرَ فِي بَحْرِ كِنْدَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَذَيْنِ النَّهْرَيْنِ يَخْرُجَانِ مِنْ الْجَنَّةِ.*
قُلْتُ فِي سِرِّي:لأنّ أَبْنَاءَ الْمُلًوكِ كَثِيرَاً مَا يَخْرُجُون إِلى هَذَا النَّهْرِ، عَجَبَاً لأمْرِهمْ.
وَسَقَطْتُ مَغْشِياً عَليَّ.
عَنْ كَابُوسِ الْبَصَّاصِ الثَّالثِ:
 لَمَّا جَاءَتْ اللَّيْلةُ الثَّالِثَةُ أَخَذَ مِنِّي الْفَزَعُ مَأْخَذَاً كَبِيرَاً، وَأَصَابَنِي الْهَلَعُ كَثِيرَاً، فَجَافَيْتُ السَّرِيرَ، أَعْيَتْنِي التَّفَاسِيرُ، فَجَلَسْتُ عَلَى كُرْسِيٍّ مُتَهَالِكٍ، أَحْذَرُ الْمَهَالِكَ، جَفَيْتُ الإغْمَاضَ، نَهَبَتْنِي الأَمْرَاضُ، رَأَيْتُهمْ يَخْرُجُونَ مِنْ حَائِطِ الْبَيْتِ، مِثْلَمَا يَنْسَلُ مِنْ الْعَجِينَةِ الْخَيْطُ، يَحْمِلُونَ أَطْبَاقَ رَوَائِحٍ وَأطْعِمَةً، وَقُدُورَ كًأنَّها أًسْنِمَةٌ، طِيبَاً وَنَارْجِيلاً وَطُيُورَاً مَشْوِيَّةً تُشْبِهُ الْحَمَام، وَزُهُوراً مُفَتَّحةً الأكْمَامِ، وَالنِّسَاءُ يَقُدْنَ امْرَأةً شَاهِقةَ الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ، فَأصَابَنِي بَلْبَالٌ عَلَى الْبَلْبَالِ، وَأنَا فِي حَيْرَتِي إِذا بِالسَّمَاءِ تتحوَّلُ لِشَاشةٍ ضَخْمَة، عَلَيْهَا رُسِمتْ جَرِيْرَتي، رَأيتُ فِيهَا بِأمِّ عَيْنَيَّ ( اللَّتَيْن سَيَأْكُلُمَهاَ الدُّودُ) وُجُوهَ مَنْ وَشَيْتُ بِهمْ، وَمَنْ نكَّلَ بِهِمُ الْمُقْتَدِرُ بِاللهِ.
امْرَأةً يُتَمُّ جَلْدُهَا فَتَصِيحُ وَاااااااايْ يُمَّهْ
وَالْجَلادُ يَبْتَسِمُ
أطْفَالاً يَسْبَحُونَ فِي دِمَائِهمْ
والْقَنَّاصُ يُقَهْقِهُ
أَمْوَالاً تُنْهُبُ
وَالْفُقَهَاءُ يَدْعُونَ....
وَوَوَ
بَدَأتُ أَصْرُخُ
وَأَصْرُخْ.

مِنْ رسِالةِ الْبَصَّاصِ لِلْحَاكِمِ الْمُقْتَدِرِ بَعْدَ الْكَابُوسِ الأخِيرِ:
سَيِّدِي وَ مَوْلاي صَاحِبُ الْجَلالَةِ وَ الْمَهَابَةِ، أَدَامَ اللهُ لَكُمْ الْعِزَّ وَالنَّصْرَ وَحَفَظَكُمْ وأيَّدَكَمْ بِجُنْدِه وَحَشَرَكَمْ فِي زُمْرَةِ الصَّحَابَةِ.
أمَّا بَعْدُ:
بَعْدَ فُرْضِ الْوَلاءِ وَالطَّاعَةِ أتقدَّمُ لَكُمْ بِرِسَالَتِي هَذِه بَعْدَ أَنْ أَفْنَيْتُ عُمْرَاً فِي خِدْمَتِكُمِ، وَاسْتَطْعَمْتُ أَفَاوِيقَ كَرْمَتِكمْ، وَأَنَا أَرْفُلُ فِي نَعْمَائِكم مُسْتّظِلاً بِظُلَّتِكمْ ،وَأَنِا ابْنُ سِرْحَتِكمْ، لَكِنَّ لِلأمُورِ خَوَاتِيمُ ، فَأَرْجُو يَا مَوَلاي إِعْفَائِي مِنْ مِهْنةِ الْبِصَاصَةِ، وَتَرْكِي لِحَالِي وَمُحْتَالِي، بَشَرَاً مُطِيعَاً لأمْرِكُمْ، يَجُودُ بِالْخَصَاصَة.
***​

حَدِّثْني كَيْفَ تَحَصَّلتَ عَلَى هَذِه الْمَخْطُوطَةِ ؟
قَالَ الْمَشْكُوكُ فِي أَمْرِه:
" فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتي قَرَّرَ فِيهَا الْبَصَّاصُ أَنَ يَتَسَلَّلَ لِوَاذَا، مُغَافِلاً عُيُونَ كَبِيرَ البَصَّاصِينَ الْمُنْتَشِرةَ عَلَى جُدْرَانِ الْمَدِينَةِ فجَعلَتْهَا كَذَيْلِ الطَّاوُوسِ، انْعَطَفَ عَلَى دَارِي مُتَخَفِياً، دَفَعَ لِي بِرُقْعَتِه وَهْوَ فِي رَجْفةٍ مِنْ أمْرهِ وَرَهْبَةٍ وَأَغْلَظَ تَأكِيدَاً عَليَّ ألاَّ أَخْبِرَ أحْدَاً، فَجَعْلُتُها فِي حِرزٍ مَكِينٍ".
قُلْتُ:
كَانَ قَرَارَاً صَائِبَاً أؤكِّدُ لَكَ ذَلِكَ.
وَأُؤكِّدُ لَكَ أيُّهَا الْمَشْكُوكُ فِي أَمْرِه أَيْضَاً أَنَّ فِي كتِمَانِهِ مِنْ الشُّرورِ مَا لا يُسْتَطَاعُ تَحَمُّلُهُ، فإنْفَاذُكَ لِي بِهِ هُو الْخَيْرُ نَفْسُهُ، وَأنَّ هَذِه الأُمَمُ الَّتي حَبَّرَ الْبَصَّاصُ مَخْطُوطَةً فِيهَا، هِي أُمَمُ الْحَذَاقِنَةِ، سَيَكُونُ لَهُمْ فِي الأرْضِ سَيَادَة، وفِي الألْفِيَّةِ الثَّالِثَةِ رِيَادَة.
هَذَا مَا دَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَشْكُوكِ فِي أمْرِهِ بَعْدَ شَهْرٍ كَامِلٍ مِنْ عُكُوفِي عَلَى قِرَاءَةِ مَا خَطَّهُ الْبَصَّاصُ، وَبَعْدَ كَثِيرِ تَأمُّلٍ أَدْرَكْتُ أنَّ الْبَصَّاصَ مَقْتُولٌ لا مَحَالَةَ، لَكِنَّني لَمْ أتَصَوَّرْ مُطْلًقاً وَلَمْ يَمُرَّ بِخَلَدِي ذَاتَ شَطْحٍ أَنْ يَكُونَ مَقْتَلَهُ بِهَذِه الصُّورَةِ الْمُخْتَلَفِ فِي رِوَايَتِهَا.
تَضَارُبٌ في الأخْبَارِ الْوَارِدَةِ عَن مَوْتِ الْبَصَّاصِ:
قَالُ بَعْضُ سُكَّانِ الْمَدِينَةِ: إنَّهمْ شَاهَدُوا الْبَصَّاصَ مَشْنُقُوقَاً وَمُعْلَّقَاً عَلَى مِئْذَنَةِ الْمَسْجِدِ، بَيْنَما أَصَرَّ آخَرُونَ عَلَى رُؤْيَتهِ مُعْلَّقاً عَلَى خَازُوقٍ طَوِيلٍ جِدَّاً يُشْبِهُ مِئْذَنَةً
الْمُؤكدُّ أَنَّ الْبَصَّاصَ قَدْ مَاتَ
وَلا فَرْقَ بَيْنَ خَازُوقٍ يُشبْهُ مِئْذَنَةً
أوْ مِئْذَنَةٍ تُشْبِهُ خَازُوقَاً
أُؤَكِّدُ لَكُمْ ذَلِكَ.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...