جعفر الديري - الإمام علي... أفكار متقدمة على أفراد المجتمع البشري

كتب – جعفر الديري

الحديث عن إسهام الإمام علي بن أبي طالب (ع) الفكري والعلمي في حركة التنوير البشرية حديث عن العطاء الإنساني في أسمى معانيه. حديث يأخذ بك إلى تلك الأجواء التي كان فيها الامام عالما وخطيبا وأديبا ومربيا فاضلا ومؤسسا لمدرسة فكرية خالدة في التراث الاسلامي لاتزال قادرة حتى يوم الناس هذا على ضم الطلاب إليها وعلى التفاعل والتأصيل للكثير من التيارات الفكرية القديمة والمعاصرة.
في هذا الاستطلاع، يؤكد المشاركون أن دور الامام في الحياة الانسانية كان دور أصالة ونبوغ وسبق وتفوق وليس دور مشاركة، ذلك أن دوره في إرساء جذور العلم والثقافة الاسلامية دور لايزال بمثابة منارة اشعاع تهدي الحيارى في طرق الحياة الملتوية.

الحث على نشر العلم

يؤكد الباحث الدكتور منصور سرحان أن الامام عليا كان دائم الحث على نشر العلم والمعرفة بين الناس من أجل أن يعيش الناس وسط مجتمع متحضر يؤمن بالقيم الانسانية الرفيعة والأخلاق الفاضلة، ويدلل على ذلك بالاستناد الى احترام الناس له في مختلف العصور.
ويضيف د.سرحان: ليس غريبا أبدا أن يحتار العلماء والأدباء والفقهاء والفلاسفة وكتاب السير من المتقدمين والمعاصرين في شخصية الامام علي بن أبي طالب. فقد زاد عدد الكتب المؤلفة لمؤلفين عرب ومسلمين وأجانب عن شخصيته، كما زاد عدد الكتب المؤلفة من دراسات وأبحاث التي كتبت عنه عن الآلاف. وعلى رغم كل ذلك لم تستطع تلك الأقلام بما سطرت، وتلك الأوراق أو الأقراص المدمجة بما حوت أن تفي حق الامام علي وفضله على البشرية جمعاء من ناحية الفكر والعلم والأدب. فقد كان "ع" عالما فذا، حكيما بارزا، فيلسوفا حاذقا، عالم رياضيات من الطراز الأول، وخطيبا مفوها نال من البلاغة وقوة الخطابة وسرعة البديهة ما لم ينله أحد في زمانه. وقد أخذ منذ بداية الدعوة الاسلامية وحتى توليه الخلافة واستشهاده، يحث المسلمين على طلب العلم والمعرفة، لتستنير القلوب وتغتسل النفوس من أدران الجهل والتخلف. وقد أدت جهوده تلك الى انتشار العلماء والأدباء والفقهاء والخطباء في عصره بشكل لم يسبق له مثيل. وبدأت المدرستان الكوفية والبصرية تلعبان دورا بالغ الأهمية في الحياة الأدبية واللغوية، وأخذت قواعد اللغة العربية تبرز إلى الوجود في عصره، كما انتشر الخط العربي بزخارفه وفنونه المختلفة بفضل تشجيعه. وقد اهتم الإمام بنشر العلم بين المسلمين وطالبهم بالاغتراف من مناهله والتسلح به، فهو أفضل وسيلة لبقاء الانسان وخلوده. وجاءت أقواله وخطبه وحكمه وأشعاره تبين مدى عمق تفكيره وفلسفته الواضحة التي أدت الى تطوير المجتمع العربي ثقافيا وأدبيا وعلميا، فبرز في عهده علماء اللغة وجهابذتها، وجمهرة من الخطباء والمفكرين، وأخذت خيمة الجهل والتخلف تتهاوى الى الحضيض.
وعن أثر هذا العلم، يوضح د.سرحان: لقد انعكس هذا الإسهام الفكري والعلمي للامام علي على سائر المجتمع البشري حتى يومنا هذا، وكانت رؤاه وسعة علمه، واطلاعه، وأفكاره متقدمة على أفراد المجتمع البشري في عصره. بل هي متقدمة على أفراد المجتمع البشري في عصرنا هذا. لقد كان الاهتمام بطلب العلم ونشره بين الناس شغل الامام الشاغل. وكان لفكره الأثر الكبير على كبار الأدباء والمفكرين على مر العصور. فقد تناوله كبار المؤرخين والفلاسفة والأدباء وأشادوا بفضله وفكره النير. والمتبحر في بطون أمهات الكتب العربية يجد مدى الاهتمام بفكره وسعة علمه. كما أشاد كبار المؤرخين والأدباء والمفكرين في عصرنا الحالي بجهود الامام علي وفضله على البشرية جمعاء. أما نهج البلاغة فهو البرهان الحي الشاهد على بلاغة الامام علي وعظم نطقه وسعة علمه وأدبه وقوة بيانه. فقد تضمن "نهج البلاغة" فكر الامام علي ونهجه وفلسفته في الحكم، وهي فلسفة واضحة المعالم مبنية على العدل والمساواة والحرية وتوفير العيش الكريم لجميع أبناء الرعية، وعدم التفريق بينهم، ومحاسبة الولاة مهما كانت مكانتهم، وتطبيق حدود الله من دون خوف من أحد.

التأصيل للمنطق الفلسفي

من جهته يعرض الباحث سيد كامل الهاشمي لدور الإمام في إرساء جذور المنطق الفلسفي، فيقول: كان للامام دور في إرساء جذور المنطق الفلسفي: وهو الذي يعنى بتفهم وفحص وإدراك الترابطات بين الأسباب والمسببات، فهو منطق الأسباب والكيفيات، ومن خلاله تحل إشكالات الوحدة والبساطة، قال تعالى: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين. لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين. بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون. وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون. يسبحون الليل والنهار لا يفترون. أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون. لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون) الأنبياء: 16 - 22".
ويضيق الهاشمي: لقد عمل الرسول الأكرم (ص) على ترسيخ هذا المنطق في التفكير المسلم عبر اعتماده العقل بوصفه الآلية التي ينبغي أن يعتمدها المسلمون جميعهم في مهمات التفكير العلمي، معتبرا أن العقل هو بمثابة المظلة التي يفترض أن يستظل بها كل أفراد المجتمع المسلم فقال (ص): (لكل شيء آلة وعدة وآلة المؤمن وعدته العقل، ولكل شيء مطية ومطية المرء العقل، ولكل شيء غاية وغاية العبادة العقل، ولكل قوم راع وراعي العابدين العقل، ولكل تاجر بضاعة، وبضاعة المجتهدين العقل، ولكل خراب عمارة وعمارة الآخرة العقل، ولكل سفر فسطاط يلجأون إليه وفسطاط المسلمين العقل) - المجلسي: بحار الأنوار، ج،1 ص.95 وبطبيعة الحال لا يمكن لأي باحث في تاريخ تطور الفكر الإسلامي أن يتناسى الدور الأساسي والكبير والمتميز الذي قام به الإمام علي بن أبي طالب عبر خطاباته وكتبه ومحاوراته في التأسيس والتأصيل لفاعلية المنطق الفلسفي في تشكيل الرؤية الفلسفية والعقيدية للإنسان المسلم، وهي الرؤية التي أكد الإمام علي ابتناءها على قانون السببية والعلية الذي يفسر مختلف الارتباطات الوجودية والكونية، ما يجعله منطقا صالحا للفهم والتفسير ولتشكيل منظومة عقيدية متماسكة وصلبة.

رسالة من البيان

حول فصاحة الإمام علي وسحر بيانه يقول الباحث الأستاذ الدكتور عدنان زرزور: لقد وصف الله تعالى اللسان العربي بأنه مبين. وقد ارتقى القرآن الكريم بهذا اللسان الذي نزل به إلى حد الاعجاز. وعبر عن البيان بأنه الكلام، والبيان هو ما امتاز به الانسان، فجاءت معجزة النبي الكبرى بيانية بالاشارة إلى ان رسالة الاسلام هي رسالة حيث كان الانسان في أي زمان وجد. وقد كان من تمام هذه الصورة في هذه الرسالة أن يكون رسول الله (ص) في الذروة العليا من البيان فيعطيه الله تعالى جوامع الكلم ويختصر له الكلام اختصارا فيكون بذلك رسول الانسانية الأخير ومعلم البيان الأكبر. ثم تأتي بلاغة سيدنا علي بن أبي طالب في المرتبة التالية مباشرة بعد بلاغة النبي الأكرم، لتكمل بذلك صورة البلاغة والبيان في هذه الرسالة الخالدة إلى يوم الدين.
ويضيف د.زرزور: اذا كانت بلاغة النبي (ص) لا تبلغ شأو الكلام الالهي أو تقصر عن مرتبة اعجاز القرآن، ولكنها تعلو على سائر أنواع البلاغة التي عرفها البلغاء والأدباء، فإن بلاغة الامام علي تتصدر بلاغة هؤلاء البلغاء في جميع عصور الأدب العربي من دون استثناء. وأذكر هنا أن صاحب الكتاب المتميز في البلاغة: يحيى بن حمزة العلوي وأعني كتابه المشهور "الطراز" أشار إلى مكان الصدارة هذا الذي يحتله الامام علي "ع" وكتب في ذلك كلاما نفيسا.
ومبينا أبواب هذا الاعجاز، يقول د.زرزور: من أبواب الاعجاز التي يمكن الاشارة إلى أثر سيدنا الامام علي بن بي طالب في تأصيلها باب الفواصل القرآنية ويعنون بالفاصلة - في هذا السياق- الكلمة التي تختم بها الآية من القرآن، ويتحدثون عن أثر هذه الفواصل في اعجاز القرآن بوجه عام وفي الجانب الصوتي منه بوجه خاص. وعلم الفواصل - كما يسمونه - يرتبط برؤوس الآي، كما يرتبط به عدها أو عدد آيات القرآن الكريم وبعض العلوم والمسائل الأخرى. ومع الاختلاف الذي وقع بين البصريين والكوفيين في رؤوس الآي مع اتفاق الفريقين على النص القرآني، أو على السورة الواحدة من القرآن، اختلف عدهم لآيات القرآن. ولكن العدد الأشهر في طبعات المصحف الشريف في العالم الاسلامي منذ مئات السنين، اتبع فيه طريقة الكوفيين. وهؤلاء رووا هذا العدد أو هذه العدة عن أمير المؤمنين الذي كان بين ظهرانيهم، وربما أخذوا ذلك من تلاوته وطريقته في الوقوف على رؤوس الآي أو من تعليمه وإرشاده. اللجنة المشرفة على طبع مصحف المدينة المنورة "بمجمع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد لطباعة المصحف الشريف" كتبت في التعريف الملحق بهذا المصحف: "واتبعت في عد آياته طريقة الكوفيين عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن حبيب السلمي عن علي بن أبي طالب، على حسب ما ورد في كتاب "ناظمة الزهر" للامام الشاطبي وغيرها من الكتب المدونة في علم الفواصل، وآي القرآن على طريقتهم 6236 آية. وفحوى ذلك أن القرآن الكريم: جمعه أبوبكر، ونسخه عثمان، وقرأه علي رضي الله عنهم أجمعين. والمسلمون يقرأون القرآن إلى يوم الدين بقراءة سيدنا علي بن أبي طالب. ولعلنا نشير هنا إلى نقطة طرحها الشيخ حميد الشملان في الحلقة الأولى وهي الاستفادة من وسائل الإعلام في نشر فكر الإمام علي بن ابي طالب، إذ تعتبر من أهم مصادر التنوير العلمي والفكري، ويوضح الشيخ الشملان أن نبوغ الإمام لا يقتصر على ما جاء في الكتب التي تحدثت عن سيرته، بل في الإسهامات الكبيرة التي استفادت منها الأمة ومازالت فيما تم اعتماد منهجه في حقوق الإنسان وتصنيف الحقوق والواجبات وعلوم الفلك والرياضيات واللغة وسائر العلوم، مصدرا يستعين الباحثون به.

من حكم الإمام علي

- إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه.
- من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه.
- من كفارات الذنوب العظام اغاثة الملهوف، والتنفيس عن المكروب.
- يا ابن آدم إذا رأيت ربك يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذر.
- إذا كنت في إدبار، والموت في إقبال، فما أسرع الملتقى.
- اللسان سبع إن خلي عنه عقر.
- عجبت لمن يقنط ومعه الاستغفار.
- من أصلح بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أصلح أمر آخرته اصلح الله له أمر دنياه، ومن كان له من نفسه وعظ كان عليه من الله حافظ.
- عظم الخالق عندك، يصغر المخلوق في عينك.
- يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم.

صحيفة الوسط البحرينية
العدد : 1144 | الأحد 23 أكتوبر 2005م الموافق 15 محرم 1441هـ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...