إلى العم الشاعر العراقي/ سعدي يوسف
عند المغيب تصاعد الضباب فوق رصيف المقهى، والطرقات الباريسية، و (أروى) تجالس (سبأ الاسماعيلي) عند النافذة، يعتصرهما برد الشتاء تحت رائحة كلمات تحترق كالقهوة، يخبئان تيه الحكاية.. وتيه الغناء، تبرق عيناهما بردا كقناطر تلتسع بها المسافات.. وتختلط بأي اتجاه يرشدهما لاختيارالعبور..
أسدل الليل جفونه، الشوارع الباريسية زاحفة نحو هذيانات الليل، و (سبأ الأسماعيلي) يمطر السهر باللفتات الخجولة.. خطواتهم نحو المدى يتقاسمها الحنين بلا منازل. والحاكم بآمر الله في دولته الفاطمية يغتسل.
كانا يسيران، كالعصافير الشاردة تحت المطر.. يلوح لهما من بعيد الخوف والصدى لمواويل ليال شتائية حبلى بالرماد..
أيلول طفل وحشي، يولول بقصتهما الغريبة في اللقاء بين أزقة الحي اللاتيني، وهدوء رفوف مكتبة (غاليمار)، شارع غاليمار يمتد خطوات كصيف عارٍ ، يروى حكايات تعثرهما بعبور قلق الكتابة، والنوم كلمات فوق الندى، كحكايات تثير وجدانها سطوح البيوت الحجرية صيفا.. في مأرب أو القيروان.
عيناهما الخجلتان من رسم الندى، تستفيضان بصيحات الماضي، تقطرت بين أرصفة الشوارع الحجرية نحو الشانزليزيه والقاهرة الفاطمية، وبرد أيلول الحزين ينفخ العيون حنينا.. فيتكئان على العزلة، وهما يفترقان في طرقات الحنين، وهي تندى بأقدامهما ليالي السهر، النوافذ، الأغاني، وذكريات الدروب العتيقة في مأرب.
جفلت شمس أيلول و (سبأ الأسماعيلي) عند النافذة، متأملا الدخان والرماد، يفتح المواقد ذابل الزهر، ينهزم نحو الطرقات.. مرتجف الألحان وقلبه كعازف، يطير بجمرة المقهى، عند الرصيف، مقابل المقهى..حيث حكاية الدمعة الشريدة.. جاثمة في لون الشجر خريفا… و(سبأ الأسماعيلي) مزهر اللهب…
وعند منعطف الشارع، رأى تلويحة (اروى) ذابلة، تحت شجر الحور، وهي تتطاير لهفة كالرماد، كأحتراق شمعة فارطة، كالأيام… والأشواق تردم فيها لسعة آهات تنخرها كتشرين …
المترجمة د. أكد الجبوري
شمّ (سبأ الأسماعيلي) احتراق أجنحتها وسط العتمة وزحمة البرد، فصرخ إليها: ” يا أروى…. يا أروى..”. سمعته، وصدى الصوت يقتحم الدمع والوداع الأخير.. وهي مرخية الجدائل كزهرة تطوف في نهر، وأصابعها الممتدة في الأرض فتقتها كجداول، تنغمس في العمق أوردة الليل.. كالبرد تحت جسر ميرابو، وقفت (أروى) مسترقة السمع، شامخة كجبل تحت الندى..وخرير الحزن السعيد يسكنهاعودته كالذاكرة المنهزمة للشتاء.. يناديها بصوت أجهش فيه التعب والمسافة والسهر ( يا زهرة اليمن السعيد.. يا ساكنة حجر الأحداق، ويا شوق صبح المواعيد، كتبت القصيدة وأكتملت، فلتسقط النجوم ) قال كلماته الأخير بفجع الدفء الشريد..
تسمعه حيث الشوارع، الغابات، الأرصفة الغريبة…خاوية الأقدام والحلم.. يقترب صوته أكثر للصدأ.. تمر دموعه ممتطية المواقد وجمر النوافذ الحزينة، يقتربان، تعانقه، وهو ينزف شتاءه فوق ذراعيها..تقبله، وهي تدمدم بغصة كقلب في عتمته: (حبيبي لا تبتعد.. يا شجر الجمر.. رماد قلبي سيج بلاد عينيك.. فأنت شوقي يا صاحب الأسرار.. يا مأرب العيون في سدود.
يعانقها، فيعتصرهما الغناء نشيجا عند منعطف رصيف قمر في عمق نهر الراين، فأذابت بهم الحكاية على أخشاب المقهى المزهر، وبلا مدى رحل بهما البحر بلا أرصفة ونوارس.
باريس.
14.07.2017
عند المغيب تصاعد الضباب فوق رصيف المقهى، والطرقات الباريسية، و (أروى) تجالس (سبأ الاسماعيلي) عند النافذة، يعتصرهما برد الشتاء تحت رائحة كلمات تحترق كالقهوة، يخبئان تيه الحكاية.. وتيه الغناء، تبرق عيناهما بردا كقناطر تلتسع بها المسافات.. وتختلط بأي اتجاه يرشدهما لاختيارالعبور..
أسدل الليل جفونه، الشوارع الباريسية زاحفة نحو هذيانات الليل، و (سبأ الأسماعيلي) يمطر السهر باللفتات الخجولة.. خطواتهم نحو المدى يتقاسمها الحنين بلا منازل. والحاكم بآمر الله في دولته الفاطمية يغتسل.
كانا يسيران، كالعصافير الشاردة تحت المطر.. يلوح لهما من بعيد الخوف والصدى لمواويل ليال شتائية حبلى بالرماد..
أيلول طفل وحشي، يولول بقصتهما الغريبة في اللقاء بين أزقة الحي اللاتيني، وهدوء رفوف مكتبة (غاليمار)، شارع غاليمار يمتد خطوات كصيف عارٍ ، يروى حكايات تعثرهما بعبور قلق الكتابة، والنوم كلمات فوق الندى، كحكايات تثير وجدانها سطوح البيوت الحجرية صيفا.. في مأرب أو القيروان.
عيناهما الخجلتان من رسم الندى، تستفيضان بصيحات الماضي، تقطرت بين أرصفة الشوارع الحجرية نحو الشانزليزيه والقاهرة الفاطمية، وبرد أيلول الحزين ينفخ العيون حنينا.. فيتكئان على العزلة، وهما يفترقان في طرقات الحنين، وهي تندى بأقدامهما ليالي السهر، النوافذ، الأغاني، وذكريات الدروب العتيقة في مأرب.
جفلت شمس أيلول و (سبأ الأسماعيلي) عند النافذة، متأملا الدخان والرماد، يفتح المواقد ذابل الزهر، ينهزم نحو الطرقات.. مرتجف الألحان وقلبه كعازف، يطير بجمرة المقهى، عند الرصيف، مقابل المقهى..حيث حكاية الدمعة الشريدة.. جاثمة في لون الشجر خريفا… و(سبأ الأسماعيلي) مزهر اللهب…
وعند منعطف الشارع، رأى تلويحة (اروى) ذابلة، تحت شجر الحور، وهي تتطاير لهفة كالرماد، كأحتراق شمعة فارطة، كالأيام… والأشواق تردم فيها لسعة آهات تنخرها كتشرين …
المترجمة د. أكد الجبوري
شمّ (سبأ الأسماعيلي) احتراق أجنحتها وسط العتمة وزحمة البرد، فصرخ إليها: ” يا أروى…. يا أروى..”. سمعته، وصدى الصوت يقتحم الدمع والوداع الأخير.. وهي مرخية الجدائل كزهرة تطوف في نهر، وأصابعها الممتدة في الأرض فتقتها كجداول، تنغمس في العمق أوردة الليل.. كالبرد تحت جسر ميرابو، وقفت (أروى) مسترقة السمع، شامخة كجبل تحت الندى..وخرير الحزن السعيد يسكنهاعودته كالذاكرة المنهزمة للشتاء.. يناديها بصوت أجهش فيه التعب والمسافة والسهر ( يا زهرة اليمن السعيد.. يا ساكنة حجر الأحداق، ويا شوق صبح المواعيد، كتبت القصيدة وأكتملت، فلتسقط النجوم ) قال كلماته الأخير بفجع الدفء الشريد..
تسمعه حيث الشوارع، الغابات، الأرصفة الغريبة…خاوية الأقدام والحلم.. يقترب صوته أكثر للصدأ.. تمر دموعه ممتطية المواقد وجمر النوافذ الحزينة، يقتربان، تعانقه، وهو ينزف شتاءه فوق ذراعيها..تقبله، وهي تدمدم بغصة كقلب في عتمته: (حبيبي لا تبتعد.. يا شجر الجمر.. رماد قلبي سيج بلاد عينيك.. فأنت شوقي يا صاحب الأسرار.. يا مأرب العيون في سدود.
يعانقها، فيعتصرهما الغناء نشيجا عند منعطف رصيف قمر في عمق نهر الراين، فأذابت بهم الحكاية على أخشاب المقهى المزهر، وبلا مدى رحل بهما البحر بلا أرصفة ونوارس.
باريس.
14.07.2017