[SIZE=26px] [/SIZE]انتهت الفرحة العارمة التي اجتاحت امتداد العالم منذ افتتاح تنافسيات المونديال، وخاصة على صعيد الوطن، بعد تألق المستوى الكروي المغربي معنويا في الآداء الرفيع للاعبيه، وما حققوه من ذلك في هذا “المونديال” بشهادة الجميع، فبالأحرى لو كان انتصارا… وهكذا كان عامل “الوهم” المكبوت هو الأسبق بأحلامه وآماله المنتظر أن تتجدد، بعد إخفاقات سابقة…فقد لحقت بالشارع، وكالعادة في مثل هذه المناسبة، ظاهرة التحرك والاستعداد، ليس للاحتجاج، ولكن لاستكمال ابتهاج كاسح بانتصار سيكولوجي كان موعودا، والذي قلما تمكن المغاربة من الفرح به منذ سنوات…وهذا هو ما أفرز مؤشرات سوسيولوجية لها دلالات خطابية في مجتمعنا، لا يمكن تأويلها إلا اعتمادا على معطيات موضوعية بالدرجة الأولى… ومن بينها ما يلي:
1-العناية بالعلم الوطني، وبقميص منتخبه المنافس لأقمصة المونديال، وكذا الانتشاء بلقب “أسود الأطلس”.
2-خروج الشباب للتجمهر تلقائيا، بشحنة متضخمة من الابتهاج التلقائي، يعبر عنه داخل المقاهي وبإطلاق صفارات السيارات…
3-المتابعة الحازمة للفريق الوطني و أبطاله ورهان رموزه، مع مشاعر التشجيع الجياشة ولو عن بعد.
– فأي تفسير يمكن استنتاجه انطلاقا من هذه المعطيات، ولو أنها تبدو طبيعية؟
-إن”كرة القدم”، وهي رياضة عصرية وشعبية، يلاحظ أنها بمثابة لعبة القاعدة العريضة، وأيضا المجال المتاح للمنافسة القارية والعالمية، فتستحق بذلك المتابعة..ولذا تتحقق فيها الذات تلقائيا، بعد كل انتظارات لانتصار كروي محتمل لدى شعبنا..وحتى في حالة الإخفاق ، يتم التعويض بمتابعة فريق عربي أو مسلم أو إفريقي، مثلما يفعلون هم أيضا مع فريقنا المغربي، لتقريب حلم الجوار التشاركي في الانتماء…والذات هنا يتم تأكيدها على بعدين، الخارجي أولا والداخلي ثانيا، وذلك باعتبار أن الأول هو مفجر الثاني، كمؤشر على عفوية يحتضنها الوجدان الجمعي.. فما تظاهرات شبابنا الفتي وهتافه المندفع وبغبن لاشعوري، إلا تعبيرا قويا عن رغبة ملحة، للخروج من الحصار المضروب عليه خارجيا ضمن التصنيف الجائر والمفروض أمميا، أي تصنيفه بما يسمى ب”العالم الثالث” في خانة التخلف.. فلماذا ينتصرون هم ونحن لا ؟ .. كما أن هناك أيضا وبالمثل، حصار سياسي لاديمقراطي مضروب عليه داخليا، من طرف تدبير محلي عقيم وإهمال كارثي له …إنها رغبة ملحة تتوق بكل حماس إلى دخول حضاري ذاتي في عالم اليوم..فهناك، كما هو جلي، طرف “ماكروحضاري” يتمثل في الغرب، صنف نفسه كونيا في قمة الترتيب، وتموقع في أعلى درجات التقدم، ورتب الآخر انطلاقا من ذاته خارج زمانه، ثم أقفل كل المنافذ…وهكذا فإن هذه الانتصارات المأمولة والمرغوب فيها عموما، هي الأمل الذي قد ينتج عن منافسة بمنظور كوني، كفرصة منتظرة وحاسمة لهزم ذلك التصنيف الجائر وتبديده، عن طريق إثبات أن القدرة والطاقة الكامنة في شعبنا والشعوب القريبة منا قوميا وقاريا، هي عبارة عن زخم فوق كل التصنيفات والاحتكارات…ومن هنا تتفجر المشاعر الهائجة رغبة في إشعار الآخر برفض العجرفة التي تعتري حضارة العصر وتصنيفاتها اللامتكافئة…هذه الحضارة المتعالية، والتي لا تعتد إلا بالقوة المادية المحتكرة لديها…فلا تبث في كيان المجتمعات لدينا سوى الشعور بالنقص الحضاري والدونية التاريخية والثقافية، قصد تكريس التبعية والتفاوت…لكن هذه العقد المبثوثة في الذات المهمشة لدينا سرعان ما تضمحل عندما تسنح الفرص، فيستيقظ مرة أخرى الوعي بالذات مع تظاهر تلقائي وجماعي، يؤكد على أن هذا الشباب قادر وغير عاجز، لا ينقصه طبيعيا أي شيء عن شباب الغرب وشباب العالم المتحضر…فلا تمييز عنصري ولا عرقي اثني أو مناخي أوتراثي أو فيزيولوجي، يمكن أن يستدعي التفرقة بين البشر، إذ لا اختلاف في شيء سوى في الإمكانات والوسائل إذا ما توفرت، مثلما توفر لهذا الغرب الذي لا يجود بقليلها إلا متى حصل على الثمن الباهظ وبكامل البراغماتية، قوام هذه الحضارة المعاصرة، التي تستهلك طاقات هذا المسمى ب”العالم الثالث” لصالحها..والمثال الغير حصري، يبدو في الفريق الوطني الفرنسي أو غيره، الذي يكاد يكون جله مكونا من أفراد ذوي أصول إفريقية ومغاربية، تدغدغهم، هم أيضا، آمال أخرى مفقودة لديهم… فإذا كان هذا التوجه الخارجي هو خطاب تلك الفرحة الكروية، فإن لهذه الفرحة ذاتها خطابا آخر ذا توجه داخلي كما سبق ذكره، يلح على أن الشباب غير مخيب للظن، وأن أخذه بعين الاعتبار وبالعناية هو ضرورة واجبة، لإخراجه من بؤرة الحصار المضروب عليه في كل المجالات، لأنه باستطاعته الاضطلاع بالأدوار الواعدة… ومن هنا حصلت وتحصل، في عدة مناسبات، هتافات تركز على الشباب ورموزه الرياضية، وأيضا على طفرة”الفوز” التي قد تتحقق في المجال الكروي، كشكل من أشكال الانتصارات، متى كانت المساواة هي”الحكم”… إن جوهر هذا الخطاب ذي التوجه الداخلي، يكمن في ضرورة الاعتراف بأن الوسيلة تكون ناجعة والغاية صائبة، متى تمت قراءة هذه الهتافات كمطلب جاد، وليس كاستلاب متجاوز…وبالتالي يجب تشجيع مثل هذه التطلعات التي قد تأهل لهذه الفرحة الكروية، خاصة ما يبديه الشباب من حماس وعزيمة في كل مونديال مرتقب…
-لكن من هو هذا الشباب المتحرك بهتافاته وآماله؟ إنه ذاك الذي لا يحترف الرياضة ولا يلعب لعبتها الكروية ولا يشارك بالفعل في مباريات أو لقاءت دولية، لكنه يأمل لو تمكن من أن يسجل أهدافه..إنه ذاك النسيج الاجتماعي الذي يعيش ويحس ويعي واقعه كمواطن ، فيتحمس إلى كل البطولات الفرجوية لديه، في الملاعب والميادين وأمام الأجهزة السمعية والبصرية، متمنيا أن يكون لبلده دوما حظ منها أو من غيرها… إنه ذاك الطافح بالآمال لبلوغ كل شيء رفيع… فكل فوز يتاح له في مناسبة ما، يجدد فيه الثقة بالنفس ويدفع به إلى البذل متى أتيحت الفرصة، وهذا معطى مؤكد..أليست تلك الفرحة المتلهفة إلى انتصار كروي مأمول، هي خطاب يحمل في توجهه دلالة عميقة تهدف إلى التأكيد على أن في بلدنا، طاقات زاخرة ومادة خاما وفيرة من الشباب، يكفي معها اتباع الأسلوب الناجع، على كل الأصعدة بدون استثناء، بغاية دحض تلك الأحكام والتصنيفات المستوردة، وتزكية الانتصارات والمطامح المصدرة.. نعم، على كل الأصعدة وبكل الجهود، إذ ينعدم التباين فيما بين ما هو سياسي أو اقتصادي أو ثقافي، وما تعارف الناس عليه وتكتلوا به في وحدة اجتماعية، ولو على صعيد المنافسات الكروية المثيرة للذات الحيوية.
العربي الرودالي
باحث متخصص في علم الاجتماع
1-العناية بالعلم الوطني، وبقميص منتخبه المنافس لأقمصة المونديال، وكذا الانتشاء بلقب “أسود الأطلس”.
2-خروج الشباب للتجمهر تلقائيا، بشحنة متضخمة من الابتهاج التلقائي، يعبر عنه داخل المقاهي وبإطلاق صفارات السيارات…
3-المتابعة الحازمة للفريق الوطني و أبطاله ورهان رموزه، مع مشاعر التشجيع الجياشة ولو عن بعد.
– فأي تفسير يمكن استنتاجه انطلاقا من هذه المعطيات، ولو أنها تبدو طبيعية؟
-إن”كرة القدم”، وهي رياضة عصرية وشعبية، يلاحظ أنها بمثابة لعبة القاعدة العريضة، وأيضا المجال المتاح للمنافسة القارية والعالمية، فتستحق بذلك المتابعة..ولذا تتحقق فيها الذات تلقائيا، بعد كل انتظارات لانتصار كروي محتمل لدى شعبنا..وحتى في حالة الإخفاق ، يتم التعويض بمتابعة فريق عربي أو مسلم أو إفريقي، مثلما يفعلون هم أيضا مع فريقنا المغربي، لتقريب حلم الجوار التشاركي في الانتماء…والذات هنا يتم تأكيدها على بعدين، الخارجي أولا والداخلي ثانيا، وذلك باعتبار أن الأول هو مفجر الثاني، كمؤشر على عفوية يحتضنها الوجدان الجمعي.. فما تظاهرات شبابنا الفتي وهتافه المندفع وبغبن لاشعوري، إلا تعبيرا قويا عن رغبة ملحة، للخروج من الحصار المضروب عليه خارجيا ضمن التصنيف الجائر والمفروض أمميا، أي تصنيفه بما يسمى ب”العالم الثالث” في خانة التخلف.. فلماذا ينتصرون هم ونحن لا ؟ .. كما أن هناك أيضا وبالمثل، حصار سياسي لاديمقراطي مضروب عليه داخليا، من طرف تدبير محلي عقيم وإهمال كارثي له …إنها رغبة ملحة تتوق بكل حماس إلى دخول حضاري ذاتي في عالم اليوم..فهناك، كما هو جلي، طرف “ماكروحضاري” يتمثل في الغرب، صنف نفسه كونيا في قمة الترتيب، وتموقع في أعلى درجات التقدم، ورتب الآخر انطلاقا من ذاته خارج زمانه، ثم أقفل كل المنافذ…وهكذا فإن هذه الانتصارات المأمولة والمرغوب فيها عموما، هي الأمل الذي قد ينتج عن منافسة بمنظور كوني، كفرصة منتظرة وحاسمة لهزم ذلك التصنيف الجائر وتبديده، عن طريق إثبات أن القدرة والطاقة الكامنة في شعبنا والشعوب القريبة منا قوميا وقاريا، هي عبارة عن زخم فوق كل التصنيفات والاحتكارات…ومن هنا تتفجر المشاعر الهائجة رغبة في إشعار الآخر برفض العجرفة التي تعتري حضارة العصر وتصنيفاتها اللامتكافئة…هذه الحضارة المتعالية، والتي لا تعتد إلا بالقوة المادية المحتكرة لديها…فلا تبث في كيان المجتمعات لدينا سوى الشعور بالنقص الحضاري والدونية التاريخية والثقافية، قصد تكريس التبعية والتفاوت…لكن هذه العقد المبثوثة في الذات المهمشة لدينا سرعان ما تضمحل عندما تسنح الفرص، فيستيقظ مرة أخرى الوعي بالذات مع تظاهر تلقائي وجماعي، يؤكد على أن هذا الشباب قادر وغير عاجز، لا ينقصه طبيعيا أي شيء عن شباب الغرب وشباب العالم المتحضر…فلا تمييز عنصري ولا عرقي اثني أو مناخي أوتراثي أو فيزيولوجي، يمكن أن يستدعي التفرقة بين البشر، إذ لا اختلاف في شيء سوى في الإمكانات والوسائل إذا ما توفرت، مثلما توفر لهذا الغرب الذي لا يجود بقليلها إلا متى حصل على الثمن الباهظ وبكامل البراغماتية، قوام هذه الحضارة المعاصرة، التي تستهلك طاقات هذا المسمى ب”العالم الثالث” لصالحها..والمثال الغير حصري، يبدو في الفريق الوطني الفرنسي أو غيره، الذي يكاد يكون جله مكونا من أفراد ذوي أصول إفريقية ومغاربية، تدغدغهم، هم أيضا، آمال أخرى مفقودة لديهم… فإذا كان هذا التوجه الخارجي هو خطاب تلك الفرحة الكروية، فإن لهذه الفرحة ذاتها خطابا آخر ذا توجه داخلي كما سبق ذكره، يلح على أن الشباب غير مخيب للظن، وأن أخذه بعين الاعتبار وبالعناية هو ضرورة واجبة، لإخراجه من بؤرة الحصار المضروب عليه في كل المجالات، لأنه باستطاعته الاضطلاع بالأدوار الواعدة… ومن هنا حصلت وتحصل، في عدة مناسبات، هتافات تركز على الشباب ورموزه الرياضية، وأيضا على طفرة”الفوز” التي قد تتحقق في المجال الكروي، كشكل من أشكال الانتصارات، متى كانت المساواة هي”الحكم”… إن جوهر هذا الخطاب ذي التوجه الداخلي، يكمن في ضرورة الاعتراف بأن الوسيلة تكون ناجعة والغاية صائبة، متى تمت قراءة هذه الهتافات كمطلب جاد، وليس كاستلاب متجاوز…وبالتالي يجب تشجيع مثل هذه التطلعات التي قد تأهل لهذه الفرحة الكروية، خاصة ما يبديه الشباب من حماس وعزيمة في كل مونديال مرتقب…
-لكن من هو هذا الشباب المتحرك بهتافاته وآماله؟ إنه ذاك الذي لا يحترف الرياضة ولا يلعب لعبتها الكروية ولا يشارك بالفعل في مباريات أو لقاءت دولية، لكنه يأمل لو تمكن من أن يسجل أهدافه..إنه ذاك النسيج الاجتماعي الذي يعيش ويحس ويعي واقعه كمواطن ، فيتحمس إلى كل البطولات الفرجوية لديه، في الملاعب والميادين وأمام الأجهزة السمعية والبصرية، متمنيا أن يكون لبلده دوما حظ منها أو من غيرها… إنه ذاك الطافح بالآمال لبلوغ كل شيء رفيع… فكل فوز يتاح له في مناسبة ما، يجدد فيه الثقة بالنفس ويدفع به إلى البذل متى أتيحت الفرصة، وهذا معطى مؤكد..أليست تلك الفرحة المتلهفة إلى انتصار كروي مأمول، هي خطاب يحمل في توجهه دلالة عميقة تهدف إلى التأكيد على أن في بلدنا، طاقات زاخرة ومادة خاما وفيرة من الشباب، يكفي معها اتباع الأسلوب الناجع، على كل الأصعدة بدون استثناء، بغاية دحض تلك الأحكام والتصنيفات المستوردة، وتزكية الانتصارات والمطامح المصدرة.. نعم، على كل الأصعدة وبكل الجهود، إذ ينعدم التباين فيما بين ما هو سياسي أو اقتصادي أو ثقافي، وما تعارف الناس عليه وتكتلوا به في وحدة اجتماعية، ولو على صعيد المنافسات الكروية المثيرة للذات الحيوية.
العربي الرودالي
باحث متخصص في علم الاجتماع