محمد جبريل - ملاك ميخائيل..

أحدثك عن مبدع سكندري هو ملاك ميخائيل. أصيب بشلل الأطفال قبل أن يكمل عامه الأول. حاولت الأم مجاوزة المشكلة. رفضت بقاءه في البيت بتعليمه القراءة والكتابة. ليشق طريقه في الحياة مثل الأسوياء. كانت تحمله علي كتفيها إلي المدرسة. يعودان بالوسيلة نفسها. أضافت الأم إلي ذلك تعميق حب القراءة في نفسه. يسرت له ما في مكتبة أبيه من الروايات والمجموعات القصصية ودواوين الشعر. ولأن استكمال تعليمه صار هدفًا غاليًا للأبوين. ولأن كتفي الأم لم تعودا قادرتين علي حمله إلي المدرسة. والعودة منها. فقد اشتري أبوه دراجة تيسر انتقاله.
ظلت تلك وسيلته حتي التحق بكلية التجارة. وكان قد أجري عملية جراحية. أتاحت له المشي بجهاز طبي خاص وعكازين.
لم يقتصر حب ملاك علي القراءة المنهجية. البذرة التي غرستها أمه في نفسه أثمرت إقبالًا علي القراءة الأدبية. وعلي حضور الندوات والمؤتمرات الأدبية. وحاول الإبداع. وشارك في العديد من المسابقات في الجامعة والمؤسسات الثقافية. وحصل علي جوائز. وصدر له عشرة كتب في القصة والدراسة الأدبية.. لكن حياة ملاك ميخائيل واجهت ما يصعب تصوره.
يقول لي: رحلة حياتي المرضية التي بدأت بإصابتي بمرض شلل الأطفال منذ مولدي تواصلت معي لما صدمتني دراجة بخارية وأنا في السنة الأولي بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية أصبت بكسر مضاعف بمفصل الفخذ اليسري وأجريت عدة عمليات في مستشفي الجامعة 1967 وكان ذلك سببا في تحولي من كلية الهندسة إلي كلية التجارة فضلا عن تأخري في إنهاء دراستي الجامعية أكثر من خمس سنوات وفي 1995 أصبت بجلطة مخية. أنقذتني منها رحمة الله. ورعاية الأطباء. نجوت منها. لكن نتج عنها شلل أقعدني عن الحركة تماما وقيدني في مكان جلوسي لا أغادره إلا بمساعدة الأعزاء الذين ينقلونني منه بحملي عند الضرورة.
يستوقف تأملي قول ملاك ميخائيل: شكري اليومي. الدائم. لله تعالي علي إهدائه لي نعمتي التفكير والإبداع اللتين حببتا. وسهلتا. لي هذه الحياة.
ملاك ميخائيل مثل للإرادة الإنسانية التي قاومت المرض. وانتصرت للحياة. وللإبداع. إذا كانت ظروفه الصحية قد عزلته عن المجتمع الثقافي السكندري. فإن علي كل المثقفين - في الإسكندرية وخارجها - أن يزيلوا جدران العزلة من حياته. ربما نسيت هيئات الثقافة في ثغرنا الجميل أن تحتفي بإبداعه وبتحديه للإعاقة الجسدية. وللأمراض التي يغالبها بالقراءة والتأمل والإبداع. لكن الفرصة لا تزال قائمة.
معرض الإسكندرية للكتاب كاد يصبح - للأسف - حدثا ماضيا وكان مناسبة لرفع تقديرنا إلي مقام مبدع جميل يخوض - منذ سنوات - أقسي معارك حياته.
من حق ملاك ميخائيل. وواجبنا أن نعوض ما فات في مناسبات ثقافية أخري.


نشر في المساء يوم 07 - 04 - 2018



ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...