تجند الشيوخ والمقدمون لإخبار سكان القبيلة بموعد زيارة المسؤول الكبير للإشراف على توزيع معونة قصد تشجيع التمدرس بالوسط القروي ، وحثوهم على الإستعداد لإستقباله كما يليق بمقامه .
جاء اليوم المعلوم ، وقف الرجال والنساء والأطفال مختلطين على غير عادة أهل القبيلة.
( المخزن وما قال، مالك أنت فضولي).
وما إن هل المسؤول الكبير ، حتى تعالت الزغاريد واختلط الصياح بالهتاف فامتلأ المكان بالفوضى والغبار والضجيج.
وفي محاولة لضبط الإيقاع ، صاح أحد المقدمين هاتفا بحياة المسؤول:
« عاش...».
فالتفت إليه شيخ القبيلة في إشارة غاضبة ، أدرك من خلالها المقدم أنه « ثقب الورقة « فلم يجد بديلا للخروج من ورطته غير التوجه إلى أهل القبيلة يشتمهم وينهرهم لتنظيم أنفسهم ، وهو يلعن حظه :
- « الله يلعن بوها خدمة ، آش هذا التخربيق ؟َََ «
مرت العبارة التي تفوه بها المقدم مع الريح ، لكنها بقيت عالقة بأذن وذهن الطفل رحال .
انتهت الزيارة بعدما وزعت محافظ مدرسية فارغة ، وقوالب سكر وقنينات زيت على بعض السكان المختارين من طرف رئيس الجماعة القروية وشيخ القبيلة .
ذهب كل إلى حاله ، ونسي أمر الزيارة في اليوم الموالي، لكن الطفل رحال ظل مهموما تؤرقه عبارة المقدم : «آش هذا التخربيق ؟ « ، أهي جملة استفهامية ام تعجبية أم استنكارية ؟ أم هي خليط من كل هذا؟».
التحق الأطفال بمدرستهم ، التي هي عبارة عن حجرة واحدة بنيت على مشارف الدوار ، يدرس فيها الأطفال من مستويات مختلفة الخامس والثالث والأول أو ما يعرف في التدبير التربوي بالأقسام المشتركة .
عين بها هذه السنة معلم شاب يحمل شهادة عليا ، عيبه الوحيد أنه يدخن كثيرا ولا يصلي هكذا أخبرنا المقدم .
وما هي إلا أشهر قليلة حتى بدأ إشعاع المدرسة يصل إلى بيوت أهل الدوار ، فقد أصبح الأطفال يتكلمون لغة لا يعرفها أهلهم ويتداولون مصطلحات ومفاهيم لا عهد لهم بها ، من قبيل الإنتهازية والإستغلال والإستبداد والمحسوبية والديمقراطية وحقوق الإنسان ...
لكن ما إن وصل أمر الثقافة الجديدة إلى علم الفقيه ، حتى حوقل وقرأ المعودتان ، وحذر أهل الدوار : « من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس « ونبههم إلى ضبط النفس الأمارة بالسوء
«المخزن ما يبغي يسمع هذا الكلام . آش بغينا شي ديمقراطية ولا محسوبية ولا حقوق الإنسان ، لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.«
في اليوم الموالي ، جاء ثلاثة رجال على مثن سيارة سوداء تحدثوا طويلا مع المعلم أمام باب القسم ثم ودعوه بكل أدب واحترام .
في اليوم التالي نفذ التلاميذ بزعامة الطفل رحال وقفة احتجاجية رفعوا خلالها شعارات لم يفهم مغزاها اهل الدوار وحتى الفقيه نفسه :
« قتلوهم ، عدموهم وأولاد الشعب يخلفوهم «
« هما فين ، هما فين أولاد الشعب المخطوفين « ...
في اليوم الثالث ، جاء معلم جديد ، محترم في هندامه وألفاظه ، جلبابه نظيف ، وكلامه دائما مقفى بذكر الله ورسوله .
عاد الزمن المدرسي لإيقاعه الطبيعي ، فالمعلم الجديد لا يتغيب أبدا ، بل إنه يسكن في حجرة الدرس ، ويعطي دروسا للدعم بدون مقابل ، ويقيم الليل يصلي ويجود القرآن مما جعل أهل الدوار يحبونه ، وأصبحوا يجالسونه بعد العشاء بداخل المدرسة .
بعد شهور ، قاطع الناس الذهاب الى المسجد ، ورفعت زوجة المقدم دعوى تطليق ضد زوجها ، وانقطعت كل الفتيات عن الدراسة ، وأصبح يروج بقوة أن المقدم والفقيه كافران والإختلاط بين الجنسين حرام والقرض حرام ، والدجاج الرومي حرام...
فحجبت النساء وأسدلت اللحي ، وقصرت السراويل إلى ما فوق الكعبة ، وصام الناس يومين قبل حلول الموعد الرسمي للصيام.
قبل يومين من عيد الفطر ، ودون سابق إعلان ، حل المسؤول الكبير بالدوار ترافقه شاحنات عسكرية ، وحلقت الطائرات تحليقا منخفضا ، وسمع إطلاق كثيف للنار .
ولما استيقظ رحال ، وقف مذهولا يحاول فهم ما يجري في مخيلته وفي الواقع . إذ لا وجود للدوار أو المدرسة لكن المقدم موجود وقد تحسنت أحواله ورقي إلى درجة شيخ .
لم يتمالك رحال نفسه فردد عبارة المقدم : » آش هذا التخربيق ؟ « في صيغتها الإستنكارية ورحل للدار البيضاء ليموت في تاريخ معلوم وظروف يمنع حتى الآن ذكرها ...
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 13 - 01 - 2011
تجند الشيوخ والمقدمون لإخبار سكان القبيلة بموعد زيارة المسؤول الكبير للإشراف على توزيع معونة قصد تشجيع التمدرس بالوسط القروي ، وحثوهم على الإستعداد لإستقباله كما يليق بمقامه .
جاء اليوم المعلوم ، وقف الرجال والنساء والأطفال مختلطين على غير عادة أهل القبيلة.
) المخزن وما قال، مالك أنت فضولي).
وما إن هل المسؤول الكبير ، حتى تعالت الزغاريد واختلط الصياح بالهتاف فامتلأ المكان بالفوضى والغبار والضجيج .
وفي محاولة لضبط الإيقاع ، صاح أحد المقدمين هاتفا بحياة المسؤول:
« عاش ...» . فالتفت إليه شيخ القبيلة في إشارة غاضبة ، أدرك من خلالها المقدم أنه « ثقب الورقة « فلم يجد بديلا للخروج من ورطته غير التوجه إلى أهل القبيلة يشتمهم وينهرهم لتنظيم أنفسهم ، وهو يلعن حظه : « الله يلعن بوها خدمة ، آش هذا التخربيق ؟َََ « ، مرت العبارة التي تفوه بها المقدم مع الريح ، لكنها بقيت عالقة بأذن وذهن الطفل رحال .
انتهت الزيارة بعدما وزعت محافظ مدرسية فارغة ، وقوالب سكر وقنينات زيت على بعض السكان المختارين من طرف رئيس الجماعة القروية وشيخ القبيلة .
ذهب كل إلى حاله ، ونسي أمر الزيارة في اليوم الموالي، لكن الطفل رحال ظل مهموما تؤرقه عبارة المقدم : «آش هذا التخربيق ؟ « ، أهي جملة استفهامية ام تعجبية أم استنكارية ؟ أم هي خليط من كل هذا؟».
التحق الأطفال بمدرستهم ، التي هي عبارة عن حجرة واحدة بنيت على مشارف الدوار ، يدرس فيها الأطفال من مستويا ت مختلفة الخامس والثا لث والأول أو ما يعرف في التدبير التربوي بالأقسام المشتركة .
عين بها هذه السنة معلم شاب يحمل شهادة عليا ، عيبه الوحيد أنه يدخن كثيرا ولايصلي هكذا أخبرنا المقدم .
وما هي إلا أشهر قليلة حتى بدأ إشعاع المدرسة يصل إلى بيوت أهل الدوار ، فقد أصبح الأطفال يتكلمون لغة لايعرفها أهلهم ويتداولون مصطلحات ومفاهيم لاعهد لهم بها ، من قبيل الإنتهازية والإستغلال والإستبداد والمحسوبية والديمقراطية وحقوق الإنسان ...
لكن ما إن وصل أمر الثقافة الجديدة إلى علم الفقيه ، حتى حوقل وقرأ المعودتان ، وحدر أهل الدوار : « من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس « ونبههم إلى ضبط النفس الأمارة بالسوء
«المخزن ما يبغي يسمع هذا الكلام . آش بغينا شي ديمقراطية ولامحسوبية ولاحقوق الإنسان ، لاحول ولاقوة إلا بالله العظيم . «
في اليوم الموالي ، جاء ثلاثة رجال على مثن سيارة سوداء تحدثوا طويلا مع المعلم أمام باب القسم ثم ودعوه بكل أدب واحترام .
في اليوم التالي نفذ التلاميذ بزعامة الطفل رحال وقفة احتجاجية رفعوا خلالها شعارات لم يفهم مغزاها اهل الدوار وحتى الفقيه نفسه :
« قتلوهم ، عدموهم وأولاد الشعب يخلفوهم « ، « هما فين ، هما فين أولاد الشعب المخطوفين « ...
في اليوم الثالث ، جاء معلم جديد ، محترم في هندامه وألفاظه ، جلبابه نظيف ، وكلامه دائما مقفى بذكر الله ورسوله.
عاد الزمن المدرسي لإيقاعه الطبيعي ، فالمعلم الجديد لايتغيب أبدا ، بل إنه يسكن في حجرة الدرس ، ويعطي دروسا للدعم بدون مقابل ، ويقيم الليل يصلي ويجود القرآن مما جعل أهل الدوار يحبونه ، وأصبحوا يجالسونه بعد العشاء بداخل المدرسة.
بعد شهور ، قاطع الناس الذهاب الى المسجد ، ورفعت زوجة المقدم دعوى تطليق ضد زوجها ، وانقطعت كل الفتيات عن الدراسة ، وأصبح يروج بقوة أن المقدم والفقيه كافران والإختلاط بين الجنسين حرام والقرض حرام ، والدجاج الرومي حرام...
فحجبت النساء وأسدلت اللحي ، وقصرت السراويل إلى ما فوق الكعبة ، وصام الناس يومين قبل حلول الموعد الرسمي للصيام.
قبل يومين من عيد الفطر ، ودون سابق إعلان ، حل المسؤول الكبير بالدوار ترافقه شاحنات عسكرية ، وحلقت الطائرات تحليقا منخفضا ، وسمع إطلاق كثيف للنار .
ولما استيقظ رحال ، وقف مذهولا يحاول فهم ما يجري في مخيلته وفي الواقع . إذ لاوجود للدوار أو المدرسة لكن المقدم موجود وقد تحسنت أحواله ورقي إلى درجة شيخ.
لم يتمالك رحال نفسه فردد عبارة المقدم :» آش هذا التخربيق ؟ « في صيغتها الإستنكارية ورحل للدار البيضاء ليموت في تاريخ معلوم وظروف يمنع حتى الآن ذكرها...
أحمد الشطيبي
* نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 13 - 01 - 2011
جاء اليوم المعلوم ، وقف الرجال والنساء والأطفال مختلطين على غير عادة أهل القبيلة.
( المخزن وما قال، مالك أنت فضولي).
وما إن هل المسؤول الكبير ، حتى تعالت الزغاريد واختلط الصياح بالهتاف فامتلأ المكان بالفوضى والغبار والضجيج.
وفي محاولة لضبط الإيقاع ، صاح أحد المقدمين هاتفا بحياة المسؤول:
« عاش...».
فالتفت إليه شيخ القبيلة في إشارة غاضبة ، أدرك من خلالها المقدم أنه « ثقب الورقة « فلم يجد بديلا للخروج من ورطته غير التوجه إلى أهل القبيلة يشتمهم وينهرهم لتنظيم أنفسهم ، وهو يلعن حظه :
- « الله يلعن بوها خدمة ، آش هذا التخربيق ؟َََ «
مرت العبارة التي تفوه بها المقدم مع الريح ، لكنها بقيت عالقة بأذن وذهن الطفل رحال .
انتهت الزيارة بعدما وزعت محافظ مدرسية فارغة ، وقوالب سكر وقنينات زيت على بعض السكان المختارين من طرف رئيس الجماعة القروية وشيخ القبيلة .
ذهب كل إلى حاله ، ونسي أمر الزيارة في اليوم الموالي، لكن الطفل رحال ظل مهموما تؤرقه عبارة المقدم : «آش هذا التخربيق ؟ « ، أهي جملة استفهامية ام تعجبية أم استنكارية ؟ أم هي خليط من كل هذا؟».
التحق الأطفال بمدرستهم ، التي هي عبارة عن حجرة واحدة بنيت على مشارف الدوار ، يدرس فيها الأطفال من مستويات مختلفة الخامس والثالث والأول أو ما يعرف في التدبير التربوي بالأقسام المشتركة .
عين بها هذه السنة معلم شاب يحمل شهادة عليا ، عيبه الوحيد أنه يدخن كثيرا ولا يصلي هكذا أخبرنا المقدم .
وما هي إلا أشهر قليلة حتى بدأ إشعاع المدرسة يصل إلى بيوت أهل الدوار ، فقد أصبح الأطفال يتكلمون لغة لا يعرفها أهلهم ويتداولون مصطلحات ومفاهيم لا عهد لهم بها ، من قبيل الإنتهازية والإستغلال والإستبداد والمحسوبية والديمقراطية وحقوق الإنسان ...
لكن ما إن وصل أمر الثقافة الجديدة إلى علم الفقيه ، حتى حوقل وقرأ المعودتان ، وحذر أهل الدوار : « من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس « ونبههم إلى ضبط النفس الأمارة بالسوء
«المخزن ما يبغي يسمع هذا الكلام . آش بغينا شي ديمقراطية ولا محسوبية ولا حقوق الإنسان ، لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.«
في اليوم الموالي ، جاء ثلاثة رجال على مثن سيارة سوداء تحدثوا طويلا مع المعلم أمام باب القسم ثم ودعوه بكل أدب واحترام .
في اليوم التالي نفذ التلاميذ بزعامة الطفل رحال وقفة احتجاجية رفعوا خلالها شعارات لم يفهم مغزاها اهل الدوار وحتى الفقيه نفسه :
« قتلوهم ، عدموهم وأولاد الشعب يخلفوهم «
« هما فين ، هما فين أولاد الشعب المخطوفين « ...
في اليوم الثالث ، جاء معلم جديد ، محترم في هندامه وألفاظه ، جلبابه نظيف ، وكلامه دائما مقفى بذكر الله ورسوله .
عاد الزمن المدرسي لإيقاعه الطبيعي ، فالمعلم الجديد لا يتغيب أبدا ، بل إنه يسكن في حجرة الدرس ، ويعطي دروسا للدعم بدون مقابل ، ويقيم الليل يصلي ويجود القرآن مما جعل أهل الدوار يحبونه ، وأصبحوا يجالسونه بعد العشاء بداخل المدرسة .
بعد شهور ، قاطع الناس الذهاب الى المسجد ، ورفعت زوجة المقدم دعوى تطليق ضد زوجها ، وانقطعت كل الفتيات عن الدراسة ، وأصبح يروج بقوة أن المقدم والفقيه كافران والإختلاط بين الجنسين حرام والقرض حرام ، والدجاج الرومي حرام...
فحجبت النساء وأسدلت اللحي ، وقصرت السراويل إلى ما فوق الكعبة ، وصام الناس يومين قبل حلول الموعد الرسمي للصيام.
قبل يومين من عيد الفطر ، ودون سابق إعلان ، حل المسؤول الكبير بالدوار ترافقه شاحنات عسكرية ، وحلقت الطائرات تحليقا منخفضا ، وسمع إطلاق كثيف للنار .
ولما استيقظ رحال ، وقف مذهولا يحاول فهم ما يجري في مخيلته وفي الواقع . إذ لا وجود للدوار أو المدرسة لكن المقدم موجود وقد تحسنت أحواله ورقي إلى درجة شيخ .
لم يتمالك رحال نفسه فردد عبارة المقدم : » آش هذا التخربيق ؟ « في صيغتها الإستنكارية ورحل للدار البيضاء ليموت في تاريخ معلوم وظروف يمنع حتى الآن ذكرها ...
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 13 - 01 - 2011
تجند الشيوخ والمقدمون لإخبار سكان القبيلة بموعد زيارة المسؤول الكبير للإشراف على توزيع معونة قصد تشجيع التمدرس بالوسط القروي ، وحثوهم على الإستعداد لإستقباله كما يليق بمقامه .
جاء اليوم المعلوم ، وقف الرجال والنساء والأطفال مختلطين على غير عادة أهل القبيلة.
) المخزن وما قال، مالك أنت فضولي).
وما إن هل المسؤول الكبير ، حتى تعالت الزغاريد واختلط الصياح بالهتاف فامتلأ المكان بالفوضى والغبار والضجيج .
وفي محاولة لضبط الإيقاع ، صاح أحد المقدمين هاتفا بحياة المسؤول:
« عاش ...» . فالتفت إليه شيخ القبيلة في إشارة غاضبة ، أدرك من خلالها المقدم أنه « ثقب الورقة « فلم يجد بديلا للخروج من ورطته غير التوجه إلى أهل القبيلة يشتمهم وينهرهم لتنظيم أنفسهم ، وهو يلعن حظه : « الله يلعن بوها خدمة ، آش هذا التخربيق ؟َََ « ، مرت العبارة التي تفوه بها المقدم مع الريح ، لكنها بقيت عالقة بأذن وذهن الطفل رحال .
انتهت الزيارة بعدما وزعت محافظ مدرسية فارغة ، وقوالب سكر وقنينات زيت على بعض السكان المختارين من طرف رئيس الجماعة القروية وشيخ القبيلة .
ذهب كل إلى حاله ، ونسي أمر الزيارة في اليوم الموالي، لكن الطفل رحال ظل مهموما تؤرقه عبارة المقدم : «آش هذا التخربيق ؟ « ، أهي جملة استفهامية ام تعجبية أم استنكارية ؟ أم هي خليط من كل هذا؟».
التحق الأطفال بمدرستهم ، التي هي عبارة عن حجرة واحدة بنيت على مشارف الدوار ، يدرس فيها الأطفال من مستويا ت مختلفة الخامس والثا لث والأول أو ما يعرف في التدبير التربوي بالأقسام المشتركة .
عين بها هذه السنة معلم شاب يحمل شهادة عليا ، عيبه الوحيد أنه يدخن كثيرا ولايصلي هكذا أخبرنا المقدم .
وما هي إلا أشهر قليلة حتى بدأ إشعاع المدرسة يصل إلى بيوت أهل الدوار ، فقد أصبح الأطفال يتكلمون لغة لايعرفها أهلهم ويتداولون مصطلحات ومفاهيم لاعهد لهم بها ، من قبيل الإنتهازية والإستغلال والإستبداد والمحسوبية والديمقراطية وحقوق الإنسان ...
لكن ما إن وصل أمر الثقافة الجديدة إلى علم الفقيه ، حتى حوقل وقرأ المعودتان ، وحدر أهل الدوار : « من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس « ونبههم إلى ضبط النفس الأمارة بالسوء
«المخزن ما يبغي يسمع هذا الكلام . آش بغينا شي ديمقراطية ولامحسوبية ولاحقوق الإنسان ، لاحول ولاقوة إلا بالله العظيم . «
في اليوم الموالي ، جاء ثلاثة رجال على مثن سيارة سوداء تحدثوا طويلا مع المعلم أمام باب القسم ثم ودعوه بكل أدب واحترام .
في اليوم التالي نفذ التلاميذ بزعامة الطفل رحال وقفة احتجاجية رفعوا خلالها شعارات لم يفهم مغزاها اهل الدوار وحتى الفقيه نفسه :
« قتلوهم ، عدموهم وأولاد الشعب يخلفوهم « ، « هما فين ، هما فين أولاد الشعب المخطوفين « ...
في اليوم الثالث ، جاء معلم جديد ، محترم في هندامه وألفاظه ، جلبابه نظيف ، وكلامه دائما مقفى بذكر الله ورسوله.
عاد الزمن المدرسي لإيقاعه الطبيعي ، فالمعلم الجديد لايتغيب أبدا ، بل إنه يسكن في حجرة الدرس ، ويعطي دروسا للدعم بدون مقابل ، ويقيم الليل يصلي ويجود القرآن مما جعل أهل الدوار يحبونه ، وأصبحوا يجالسونه بعد العشاء بداخل المدرسة.
بعد شهور ، قاطع الناس الذهاب الى المسجد ، ورفعت زوجة المقدم دعوى تطليق ضد زوجها ، وانقطعت كل الفتيات عن الدراسة ، وأصبح يروج بقوة أن المقدم والفقيه كافران والإختلاط بين الجنسين حرام والقرض حرام ، والدجاج الرومي حرام...
فحجبت النساء وأسدلت اللحي ، وقصرت السراويل إلى ما فوق الكعبة ، وصام الناس يومين قبل حلول الموعد الرسمي للصيام.
قبل يومين من عيد الفطر ، ودون سابق إعلان ، حل المسؤول الكبير بالدوار ترافقه شاحنات عسكرية ، وحلقت الطائرات تحليقا منخفضا ، وسمع إطلاق كثيف للنار .
ولما استيقظ رحال ، وقف مذهولا يحاول فهم ما يجري في مخيلته وفي الواقع . إذ لاوجود للدوار أو المدرسة لكن المقدم موجود وقد تحسنت أحواله ورقي إلى درجة شيخ.
لم يتمالك رحال نفسه فردد عبارة المقدم :» آش هذا التخربيق ؟ « في صيغتها الإستنكارية ورحل للدار البيضاء ليموت في تاريخ معلوم وظروف يمنع حتى الآن ذكرها...
أحمد الشطيبي
* نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 13 - 01 - 2011