هجرتنى هاجر.. بعد عشرة طويلة دامت ثمانية أعوام.. خرجت فى الصباح الباكر ولم تعد.. ولقد بحثت عنها فى كل مكان اعتادت الذهاب إليه.. فلم أعثر لها على أثر.
ولقد تربت هاجر فى بيتى، جئت بها من الريف وهى طفلة فى السابعة من عمرها، لتخدم عندى، ولكننى لم أعاملها قط كخادم، لأنها كانت يتيمة، وفقيرة، وكانت جميلة ضاحكة كالشمس.
وكانت هاجر فى طفولتها الأولى لا تكذب قط.. كانت مثال الصدق والإخلاص.. كانت تروى لى الأخبار فى صراحة وبراءة، وكنت إذا سألتها عن شىء، وظهر أنها لا تعرفه كانت تجيب مسرعة بـ “لا أعرف..”.
لم تكن تكذب قط.
وكانت أبدًا ضاحكة طروبًا.. تملأ البيت سرورًا وبهجة.
ثم مضت الأعوام وكبرت هاجر.. تغير جسمها وبرز نهداها، واكتنز صدرها، ولمعت عيناها ببريق الأنوثة وسحرها، ورق صوتها، وزاد عذوبة وفتنة.
وطال مع هذا صمتها، وتغيرت طباعها، فكنت كثيرًا ما أراها مطرقة واجمة لسبب ولغير سبب.
وابتدأت تكذب، وتدور بالكلام وتنظر كثيرًا فى المرآة وتطيل النظر!
ودخلت مرة البيت، فوجدتها واقفة على الباب تتشاجر مع بائع الخبز، وكان غلامًا وسيمًا فى السابعة عشرة من عمره.. ثم طردته وامتنعت عن أخذ الخبز منه شهرين كاملين.. ثم عادت وأخذت منه.
ولما سألتها:
لماذا رجعت إلى بائع الخبز؟
قالت بهدوء:
حسن..
آخ.. حسن.
إنه مسكين.
وعادت إلى سهومها وصمتها. ولقد عجبت لهذا التغير المفاجئ الذى طرأ على هاجر.
***
وسمعتها مرة، وأنا صاعد على سلم البيت تبكى وتعول ثم رأيتها تضرب الخادم الصغير الذى معها فى البيت، لأنه أخذ الخبز من حسن.
ولما سألتها عن ذلك، قالت وهى تنشج:
إنه ابن كلب.. وقد طردته.. ولا يمكن أن نأخذ منه الخبز مرة أخرى.. إنه غشاش لص..!
فصمت ولم أقل شيئًا.
***
وذات يوم خرجت هاجر ولم تعد.. لقد هربت مع بائع الخبز..!
تعليق على القصة :
هذه القضة قرأتها في عام 2009 من كتاب (عيون القصة المصرية ) الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة عام 2009 ، وقد اوحت لي بالكثير حتى أنني قررت الإحنفاظ بها بشكل منفرد على ملفات الكمبيوتر الخاصة بي حتى أستمتع بقراءنها من حين لآخر وأتأمل مدى حنكة الكتابة على بساطتها فدائما ما ادعي أن كتابة القصة القصيرة هو آشبة بالفن السهل الممتنع ، الذي من وجهة نظري يحوي معادلة كيف تحقق هذا الحس القصصي بالتقاط ومضات حكائية سواء من الواقع أوالخيال الإنساني بمحاور مكانية أو زمنية تتجاوز أي زمن وأي مكان كما اراه تحقق في هذه القصة فهي عميقة المغزي تصلح لكل مكان ولكل زمان في جمل مكثفة حاسمة تحكي عن حياة هاجر الطفلة ذات السبعة سنوات إلى أن أصبحت فتاة يافعة نابضة بفوران الشباب والجموح تحب وتعشق وتتألم وتصارع اللذة والكبرياء والمشاعر الإنسانية بكل تناقضاتها مع حبيبها وحياتها حتى تستطيع أن تختار وتنجو بروحها المتمردة عن كونها مجرد خادمة مطيعة إلى نمرة مفترسة تثور وتغضب وتعصف بكل شئ من أجل الإنتصار لمشيئتها أخير ا بالفرار مع حبيبها وملاذها ومنالها الروحي
هنا تتحول (هاجر) من مجرد اسم عابر وطفلة وخادمة هادئة ومستسلمة لمصيرها إلى لبؤة قوية جامحة قادرة على تقرير مصيرها وأجمل ما في القصة أنك كقارئ تعيش كل هذه التأويلات والتداعيات بكل يسر وبساطة ورشاقة لغوية من خلال ابداع قصصي متقن ومتمم لهدفه البعيد المغزى والملهم لكل من يسعون بدأب وصبر لكتابة القصة القصيرة هذا الفن الذي أعتبره صعب للغاية ودروبه واسعة وشائكة رغم قصر الحجم وكثافة المعاني وجزالة اللفظ وهذا ما أعتقده المعنى الحقيقي لجملة هو فن السهل الممتنع لمثلي ولغيري من الأصدقاء المبدعين والمبدعات كما أعتقد لا غير
sadazakera.wordpress.com
ولقد تربت هاجر فى بيتى، جئت بها من الريف وهى طفلة فى السابعة من عمرها، لتخدم عندى، ولكننى لم أعاملها قط كخادم، لأنها كانت يتيمة، وفقيرة، وكانت جميلة ضاحكة كالشمس.
وكانت هاجر فى طفولتها الأولى لا تكذب قط.. كانت مثال الصدق والإخلاص.. كانت تروى لى الأخبار فى صراحة وبراءة، وكنت إذا سألتها عن شىء، وظهر أنها لا تعرفه كانت تجيب مسرعة بـ “لا أعرف..”.
لم تكن تكذب قط.
وكانت أبدًا ضاحكة طروبًا.. تملأ البيت سرورًا وبهجة.
ثم مضت الأعوام وكبرت هاجر.. تغير جسمها وبرز نهداها، واكتنز صدرها، ولمعت عيناها ببريق الأنوثة وسحرها، ورق صوتها، وزاد عذوبة وفتنة.
وطال مع هذا صمتها، وتغيرت طباعها، فكنت كثيرًا ما أراها مطرقة واجمة لسبب ولغير سبب.
وابتدأت تكذب، وتدور بالكلام وتنظر كثيرًا فى المرآة وتطيل النظر!
ودخلت مرة البيت، فوجدتها واقفة على الباب تتشاجر مع بائع الخبز، وكان غلامًا وسيمًا فى السابعة عشرة من عمره.. ثم طردته وامتنعت عن أخذ الخبز منه شهرين كاملين.. ثم عادت وأخذت منه.
ولما سألتها:
لماذا رجعت إلى بائع الخبز؟
قالت بهدوء:
حسن..
آخ.. حسن.
إنه مسكين.
وعادت إلى سهومها وصمتها. ولقد عجبت لهذا التغير المفاجئ الذى طرأ على هاجر.
***
وسمعتها مرة، وأنا صاعد على سلم البيت تبكى وتعول ثم رأيتها تضرب الخادم الصغير الذى معها فى البيت، لأنه أخذ الخبز من حسن.
ولما سألتها عن ذلك، قالت وهى تنشج:
إنه ابن كلب.. وقد طردته.. ولا يمكن أن نأخذ منه الخبز مرة أخرى.. إنه غشاش لص..!
فصمت ولم أقل شيئًا.
***
وذات يوم خرجت هاجر ولم تعد.. لقد هربت مع بائع الخبز..!
تعليق على القصة :
هذه القضة قرأتها في عام 2009 من كتاب (عيون القصة المصرية ) الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة عام 2009 ، وقد اوحت لي بالكثير حتى أنني قررت الإحنفاظ بها بشكل منفرد على ملفات الكمبيوتر الخاصة بي حتى أستمتع بقراءنها من حين لآخر وأتأمل مدى حنكة الكتابة على بساطتها فدائما ما ادعي أن كتابة القصة القصيرة هو آشبة بالفن السهل الممتنع ، الذي من وجهة نظري يحوي معادلة كيف تحقق هذا الحس القصصي بالتقاط ومضات حكائية سواء من الواقع أوالخيال الإنساني بمحاور مكانية أو زمنية تتجاوز أي زمن وأي مكان كما اراه تحقق في هذه القصة فهي عميقة المغزي تصلح لكل مكان ولكل زمان في جمل مكثفة حاسمة تحكي عن حياة هاجر الطفلة ذات السبعة سنوات إلى أن أصبحت فتاة يافعة نابضة بفوران الشباب والجموح تحب وتعشق وتتألم وتصارع اللذة والكبرياء والمشاعر الإنسانية بكل تناقضاتها مع حبيبها وحياتها حتى تستطيع أن تختار وتنجو بروحها المتمردة عن كونها مجرد خادمة مطيعة إلى نمرة مفترسة تثور وتغضب وتعصف بكل شئ من أجل الإنتصار لمشيئتها أخير ا بالفرار مع حبيبها وملاذها ومنالها الروحي
هنا تتحول (هاجر) من مجرد اسم عابر وطفلة وخادمة هادئة ومستسلمة لمصيرها إلى لبؤة قوية جامحة قادرة على تقرير مصيرها وأجمل ما في القصة أنك كقارئ تعيش كل هذه التأويلات والتداعيات بكل يسر وبساطة ورشاقة لغوية من خلال ابداع قصصي متقن ومتمم لهدفه البعيد المغزى والملهم لكل من يسعون بدأب وصبر لكتابة القصة القصيرة هذا الفن الذي أعتبره صعب للغاية ودروبه واسعة وشائكة رغم قصر الحجم وكثافة المعاني وجزالة اللفظ وهذا ما أعتقده المعنى الحقيقي لجملة هو فن السهل الممتنع لمثلي ولغيري من الأصدقاء المبدعين والمبدعات كما أعتقد لا غير
هاجر.. قصة لمحمود البدوي
هجرتنى هاجر.. بعد عشرة طويلة دامت ثمانية أعوام.. خرجت فى الصباح الباكر ولم تعد.. ولقد بحثت عنها فى كل مكان اعتادت الذهاب إليه.. فلم أعثر لها على أثر. ولقد تربت هاجر فى بيتى، جئت بها من الريف وهى طف…