قصة قصيرة : دلال خليفة - في جيبي

عندما قلت لي إنك تحبني حباً لم يحبني إياه أحد في هذه الدنيا بمن في ذلك والداي لم أكذبك، ربما ظهر عليّ أنني لا أصدّقك ولكن لا أعلم لماذا لم أؤكد لك وقتها أنني أصدّق ما تقول. نعم إنني يا عزيزي بصراحة أصدّق كل ما تقول وإن لم يبد عليّ ذلك..

حقاً لا أعلم لماذا أعجز دائماً عن إظهار اهتمامي بحبك.. لا تعتقد أنني لم أحبك قط.. هذا غير صحيح.. الصحيح هو أنني أيضاً أحبك ولكن مشكلتي هي أنني لا أشعر أنه يتعيّن عليّ أن أظهر لك حبي.. ربما كان حبك الكبير لي هو السبب.. إنه ينساب بلا حدود، بلا شروط، بلا محاذير بلا مقابل..

ليتني استجبت لطلبك ذلك اليوم وبقيت معك عندما غضبت كثيراً وأقسمت لي أنك مريض جداً وأنك بحاجة إليّ لأقدّم لك الدواء في موعده، لقد صدقتك بالطبع، أعلم أنك لا تكذب ولكني لا أستطيع أن أتنازل وتلك مشكلة أخرى.. لذلك أدرت لك ظهري وأخذت أستكمل زينتي أمام المرآة، ثم استدرت ثانية وخرجت من الغرفة غير آبهة لاحتجاجاتك.. صحيح أنني أوصيت الخادمة بإعطائك الدواء في الموعد ولكنك كنت تحب أن أبقى معك، من أجلك.. أتذكر وجهك عندما عدت.. النظرة الحزينة العاتبة التي تختفي بطرقي الخاصة.. طرقي التي أستغلها لأبعد الحدود.. دائماً تغفر.. دائماً تنسى.. دائماً تحبني.. دائماً أعتمد على ذلك..

ليس خطأك أنك دائماً تغفر وليس خطأك أنك تحبني، الخطأ الوحيد فيّ أنا لأنني وضعتك في جيبي، ضمنت حبك فوضعتك في جيبي.. هكذا يقولون لمن يضمن حب إنسان وثقته فيستغله ويسيء معاملته دون أن يخشى عاقبة ذلك.. إنه موضوع في الجيب، ليس في علم الغيب، ليس بالباب، ليس على حافة النافذة مدلدلاً ساقيك خارجها، ليس حتى في يدي حيث يمكن أن أنساك في مكان ما أو تسقط مني أثناء انشغالي بعمل شيء آخر، وإنما في جيبي في المخبأ الأمين الذي لا تضيع فيه الأشياء.

كثيراً ما شعرت برغبة في تقبيلك قبلة امتنان ولكني لا أتنازل كما تعلم، لا أستطيع، والآن أيضاً بعد أن علمت أنني يجب أن استطيع لا أستطيع.. أريد أن أقبلك أكبر قبلة امتنان في الدنيا ولكنني لا أستطيع، لا أعرف كيف، لا أعرف أين.. أكاد أجنّ لسيطرة هذه الرغبة عليّ ولكنني أظل عاجزة.. أتمنى أن أفعل حتى أنني.. حتى أني أحلم في المنام أنني أقبّل جبينك، ولكني أستيقظ فأكتشف السراب. ليتني أتجاوز هذا السراب. أريد أن أنفذ هذه الرغبة لأشعر بسرورك بتقديري لك، ولكني أظل عاجزة.

تنهد بعمق ثم تجول ببرها إلى أرجاء المدينة وتلفحها نسمات باردة.. الخطأ الوحيد هو أننا أحياناً نهين من يكرمنا بلا حدود بوضعه في جيبنا، ونحن إذ نفعل، ننسى أن جيبنا هذا قد يكون مثقوباً.

تتنهد أخرى وتغرورق عيناها بالدموع وهي تحدّق في القبر أمامها.



التفاعلات: Maged Elgrah

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...