محمد حسن الكواري - طريق الورد الأبيض

لم تكن تجد أيّ صعوبة في حشر طرف حجابها عندما يتدلّى طرفه بين خدّها وباقي حجابها، والعينان الزرقاوان الغارقتان في التساؤل تبحثان عن إجابات كثيرة، لطالما وجدتها عند ذلك الشيخ المستبشر على الدوام، دخلت عليه في غرفته وهو يتلو القرآن بصوت متحشرج، جثت على ركبتيها بهدوء وألصقتهما بفخذه ووضعت يدها على صدرها وسكنت، نظر إليها بطرف عينيه، فعلمت أنه ينظر إليها وهي مطرقة الطرف. أكمل الآية وأقفل المصحف، وفتح إحدى يديه، فوضعت يدها عليها، فأطبق عليها بالأخرى، وسألها عن حاجتها بعد ما أدرك أن أمراً ما قد ألمّ بها، فقالت له وهي تعبث بطرف (مصليته): كما تعلم يا أبي إنّ علياً قد عقد قرانه عليّ منذ شهر، وأرغب في مقابلته ومعرفته...

- هذا من حقّك.
- ولكن أخي يمنعني من ذلك..
- هذا ليس من حقّه، فعلي أصبح زوجك وبإمكانك مقابلته، ولكن دون خلوة.
- هل تسمح لي بذلك يا أبي؟
- لست أنا من يسمح بذلك، الشرع من يسمح لك بذلك، ولكن أشعريني بهذا الأمر قبل حدوثه ويكون في مكان عام.

كما ترى يا أبي.. خرجت من عند الشيخ بسكينة وبفرحة بادية على محياها، فهي ستتعرف إلى شريك حياتها قبل الزواج وليس بعده، فكانت عندما ترغب في مقابلته، تقطف وردة بيضاء، وتمضي بها إلى المكتبة التي يعمل بها، وتلوح له بالوردة وبثغر باسم ثم تنثر وريقاتها البيضاء في الطريق ورقة ورقة، دون أن يشعر بها أحد، فيتبع الشابّ طريق الورد الأبيض، حتى يلتقيا في إحدى الحدائق العامة، حيث يتناجيان ويتحدثان، ثم تعود إلى البيت مسرورة، وتعمد إلى ذلك في عصر كل عطلة أسبوعيّة، وتخبر أباها بعد ذلك بكلّ ما حدث، وتذهب في نهاية اليوم إلى سريرها تحتضن أمانيها، حتى يأتيها المنام، ولكن النهار لا يبقي من الأحلام شيئاً، فعندما علم أخوها بالأمر ترصد لها، حتى إذا خرجت من المنزل وفي يدها الوردة البيضاء، تتبّعها، وبعد ما حيّت علياً بالوردة وتعدّت المكتبة بقليل، وثب عليها فتناثرت الوريقات والأماني الجميلة على الأرض، فجمع أخوها الوريقات وقاد الفتاة قسراً، وأدخلها إلى البيت عنوة، وعاد أدراجه إلى حيث طريق الورد الأبيض، وأخذ ينثر وريقات الوردة البيضاء في الطريق كما تفعل الفتاة، وهو متّجه إلى إحدى الورش المهجورة مضمراً للشابّ السوء، ومتوعداً الفتاة بالويل والثبور، ومكث ينتظر هناك ولكن دون جدوى، فالشابّ لم يتتبع طريق الورد الأبيض المؤدي إلى الورشة، بل عاد أدراجه إلى الحيّ، فهو لم يكن في العادة يتبع وريقات الورد الأبيض، بل يتبع رائحة أناملها إذا امتزجت بأريج الورد الأبيض.

فمرّ أمام نافذتها، فرآها مهمومة منكّسة الرأس فحيّاها، فرفعت رأسها وانجلى همّها وضحكت لما رأته سالماً.


التفاعلات: Maged Elgrah

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...