كتب - جعفر الديري
قال أستاذ كلية الآداب بجامعة فيلادلفيا بالأردن المفكر غسان عبدالخالق ان هناك إشكال تعيشه أقطابنا العربية في القرن الحادي والعشرين يتمثل في وجود نماذج للدولة العربية الحديثة لكن بلا مفكرين، ووجود مفكرين متوحدين لكن بلا نموذج للدولة، لافتا إلى ان منش أن ذلك أن يفرز مفارقة على درجة كبيرة من الغرابة في الوطن العربي تحديدا، تترتب عليها الكثير من الاختلالات فيما يتعلق بالمستقبل وبالواقع الحضاري.
وأضاف د. عبدالخالق في محاضرته "مساهمة في مستقبل الفكر العربي"، ألقاها بمركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث في محافظة المحرق: ليس أصعب من القول بأن مفكرا عربيا واحدا قد نصّب نفسه رسميا أو أن دولة عربية واحدة قد نصّبته مفكرا معتمدا للتعبير عن مواقفها وقناعاتها الفكرية. ولو أننا جربنا القيام باستقراء تاريخي خاطيء للاحظنا - مثلا- أن الجبريين لم يرتبطوا بعلاقة رسمية مع الدولة الأموية التي انطلق خلفاءها من قناعة مؤداها أنهم مسيرون في كل ما يجترحونه من أفعال بحق الرعية. كما أن كثيرا من الظلال والالتباسات تكتنف العلاقة المزعومة بين المعتزلة والدولة العباسية، خصوصا اذا نظرنا اليها من زاوية الفراق التاريخي بين شيخ المعتزلة والدولة العباسية بين شيخ المعتزلة عمر بن عبيد وبين تلميذه المؤسس الحقيقي للدولة العباسية أبو جعفر المنصور. بل اذا نظرنا اليها من زاوية التفارق الكبير بين ما كان يدعو له المعتزلة بخصوص العدل وبين ما كان يمارسه الخلفاء العباسيون من عسف جاوز في كثير من الأحيان عسف الخلفاء الأمويين الذين طالما أنحى عليهم المعتزلة لأنهم أحالوا الخلافة الى ملك كسروي عضوض.
ذكاء المأمون
ولفت المحاضر لما عقده المفكر العربي فهمي جدعان من فصول في دراسته "المحنة. بحث في جدلية الديني والسياسي في الاسلام"، حيث أماط بعض اللثام عن ملابسات هذه العلاقة المزعومة بين العباسيين والمعتزلة وأظهر مدى ذكاء المأمون الذي تمكن من توظيف إحدى مقولات المعتزلة بخصوص القرآن لأغراض سياسية بحته يتمثل أبرزها بضرب السلطة الموازية لسلطته في الشارع وتطهير جهاز الدولة من المتعاطفين مع هذه السلطة الموازية. وإعلان الولاء المطلق للدولة العباسية وللمأمون الذي لم يكن في كل ذلك الا حاكما كلانيا استحواذيا وأبعد ما يكون عن نموذج الحالم العادل من المنظور الاعتزالي. على أن القطع بوجود علاقة أيديولوجية رسمية بين العباسيين والمعتزلة يكون الى جانب امكان القطع بوجود علاقة امتداد رسمية بين ابن حزم والموحدين بالمغرب والأندلس، كما حاول المفكر العربي محمد عابد الجابري أن يثبت. اذ أن هذا الامكان وحتى لو صحت بعض العبارات المنسوبة لمؤسسة الدولة الموحدية ستظل تصطدم بحقيقة أن مشروع الفكر الظاهري قد أجهض تماما على يد فقهاء المالكية في الأندلس، وقبل أن تبزغ شمس الدولة الموحدية التي تمثل مشروعها الأساسي بالعودة الى الأصل في نص من قرآن وسنة، والأصل في المذهب المالكي من "موطأ" ومدون".
تفرّد ابن خلدون
وتحدث د. عبدالخلق عن تفرّد ابن خلدون بالانشغال المباشر بنظرية الدولة: وأيّ كان الأمر، فان مما له دلالة تاريخية كبيرة أن يعكف ابن خلدون. المفكر العربي الوحيد الذي انشغل انشغالا مباشرا بنظرية الدولة وشروط صعودها وأفولها على صياغة أطروحة بهذا الخصوص ولمدة أربعة أعوام. في الفترة التي شهدت تهاوي طموحاته السياسية. وانقطاع علاقته الرسمية مع كل الدول التي كانت تظهر وتختفي خلال شهور وأيام. فهو ما دفعه الى الاعتزال والتفرغ للتأليف مدشنا حالة استبصار تاريخي فذ في مظاهر الأفول واستشراف تاريخي لامع لشروط الصعود أو لشروط النموذج الغائب أو الذي غدا غائبا.
وأضاف: على رغم أن المقدمة الخلدونية اقتربت من أن تكون أطروحة ممكنة للدولة الخديوية في مصر حين شجع الشيخ الطهطاوي على اعادة طباعتها وصدرت في طبعتها المصرية في العام 1858 وتم مقاربتها بدراسة ضافية لطه حسين بعنوان "فلسفة ابن خلدون الاجتماعية" العام 1925. الا أن تراجع الدولة الخديوية عن مشروعها النهضوي. بفعل الضغوط الأجنبية المتوالية وتحولها الى دولة وظيفية تابعة للمستعمر الأجنبي أعاد العلاقة بين المفكر العربي والدولة العربية الى نقطة الصفر أو المربع الأول.
التيسير اليومي
وحول تأثير التيسير اليومي الذي تتبعه الدولة العربية في خلق عبأ على السياسي العملي أوضح د. عبدالخالق: من الملاحظ أن الدولة العربية بكل تجلياتها القديمة والحديثة وحتى عندما تتبنى توجها فكريا فانها تميل الى التسيير اليومي لشئونها وعلى نحو عملي ذرائعي يسهل تعاطيها مع الاستحقاقات التاريخية بوصفها استحقاقات مهنية وظيفية بحته وليس بوصفها استحقاقات ينبغي أن تستند الى معيار فكري يمكن الاحتكام اليه. ولهذا فان وجود مفكرين في قلب مراكز صنع القرار العربي يمثل بالنسبة للسياسي العملي عبأ ثقيلا خلافا لما يحدث في الدولة الغربية الحداثية التي تجهد لاقصاء أي قرار ومهما بدا هذا القرار فنيا أو اجرائيا بطبقة سميكة من الفلسفة الاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تضمن للنظام شرعيته الأخلاقية.
وتابع قائلا: من الملاحظ أيضا أن الدولة العربية الحديثة وبصيغتها القوية تحديدا عمدت الى التعامل مع هذه المفارقة المحرجة بأن وضعت المفكر في الصف الثاني أو الثالث من دوائر صنع القرار ولم تسمح له بأكثر من ذلك. فيما قبل معظم المفكرين العرب الذين عاشوا ومازالوا يعيشون أجواء الدولة الشمولية. أما من لم يقبلوا سواء من موقع الاختلاف الاجتماعي أو من موقع التناقض. فانهم قد جرّوا على أنفسهم بلاء عظيما حتى من قبل الذين طالما بشّروا بأفكارهم وتسنموا مسئولياتهم السياسية استنادا الى تنظيراتهم.
الحداثيون القوميون
وأشار إلى الحداثيين ووعيهم بأن الدولة هي صنو النسق، حين قال: ان ما يعنينا من هؤلاء المفكرين أولائك الحداثيون القوميون والماركسيون والليبراليون. أولائك اللذين وعوا تمام الوعي أن الدولة هي صنو النسق الذي لا يمكن أن يستقيم الا بالنظام الذي تكفله المؤسسات والدستور والا بالعلم والعقل الذي توفّره الجامعات ومراكز الأبحاث والا بالنقد - صمام الأمان الذي لا تنتجه الا الحرية الفكرية والا الشرعية التاريخية التي لا يضمنها الا الارادة الشعبية. وقد وجد هؤلاء المفكرون أنفسهم في ورطة أخلاقية ثلاثية الأبعاد فهم اذا شخصوا بنظرهم الى النموذج الاشتراكي لم يسلموا من امكان اتهامهم بالترويج لنموذج حداثي مستبد واذا شخصوا بنظرهم الى الغرب لم يسلموا من امكان اتهامهم بالترويج لنموذج حداثي مستعمر، واذا شخصوا بنظرهم الى النموذج العربي لم يسلموا من امكان اتهامهم بالترويج لنموذج هجين تتجاور فيه أنماط ما قبل الحداثة مع ما بعدها ناهيك عن استبدادها المطلق.
وأضاف المحاضر: من البديهي أن يتجه هؤلاء المفكرون الحداثيون - بدأ من سبعينيات القرن الماضي - الى التمترس تدريجيا في بروجهم العاجية بعيدا عن نماذج الدولة العربية الحديثة وبعيدا عن نبض الشارع في آن. فكان أن أنتج اللامعون منهم خطابات عقلانية نقدية ضافية. لكنها كانت ومازالت خارج دائرة اهتمام صانع القرار وخارج دائرة القرّاء العرب. بل أنها كانت وما زالت خارج دائرة المثقف العربي التقليدي الذي لايزال يفهم الثقافة على أنها أدب ونقد. ومن المؤسف القول بأن هذا التقوقع قد ترافق مع الاختفاء التدريجي لظاهرة المثقف العربي العابر للتخصصات أو الناقد الحضاري القادر على هضم وتذويب مخرجات الحقول المعرفية ومخرجات الحقول العملية، وتقديمها للمواطن العربي العادي أو حتى للمثقف العربي التقليدي بلغة مفهومة وقابلة للترجمة على أرض الواقع ويمكن اخضاع نماذجها أو مشروعاتها للقياس.
قال أستاذ كلية الآداب بجامعة فيلادلفيا بالأردن المفكر غسان عبدالخالق ان هناك إشكال تعيشه أقطابنا العربية في القرن الحادي والعشرين يتمثل في وجود نماذج للدولة العربية الحديثة لكن بلا مفكرين، ووجود مفكرين متوحدين لكن بلا نموذج للدولة، لافتا إلى ان منش أن ذلك أن يفرز مفارقة على درجة كبيرة من الغرابة في الوطن العربي تحديدا، تترتب عليها الكثير من الاختلالات فيما يتعلق بالمستقبل وبالواقع الحضاري.
وأضاف د. عبدالخالق في محاضرته "مساهمة في مستقبل الفكر العربي"، ألقاها بمركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث في محافظة المحرق: ليس أصعب من القول بأن مفكرا عربيا واحدا قد نصّب نفسه رسميا أو أن دولة عربية واحدة قد نصّبته مفكرا معتمدا للتعبير عن مواقفها وقناعاتها الفكرية. ولو أننا جربنا القيام باستقراء تاريخي خاطيء للاحظنا - مثلا- أن الجبريين لم يرتبطوا بعلاقة رسمية مع الدولة الأموية التي انطلق خلفاءها من قناعة مؤداها أنهم مسيرون في كل ما يجترحونه من أفعال بحق الرعية. كما أن كثيرا من الظلال والالتباسات تكتنف العلاقة المزعومة بين المعتزلة والدولة العباسية، خصوصا اذا نظرنا اليها من زاوية الفراق التاريخي بين شيخ المعتزلة والدولة العباسية بين شيخ المعتزلة عمر بن عبيد وبين تلميذه المؤسس الحقيقي للدولة العباسية أبو جعفر المنصور. بل اذا نظرنا اليها من زاوية التفارق الكبير بين ما كان يدعو له المعتزلة بخصوص العدل وبين ما كان يمارسه الخلفاء العباسيون من عسف جاوز في كثير من الأحيان عسف الخلفاء الأمويين الذين طالما أنحى عليهم المعتزلة لأنهم أحالوا الخلافة الى ملك كسروي عضوض.
ذكاء المأمون
ولفت المحاضر لما عقده المفكر العربي فهمي جدعان من فصول في دراسته "المحنة. بحث في جدلية الديني والسياسي في الاسلام"، حيث أماط بعض اللثام عن ملابسات هذه العلاقة المزعومة بين العباسيين والمعتزلة وأظهر مدى ذكاء المأمون الذي تمكن من توظيف إحدى مقولات المعتزلة بخصوص القرآن لأغراض سياسية بحته يتمثل أبرزها بضرب السلطة الموازية لسلطته في الشارع وتطهير جهاز الدولة من المتعاطفين مع هذه السلطة الموازية. وإعلان الولاء المطلق للدولة العباسية وللمأمون الذي لم يكن في كل ذلك الا حاكما كلانيا استحواذيا وأبعد ما يكون عن نموذج الحالم العادل من المنظور الاعتزالي. على أن القطع بوجود علاقة أيديولوجية رسمية بين العباسيين والمعتزلة يكون الى جانب امكان القطع بوجود علاقة امتداد رسمية بين ابن حزم والموحدين بالمغرب والأندلس، كما حاول المفكر العربي محمد عابد الجابري أن يثبت. اذ أن هذا الامكان وحتى لو صحت بعض العبارات المنسوبة لمؤسسة الدولة الموحدية ستظل تصطدم بحقيقة أن مشروع الفكر الظاهري قد أجهض تماما على يد فقهاء المالكية في الأندلس، وقبل أن تبزغ شمس الدولة الموحدية التي تمثل مشروعها الأساسي بالعودة الى الأصل في نص من قرآن وسنة، والأصل في المذهب المالكي من "موطأ" ومدون".
تفرّد ابن خلدون
وتحدث د. عبدالخلق عن تفرّد ابن خلدون بالانشغال المباشر بنظرية الدولة: وأيّ كان الأمر، فان مما له دلالة تاريخية كبيرة أن يعكف ابن خلدون. المفكر العربي الوحيد الذي انشغل انشغالا مباشرا بنظرية الدولة وشروط صعودها وأفولها على صياغة أطروحة بهذا الخصوص ولمدة أربعة أعوام. في الفترة التي شهدت تهاوي طموحاته السياسية. وانقطاع علاقته الرسمية مع كل الدول التي كانت تظهر وتختفي خلال شهور وأيام. فهو ما دفعه الى الاعتزال والتفرغ للتأليف مدشنا حالة استبصار تاريخي فذ في مظاهر الأفول واستشراف تاريخي لامع لشروط الصعود أو لشروط النموذج الغائب أو الذي غدا غائبا.
وأضاف: على رغم أن المقدمة الخلدونية اقتربت من أن تكون أطروحة ممكنة للدولة الخديوية في مصر حين شجع الشيخ الطهطاوي على اعادة طباعتها وصدرت في طبعتها المصرية في العام 1858 وتم مقاربتها بدراسة ضافية لطه حسين بعنوان "فلسفة ابن خلدون الاجتماعية" العام 1925. الا أن تراجع الدولة الخديوية عن مشروعها النهضوي. بفعل الضغوط الأجنبية المتوالية وتحولها الى دولة وظيفية تابعة للمستعمر الأجنبي أعاد العلاقة بين المفكر العربي والدولة العربية الى نقطة الصفر أو المربع الأول.
التيسير اليومي
وحول تأثير التيسير اليومي الذي تتبعه الدولة العربية في خلق عبأ على السياسي العملي أوضح د. عبدالخالق: من الملاحظ أن الدولة العربية بكل تجلياتها القديمة والحديثة وحتى عندما تتبنى توجها فكريا فانها تميل الى التسيير اليومي لشئونها وعلى نحو عملي ذرائعي يسهل تعاطيها مع الاستحقاقات التاريخية بوصفها استحقاقات مهنية وظيفية بحته وليس بوصفها استحقاقات ينبغي أن تستند الى معيار فكري يمكن الاحتكام اليه. ولهذا فان وجود مفكرين في قلب مراكز صنع القرار العربي يمثل بالنسبة للسياسي العملي عبأ ثقيلا خلافا لما يحدث في الدولة الغربية الحداثية التي تجهد لاقصاء أي قرار ومهما بدا هذا القرار فنيا أو اجرائيا بطبقة سميكة من الفلسفة الاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تضمن للنظام شرعيته الأخلاقية.
وتابع قائلا: من الملاحظ أيضا أن الدولة العربية الحديثة وبصيغتها القوية تحديدا عمدت الى التعامل مع هذه المفارقة المحرجة بأن وضعت المفكر في الصف الثاني أو الثالث من دوائر صنع القرار ولم تسمح له بأكثر من ذلك. فيما قبل معظم المفكرين العرب الذين عاشوا ومازالوا يعيشون أجواء الدولة الشمولية. أما من لم يقبلوا سواء من موقع الاختلاف الاجتماعي أو من موقع التناقض. فانهم قد جرّوا على أنفسهم بلاء عظيما حتى من قبل الذين طالما بشّروا بأفكارهم وتسنموا مسئولياتهم السياسية استنادا الى تنظيراتهم.
الحداثيون القوميون
وأشار إلى الحداثيين ووعيهم بأن الدولة هي صنو النسق، حين قال: ان ما يعنينا من هؤلاء المفكرين أولائك الحداثيون القوميون والماركسيون والليبراليون. أولائك اللذين وعوا تمام الوعي أن الدولة هي صنو النسق الذي لا يمكن أن يستقيم الا بالنظام الذي تكفله المؤسسات والدستور والا بالعلم والعقل الذي توفّره الجامعات ومراكز الأبحاث والا بالنقد - صمام الأمان الذي لا تنتجه الا الحرية الفكرية والا الشرعية التاريخية التي لا يضمنها الا الارادة الشعبية. وقد وجد هؤلاء المفكرون أنفسهم في ورطة أخلاقية ثلاثية الأبعاد فهم اذا شخصوا بنظرهم الى النموذج الاشتراكي لم يسلموا من امكان اتهامهم بالترويج لنموذج حداثي مستبد واذا شخصوا بنظرهم الى الغرب لم يسلموا من امكان اتهامهم بالترويج لنموذج حداثي مستعمر، واذا شخصوا بنظرهم الى النموذج العربي لم يسلموا من امكان اتهامهم بالترويج لنموذج هجين تتجاور فيه أنماط ما قبل الحداثة مع ما بعدها ناهيك عن استبدادها المطلق.
وأضاف المحاضر: من البديهي أن يتجه هؤلاء المفكرون الحداثيون - بدأ من سبعينيات القرن الماضي - الى التمترس تدريجيا في بروجهم العاجية بعيدا عن نماذج الدولة العربية الحديثة وبعيدا عن نبض الشارع في آن. فكان أن أنتج اللامعون منهم خطابات عقلانية نقدية ضافية. لكنها كانت ومازالت خارج دائرة اهتمام صانع القرار وخارج دائرة القرّاء العرب. بل أنها كانت وما زالت خارج دائرة المثقف العربي التقليدي الذي لايزال يفهم الثقافة على أنها أدب ونقد. ومن المؤسف القول بأن هذا التقوقع قد ترافق مع الاختفاء التدريجي لظاهرة المثقف العربي العابر للتخصصات أو الناقد الحضاري القادر على هضم وتذويب مخرجات الحقول المعرفية ومخرجات الحقول العملية، وتقديمها للمواطن العربي العادي أو حتى للمثقف العربي التقليدي بلغة مفهومة وقابلة للترجمة على أرض الواقع ويمكن اخضاع نماذجها أو مشروعاتها للقياس.