عبدالناصر الجوهري - مَقَامُ الكُرْدِ..

أنا أُحِبُّ كاعبًا كُرْديَّةً ،
رقيقةً
مثلُ الفراشةِ يا أبي
ولا أطيقُ بعدها
فأيْنما حَلَّتْ أحلُّ كما النسيمِ مُقْبلاً
أتبعُها هناك من بين الثغورْ
فإنَّها
لا تشتهِى وضعَ المساحيقِ الأنيقةْ
قاطعتْ زهوَ الحلِىَّ
يا أبِى
ولا تُزيّن نفسَها
بالقرطِ
أو تهوى الخواتمَ ،
والترفْ
لا تشتهِى المرآةَ،
أو إغراءَ أحمرِ الشفاه
لا ترتدى ثوبًا جميلًا أنثويّا
مثل باقي الأُخْرياتْ
بل جهزت للحربِ زيًّا عسكريّا
بندقيةْ
وأمعنتْ تحمى تلال قومَها
فى الليل واثبةً
تصدُّ الطامعينْ
لكنَّها
تبكى كثيرًا يا أبى
لأنَّهم
قد فتتوا بلادَها
ولأنَّها
ليست موحدةً قبائلُها
وأهلُها تصارعوا لبئرِ نفطٍ ناشبٍ
ألغامُ كردستانَ لم ترحمْ أحدْ
إنِّي أحبُّ دائمًا نضالَها،
صمودَها
ما حيلتِي؟
فالقلبُ يعشقُها
ولو جُنَّ الهوَى
جُنَّت عيوني للأبدْ
لكنَّها طلبتْ رحيلِي
إنَّها لا وقتَ فى حياتِها للحبِّ…
ليس لمثلِها
فإنها مشغولةٌ
فقلبُها مُغلَّفٌ بحبِّ تلك الأرض،
أو عشقِ الجبلْ
متيمٌ أنا
بالرايةِ الخضراءِ شمسي البرتقاليةْ
إنِّي تعبتُ يا أبى
فمشقة ُالترحالِ خلفَها
ما أثمرتْ إلا الهلاكْ
إنِّي أُجنُّ بسحرِ عينيها
هما زرقاوتانْ
وما تدلَّى منهما
إلا الإباءْ
اغفرْ لمثلى يا أبى
لأنَّها لا تأمنُ الأعرابَ
والأتراكَ والرومانَ
والفُرسْ
حين استعانتْ باقتفاءٍ للنجومْ
لكنني في الحُلْمِ لا أرى سواها
فالهُيامُ مُهْلكٌ
إنِّي مُعلَّقٌ بها
غدًا ستحرسُ دارةً مهجورةً
وتُعلِّم الأطفالَ شيئًا
عن خُطى الأسلافِ
إنِّي كم أحبُّها أحبُّها أحبُّها
هلكْتُ يا أبى
لأنَّها تضيء عالمي
تسترسلُ النجماتُ حولَها
تزفُّ أعراسَ القمرْ
وشجيَّةٌ
مثلُ المجازْ
ونقيَّةٌ
تنسابُ مثلَ قريحةِ الشعراءِ حينَ تكتسى دومًا
تفاعيلَ الحياةْ
ونديَّةٌ
تعانقُ الصفصافَ كالنهرِ المسافرِ للفصولْ
لا يُدركُ العشاقُ ما وادى الهلاكِ…
يا أبى
لأنَّهم لا يعرفونَ طباعَها
عند الغرامْ
لذا؛
اتخذْتُ غنائمَ الأشواقِ لى
قبلَ انكساراتِ الهوَى
أستنظر الحلم الخجولْ
ولو أتى جيش المغولْ.

شعر: عبدالناصر الجوهري - مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...