عزيز نيسين - كيف يسمح بوجود الجرائد في بيت ينمو فيه أطفال؟!

ابني الكبير في الصف الثاني, البنت في الصف الأول, والصغير مازال في البيت. في يوم الأحد كانت الأسرة كلها مجتمعة. وفي أيام الآحاد. كنا نستلم خمسة صحف أما في أيام الأسبوع العادية فثلاث.
ـ جدتي, ماذا تعني كلمة ستربتيز (stripteasee) ؟ سأل الولد. كانت الجدة تكوي البياضات في الغرفة نفسها.
ـ اخرس. من أين تعلمت هذه الكلمة! يجب وضع الفلفل في فمك على هذه الكلمة! يأتي بكل سخافة انهالت أمي على الولد.
ـ أنا لم آت بشيء, هكذا يكتبون في الجريدة… نجمة الستربتيز… أجاب الولد.
ـ اخرس, قلت لك!.. صاحت والدتي وسحبت الجريدة منه.
ـ ليس هكذا, قلت لوالدتي سيزداد فضول الولد بهذا الشكل أكثر. لابد من الجواب على السؤال..
ـ هذا ما كان ينقصني ! قالت والدتي… امرأة في مثل سني تشرح لولد ما تعنيه كلمة ستربتيز. عندها توجه إلي الولد بالسؤال:
ـ بابا, ماذا تعني ستربتيز؟
ـ هات الجريدة لأرى
جلب الجريدة.. صورة معبرة. عندما بدأت اشرح المشهد عما تعنيه الكلمة اقترب الصغيران الآخران.
ـ هل ترون هذه الصورة… إذا قامت المرأة هكذا بخلع أرديتها رداء وراء الآخر يسمى هذا (ستربتيزاً). المرأة في الصورة تخلع أرديتها تريد الذهاب إلى النوم.
ـ والأولاد ألا يعملوا ستربتيز؟ سألت ابنتي.
ـ لا.. الفتيات فقط
ـ لماذا؟
ماذا أجيب؟
ـ الشباب لا يخلعون أرديتهم هكذا.. البنات فقط.
ـ هل سأعمل أنا ستربتيزاً؟
ـ اه يا ربى.. صاحت الجدة
ـ أنت لن تعملي يا بنيتي… قلت لها.
ـ لماذا؟ ألست فتاة؟
ـ يا مجنونة مازلت صغيرة.. تكبرين وتعملين… قال لها ابني بلغة العارف ببواطن الأمور.
ـ جدتي هل كنت تعملين ستربتيزاً؟ سألت البنت جدتها فجأة.
ـ علمهم… علمهم قالت لي أمي بحنق وخرجت من الغرفة إلى المطبخ هازة رأسها.
مساء وعلى العشاء, كان مفترضا أن يأتينا ضيوف ثلاثة من أصحابي مع زوجاتهم مخرج, مهندس ومدير عام. منذ زمن بعيد وأن أميل للسينما لذا فقد كوّنا مجموعة سينمائية, والاجتماع من اجل بحث أمور العمل. كان علي أن اكتب السيناريو, المدير العام والمهندس وعدا بتمويل المشروع, زوجة المهندس تلعب الدور الرئيسي في الفيلم, والمخرج لإخراج الفيلم. متعاونين بهذا الشكل كنا نرغب بإنتاج فيلمنا الأول بأقل التكاليف. ألتم الضيوف. كنا لا نزال جالسين إلى الطاولة والبحث يجري. كان الأطفال في الغرفة أيضا. فجأة اسمع ابني الأكبر يسأل زوجة المخرج, وهي راقصة سابقة:
ــ خالتي.. هل تستطيعين أن تعملي ستربتيزاً؟
ستظن حتما بأن نحن الذين علمنا الولد… اسكت.. اصمت. أشرت إليه مضطربا
ــ لقد قرأ اليوم في الصحيفة هذا قلت لهم مكشراً.
ــ ولكن بابا لماذا يخلعون الملابس بهذه الطريقة.
أسرعت زوجتي بإخراج الطفل من الغرفة. وأخذنا بالتحدث حول الفيلم. فجأة برز ابني في غرفة الضيوف والجريدة في يده متوجهاً فوراً إلى زوجة المخرج:
ـ خاله, ماذا تعني كلمة (بيت عمومي)؟ توجد هنا صورة… انظري…
ـ تعال إلى هنا ـ قلت له فورا تعال ـ لأشرح لك أنا… (البيت العمومي). ومن اجل إنقاذ الموقف قلت موجهاً الحديث للضيوف.
ــ طفل… اولاد فضوليون.. يقرؤون كل ما يرونه في الصحيفة ويستفهمون عن كل شيء.
ــ هيا بابا… بسرعة.
ــ البيت العمومي هو بيت عادي ولكنه عمومي..
ـ وهل بيتنا عمومي!
ابتسم الضيوف
ـ لا أجبته بيتنا خصوصي…
ـ لم افهم شيئاً, ولكن ماذا تعني (بيت عمومي)؟
ـ سأقول لك غدا… اذهب ألان إلى أخيك وأختك…
في هذه المرة دخلت الصغيرة والملحق بيدها وقالت لنجمة السينما:
ــ خالتي. اقرأي ماذا تقول هذه الخالة…
ــ اية خالة؟
قرأت في الصحيفة اسم نجمة سينما شهيرة تقول: (الطريق إلى المجد يمر عبر سرير المخرج).
ــ عبث جرائد سخيفة قالت زوجة المخرج.
ــ بابا ولكن لماذا يمر الطريق عبر السرير؟
ــ يا ابنتي إلا تنامين أحيانا مع ماما في السرير؟
ـ ولكن إلا يوجد لنجمة السينما سرير خاص؟
ـ يوجد, يوجد… يوجد ولكن أحيانا مثلا تتأخر على الباص أو تمرض…
هبت زوجة المهندس واقفة.
ـ نحن نستأذن.
ـ مازال الوقت باكرا جدا؟ إلى أين؟ والعشاء؟
أنا مستاءة قالت زوجة المخرج.
ـ عدم المؤاخذة… مستاؤون مني؟ من ولد غير واع
يسأل عن معنى البيت العمومي؟
تغيرت القسمات على وجوه الجميع فجأة.
نهضت أيضا زوجة المدير العام.
ـ نحن أيضا… آن أوان الذهاب.
ـ ياسادة أرجوكم… أرجو عدم المؤاخذة… إذا كان أطفالنا…
قام الضيوف وخرجوا بهدوء. حسن إن الأمر انتهى عند انهيار مشروع الفيلم. استاء أصدقائي الثلاثة مع زوجاتهم ومنا ومن بعضهم. أما زوجتي فقد رتبت علقة جيدة للأولاد, وبالكاد استطعنا تخليصهم من بين يديها
ـ هذا ليس تربوياً…
منذ ذلك اليوم وأنا لا اسمح للصحف دخول بيتي أقوم بقراءة الجرائد أثناء العمل واجلبها إلى البيت سرا لتقرأها زوجتي ليلا على السرير.
لن تستطيع الجرائد التسلل إلى بيتنا… لن تستطيع.
ــــــ
هو محمد نصرت نيسين، درس في أكاديمية الفنون سنتين، كتب الشعر والقصة ونشرت أولة قصصه في مجلة مللت تحت اسم "وديعة نيسين". استخدم عزيز نيسين في حياته الأدبية والصحافية أكثر من مائتي اسم مستعار ونشر كتابه الأول عندما كان في الأربعين من عمره. أسس مع يشار كمال دارا للنشر، احترقت عام 1963م لأسباب لم يتمكن أحد من معرفتها!
يعتبر عزيز نيسين رائدًا في مجال القصة القصيرة. ربط بين السخرية التقليدية التركية القديمة، والأشكال الحديثة للقصة فكان لأول مرة (تيار القصة القصيرة الساخرة).



* نقلا عن جروب "الصوت المنفرد"

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...