اكتب الآن وأنا ابحث عن طرف الخيط ، خيط قصتي التي سأرويها لكم ، وأفكر في أن أشرككم في روايتها . ذلك لأن أطرافا من قصص ، بلا شك ، قد مرت بكم ذات نهار أو ذات ليلة ... فكرت في ديدرو ، حين يحدثنا عن جاك المؤمن بالقدر ، ويشركنا مسرح القصة ، فنصير جزءا من زمانها ومكانها ، يأخذنا في مسارب حكايات جانبية ، أثناء نوم جاك وسكوته عن الكلام المباح ، لكن أين أنا من ديدرو ؟ ومن متاهاته التي لا طرف لها ؟
يتحدثون عن مدينة خرافية ، معجونة بالحكايات ، تجدها في بطن كل قصة ، وخلف كل حكاية ، أما أنا فلا أجد مدينتي .. لعلها تتهرب مني فليس لي ذاكرة تسكنها ، ولا حلم تتمدد فيه .. مدينتي لا اسم لها ، فكيف أبحث عنها ؟ الأولى أن أبحث عن ذاكرتي ، وأشرع في بناء حلمي ، ساعتها ستود مدينتي العثور علي ، وستجدني بلا شك ..
لم يكن من الكلام بد ، ساعة أن واجهوني بجريمتي ، كيف خطر لي أنهم لن يعرفوا ؟ وآذانهم تلتهم الفضاء من حولي ، منذ أن زدت بضع سنتيمترات طولا ، ونزفت ثمن تجاوزي عتبة النضج؟ . خبأته طوال سنوات ، لم يدر في ذهني أنهم سيكتشفون ، وسرعان ما أخبرتهم عن كل شيء ، عن الرحلة خلسة في ليلة هادئة ، لطرف الحارة ، حيث مكب الخردوات الذي طالما سمعت الصبيان يتحدثون عنه ، سمعت والدتي ليلتها تطلب من جارتنا أم محمد ، أن تخيط نقابا فضفاضا صغيرا ، وقبلها بقليل كان والدي يضع خطا فاقعا فاصلا بيني وبيني ، شعور فادح شعرت به وأنا أتخيلني ممزقة ببين عالمين ، يتنائى عني عالم الطفولة ، ويتم حشري حشرا في عباءة امرأة . كان معنى هذا أني سأدخل تحت قبة الصمت ، أو سأنخلع من نفسي ، وألبس أخرى يريدونها ، كما حدث لسلوى ، التي تركت الرسم وكنا ندعوها بالفنانة ، وانهمكت في تعلم أطباق الحلوى ، التي تقدم مع القهوة العربية ، حتى عرفت بها وتميزت في ابتكارها . وفاطمة التي كانت تهوى كرة القدم ، وتحلم بأن تكون لاعبة مشهورة ، وتحولت لمصممة فساتين لسهرات الحارة التي لا تنتهي . أما أنا فقد تأخرت عنهن قليلا ، ربما لأنني لا أستطيع أن أكون إلا أنا .
تملكني خوف رهيب تلك الليلة ، أطلق ساقي للريح ، في محاولة وداع أخيرة ، للنور والهواء الطلق ولي أيضا . وهناك وجدته ! لم يكن صالحا للاستعمال ، لكن بقليل من العبث في أحشائه ، انطلق يصدح . أخذته للمنزل ، وفي غرفتي ، وبينما أعبث بأزراره ، انبثقت الفكرة . ومن يومها وأنا أدخر فيه نفسي ، لم أستطع الانخلاع منها ، ولا تركها تذوي حتى تموت . اخترت الصمت ، وكان هو وسيلتي للحياة معهم ، فكنت أخبيء فيه أولا بأول ، كل شيء قد يدينني أمامهم ، ولا أخرج لهم إلا خالية مني تماما . ولطالما أحبوني وامتدحوا موتي طوال سنوات ، فأنا الفتاة العاقلة ، التي (لا تنطق) ، هكذا بأحرفها ، صدقوني ، لو جالستم عجائزنا يوما وسمعتموهن يمتدحنني بأنني (لا انطق) لصدقتموني . انه حصيلة سنوات من الهمس أحيانا ، والصراخ المكتوم أحيانا أخرى ، مقطرة في قناني وجع داكنة ، وبعض زجاجات فرح لا لون لها . سنوات من الاختباء والتخفي ، وراء الجدران ، تحت الأرفف العالية ، بين أشجار الحديقة ، وضعت فيه كل معاني الحياة التي عرفتها ، وحين لم يتبق إلا المعنى الأجمل ، أمسكوا بي متلبسة .
أخبرتكم أني أبحث عن طرف الخيط ، ما زلت أبحث ، وقصتي لم تكتمل بعد ، ففي تلك الليلة ، وحين كنت أهمس لمسجلتي بأغنية حب شفيفة ، رقص قلبي مع أنغامها بحماس أكثر من المعتاد ، فانتشر الحماس لكل أركان الغرفة ، وشع منها ضوء أزرق باهر ، لفت أنظار كل من في البيت ، فاندفعوا إلى غرفتي ، ليمسكوا بي متلبسة بحالة شجن . وفي دقائق ، وعلى يد أقساهم ، أو تحت قدمه بالأحرى ، تحولت كل حياتي التي ادخرتها سنوات ، إلى حطام ، ومن بين الحطام ، ها أنا أبحث ذاهلة ، عن طرف الخيط الآخر ، لقصتي التي لن تتم .
.
يتحدثون عن مدينة خرافية ، معجونة بالحكايات ، تجدها في بطن كل قصة ، وخلف كل حكاية ، أما أنا فلا أجد مدينتي .. لعلها تتهرب مني فليس لي ذاكرة تسكنها ، ولا حلم تتمدد فيه .. مدينتي لا اسم لها ، فكيف أبحث عنها ؟ الأولى أن أبحث عن ذاكرتي ، وأشرع في بناء حلمي ، ساعتها ستود مدينتي العثور علي ، وستجدني بلا شك ..
لم يكن من الكلام بد ، ساعة أن واجهوني بجريمتي ، كيف خطر لي أنهم لن يعرفوا ؟ وآذانهم تلتهم الفضاء من حولي ، منذ أن زدت بضع سنتيمترات طولا ، ونزفت ثمن تجاوزي عتبة النضج؟ . خبأته طوال سنوات ، لم يدر في ذهني أنهم سيكتشفون ، وسرعان ما أخبرتهم عن كل شيء ، عن الرحلة خلسة في ليلة هادئة ، لطرف الحارة ، حيث مكب الخردوات الذي طالما سمعت الصبيان يتحدثون عنه ، سمعت والدتي ليلتها تطلب من جارتنا أم محمد ، أن تخيط نقابا فضفاضا صغيرا ، وقبلها بقليل كان والدي يضع خطا فاقعا فاصلا بيني وبيني ، شعور فادح شعرت به وأنا أتخيلني ممزقة ببين عالمين ، يتنائى عني عالم الطفولة ، ويتم حشري حشرا في عباءة امرأة . كان معنى هذا أني سأدخل تحت قبة الصمت ، أو سأنخلع من نفسي ، وألبس أخرى يريدونها ، كما حدث لسلوى ، التي تركت الرسم وكنا ندعوها بالفنانة ، وانهمكت في تعلم أطباق الحلوى ، التي تقدم مع القهوة العربية ، حتى عرفت بها وتميزت في ابتكارها . وفاطمة التي كانت تهوى كرة القدم ، وتحلم بأن تكون لاعبة مشهورة ، وتحولت لمصممة فساتين لسهرات الحارة التي لا تنتهي . أما أنا فقد تأخرت عنهن قليلا ، ربما لأنني لا أستطيع أن أكون إلا أنا .
تملكني خوف رهيب تلك الليلة ، أطلق ساقي للريح ، في محاولة وداع أخيرة ، للنور والهواء الطلق ولي أيضا . وهناك وجدته ! لم يكن صالحا للاستعمال ، لكن بقليل من العبث في أحشائه ، انطلق يصدح . أخذته للمنزل ، وفي غرفتي ، وبينما أعبث بأزراره ، انبثقت الفكرة . ومن يومها وأنا أدخر فيه نفسي ، لم أستطع الانخلاع منها ، ولا تركها تذوي حتى تموت . اخترت الصمت ، وكان هو وسيلتي للحياة معهم ، فكنت أخبيء فيه أولا بأول ، كل شيء قد يدينني أمامهم ، ولا أخرج لهم إلا خالية مني تماما . ولطالما أحبوني وامتدحوا موتي طوال سنوات ، فأنا الفتاة العاقلة ، التي (لا تنطق) ، هكذا بأحرفها ، صدقوني ، لو جالستم عجائزنا يوما وسمعتموهن يمتدحنني بأنني (لا انطق) لصدقتموني . انه حصيلة سنوات من الهمس أحيانا ، والصراخ المكتوم أحيانا أخرى ، مقطرة في قناني وجع داكنة ، وبعض زجاجات فرح لا لون لها . سنوات من الاختباء والتخفي ، وراء الجدران ، تحت الأرفف العالية ، بين أشجار الحديقة ، وضعت فيه كل معاني الحياة التي عرفتها ، وحين لم يتبق إلا المعنى الأجمل ، أمسكوا بي متلبسة .
أخبرتكم أني أبحث عن طرف الخيط ، ما زلت أبحث ، وقصتي لم تكتمل بعد ، ففي تلك الليلة ، وحين كنت أهمس لمسجلتي بأغنية حب شفيفة ، رقص قلبي مع أنغامها بحماس أكثر من المعتاد ، فانتشر الحماس لكل أركان الغرفة ، وشع منها ضوء أزرق باهر ، لفت أنظار كل من في البيت ، فاندفعوا إلى غرفتي ، ليمسكوا بي متلبسة بحالة شجن . وفي دقائق ، وعلى يد أقساهم ، أو تحت قدمه بالأحرى ، تحولت كل حياتي التي ادخرتها سنوات ، إلى حطام ، ومن بين الحطام ، ها أنا أبحث ذاهلة ، عن طرف الخيط الآخر ، لقصتي التي لن تتم .
.