في الجزء الأول من القصة كنت ترى عبد الستار لطفي وهو يجلس الأن على الكنبة مستغرقا في قراءة قصة، وقد تسبب إدمانه علي قراءة القصص، طوال الوقت، في مشاكل عديدة مع زوجته سلوى، لأنه، لا فقط، ملأ كل فراغات جدران الشقة الصغيرة بأرفف القصص، بل لأنه، أيضا، كان يتركها وحيدة، حتى ولو لم يكن هناك مسلسل تتفرج عليه، ويعيش مع قصصه التي أضحت بالنسبة لها مشكلة مزمنة بلا حل. وفي الجزء الأول نفسه من القصة، طلبت سلوى من والديها التدخل فتسببت في مشكلة، لأن والدتها الطيبة لم تكن ترى في إدمان زوجها عبد الستار على القصص أي ضرر ما دامت تجعله يجلس في البيت، وإن كان والدها قد رأى أن شكل البيت أصبح لا يطاق بهذه الأرفف العديدة التي تغطي الجدران من الأرض إلى السقف، وتسبب هذا في خلاف بين الأبوين، وما خفي أن والدة سلوى كانت ترى أن بقاء الزوج في بيته، حتى ولو جلس طوال الوقت ليقرأ قصصا لا يمكن أن يكون في مثل سوء ما أدمن عليه زوجها، والد سلوى نفسه، من الجلوس علي المقهى حتى تغلق أبوابها، كل يوم، كل يوم، طوال عمره، يلعب الطاولة، ويدخن الشيشة التي أهلكت صدره، ويقتطع من ميزانية البيت ما هو في حاجة إليه.
في الجزء الثاني من القصة كان عبد الستار قد لاحظ أنه بدأ يرتكب حماقة تجعله يعيد قراءة القصة مرة ثانية لأنه أضحى ما أن يبدأ في قراءة القصة حتى يجد نفسه يتابع البطلة، ويتجاهل البطل، حتى أنه، وبشكل تلقائي، كان يقفز تلك الصفحات التي كان البطل فيها هو محور الحدث، وهو ما كان يجد فيه، وهو المحترف لقراءة القصص، خيانة من نوع ما، الأمر الذي كان يعيده لقراءة القصة من جديد، وها هو قد لاحظ أنه لا يزال يقرأ نفس القصة منذ أسابيع، دون أن يتركها إلى أخرى.
صحيح أن القصة كانت هي قصة قيس وليلى، في صياغة جديدة، كتبتها كاتبة شابة تسمّي نفسها فرانسواز ساجان العرب، إلا أنه وهو القارئ المحترف لا يمكن أن يظل يعيد ويزيد في قراءة نفس القصة، حتى ولو كانت فرنسواز العرب قد أحسنت في وصف تقاطيع ليلى العصرية التي ترتدي الجينز المحزّق الممزق من الجانبين والذي يظهر كل شيء تقريبا، وكيف أن هذه الشابة التي لم تتجاوز السادسة عشرة، والتي وصفتها ساجان العرب بذات الجيد اليافع والشفتين الملتهبتين، تحسن أفعالا لا تحسنها امرأة في الثلاثين من العمر، وعند هذا الجزء من قصة ليلى راح عبد الستار يتمنى أن تكون زوجته بهذا القدر من الإيجابية التي عليها ليلى، فهي التي كانت تفعل كل شيء تقريبا، ولا يفعل قيس سوى الاستمتاع. وفي هذا الجزء نفسه لم تلاحظ سلوى شيئا من هذا، وإن كانت بالفعل قد بدأت تحس بالغيرة، وقد تمزق قلبها من هذه القصص التي تأخذ زوجها بعيدا عنها، خاصة وأنه لم يكن بإمكان أي منهما الإنجاب، الأمر الذي تأكدا منه بعد إجماع الأطباء على ذلك، كما أنها، ليس في هذا الجزء من القصة، بل في ما يمكن عده ترجيعا لبداية قصتهما معا، فهي في الحقيقة تقول بأنها تحب عبد الستار ولا تجد أي حل آخر سوى الاستمرار معه ، وهي أحبته من البداية، مذ كانا شابين، يخرجان سويا، ويتمشيان على الكورنيش، فهي ومنذ هذا الجزء من القصة كانت تحبه، ولا تستطيع، حتى ولو تقادمت القصة، أن تغير من مشاعرها تجاهه. كل ما تحاول سلوى فعله، في هذا الجزء من القصة أن تجعله يجلس معها ولو ساعة واحدة كل يوم، يكرر عليها الكلام الحلو الذي كانت تسمعه منه في بداية القصة.
لكنه إذا ما عاد عبد الستار نفسه إلى هذا الجزء من القصة كان يعود إلى كل القصص التي قرأها، فيجد أن ما يساوي هذا الجزء من قصته، في كل القصص، كان يصل بالبطل والبطلة إلى مثل ما وصل هو نفسه إليه مع زوجته، على الرغم من أنه لا يستطيع إنكار أنه اعتاد على حياته مع سلوى، سواء في هذا الجزء أو أي جزء آخر، وهو ما دفعه لأن يبحث ما بين السطور عن السبب الذي يجعل بدايات القصص في الحياة بدايات ساخنة، لكنه ليس بالضرورة أن تكون كذلك في القصص المكتوبة، وهي في الحياة تبرد بمرور الوقت، ويصيبها الملل، لكنها في القصص المكتوبة والتي تتحول إلى أفلام تعرض في السينما غالبا ما تستمر بنفس السخونة لتصل للنهاية السعيدة التي غالبا ما تتوج بالأطفال، وملابسهم، ولعبهم، وضوضائهم التي تملأ البيت بقصص لطيفة تحكيها الأم وهي تضحك.
فجأة يتذكر عبد الستار بأنه قد وصل إلى لحظة التنوير في القصة، وأنه هنا لا بد أن يصل إلى لحظة من الذروة التي تجعل القارئ ينجذب للقصة ويتابع القراءة، وأنه لذلك لا بد من فعل مفاجئ، قد يكون صادما للبعض، لكنه لا بد أن يحدث، وإلا فإنه يكون قد فشل في قصته، فقام ليجمع ملابسه في نفس الحقيبة التي جاء فيها بملابسه ليلة زفافه منذ عشرين عاما، وملأها بالملابس، وعلى الرغم من أن سلوى رأته وهو ينفض الغبار عن الحقيبة إلا أن خيالها لم يذهب إلى الحد الذي يجعلها تفكر بأن عبد الستار قد قرر ترك البيت، لذلك واصلت متابعة مسلسلها الذي كان قد وصل الآن إلى إلقاء القبض على المجرمين على يد رجال العدالة، بعد أن نهبوا البنوك، وقتلوا الأطفال، ومزقوا وجوه الفتيات، وأطلقوا النار على المارة، لذلك كانت هي مأخوذة هناك إلى ما يحدث في قصة المسلسل، ولم تنتبه إلى أن عبد الستار قد خرج من باب البيت، دون أي حركة عنيفة، لكنه كتب في ورقة تركها على طاولة السفرة ما اعتبره نهاية طبيعية لقصته، وهو بالقطع سرعان ما يتكشف عن فعل قاس يصل إلى حد الجريمة وهو يترك سلوى بعد عشرين عاما من الزواج، لا لسبب إلا لأنه رأى أن أي قصة، في جزئها الثالث والأخير، تصبح في لحظة الذروة، وأن هذه اللحظة قد وصلت به إلى أن يترك البيت، متجاهلا حتى قصصه التي ملأت الجدران، فقد كان قد قرأها كلها على أية حال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- من مجموعة (رجل العواطف يمشي على الحافة)/ عبده جبير
- منقول عن للفائدة:
sadazakera.wordpress.com
في الجزء الثاني من القصة كان عبد الستار قد لاحظ أنه بدأ يرتكب حماقة تجعله يعيد قراءة القصة مرة ثانية لأنه أضحى ما أن يبدأ في قراءة القصة حتى يجد نفسه يتابع البطلة، ويتجاهل البطل، حتى أنه، وبشكل تلقائي، كان يقفز تلك الصفحات التي كان البطل فيها هو محور الحدث، وهو ما كان يجد فيه، وهو المحترف لقراءة القصص، خيانة من نوع ما، الأمر الذي كان يعيده لقراءة القصة من جديد، وها هو قد لاحظ أنه لا يزال يقرأ نفس القصة منذ أسابيع، دون أن يتركها إلى أخرى.
صحيح أن القصة كانت هي قصة قيس وليلى، في صياغة جديدة، كتبتها كاتبة شابة تسمّي نفسها فرانسواز ساجان العرب، إلا أنه وهو القارئ المحترف لا يمكن أن يظل يعيد ويزيد في قراءة نفس القصة، حتى ولو كانت فرنسواز العرب قد أحسنت في وصف تقاطيع ليلى العصرية التي ترتدي الجينز المحزّق الممزق من الجانبين والذي يظهر كل شيء تقريبا، وكيف أن هذه الشابة التي لم تتجاوز السادسة عشرة، والتي وصفتها ساجان العرب بذات الجيد اليافع والشفتين الملتهبتين، تحسن أفعالا لا تحسنها امرأة في الثلاثين من العمر، وعند هذا الجزء من قصة ليلى راح عبد الستار يتمنى أن تكون زوجته بهذا القدر من الإيجابية التي عليها ليلى، فهي التي كانت تفعل كل شيء تقريبا، ولا يفعل قيس سوى الاستمتاع. وفي هذا الجزء نفسه لم تلاحظ سلوى شيئا من هذا، وإن كانت بالفعل قد بدأت تحس بالغيرة، وقد تمزق قلبها من هذه القصص التي تأخذ زوجها بعيدا عنها، خاصة وأنه لم يكن بإمكان أي منهما الإنجاب، الأمر الذي تأكدا منه بعد إجماع الأطباء على ذلك، كما أنها، ليس في هذا الجزء من القصة، بل في ما يمكن عده ترجيعا لبداية قصتهما معا، فهي في الحقيقة تقول بأنها تحب عبد الستار ولا تجد أي حل آخر سوى الاستمرار معه ، وهي أحبته من البداية، مذ كانا شابين، يخرجان سويا، ويتمشيان على الكورنيش، فهي ومنذ هذا الجزء من القصة كانت تحبه، ولا تستطيع، حتى ولو تقادمت القصة، أن تغير من مشاعرها تجاهه. كل ما تحاول سلوى فعله، في هذا الجزء من القصة أن تجعله يجلس معها ولو ساعة واحدة كل يوم، يكرر عليها الكلام الحلو الذي كانت تسمعه منه في بداية القصة.
لكنه إذا ما عاد عبد الستار نفسه إلى هذا الجزء من القصة كان يعود إلى كل القصص التي قرأها، فيجد أن ما يساوي هذا الجزء من قصته، في كل القصص، كان يصل بالبطل والبطلة إلى مثل ما وصل هو نفسه إليه مع زوجته، على الرغم من أنه لا يستطيع إنكار أنه اعتاد على حياته مع سلوى، سواء في هذا الجزء أو أي جزء آخر، وهو ما دفعه لأن يبحث ما بين السطور عن السبب الذي يجعل بدايات القصص في الحياة بدايات ساخنة، لكنه ليس بالضرورة أن تكون كذلك في القصص المكتوبة، وهي في الحياة تبرد بمرور الوقت، ويصيبها الملل، لكنها في القصص المكتوبة والتي تتحول إلى أفلام تعرض في السينما غالبا ما تستمر بنفس السخونة لتصل للنهاية السعيدة التي غالبا ما تتوج بالأطفال، وملابسهم، ولعبهم، وضوضائهم التي تملأ البيت بقصص لطيفة تحكيها الأم وهي تضحك.
فجأة يتذكر عبد الستار بأنه قد وصل إلى لحظة التنوير في القصة، وأنه هنا لا بد أن يصل إلى لحظة من الذروة التي تجعل القارئ ينجذب للقصة ويتابع القراءة، وأنه لذلك لا بد من فعل مفاجئ، قد يكون صادما للبعض، لكنه لا بد أن يحدث، وإلا فإنه يكون قد فشل في قصته، فقام ليجمع ملابسه في نفس الحقيبة التي جاء فيها بملابسه ليلة زفافه منذ عشرين عاما، وملأها بالملابس، وعلى الرغم من أن سلوى رأته وهو ينفض الغبار عن الحقيبة إلا أن خيالها لم يذهب إلى الحد الذي يجعلها تفكر بأن عبد الستار قد قرر ترك البيت، لذلك واصلت متابعة مسلسلها الذي كان قد وصل الآن إلى إلقاء القبض على المجرمين على يد رجال العدالة، بعد أن نهبوا البنوك، وقتلوا الأطفال، ومزقوا وجوه الفتيات، وأطلقوا النار على المارة، لذلك كانت هي مأخوذة هناك إلى ما يحدث في قصة المسلسل، ولم تنتبه إلى أن عبد الستار قد خرج من باب البيت، دون أي حركة عنيفة، لكنه كتب في ورقة تركها على طاولة السفرة ما اعتبره نهاية طبيعية لقصته، وهو بالقطع سرعان ما يتكشف عن فعل قاس يصل إلى حد الجريمة وهو يترك سلوى بعد عشرين عاما من الزواج، لا لسبب إلا لأنه رأى أن أي قصة، في جزئها الثالث والأخير، تصبح في لحظة الذروة، وأن هذه اللحظة قد وصلت به إلى أن يترك البيت، متجاهلا حتى قصصه التي ملأت الجدران، فقد كان قد قرأها كلها على أية حال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- من مجموعة (رجل العواطف يمشي على الحافة)/ عبده جبير
- منقول عن للفائدة:
في ظلّ قصة ما.. قصة لـ عبده جبير
في الجزء الأول من القصة كنت ترى عبد الستار لطفي وهو يجلس الأن على الكنبة مستغرقا في قراءة قصة، وقد تسبب إدمانه علي قراءة القصص، طوال الوقت، في مشاكل عديدة مع زوجته سلوى، لأنه، لا فقط، ملأ ك…