محمود درويش - الرجل ذو الظل الأخضر..

[ في ذكرى جمال عبد الناصر ]


نَعيشُ معكْ
نسير معك
نجوع معك
وحين تموت
!نحاول ألاّ نموت معك!
ولكن،
لماذا تموت بعيداً عن الماء
والنيل ملء يديكْ؟
لماذا تموت بعيداً عن البرق
والبرق في شفتيك؟
وأنت وعدت القبائلْ
برحلة صيف من الجاهليهْ
وأنت وعدت السلاسل
بنار الزنود القويهْ
وأنت وعدت المقاتل
بمعركة.. ترجع القادسيهْ
نرى صوتك الآن ملء الحناجرْ
زوابع
تلو
زوابع...
نرى صدرك الآن متراس ثائر
ولافتة للشوارع
نراك
نراك
نراك...
طويلاً
.. كسنبلةٍ في الصعيد
جميلاً
.. كمصنع صهر الحديد
وحراً
.. كنافذة في قطار بعيد..

ولستَ نبيّاً،
ولكن ظلّك أخضر
أتذكر؟
كيف جعلت ملامح وجهي
وكيف جعلت جبيني
وكيف جعلت اغترابي وموتيَ
أخضر
أخضر
أخضر...
أتذكر وجهي القديم؟
لقد كان وجهي يُحنَّط في متحف إنجليزي
ويسقط في الجامع الأمويّ
متى يا رفيقي؟
متى يا عزيزي؟
متى نشتري صيدليهْ
بجرح الحسين... ومجد أميّهْ
ونُبعث في سدّ أسوان خبزاً وماء
ومليون كيلواط من الكهرباء؟
أتذكر؟
كانت حضارتنا بدوياً جميل
يحاول أن يدرس الكيمياء
ويحلم تحت ظلال النخيل
بطائرة.. وبعشر نساء
ولست نبيّاً
ولكن ظلّك أخضر ..
نعيش معك
نسير معك
نجوع معك
وحين تموت
نحاول ألاّ نموت معك
ففوق ضريحك ينبت قمحٌ جديد
وينزل ماء جديد
وأنت ترانا
نسير
نسير
نسير.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...