قبل أن ندخل في الموضوع الّذي نحن بصدده، لنبدأ بإيراد هذه الرّواية: "كان بالمدينة عطّاران يهوديان، فأسْلمَ أحدُهما ولَقِيَهُ صاحبُه بعد حين، فقال: كيفَ رَأيْتَ دينَ الإسلام؟ قال: خَيْرَ دين، إلاّ أنّهم لا يَدَعُونا نَفْسُو في الصّلاة. قال صاحبُه: وَيْلَكَ! افْسُ وَهُمْ لا يَعْلَمُون." (نثر الدرّ للآبي: ج 2، 40).
مهما يكن من أمر هذه الرّواية بوصفها تنتمي إلى الرّوايات الشّعبيّة فهي، على غرار هذا النّوع الأدبي عادة، تكشف عن بواطن المجتمعات. كما أنّها تشي بأصداء ذلك التوتّر القائم بخصوص أحكام الفساء والضّراط بين اليهوديّة والإسلام.
لكن، ورغم ما تشي به هذه الرّواية من أصداء الخلاف الفقهي في هذه الأمور، غير أنّنا يمكننا القول إنّه ولمّا أنعم الله على الإسلام باليهوديّة، فقد جاء يحذوها "حذو القذّة بالقذّة" كما يقال، مثلما كنّا وقفنا على بعض هذه الجوانب في مقالات وسياقات أخرى في الماضي.
أمّا في هذا السّياق الّذي نحن بصدده الآن، فلو ذهبنا وتتبّعنا آثار الضّارطين في اليهوديّة لوجدنا ضالّتنا المنشودة ووقفنا على مصادر أحكام الضّراط في الإسلام، ولَتبيّنَ لنا ما ينماز به حكم المُحْدِثين - الفاسين أو الضّارطين - في الصّلاة بين هؤلاء وأولئك.
الرّيح السيّئة تقطع الصّلاة:
على ما يبدو، فإنّ الشّارع في الإسلام قد حذا، في مسألة وجوب قطع الصّلاة في حال الإحداث، حذو الشّارع في اليهوديّة. وهذه المسألة في اليهودية لها علاقة أيضًا بالصّلاة، إذ أنّها تُذكر في سياق إحدى أهمّ الفرائض اليهوديّة، ألا وهي دعاء "اسمع يا إسرائيل"، وهو الدّعاء الّذي يختزل مبدأ التّوحيد اليهودي الّذي لا يُشركُ مع اللّه أحدًا، لا نبيًّا ولا رسولاً أيًّا كان. يُشار هنا إلى أنّ دعاء "اسمع يا إسرائيل" هو فرض مركزيّ في اليهودية يُلخّص الإيمان بوحدانيّة اللّه، حيث تتمّ تلاوته مرّتين في اليوم، في الفجر وفي المساء، كما يتلى أحيانًا في مناسبات هامّة أخرى أيضًا. يرد هذا المبدأ في التّوراة، وينصّ كما يلي: "اسْمَعْ يا إسْرَائيل، يهوه إلهُنَا، يهوه أَحَدٌ. وَأَحِبَّ يهوه إلهَكَ بكُلِّ قَلْبِكَ، وبكُلِّ نَفْسِكَ وبكُلِّ قُوّتكَ. ولتَكُنْ هذِهِ الأَقْوَالُ الّتي أَنَذَا آمُرُكَ بَهَا اليَوْمَ في قَلْبِكَ. فَاتْلُهَا عَلَى أبْنَائِكَ وكَلِّمْهُمْ بِهَا، جَالِسًا في بَيْتِكَ، وَماشِيًا في الطَّريق، وَهَاجِدًا وَقَاعِدًا. وَارْبُطْهَا آيَةً عَلَى يَدِكَ، وَلتَكُنْ رَبْعَةً بَيْنَ عَيْنَيْكَ. وَاكْتُبْهَا عَلَى قَوائمِ بَيْتِكَ، وَعَلَى أَبْوابِكَ." (سفر التثنية، الفصل 6، 4-8؛ الترجمة من الأصل العبري هي لي وقد آثرت الآن الإبقاء على المصطلح "يهوه" كما يظهر في الأصل العبري، إذ أنّ التّرجمات العربيّة الموجودة للتّوراة غير دقيقة بالمرّة، وربّما أعمل مستقبلاً على ترجمة جديدة وكاملة للتوراة من الأصل العبري. وسأعود في مقالة قادمة للبحث في مسألة الترجمة الإسلاميّة الدّقيقة لـهذا المصطلح "يهوه" من التّوراة العبريّة مثلما يظهر في القرآن وفي سائر المأثورات الإسلاميّة).
أمّا فيما يخصّ المسألة التي نبحث فيها، فإنّ الشّارع في اليهوديّة يقول بوجوب قطع تلاوة "اسمع يا إسرائيل" في حال وجود ريح نتنة، كما أنّ وجوب القطع هذا هو وجوب على وجه الخصوص في حال كون مُحْدِث الرّائحة - أي الفاسي أو الضّارط - هو المصلّي ذاته، وذلك حتّى تذهب هذه الرّيح. نعثر على هذا الحكم لدى الرّابي موسى بن ميمون، الشّهير باسم الرّمْبام (1138-1204م)، وهو أهمّ الفقهاء في الشّرع اليهودي والّذي يستند بالطّبع في أحكامه ومؤلّفاته إلى التّلمود، وخاصّة البابلي والّذي يسمّى أيضًا "چماراه"، وهو من القرن الثّالث للميلاد.
الرّيح ريحان:
يقسم الرّمبام هذه الرّيح التي يدور الحديث عنها إلى ريحين. الرّيح الأولى هي الرّيح المُنتنة الخارجة من جسم منتن بذاته، والرّيح الثانية هي الرّيح المُنتنة الخارجة من جسم عَرَضًا. يذكر الرّمبام في هذا السّياق ما نصّه: "رائحة نتنة بذاتها، يبتعد عنها قدر أربعة أذرع ويقرأ، في حال ذهاب الرّيح. وإنْ لم تذهبْ، يبتعد حتّى مكان ذهاب الرّيح. والّتي ليستْ بذاتها، مَثَلُ الّذي تخرجُ منه ريحٌ من أسْفَل، يبتعد مقدار ذهاب الرّيح ثمّ يقرأ." (الرمبام: أحكام تلاوة اسمع، 12). نستطيع الوقوف على أهميّة هذه التّلاوة من خلال الميز بينها وبين سائر التلاوات التوراتية فيما يتعلّق بوجود روائح منتنة بصورة عامّة، وعلى وجه الخصوص إن كانت هذه الرّوائح صادرة من أسفل، كما يذكر: "بَيْنَما هو يقرأ وَصَلَ إلى مكان مُنتن، لا يضع يدَهُ على فَمِه [وأنفه] ويَقْرأ، إنّما يتوقّف حتّى تَذْهَبَ زُهُومتُها، ثمّ يعود لقراءته؛ وكذا في سائر أمور التوراة. [أمّا بشأن] خُروج ريح من صديقه، فرغم أنّها تَقْطعُ تلاوةَ اسْمَعْ [يا إسرائيل]، فهي لا تَقْطَع سائر أمورَ التّوراة" (الرّمبام: أحكام تلاوة اسمع: 14. ما جاء بين معقوفين في النصّ هو إضافة منّي للتّوضيح). أي أنّ تلاوة "اسْمَعْ يا إسرائيل" هي التّلاوة الأعظم في اليهوديّة. كما أنّ وُجوبَ قطع هذه الصّلاة، بخلاف سائر الأمور، هو فَرْضٌ قاطعٌ في حال وجود ريح سيّئة، أكان مصدرَ هذه الرّيح جسمٌ منتن بذاته، أو كانَ مصدرَها المؤمنُ المُحْدِثُ، إنْ بفسائه أو بضراطه.
كما يذهب الرّمبام أبعد من ذلك، حيث يتطرّق أيضًا إلى العطاس والجشاء والتثاؤب في الصّلاة، رغم أنّ حكم كلّ هذه أخفّ حكمًا من الرّيح السّفلى، فيقول: "مَنْ يتجشّأ ويتثاءب ويعطُس في صلاته، إنْ كان هذا بإرادته فهو مذموم؛ وإنْ كانَ فَحَصَ جسْمَه قَبْلَ صلاته وأتاهُ هذا رغمًا عنه، فلا غرو في ذلك.... [بينما، في حال] خرجتْ منهُ ريحٌ من أسْفَل، بَيْنَما هو قائمٌ في الصّلاة، رغمًا عنه، يصمت حتّى تذهب الرّيح، ثمّ يعود لصلاته." (الرّمبام: أحكام الصّلاة 4، 11).
الاضطرار للضّراط:
غير أنّ أمور الإحداث هذه قد تخرج عن سيطرة المؤمن، إذ في بعض الأحيان، لا يستطيع المؤمن تمالك نفسه من الفساء والضّراط. وفي هذه الحال يضيف الرّمبام تلاوة خاصّة يجدر بالمؤمن أن يقولها، فيذكر بهذا السّياق: "إنْ طَلَبَ [اضْطُرَّ إلى] إخْراجَ ريحٍ من أسْفَل واغْتَمَّ كثيرًا ولا يَقْدرُ على تَمَالُكِ نَفْسه، يَخطو للوراء أربعةَ أذْرع، وينتظرُ حتّى تذهبَ الرّيح؛ ثمّ يقول: يا ربّ العالمين، خَلَقْتَنا ثُقُوبًا ثُقُوبًا، وَفراغًا فراغًا؛ جَلِيٌّ ومَعْلُومٌ لَدُنْكَ عَارُنَا وَشَنَارُنا، عَارٌ وشَنَارٌ في حَيَاتِنَا، دُودٌ وَقَتَعٌ في مَمَاتِنا. ثمّ يعود إلى مكانه، ويصلّي." (الرّمبام: أحكام الصّلاة 4، 12).
أمّا بخصوص الضّراط في النّوم،
فمثلما رأينا من قبل في المأثورات الإسلاميّة، من وجوب الوضوء لمن خلد إلى النّوم خشية إحداثه نائمًا، فسوةً أو ضرطةً، دون أن يشعر، فها نحن نعثر أيضًا على هذه الخشية من الإحداث في النّوم بالذّات لدى الشّارع في اليهوديّة، إذ يتمّ التّطرُّق لهذه المسألة في باب طقس "وضع التّفيلين"، (والـ"تّفيلين" هو عدّة خاصّة للطّقس الدّيني مصنوعة من الجلد، وهي قسمان؛ قسم يوضع على اليد وآخر على الرأس، وتُستخدم في الصّلاة)، حيث يُحْظَر الفساء أو الضّراط في هذا الطّقس. ولهذا السّبب أيضًا فقد حظرت اليهوديّة الخلود إلى النّوم مع "التّفيلين"، حتّى لو كانت هذه نَيْمُومَةً خفيفة، وذلك حذرَ أن يكون النّائم قد أحدثَ فسوةً أو ضرطةً بينما هو نائم، دون أن يدري. وكلّ هذا الحظر هو بسبب ما للإحداث من نجاسة للـ"تفيلين". وفي هذا السّياق يذكر الرّمبام: "[عدّة] التّفيلين تُوجبُ جَسَدًا نظيفًا كإليشع، فليحذرْ ألاّ تَخْرُجَ مِنْهُ ريحٌ من أسْفَل، طَالَمَا هي عليه." (الرّمبام: أحكام التّفيلين، فصل 4، 15). يستند الرّمبام في حكمه هذا بالطّبع على التلمود البابلي، المسمّى أيضًا الـ"چماراه": "قال الرّابي يناي: [عدّة] التّفيلين تُوجبُ جسدًا نظيفًا كإليشع... قال أبيي: ألاّ يُحْدِث [يفسو أو يضرط] فيها، قال [الرّابي] الكبير: ألاّ ينام مَعها." (التلمود البابلي، الورقة 49، 1).
وللضّراط أحكام ليس في الصّلاة فقط، بل يجدر الاحتشام بالضّراط على العموم. وهكذا فحتّى في حال الذّهاب لقضاء الحاجة، هنالك أحكام احتشام يجدر بتلاميذ التوراة أن يسيروا على هديها. وفي بعض الأحيان يُستخدم مصطلح آخر كناية عن الضّراط، حيث يُستخدم المصطلح "عطاس"، فعلى سبيل المثال نقرأ: "إذا ذهبَ [لقضاء الحاجة] خلْفَ جدار، يبتعد حتّى لا يستطيع صاحبُه سماعَه إذا ما عَطَسَ، وإذا ذهب [لقضاء الحاجة] في سَهْلٍ، يبتعد حتّى لا يستطيع صاحبُه رؤيةَ تشميره..." (الرّمبام: أحكام آراء، فصل 5، 6).
ضرطة تؤدّي إلى توبة صادقة:
كما يرد ذكر الضّراط أيضًا في روايات الـ"أغاداه" وهي مرويّات لا تُعدّ جزءًا من التّشريع، وإنّما هي نصوص تحتوي على قصص وأمثال تدور حول مواضيع وقضايا ومسائل مختلفة قد تُستَنتج من النّصوص التّوراتية. وهكذا نجد في الـ"أغاداه" قصّة إلعازار بن دوردايا الّذي اشتهر بخطاياه الكثيرة، فقد حُكي عنه أنّه لم يترك زانية واحدة في العالم لم يطرق بابها، وهكذا يُروى أنّه: "سمع مرّة عن وجود زانية في بلاد وراء البحار وكانت هذه تتقاضى صرّةً من الدّنانير على خدماتها. حمل صرّةً من دنانير وانطلق يطلبها، فقطع سبعة أنهر. وبينما كانت تُعدّ الفراشَ، ضَرَطَتْ، فقالت: مثلما أنّ هذه الضّرْطةَ لن تعودَ إلى مكانها، هكذا لَنْ تُقبَلَ تَوْبَةُ إلعازار بن دوردايا.
فانطلق وذهب وقعد بين الجبال والتّلال، ثمّ دعا وقال: "أيّتها الجبال والتّلال، اطلُبِي لي الرّحمة. قالت له: قبل أن نطلب لك الرّحمة، [أوْلَى بنا أنْ] نطلبَ الرّحمةَ لأنفسنا، إذ ذُكرَ: {فإنّ الجِبَالَ تَحُولُ والتِّلالَ تَزُولُ.} (أشعيا 54، 10). وهكذا، انتقل إلعازار بن دوردايا داعيًا طالبًا الرحمة من الأرض والسماء ثمّ الشمس والقمر والنّجوم، وكلّها تردّ عليه بنفس المقولة، بأنّ الأولى بها أن تطلب الرحمة لأنفسها قبل أن تطلبها له. فقال لنفسه: "ليس الأمر منوطًا إلاّ بي. ووضعَ رأسَه بين رُكْبَتَيهِ وأجْهشَ بالبكاء حتّى لفَظَ أنفاسَهُ. عندئذ جاء صوتٌ [من السّماء] يقول: رابي إلعازار بن دوردايا مدعُوّ إلى الحياة الآخرة." (التلمود البابلي: باب عبادة الأوثان، الورقة 17، 1).
لقد وردت هذه القصّة أيضًا في المشناة، وهي نصوص تشتمل على فرائض وأحكام توراتيّة كما وتشتمل على نصوص التّوراة التي انتقلت بالرواية الشّفهيّة حتّى تمّ تدوينها وتحريرها في القرن الثاني للميلاد. كما أنّ هذه القصّة تُروى في سياق التّوبة الصّادقة، وكون الفرد نفسه مسؤولاً عن أعماله، ولهذا تذكر الرّوايات أنّ الرّابي يهودا هاناسي، وهو مؤلّف المشناة، قد بكى وقال بشأنه: "هنالك من يفوز بآخرته بسنوات، وهنالك من يفوز بآخرته بساعة واحدة." (التلمود البابلي: باب عبادة الأوثان، الورقة 17، 1). بل وأكثر من ذلك، فقد أضاف مؤلّف المشناة: "ليسَ فقط أنّ التّائبين تُقبَل توبتهم، وإنّما يُكَنّون رابي". وقبل هذا لم يكن إلعازار بن دوردايا يدرس التّوراة ولم يكن يُكَنَّى رابي".
وهكذا، وعلى ما يبدو، فكلّ هذه "التّوبة الصّادقة"، الّتي كان ثوابُ صاحبها الفوزَ بالآخرة، لم تكن لتحصل لولا تلك الضّرطَة الّتي أحدثتها تلك الزانية التي قطع إلعازار بن دوردايا سبعة أنهر حاملاً معه صرّة دنانير بحثًا عنها.
***
أمّا في النصرانية
فقد وجدوا، على ما يبدو، حلاًّ فريدًا لإشكاليّات الضّراط في الكنائس والبيع والصوامع وسائر أماكن عباداتهم. لقد كانوا أكثر ذكاءً وحيلةً من اليهود والمسلمين في حلّ هذه المسألة العويصة، إذ أدخلوا البخور إلى هذه الأماكن. وهكذا احتالوا فغَلّبوا رائحةَ البخور على رائحة ضراط القساوسة والقمامصة والبطارقة والبابوات وسائر المؤمنين. أليس كذلك؟
خبر عاجل:
لقد اكتشف العلماء أخيرًا أنّ الدّروز أيضًا، من الجُهّال والعُقّال، يفسون ويضرطون أحيانًا وبسريّة تامّة. وذلك لما للإحداث من عواقب اجتماعيّة وخيمة قد تؤدّي إلى النّزوح عن البلد، كما رُوي عن أحد مُحْدِثِيهم. كما وتبيّن أيضًا من خلال بحوث مخبريّة أنّ فساءَهم وضُراطَهم لا يختلفان كثيرًا عن فساء وضراط اليهود والمسلمين والنّصارى في هذا المشرق الآسن، لأنّ تربتهم واحدة ومناخهم واحد وهواءهم واحد، فـ"كلّهم في الهوا سوا"، كما يقال. غير أنّ الخبراء بهذه العلوم الدّقيقة لم يعثروا بعد على نصوص لديهم تتطرّق إلى مسائل الضّراط، وأكّدوا على أنّهم سيواصلون البحث في هذا المضمار.
***
ولعلّ خير ما نختتم به
هذا المبحث الآن هو رواية عربيّة تتطرّق إلى ما جرى مع مُسيلمة لدى مواقعته لرفيقته سجاح. فقد دوّن لنا السّلف في هذا السّياق: "ولمّا وقعَ مُسيلمة على سجاح ضَرَطتْ، فقال: ما هذا؟ قالت: هذا من ثقل الوَحْي." (محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني: ج 1، 447).
***
وهكذا، وبعد أن وقفنا على قضايا الضّراط واختلاف أحكامه، طريفها ومتلدها، نختمُ أخيرًا بهذه الأبيات نقيضةً لأبيات ابن ساعدة، لنوصد بها هذا الباب. فليتفكّرْ في الأمر أُولو الألباب:
في الضّارِطينَ الأوَّلِيــ - ـنَ، مِنَ اليَهُودِ، لَنَا مَنَابِرْ
لَمَّا رَأَيْتُ مَآثِرًا - لِلضَّرْطِ، كَيْفَ لَهَا مَصَادِرْ
وَرَأَيْتُ قَوْمِي نَحْوَهَا - يَسْعَى الأَصَاغِرُ وَالأَكَابِرْ
أَيْقَنْتُ أَنِّي، لا مَحَا - لَةَ، حَيْثُ صَارَ العَقْلُ صَائِرْ
والعقل وليّ التّوفيق.
** عن الأوان
مهما يكن من أمر هذه الرّواية بوصفها تنتمي إلى الرّوايات الشّعبيّة فهي، على غرار هذا النّوع الأدبي عادة، تكشف عن بواطن المجتمعات. كما أنّها تشي بأصداء ذلك التوتّر القائم بخصوص أحكام الفساء والضّراط بين اليهوديّة والإسلام.
لكن، ورغم ما تشي به هذه الرّواية من أصداء الخلاف الفقهي في هذه الأمور، غير أنّنا يمكننا القول إنّه ولمّا أنعم الله على الإسلام باليهوديّة، فقد جاء يحذوها "حذو القذّة بالقذّة" كما يقال، مثلما كنّا وقفنا على بعض هذه الجوانب في مقالات وسياقات أخرى في الماضي.
أمّا في هذا السّياق الّذي نحن بصدده الآن، فلو ذهبنا وتتبّعنا آثار الضّارطين في اليهوديّة لوجدنا ضالّتنا المنشودة ووقفنا على مصادر أحكام الضّراط في الإسلام، ولَتبيّنَ لنا ما ينماز به حكم المُحْدِثين - الفاسين أو الضّارطين - في الصّلاة بين هؤلاء وأولئك.
الرّيح السيّئة تقطع الصّلاة:
على ما يبدو، فإنّ الشّارع في الإسلام قد حذا، في مسألة وجوب قطع الصّلاة في حال الإحداث، حذو الشّارع في اليهوديّة. وهذه المسألة في اليهودية لها علاقة أيضًا بالصّلاة، إذ أنّها تُذكر في سياق إحدى أهمّ الفرائض اليهوديّة، ألا وهي دعاء "اسمع يا إسرائيل"، وهو الدّعاء الّذي يختزل مبدأ التّوحيد اليهودي الّذي لا يُشركُ مع اللّه أحدًا، لا نبيًّا ولا رسولاً أيًّا كان. يُشار هنا إلى أنّ دعاء "اسمع يا إسرائيل" هو فرض مركزيّ في اليهودية يُلخّص الإيمان بوحدانيّة اللّه، حيث تتمّ تلاوته مرّتين في اليوم، في الفجر وفي المساء، كما يتلى أحيانًا في مناسبات هامّة أخرى أيضًا. يرد هذا المبدأ في التّوراة، وينصّ كما يلي: "اسْمَعْ يا إسْرَائيل، يهوه إلهُنَا، يهوه أَحَدٌ. وَأَحِبَّ يهوه إلهَكَ بكُلِّ قَلْبِكَ، وبكُلِّ نَفْسِكَ وبكُلِّ قُوّتكَ. ولتَكُنْ هذِهِ الأَقْوَالُ الّتي أَنَذَا آمُرُكَ بَهَا اليَوْمَ في قَلْبِكَ. فَاتْلُهَا عَلَى أبْنَائِكَ وكَلِّمْهُمْ بِهَا، جَالِسًا في بَيْتِكَ، وَماشِيًا في الطَّريق، وَهَاجِدًا وَقَاعِدًا. وَارْبُطْهَا آيَةً عَلَى يَدِكَ، وَلتَكُنْ رَبْعَةً بَيْنَ عَيْنَيْكَ. وَاكْتُبْهَا عَلَى قَوائمِ بَيْتِكَ، وَعَلَى أَبْوابِكَ." (سفر التثنية، الفصل 6، 4-8؛ الترجمة من الأصل العبري هي لي وقد آثرت الآن الإبقاء على المصطلح "يهوه" كما يظهر في الأصل العبري، إذ أنّ التّرجمات العربيّة الموجودة للتّوراة غير دقيقة بالمرّة، وربّما أعمل مستقبلاً على ترجمة جديدة وكاملة للتوراة من الأصل العبري. وسأعود في مقالة قادمة للبحث في مسألة الترجمة الإسلاميّة الدّقيقة لـهذا المصطلح "يهوه" من التّوراة العبريّة مثلما يظهر في القرآن وفي سائر المأثورات الإسلاميّة).
أمّا فيما يخصّ المسألة التي نبحث فيها، فإنّ الشّارع في اليهوديّة يقول بوجوب قطع تلاوة "اسمع يا إسرائيل" في حال وجود ريح نتنة، كما أنّ وجوب القطع هذا هو وجوب على وجه الخصوص في حال كون مُحْدِث الرّائحة - أي الفاسي أو الضّارط - هو المصلّي ذاته، وذلك حتّى تذهب هذه الرّيح. نعثر على هذا الحكم لدى الرّابي موسى بن ميمون، الشّهير باسم الرّمْبام (1138-1204م)، وهو أهمّ الفقهاء في الشّرع اليهودي والّذي يستند بالطّبع في أحكامه ومؤلّفاته إلى التّلمود، وخاصّة البابلي والّذي يسمّى أيضًا "چماراه"، وهو من القرن الثّالث للميلاد.
الرّيح ريحان:
يقسم الرّمبام هذه الرّيح التي يدور الحديث عنها إلى ريحين. الرّيح الأولى هي الرّيح المُنتنة الخارجة من جسم منتن بذاته، والرّيح الثانية هي الرّيح المُنتنة الخارجة من جسم عَرَضًا. يذكر الرّمبام في هذا السّياق ما نصّه: "رائحة نتنة بذاتها، يبتعد عنها قدر أربعة أذرع ويقرأ، في حال ذهاب الرّيح. وإنْ لم تذهبْ، يبتعد حتّى مكان ذهاب الرّيح. والّتي ليستْ بذاتها، مَثَلُ الّذي تخرجُ منه ريحٌ من أسْفَل، يبتعد مقدار ذهاب الرّيح ثمّ يقرأ." (الرمبام: أحكام تلاوة اسمع، 12). نستطيع الوقوف على أهميّة هذه التّلاوة من خلال الميز بينها وبين سائر التلاوات التوراتية فيما يتعلّق بوجود روائح منتنة بصورة عامّة، وعلى وجه الخصوص إن كانت هذه الرّوائح صادرة من أسفل، كما يذكر: "بَيْنَما هو يقرأ وَصَلَ إلى مكان مُنتن، لا يضع يدَهُ على فَمِه [وأنفه] ويَقْرأ، إنّما يتوقّف حتّى تَذْهَبَ زُهُومتُها، ثمّ يعود لقراءته؛ وكذا في سائر أمور التوراة. [أمّا بشأن] خُروج ريح من صديقه، فرغم أنّها تَقْطعُ تلاوةَ اسْمَعْ [يا إسرائيل]، فهي لا تَقْطَع سائر أمورَ التّوراة" (الرّمبام: أحكام تلاوة اسمع: 14. ما جاء بين معقوفين في النصّ هو إضافة منّي للتّوضيح). أي أنّ تلاوة "اسْمَعْ يا إسرائيل" هي التّلاوة الأعظم في اليهوديّة. كما أنّ وُجوبَ قطع هذه الصّلاة، بخلاف سائر الأمور، هو فَرْضٌ قاطعٌ في حال وجود ريح سيّئة، أكان مصدرَ هذه الرّيح جسمٌ منتن بذاته، أو كانَ مصدرَها المؤمنُ المُحْدِثُ، إنْ بفسائه أو بضراطه.
كما يذهب الرّمبام أبعد من ذلك، حيث يتطرّق أيضًا إلى العطاس والجشاء والتثاؤب في الصّلاة، رغم أنّ حكم كلّ هذه أخفّ حكمًا من الرّيح السّفلى، فيقول: "مَنْ يتجشّأ ويتثاءب ويعطُس في صلاته، إنْ كان هذا بإرادته فهو مذموم؛ وإنْ كانَ فَحَصَ جسْمَه قَبْلَ صلاته وأتاهُ هذا رغمًا عنه، فلا غرو في ذلك.... [بينما، في حال] خرجتْ منهُ ريحٌ من أسْفَل، بَيْنَما هو قائمٌ في الصّلاة، رغمًا عنه، يصمت حتّى تذهب الرّيح، ثمّ يعود لصلاته." (الرّمبام: أحكام الصّلاة 4، 11).
الاضطرار للضّراط:
غير أنّ أمور الإحداث هذه قد تخرج عن سيطرة المؤمن، إذ في بعض الأحيان، لا يستطيع المؤمن تمالك نفسه من الفساء والضّراط. وفي هذه الحال يضيف الرّمبام تلاوة خاصّة يجدر بالمؤمن أن يقولها، فيذكر بهذا السّياق: "إنْ طَلَبَ [اضْطُرَّ إلى] إخْراجَ ريحٍ من أسْفَل واغْتَمَّ كثيرًا ولا يَقْدرُ على تَمَالُكِ نَفْسه، يَخطو للوراء أربعةَ أذْرع، وينتظرُ حتّى تذهبَ الرّيح؛ ثمّ يقول: يا ربّ العالمين، خَلَقْتَنا ثُقُوبًا ثُقُوبًا، وَفراغًا فراغًا؛ جَلِيٌّ ومَعْلُومٌ لَدُنْكَ عَارُنَا وَشَنَارُنا، عَارٌ وشَنَارٌ في حَيَاتِنَا، دُودٌ وَقَتَعٌ في مَمَاتِنا. ثمّ يعود إلى مكانه، ويصلّي." (الرّمبام: أحكام الصّلاة 4، 12).
أمّا بخصوص الضّراط في النّوم،
فمثلما رأينا من قبل في المأثورات الإسلاميّة، من وجوب الوضوء لمن خلد إلى النّوم خشية إحداثه نائمًا، فسوةً أو ضرطةً، دون أن يشعر، فها نحن نعثر أيضًا على هذه الخشية من الإحداث في النّوم بالذّات لدى الشّارع في اليهوديّة، إذ يتمّ التّطرُّق لهذه المسألة في باب طقس "وضع التّفيلين"، (والـ"تّفيلين" هو عدّة خاصّة للطّقس الدّيني مصنوعة من الجلد، وهي قسمان؛ قسم يوضع على اليد وآخر على الرأس، وتُستخدم في الصّلاة)، حيث يُحْظَر الفساء أو الضّراط في هذا الطّقس. ولهذا السّبب أيضًا فقد حظرت اليهوديّة الخلود إلى النّوم مع "التّفيلين"، حتّى لو كانت هذه نَيْمُومَةً خفيفة، وذلك حذرَ أن يكون النّائم قد أحدثَ فسوةً أو ضرطةً بينما هو نائم، دون أن يدري. وكلّ هذا الحظر هو بسبب ما للإحداث من نجاسة للـ"تفيلين". وفي هذا السّياق يذكر الرّمبام: "[عدّة] التّفيلين تُوجبُ جَسَدًا نظيفًا كإليشع، فليحذرْ ألاّ تَخْرُجَ مِنْهُ ريحٌ من أسْفَل، طَالَمَا هي عليه." (الرّمبام: أحكام التّفيلين، فصل 4، 15). يستند الرّمبام في حكمه هذا بالطّبع على التلمود البابلي، المسمّى أيضًا الـ"چماراه": "قال الرّابي يناي: [عدّة] التّفيلين تُوجبُ جسدًا نظيفًا كإليشع... قال أبيي: ألاّ يُحْدِث [يفسو أو يضرط] فيها، قال [الرّابي] الكبير: ألاّ ينام مَعها." (التلمود البابلي، الورقة 49، 1).
وللضّراط أحكام ليس في الصّلاة فقط، بل يجدر الاحتشام بالضّراط على العموم. وهكذا فحتّى في حال الذّهاب لقضاء الحاجة، هنالك أحكام احتشام يجدر بتلاميذ التوراة أن يسيروا على هديها. وفي بعض الأحيان يُستخدم مصطلح آخر كناية عن الضّراط، حيث يُستخدم المصطلح "عطاس"، فعلى سبيل المثال نقرأ: "إذا ذهبَ [لقضاء الحاجة] خلْفَ جدار، يبتعد حتّى لا يستطيع صاحبُه سماعَه إذا ما عَطَسَ، وإذا ذهب [لقضاء الحاجة] في سَهْلٍ، يبتعد حتّى لا يستطيع صاحبُه رؤيةَ تشميره..." (الرّمبام: أحكام آراء، فصل 5، 6).
ضرطة تؤدّي إلى توبة صادقة:
كما يرد ذكر الضّراط أيضًا في روايات الـ"أغاداه" وهي مرويّات لا تُعدّ جزءًا من التّشريع، وإنّما هي نصوص تحتوي على قصص وأمثال تدور حول مواضيع وقضايا ومسائل مختلفة قد تُستَنتج من النّصوص التّوراتية. وهكذا نجد في الـ"أغاداه" قصّة إلعازار بن دوردايا الّذي اشتهر بخطاياه الكثيرة، فقد حُكي عنه أنّه لم يترك زانية واحدة في العالم لم يطرق بابها، وهكذا يُروى أنّه: "سمع مرّة عن وجود زانية في بلاد وراء البحار وكانت هذه تتقاضى صرّةً من الدّنانير على خدماتها. حمل صرّةً من دنانير وانطلق يطلبها، فقطع سبعة أنهر. وبينما كانت تُعدّ الفراشَ، ضَرَطَتْ، فقالت: مثلما أنّ هذه الضّرْطةَ لن تعودَ إلى مكانها، هكذا لَنْ تُقبَلَ تَوْبَةُ إلعازار بن دوردايا.
فانطلق وذهب وقعد بين الجبال والتّلال، ثمّ دعا وقال: "أيّتها الجبال والتّلال، اطلُبِي لي الرّحمة. قالت له: قبل أن نطلب لك الرّحمة، [أوْلَى بنا أنْ] نطلبَ الرّحمةَ لأنفسنا، إذ ذُكرَ: {فإنّ الجِبَالَ تَحُولُ والتِّلالَ تَزُولُ.} (أشعيا 54، 10). وهكذا، انتقل إلعازار بن دوردايا داعيًا طالبًا الرحمة من الأرض والسماء ثمّ الشمس والقمر والنّجوم، وكلّها تردّ عليه بنفس المقولة، بأنّ الأولى بها أن تطلب الرحمة لأنفسها قبل أن تطلبها له. فقال لنفسه: "ليس الأمر منوطًا إلاّ بي. ووضعَ رأسَه بين رُكْبَتَيهِ وأجْهشَ بالبكاء حتّى لفَظَ أنفاسَهُ. عندئذ جاء صوتٌ [من السّماء] يقول: رابي إلعازار بن دوردايا مدعُوّ إلى الحياة الآخرة." (التلمود البابلي: باب عبادة الأوثان، الورقة 17، 1).
لقد وردت هذه القصّة أيضًا في المشناة، وهي نصوص تشتمل على فرائض وأحكام توراتيّة كما وتشتمل على نصوص التّوراة التي انتقلت بالرواية الشّفهيّة حتّى تمّ تدوينها وتحريرها في القرن الثاني للميلاد. كما أنّ هذه القصّة تُروى في سياق التّوبة الصّادقة، وكون الفرد نفسه مسؤولاً عن أعماله، ولهذا تذكر الرّوايات أنّ الرّابي يهودا هاناسي، وهو مؤلّف المشناة، قد بكى وقال بشأنه: "هنالك من يفوز بآخرته بسنوات، وهنالك من يفوز بآخرته بساعة واحدة." (التلمود البابلي: باب عبادة الأوثان، الورقة 17، 1). بل وأكثر من ذلك، فقد أضاف مؤلّف المشناة: "ليسَ فقط أنّ التّائبين تُقبَل توبتهم، وإنّما يُكَنّون رابي". وقبل هذا لم يكن إلعازار بن دوردايا يدرس التّوراة ولم يكن يُكَنَّى رابي".
وهكذا، وعلى ما يبدو، فكلّ هذه "التّوبة الصّادقة"، الّتي كان ثوابُ صاحبها الفوزَ بالآخرة، لم تكن لتحصل لولا تلك الضّرطَة الّتي أحدثتها تلك الزانية التي قطع إلعازار بن دوردايا سبعة أنهر حاملاً معه صرّة دنانير بحثًا عنها.
***
أمّا في النصرانية
فقد وجدوا، على ما يبدو، حلاًّ فريدًا لإشكاليّات الضّراط في الكنائس والبيع والصوامع وسائر أماكن عباداتهم. لقد كانوا أكثر ذكاءً وحيلةً من اليهود والمسلمين في حلّ هذه المسألة العويصة، إذ أدخلوا البخور إلى هذه الأماكن. وهكذا احتالوا فغَلّبوا رائحةَ البخور على رائحة ضراط القساوسة والقمامصة والبطارقة والبابوات وسائر المؤمنين. أليس كذلك؟
خبر عاجل:
لقد اكتشف العلماء أخيرًا أنّ الدّروز أيضًا، من الجُهّال والعُقّال، يفسون ويضرطون أحيانًا وبسريّة تامّة. وذلك لما للإحداث من عواقب اجتماعيّة وخيمة قد تؤدّي إلى النّزوح عن البلد، كما رُوي عن أحد مُحْدِثِيهم. كما وتبيّن أيضًا من خلال بحوث مخبريّة أنّ فساءَهم وضُراطَهم لا يختلفان كثيرًا عن فساء وضراط اليهود والمسلمين والنّصارى في هذا المشرق الآسن، لأنّ تربتهم واحدة ومناخهم واحد وهواءهم واحد، فـ"كلّهم في الهوا سوا"، كما يقال. غير أنّ الخبراء بهذه العلوم الدّقيقة لم يعثروا بعد على نصوص لديهم تتطرّق إلى مسائل الضّراط، وأكّدوا على أنّهم سيواصلون البحث في هذا المضمار.
***
ولعلّ خير ما نختتم به
هذا المبحث الآن هو رواية عربيّة تتطرّق إلى ما جرى مع مُسيلمة لدى مواقعته لرفيقته سجاح. فقد دوّن لنا السّلف في هذا السّياق: "ولمّا وقعَ مُسيلمة على سجاح ضَرَطتْ، فقال: ما هذا؟ قالت: هذا من ثقل الوَحْي." (محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني: ج 1، 447).
***
وهكذا، وبعد أن وقفنا على قضايا الضّراط واختلاف أحكامه، طريفها ومتلدها، نختمُ أخيرًا بهذه الأبيات نقيضةً لأبيات ابن ساعدة، لنوصد بها هذا الباب. فليتفكّرْ في الأمر أُولو الألباب:
في الضّارِطينَ الأوَّلِيــ - ـنَ، مِنَ اليَهُودِ، لَنَا مَنَابِرْ
لَمَّا رَأَيْتُ مَآثِرًا - لِلضَّرْطِ، كَيْفَ لَهَا مَصَادِرْ
وَرَأَيْتُ قَوْمِي نَحْوَهَا - يَسْعَى الأَصَاغِرُ وَالأَكَابِرْ
أَيْقَنْتُ أَنِّي، لا مَحَا - لَةَ، حَيْثُ صَارَ العَقْلُ صَائِرْ
والعقل وليّ التّوفيق.
** عن الأوان